صوت من البعيد «8»: الشعر والتاريخ في ديوان «صقر عماني»
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
يحيلنا ديوان (صقر عماني) للشاعر الإماراتي سالم أبو جمهور الصادر عام 2024م عن دار نبطي للنشر على التاريخ في مختلف نصوصه الشعرية، ويعود بنا إلى القضايا العمانية التاريخية، والشخصيات المهمة التي اكتسبت أهمية في الذاكرة العمانية، كما يتطرق إلى الأمكنة العمانية التي تناولت جانبًا مهمًّا من تاريخ عمان واستلهمت الأحداث والقضايا عبر فترات مهمة من التاريخ العماني واستعادة ذلك التاريخ شعرًا عبر قصائد شعرية قصيرة في أغلبها.
وهنا وقبل أن ندخل في قراءة قصائد الديوان يمكن أن نسأل إلى أي حد يتقاطع الشعر مع غيره من المؤثرات الخارجية لتشكيل مرجعية يستند إليها الشاعر في بناء نصه الشعري؟ وهل التقاطع هنا يؤثر على لغة الشعر وفنياته أو يقدّم التاريخ كصورة واقعية للنص من الخارج فقط؟
يمكننا قراءة ديوان (صقر عماني) من زاويتين اثنتين: الأولى مناقشة جوانب التاريخ العماني في النص الشعري وهي كثيرة ولافتة للنظر. والثانية: يمكن الانطلاق من اشتغالات اللغة وفنيات الكلمة التي تتشكّل متقاطعة مع دلالات التاريخ.
يُعبّر الديوان الذي بين يدينا عن اهتمام المؤلف بالتاريخ العماني خصوصًا، وإلمامه بقضاياه المختلفة، ودرايته بالأحداث والشخصيات وهذا واضح من استحضار التاريخ في فتراته المختلفة وأحداثه المتنوعة. يقوم الديوان على 20 قصيدة شعرية تضمنت فكرتها تناول القضايا التاريخية العمانية في قصائد الديوان، فجاء التاريخ مُشكّلًا مرجعية مهمة ينطلق منها الشاعر في التأسيس لبناء النصوص، وقد تنوع حضور التاريخ من قصيدة لأخرى فمنها التي تتناول شخصيات من التاريخ العماني كقصائد: (ناصر بن مرشد، وآمال السلطان: سعيد بن سلطان البوسعيدي)، ومنها التي تتناول تاريخية بعض المدن العمانية وطبيعتها والأحداث المهمة التي جرت بها كنصوص: (جنان، وصحار، ونزوى الحبيبة، وصلالة، وكمزار، وذكريات)، ومنها التي تناولت جوانب تاريخية مختلفة وقضايا عمانية وتراث أهل عمان مثل نصوص: (حلوى، وحديث الأفلاج، وتراث، والشمس، وذكريات، والبحر الأخضر).
إنّ المتأمل في الديوان يجد أن التاريخ مادة يرجع إليها الشاعر بدقة لبناء نصوصه الشعرية، إذ تتشكّل المادة الشعرية من استحضار التاريخ المكاني بالخصوص، متوزعًا بين إفريقيا، حيث كان العمانيون يبنون حضارتهم التاريخية وبين الجانب العماني في عمان ذاتها كدولة امتدّ تاريخها لقرون، لقد شكّل التاريخ هنا انطلاقة مهمة للشاعر فنجده يكرر لفظ «اليعربي» أو «البوسعيدي» في إحالة على تاريخ الدولتين، أو بالإشارة إلى ذكر زراعة شجرة المانجو في عمان وهي تحيل على تاريخ الدولة النبهانية وملوكها الذين جلبوا الشجرة من الهند إلى عمان.
يفتتح الشاعر ديوانه بقصيدة عن الإمام ناصر بن مرشد الذي أخذ النص من اسمه عتبة ينطلق منها إلى سبر أغوار الشخصية التي حاربت البرتغاليين، فنجده يمنح شخصية ناصر بن مرشد هالة نورانية من الصفات المستمدة من كتب التاريخ، لعل أهمها: (التدين والتقوى ومحاربة البرتغاليين):
أيا «ناصرًا» نَلْقَاكَ فِينَا وَمُرْشِدًا
إمامًا تَمُدُّ النُّورَ وَالرّشْدَ وَالنَّصْرَا
تَمَثَّلْتَ مَا بَينَ الأَسنَّةِ وَالوَغَى
على سُنَّةٍ فِيهَا التَّقَى يَدْمَغ الكُفْرَا
لَكَ النُّوْقُ وَالفُلْكُ الجَوارِي نَصِيرَةٌ
أَخَذْتَ بها الأبعاد والبر والبحرا
فَلَمْ تَفْتقد منك المحاريب قانتًا
ولا الحرب جافتْ صارمًا يقهر القهرا
فَتَى يَعْرُبيًا خَلْفَهُ الأَرضُ كَبَّرَتْ
ليصنع من نار الجهاد لها فجرًا
فَكَانَ لَهُ النصرُ المُبِينُ مُقَدَّرًا
على مدد الرحمن قد أدرك اليُسرا
مضى البرتغَالِيُّونَ يَطْوُوْنَ شَرَّهُم
بأشرعة مهزومة تتبع الخسرا
وَأَضْحَتْ عُمَانُ المجدِ فِي ظِلّ نُورِها
تُرَتَلُ آيات بها تُعْلِنُ الشُكْرَا
على مَدَدِ الرَّحْمَنِ خَلْفَ إِمامِها
إمام حَبَاهُ اللهُ تَقْوَاهُ وَالنَّصْرَا
أَضَاءَ بِهِ الظُّلْمَاءَ رَأْيًا وَحِكْمَةً
وسيفًا عَلَى لَيْلِ الطَّغاةِ بِهِ أَسْرَى
فَتَى يَحْمِلُ التَّقْوَى بِقَلْب وَهِمة
رأى هذه الدنيا على كفه صفرا
وفي قصيدة (آمال السلطان: سعيد بن سلطان البوسعيدي) يجري الخطاب على لسان السيد سعيد بن سلطان مبينًا على لسانه الحب العظيم لسلطنته، مستعرضًا تاريخها الطويل الممتد من النباهنة إلى اليعاربة وصولًا إلى دولة البوسعيد، ويظهر الحب في القصيدة على لسان السلطان حاملًا العاطفة الشديدة لبلاده ومستعرضًا الازدهار التي وصلت إليه المملكة سواء في زنجبار أو في عمان، يقول الشاعر عن هذا التاريخ على لسان السلطان:
لا تَعْجَبِي لَوْ زِنْجِبَارُ تَحَوَّلَتْ
لِعُمَانَ عَاصِمَةً، فَلِي آمالي
عِشْرُونَ عَاصِمةً أَرَاهَا لا تَفِي
لِعُمَانَ أَيَّ مَكَانَةٍ وَجَلالِ
مُنْذُ النباهِنَةِ الكِرامِ وَمُنذُ أَنْ
نَهَضَتْ يَعَارَبَةٌ بِكُلِّ نَصَال
فالمجدُ بَعْدَ المَجدِ يَحْيا ماجدًا
مُتَجَدِّدًَا لَا يَنْثَنِي لِمُحَالِ
فَتَرَفّقِي بالقلب يا رُوحَ الهَوَى
فالحُبُّ أَعْلَى مِنْ طُمُوحٍ خَيالي
الْحُبُّ يَدْعُونِي لِكُلِّ عَظِيمَةٍ
لعُمان فوق تصوري ومنالي
لَوْ أَبْلُغُ القَمَرَ الْجَمِيلَ جَعَلْتُهُ
لعمان عاصمة بغير هلال
وَجَعَلْتُ مِنْ بَعْضِ النُّجُومِ عَواصِمًا
النَّخْلُ فِيهَا مُشْرِقٌ بِجَمَالِ
أحتاجُ أَزْمِنَةً تُوازِي هِمَّتِي
إِنْ آنَ نَحْوَ الشَّمْسِ أَيُّ مَجَالِ
يحضر التاريخ إذن في الديوان كونه مرجعية مهمة يعود إليها الشاعر مستمدًا فكرته منها، ومعبّرًا عن تاريخية المكان وأحداثه، ثم إن الشاعر لا يقتصر في ديوانه على الشخصيات التاريخية وأحداثها، فنجده يتوسع باستحضار المدن العمانية المهمة كصحار التي تمثل البوابة الأولى في الدخول إلى الإسلام، إضافة إلى موقعها الذي كان بوابة يستقر إليها الرحالة والمسافرون:
يَغْفُو خَلِيجُ عُمَانَ فِي أَحْلامِها
في يَقْظةٍ لَوْ بَادَلَتْهُ نَهَارًا
تُمْسِي وَتُضحِي قِبْلَةً مَأْمُولَةً
للقادمين هِدَايَةً وَمَنَارًا
حَفِظَتْ رَبَابنَةُ البِحارِ مَقَامَها
عَبْرَ الزَّمانِ مَحبَّة وَوَقارا
السِنْدَبَادِيونَ كَانُوا قَوْمَهَا
لا سِنْدَبَادًا وَاحِدًا مِغْوَارًا
لا ألفُ لَيلِ شَهْرَزَادِي يَفِي
عَنْ سَرْدِهَا لَوْ جَاوَزَ المليارا
تبقى صحار على المحيط أميرة
وتراه بين حليها إسوارا
أُخْتُ الْأَئِمَةِ وَالسَّلاطِين التي
نهَضَتْ بِها فَوقَ العُلا أطوارا
وكفى بها الإسلامُ عِنْدَ شُرُوقِهِ
أَرْضَتْ بِهِ الرَّحْمَنَ وَالمُخْتَارا
نَالَتْ ثَنَاءَ نَبِيِّنَا وَتَشَرَفَتْ
وَرَعَتْ مَوَاثِيقاً لَهُ وَذِمارا
فترسّخ المجد العظيم بأهلها
وتوارثوه مشاعلًا وفخارا
كذلك الأمر في قصائد مثل (نزوى الحبيبة) التي يتحدث فيها عن أمجاد الولاية العريقة التي جمعت العلم والعلماء والمجد والتاريخ، وقصيدة (صلالة) التي يتناول فيها جمال الطبيعة مقترنا بتاريخية اللبان وارتباط الحضارات القديمة باللبان العماني، كذلك قصيدة (كمزار) القرية الواقعة في مسندم متناولا فيها اللغة العريقة التي يتحدث بها أهلها منذ القدم. لعل قارئ هذا الديوان سيدرك أن ثقافة الشاعر واسعة في التاريخ العماني، وبارزة في المكان والأحداث وعادات المجتمع وثقافته، ذلك على مستوى الموضوع، أما على الجانب الآخر الذي ينبغي الوقوف عليه في قراءة الديوان فهو اشتغال اللغة؛ فقد عمد الشاعر إلى استخدام اللغة المباشرة في التعبير والمعاني الواضحة، وهنا نجد أننا أمام شاعر عمد إلى الاتكاء على المضمون أكثر من اعتماده على الإيحاءات والأخيلة، وهنا تظهر حاجة الشاعر في إيصال كلمته ورسالته في الشعر، إذ لا يُحمّل الشاعر القصيدة أكثر من القول المنطوق المعبّر المفهوم فكان أن جاءت دلالات الديوان تحمل طابع المباشرة في لغتها والاعتماد على الأساليب البليغة. لقد سقط الشاعر في فخ المباشرة في غير موضع من الديوان، فنجد في قصيدة (حلوى) على سبيل المثال بروز اللغة البسيطة المباشرة، والتي تبتعد في جمالياتها عن لغة الشعر وابتكاراته إذ يقول:
حَلْوَاكَ يَا عِيدُ ما كَانَتْ وما خُلِقَتْ
لَوْ لَمْ تَكُنْ بَينَنا يَوْمًا عُمَانِيَّةٌ
كأَنَّهَا مِنْ عَقِيقِ خَالَطَتْ ذَهَبًا
عَلَى عُسُولٍ خَلاياها سَماوِيَّةٌ
تَعْلُو مَذَاقًا لَذِيذًا طَيَّبًا عَبِقًا
خرافةٌ لَمْ تَكُنْ يَومًا خُرافية
تَرَاحَمَتْ حَلْوَيَاتُ العَصْرِ وَانْتَشَرَتْ
وَ لَمْ تَزَلْ دُونَ حَلْوَانَا العُمَانِيَّةُ
هكذا قدّم الشاعر سالم أبو جمهور ديوانًا اشتغل فيه على الجانب التاريخي، الذي أعطاه اهتمامًا كبيرًا في التوظيف داخل النص، مقدّمًا مرجعية تاريخية مهمة في بناء النص والتركيز عليه والتغني بالأمجاد السالفة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التاریخ العمانی الشاعر فی
إقرأ أيضاً:
العيد مناسبة يحتفي بها الشعراء في كل زمان ومكان
شكلت المناسبات الإسلامية مادة خصبة للشعراء منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، وتفاوت أحاسيسهم بها قوة وضعفُا، عبادة وعادة، وأخذ هذا الاهتمام مظاهر عديدة، ومن هذه المناسبات، مناسبة العيد، هذه المناسبة التي تتكرر كل عام مع اختلاف الظروف والأحداث التي قد تمر بالشاعر خاصة أو تمر بالأمة الإسلامية عامة، ويعتبر مفهوم “العيد” أحد العناصر المؤثرة في تشكيل شعر أغلب قصائد شعراء العربية، وبخاصة في شعر المناسبات والتهنئة، حيث ارتبط العيد بمظاهر البهجة والسرور، والفرحة والحبور، وأشكال التضامن الاجتماعي، وكان توظيف هذه المعاني التي يشتمل عليها “العيد” بمظاهره الجميلة.
وقد تفاعل الشعراء خلال القرون السابقة وحتى عصرنا الحاضر مع الأعياد تفاعلاُ قويًا ظهر في أغراض شعرية منوعة نرصد منها:
تحري رؤية الهلال
يستبشر المسلمون بقدوم العيد ويتحرون رؤية هلال العيد ويستبشرون به وقد قال الشاعر ابن الرومي في ذلك:
ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله
تجلَّى هـلالُ العيـدِ من جانبِ الغربِ
كحاجـبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه
يشيرُ لنا بالرمـز للأكْـلِ والشُّـرْبِ
وأما الشاعر ابن المعتز فيقول عن عيد الفطر:
أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أضاء هـلالُـه
فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ
وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ
قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ من عَنْبَـرِ
ويقول الشاعر يحيى توفيق في قصيدته «ليلة العيد»، حيث يرى في العيد مصدرا للبشر والفرح والسعادة، حيث يقول فيها:
بشائر العيد تترى جمة الصور
وطابع البشر يكسوا أوجه البشر
وموكب العيد يدنو صاخباً طرباً
في عين وامقة أو قلب منتظر
حقيقة معنى العيد
الكثير من المسلمين يغفلون عن المعنى الحقيقي للعيد فيظنوه في لبس الجديد واللهو واللعب فقط، وإن كان ذلك من سمات العيد ولكن هناك أمورًا أخرى ينبه إليها أبو إسحاق الألبيري حول حقيقة معنى العيد يقول الأبيات التالية:
ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك
لا أن تجرَّ به مستكبراً حللك
كم من جديد ثيابٍ دينه خلق
تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك
ومن مرقع الأطمار ذي ورع
بكت عليه السماء والأرض حين هلك
وهو قول ينم عن عمق معرفة بحقيقة العيد، وكونه طاعة لله وليس مدعاة للغرور والتكبر.
تهاني الشعراء للملوك
ويلاحظ المتتبع لموضوع العيد في الأدب العربي أن المدائح بمناسبة العيد قد شغلت حيزاً كبيراً من أشعار العيد، وأن بعضها يعتبر من غرر الشعر العربي. ومن هذه القصائد رائية البحتري التي يهنئ بها الخليفة العباسي (المتوكل) بصومه وعيده ويصف فيها خروجه للصلاة:
بالبر صمت وأنت أفضل صائم
وبسنة الله الرضية تفطر
فانعم بعيد الفطر عيداً إنه
يوم أغر من الزمان مشهر
فيما قال المتنبي مهنئًا سيف الدولة عند انتهاء شهر رمضان:
الصَّوْمُ والفِطْرُ والأعيادُ والعُصُر
منيرةٌ بكَ حتى الشمسُ والقمرُ
ويهنئه بالعيد فيقول:
هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده
وعيد لكل من ضحى وعيدا
ولازالت الأعياد لبسك بعده
تسلم مخروقاً وتعطي مجددا
فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى
كما كنت فيهم أوحداً كان أوحدا
هو الجد حتى تفضل العين أختها
وحتى يكون اليوم لليوم سيدا
الشكوى والمنغصات
لا يخلو العيد في كثير من الأحيان من منغصات قد يتعرض لها الشاعر خاصة في نفسه أو أهله وقد عبر عن ذلك كثير من الشعراء في قصائد خلدها التاريخ، يكاد من يقرأها يشارك الشاعر معاناته ويلامس صوره وأحاسيسه، ولعل أشهر ما قيل في ذلك دالية المتنبي في وصف حاله بمصر والتي يقول في مطلعها:
عيـدٌ بأيّـةِ حـالٍ جِئْـتَ يا عيـدُ
بما مضـى أم بأمْـرٍ فيكَ تجديـدُ
أمّـا الأحِبـة فالبيـداءُ دونَـهــم
فليـت دونـك بيـداً دونهـم بيـدُ
وما شكوى الشاعر المعتمدُ بن عباد بعد زوال ملكه، وحبسه في (أغمات) بخافية على أي متصفح لكتب الأدب العربي، حين قال وهو يرى بناته جائعات حافيات في يوم العيد:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
وكان عيدك باللّذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ
فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعةً
في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا
معاشهنّ بعيد العــزّ ممتهنٌ
يغـزلن للناس لا يملكن قطميرا
أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه
ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا
وكنت تحسب أن الفطر مُبتَهَـجٌ
فعاد فطرك للأكبــاد تفطيرا
وقال الشاعر الأمير “أبو فراس الحمداني” وهو أسير ببلاد الروم وقد أتى عليه العيد:
يا عيد ما جئت بمحبوب
على معنى القلب مكروب
يا عيد قد عدت على ناظر
عن كل حسن فيك محجوب
يا وحشة الدار التي ربها
أصبح في أثواب مربوب
قد طلع العيد على أهلها
بوجه لا حسن ولا طيب
ما لي وللدهر وأحداثه
لقد رماني بالأعاجيب
ويبث الشاعر العراقي السيد مصطفى جمال الدين شكوى أيام صباه الأولي في قصيدة رائعة قال فيها:
العيدُ أقبلَ تُسْعِـدُ الأطفـالَ ما حملتْ يـداه
لُعَباً وأثوابـاً وأنغامـاً تَضِـجُّ بهــا الشِّفاه
وفتاكَ يبحثُ بينَ أسرابِ الطفولةِ عن (نِداه)
فيعـودُ في أهدابه دَمْعٌ، وفي شفتيـه (آه)
ويقول في قصيدة أخرى:
هـذا هـو العيـدُ أيـنَ الأهـلُ والفـرحُ
ضاقـتْ بهِ النَّفْسُ، أم أوْدَتْ به القُرَحُ؟!
وأيـنَ أحبابُنـا ضـاعـتْ مـلامحُـهـم
مَـنْ في البلاد بقي منهم، ومن نزحوا؟!
حال الأمة
لم تعرف الأمة في عهودها السابقة حالة الاستضعاف التي شهدتها في عصرنا الحاضر، لذلك كثر وصف الشعراء لمآسي الأمة وأحزانها خصوصًا كلما عاد العيد ومن ذلك قول الشاعر عمر بهاء الدين الأميري:
يمـرُّ علينا العيـدُ مُـرَّا مضرَّجـاً
بأكبادنا والقدسُ في الأسْـرِ تصـرخُ
عسى أنْ يعـودَ العيـدُ باللهِ عـزّةً
ونَصْـراً، ويُمْحى العارُ عنّا ويُنْسَـخُ
فيما يشكو الشاعر عمر أبو الريشة:
يا عيـدُ ما افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ يا عيد
فكيـف تلقاكَ بالبِشْـرِ الزغـاريـدُ؟
يا عيدُ كم في روابي القدسِ من كَبِدٍ
لها على الرَّفْـرَفِ العُلْـوِيِّ تَعْييــدُ؟
سينجلـي لَيْلُنا عـن فَجْـرِ مُعْتَرَكٍ
ونحـنُ في فمـه المشْبوبِ تَغْريـدُ
أما الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي فيقول في قصيدته (عندما يحزن العيد) راثياً حال الأمة الإسلامية بما يشاهده من معاناتها:
أقبلت يا عيد والأحزان نائمـة
على فراشي وطرف الشوق سهران
من أين نفرح يا عيد الجراح وفي
قلوبنا من صنوف الهمِّ ألـــوان؟
من أين نفرح والأحداث عاصفة
وللدُّمى مـقـل ترنـو وآذان؟
العيد والقضية الفلسطينية
ثم ينتقل العشماوي إلى الجرح الذي لم يندمل، والذي يؤرق الأمة الإسلامية ألا وهو جراحات مقدساتها العظيمة التي سلبها عدوّها لما نام عنها راعيها من المسلمين فقال:
من أين والمسجد الأقصى محطمة
آمالـه وفؤاد القـدس ولهـا؟
من أين نفرح يا عيد الجراح وفي
دروبنا جدر قامـت وكثبـان؟
وتتفاعل الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان مع أخواتها اللاجئات الفلسطينيات بين الخيام لتصور مأساتهن وما يعانينه من آلام التشرد واللجوء في يوم العيد فتقول:
أختاه، هذا العيد رفَّ سناه في روح الوجودْ
وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيدْ
وأراك ما بين الخيام قبعتِ تمثالاً شقيًّا
متهالكاً يطوي وراء جموده ألماً عتيًّا
يرنو إلى اللاشيء.. منسرحاً مع الأفق البعيدْ
أختاه، مالك إن نظرت إلى جموع العابرينْ
ولمحت أسراب الصبايا من بنات المترفينْ
من كل راقصة الخطى كادت بنشوتها تطيرُ
العيد يضحك في محيّاها ويلتمع السرورُ
أطرقتِ واجمة كأنك صورة الألم الدفينْ؟