جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-25@05:16:59 GMT

صفو الوداد

تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT

صفو الوداد

 

سعيد بن حميد الهطالي

saidalhatali75@gmail.com

 

يقول الإمام الشافعي رحمه الله:

"إذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً

فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا"

 

في عالم مُتغير تطغى عليه الماديات، وتُسيطر فيه المصالح على العلاقات الشخصية، تبدو قيم الوداد الصافي في مدى ندرتها وأهميتها في حياتنا اليومية كالبذرة التي يُمكن أن تنمو في كل علاقة إنسانية إذا ما أعطيت البيئة المُناسبة للنمو، هي كنجم هادٍ في سماء مُلبدة بالغيوم، أو كشمعة مُضيئة في ليلٍ دامس، أو كشعلة منيرة في دروب مظلمة، أو كملاذ للقيم الإنسانية الأصيلة، أو كملجأ آمن للفضائل، أو كواحة خضراء منفردة في صحراء العلاقات الإنسانية، أو كزهرة متفتحة في حقل من الأشواك، أو كوردة عطرية في بستان جاف، أو بين أرواق خريفية.

إنَّ البيت الشعري للإمام الشافعي- رحمه الله- يعكس تأملًا عميقًا، وتجربة حياتية غنية في طبيعة بناء العلاقات الإنسانية الحقيقية الصافية التي ينبغي أن تتجرد من الغايات الكدرة، والعواطف المُزيفة، والمصالح المادية المُجردة، وتكون مبنية على طبيعة عواطف صافية نقية تلقائية غير مُتكلفة ولا مصطنعة، ولا مُزيفة، نابعة من أحاسيس صادقة ندية تتدفق بسلاسة وشفافية، كالماء الزلال، تروي النفس، وتُغذي القلب، وترتبط بذلك الشعور العميق المُتصل بالروح.

إنَّ الوداد الصادق لا يحتاج إلى قناع فهو يظهر في العيون قبل الكلمات، ويُعّبر عن نفسه في الأفعال البسيطة واليومية، يقول أحد الشعراء:

 " بالفعل لا بالقول تعرف ودهم // والفعل يكشف مضمر الأعماق".

الودُّ الصادق هو ذلك الرابط الذي يتشكل دون جهد، ويبني جسورًا من التفاهم والمودة دون الحاجة إلى تصريحات وتبريرات، ينمو ببطء لكنه أكثر صلابة، ومتانة، واستدامة، فعندما يكون الوداد نابعًا من أعماق القلب فإنِّه يحمل أعباء الحياة، ويخلق مناخًا من الثقة والأمان، يصمد أمام تقلبات الزمان، لأنه قائم على أساس من الصدق والإخلاص الذي لا يتأثر بعواصف الأيام، أما الوداد المتكلف فهو هش وزائل، لا يلبث أن ينهار عند أول اختبار حقيقي، لأنَّ جذوره غير متأصلة في أعماق النفس.

لذا، فإنَّ البحث عن الصفاء الطبيعي في العلاقات الإنسانية هو السبيل إلى السعادة الحقيقية والطمأنينة الدائمة، هذه العلاقات التي تزدهر بعيدًا عن التصنع والتكلف تكون ملاذًا آمنًا للأرواح، حيث يمكَن للأشخاص أن يكونوا على طبيعتهم وسجيتهم، يتشاركون الأفراح والأحزان بصدق وعفوية، في بيئة تنمو فيها الثقة وتزدهر المحبة، ويصبح كل لقاء بين القلوب الصافية والنوايا الطيبة فرصة لتبادل النقاء الداخلي دون خشية من غدر أو خداع أو خيانة.

إنَّ صفو الوداد في العلاقات الطبيعية يتيح لنا أن نعيش حياة أكثر إتزانًا وسلامًا مع الآخر، لأنها تعفينا من التصدي لضغوط التظاهر والتصنع الذي نلمسه من بعض النفوس المريضة التي لا تستطيع أن تعيش إلا في البيئة الملوثة المليئة بالسموم العاطفية والسلبية التي لا تتغذى إلا على الخلافات والعداوات والفتن، ولا تتعايش إلا مع الكذب والزيف والغدر كأنهن جزء من وجودها، تعيش في دوامة من السلبية والتوتر، ولا تجد سعادتها إلا في التشويش على السلام والهدوء في البيئات الإيجابية والمنعشة.

كثير ما ننخدع في علاقاتنا بالأشخاص الذين يخيبون توقعاتنا وأمانينا،هذا الخداع الذي ينجم عن رغبتنا في رؤية الأفضل فيهم، نتمنى أن يكون الآخرون كما نريدهم أن يكونوا، مما يجعلنا نتجاهل الإشارات التحذيرية والسلوكيات المريبة بحكم ما يملكه الشخص المُخادع من مهارات عالية في التمثيل والتصنع، وتغيير الأقنعة ويظهر ما ليس فيه مما يجعل من الصعب علينا التمييز بين الصدق والزيف.. لكن بمرور الوقت ومع التجارب المتعددة يصبح لدينا حس داخلي أقوى وقدرة أكبر على التمييز الحقيقي والمزيف، نتعلم أن ننظر إلى أبعد من المظاهر، ونفهم أنَّ الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات، ويبقى الإنسان الحكيم هو من يستفيد من هذه التجارب ليصبح أكثر حذرًا في علاقاته، وأقل عرضة للخداع.

" فلا خير في ودٍ يجيء تكلفًا"، فهو ود يعاني من الهشاشة والضعف في علاقته غير المستقرة، التي تحكمها المصالح، وتحركها الأهواء، لا يصمد أمام اختبارات الزمن، لأن علاقته مبنية على التكلف تشبه البناء على الرمال، سرعان ما تنهار عند أول عاصفة أو كجدار هش يتداعى عند أول لمسة، أو كفقاعة صابون تنفجر عند أول تماس، أو كبيتٍ على حافة هاوية يسقط عند أول اهتزاز.

ليختتم الإمام الشافعي- رحمه الله- قصيدته العصماء بالبيت الشعري القائل:

"سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها

صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفًا"

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من هو كمال عدوان الذي سُمي مستشفى غزة باسمه؟

يتعرض مستشفى كمال عدوان منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي اعتداءه على قطاع غزة، لقصف عنيف وكثيف وغير مسبوق، وكان آخر قصف للاحتلال أمس عندما شن الاحتلال غارات عنيفة وتسبب في سقوط الكثير من الشهداء والجرحى، فمن هو كمال عدوان الذي سُمي مستشفى غزة باسمه، بحسبما ذكرت شبكة «سكاي نيوز» البريطانية 

من هو كمال عدوان الذي سُمي مستشفى غزة باسمه؟

وفي التقرير التالي نكشف مَن هو كمال عدوان الذي سُمي مستشفى غزة باسمه، وأيضًا لماذا سُمي المستشفى الذي يخدم جزءا كبيرا من سكان القطاع باسمه؟

يحمل مستشفى كمال عدوان في شمال غزة هذا الاسم تخليدًا لذكرى الشهيد كمال عدوان، أحد قادة منظمة التحرير الفلسطينية البارزين، الذي استشهد عام 1973 وهو من أبناء المحافظة.

وُلد كمال عدوان، القيادي البارز في حركة فتح وعضو لجنتها المركزية، في قرية بربرة قرب عسقلان عام 1935، وعاشت عائلته النكبة عام 1948، ما أدى إلى انتقالها إلى قطاع غزة، وفقاً لما وثقته مؤسسة «خليل الوزير».

ويُشير مركز الناطور للدراسات والأبحاث الفلسطيني إلى أن والد كمال عدوان، وهو مقاول من وجهاء بربرة، هاجر مع عائلته إلى قطاع غزة إثر نكبة عام 1948، ومكثت العائلة في رفح لمدة ستة أشهر قبل الاستقرار في غزة، حيث توفي والد كمال عام 1952.

وبدأ كمال عدوان مسيرته التعليمية في مدرسة بربرة الابتدائية، بعد انتقال عائلته إلى غزة، التحق بمدرسة الرمال الإعدادية التابعة لوكالة الأونروا، ثم بمدرسة الإمام الشافعي الثانوية، وفي عام 1954، واصل تعليمه العالي في جامعة القاهرة، حيث درس الهندسة، تخصص بترول ومعادن.

وبعد مغادرته غزة عام 1955، سافر عدوان إلى مصر ثم إلى قطر، حيث عمل مدرسًا لمدة عام، وانتقل بعدها إلى السعودية عام 1958، ليعمل مهندسًا متدربًا في أرامكو بالدمام.

كمال عدوان لعب دورًا في تأسيس حركة فتح

ولعب كمال دورًا رائدًا في تأسيس حركة فتح، وشارك في المجلس الوطني الفلسطيني منذ دورته الأولى في القدس عام 1964، واستقال من عمله في قطر عام 1968 ليتفرغ للعمل في حركة فتح مسؤولًا عن الإعلام، مُقيمًا مقره في عمان، حيث أسس جهازًا إعلاميًا متطورًا.

وبعد أحداث أيلول الأسود، انتقل كمال عدوان إلى دمشق وبيروت حيث أعاد بناء جهاز إعلام حركة فتح، شارك في تأسيس وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا»، وانتخب عضوًا في اللجنة المركزية لحركة فتح عام 1971، مُكلفًا بمسؤولية قطاع الأرض المحتلة (القطاع الغربي).

ويُصف مركز الدراسات والأبحاث الفلسطيني كمال عدوان بأنه مناضل كبير وواعٍ، استشهد عام 1973 في شقته بشارع فردان ببيروت، حيث قاوم مهاجميه حتى النهاية، مُصيبًا وقتلًا عدداً منهم قبل استشهاده.

مقالات مشابهة

  • رئيس الوداد المغربي يوضح حقيقة ضم ثنائي الأهلي
  • رئيس الوداد المغربي ينفي إرسال عرض رسمي لضم ثنائي الأهلي
  • الوداد يطلب ود مهاجم الزمالك
  • الوداد المغربي يرغب في استعارة ثنائي الأهلي
  • مفاجأة.. الوداد يطلب استعارة رضا سليم وبيرسي تاو من الأهلى
  • الوداد المغربي يطلب ثنائي الأهلي
  • من هو كمال عدوان الذي سُمي مستشفى غزة باسمه؟
  • علامات تدل على ازدهار العلاقات الإنسانية والزوجية.. طبيبة نفسية توضح
  • متى تلامس النكبة «العربية» ضمير الإنسانية؟!
  • مسؤل صيني : مصر من أوائل الدول التي دعمت مبادرة الحزام والطريق