جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-07@01:41:52 GMT

صفو الوداد

تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT

صفو الوداد

 

سعيد بن حميد الهطالي

saidalhatali75@gmail.com

 

يقول الإمام الشافعي رحمه الله:

"إذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً

فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا"

 

في عالم مُتغير تطغى عليه الماديات، وتُسيطر فيه المصالح على العلاقات الشخصية، تبدو قيم الوداد الصافي في مدى ندرتها وأهميتها في حياتنا اليومية كالبذرة التي يُمكن أن تنمو في كل علاقة إنسانية إذا ما أعطيت البيئة المُناسبة للنمو، هي كنجم هادٍ في سماء مُلبدة بالغيوم، أو كشمعة مُضيئة في ليلٍ دامس، أو كشعلة منيرة في دروب مظلمة، أو كملاذ للقيم الإنسانية الأصيلة، أو كملجأ آمن للفضائل، أو كواحة خضراء منفردة في صحراء العلاقات الإنسانية، أو كزهرة متفتحة في حقل من الأشواك، أو كوردة عطرية في بستان جاف، أو بين أرواق خريفية.

إنَّ البيت الشعري للإمام الشافعي- رحمه الله- يعكس تأملًا عميقًا، وتجربة حياتية غنية في طبيعة بناء العلاقات الإنسانية الحقيقية الصافية التي ينبغي أن تتجرد من الغايات الكدرة، والعواطف المُزيفة، والمصالح المادية المُجردة، وتكون مبنية على طبيعة عواطف صافية نقية تلقائية غير مُتكلفة ولا مصطنعة، ولا مُزيفة، نابعة من أحاسيس صادقة ندية تتدفق بسلاسة وشفافية، كالماء الزلال، تروي النفس، وتُغذي القلب، وترتبط بذلك الشعور العميق المُتصل بالروح.

إنَّ الوداد الصادق لا يحتاج إلى قناع فهو يظهر في العيون قبل الكلمات، ويُعّبر عن نفسه في الأفعال البسيطة واليومية، يقول أحد الشعراء:

 " بالفعل لا بالقول تعرف ودهم // والفعل يكشف مضمر الأعماق".

الودُّ الصادق هو ذلك الرابط الذي يتشكل دون جهد، ويبني جسورًا من التفاهم والمودة دون الحاجة إلى تصريحات وتبريرات، ينمو ببطء لكنه أكثر صلابة، ومتانة، واستدامة، فعندما يكون الوداد نابعًا من أعماق القلب فإنِّه يحمل أعباء الحياة، ويخلق مناخًا من الثقة والأمان، يصمد أمام تقلبات الزمان، لأنه قائم على أساس من الصدق والإخلاص الذي لا يتأثر بعواصف الأيام، أما الوداد المتكلف فهو هش وزائل، لا يلبث أن ينهار عند أول اختبار حقيقي، لأنَّ جذوره غير متأصلة في أعماق النفس.

لذا، فإنَّ البحث عن الصفاء الطبيعي في العلاقات الإنسانية هو السبيل إلى السعادة الحقيقية والطمأنينة الدائمة، هذه العلاقات التي تزدهر بعيدًا عن التصنع والتكلف تكون ملاذًا آمنًا للأرواح، حيث يمكَن للأشخاص أن يكونوا على طبيعتهم وسجيتهم، يتشاركون الأفراح والأحزان بصدق وعفوية، في بيئة تنمو فيها الثقة وتزدهر المحبة، ويصبح كل لقاء بين القلوب الصافية والنوايا الطيبة فرصة لتبادل النقاء الداخلي دون خشية من غدر أو خداع أو خيانة.

إنَّ صفو الوداد في العلاقات الطبيعية يتيح لنا أن نعيش حياة أكثر إتزانًا وسلامًا مع الآخر، لأنها تعفينا من التصدي لضغوط التظاهر والتصنع الذي نلمسه من بعض النفوس المريضة التي لا تستطيع أن تعيش إلا في البيئة الملوثة المليئة بالسموم العاطفية والسلبية التي لا تتغذى إلا على الخلافات والعداوات والفتن، ولا تتعايش إلا مع الكذب والزيف والغدر كأنهن جزء من وجودها، تعيش في دوامة من السلبية والتوتر، ولا تجد سعادتها إلا في التشويش على السلام والهدوء في البيئات الإيجابية والمنعشة.

كثير ما ننخدع في علاقاتنا بالأشخاص الذين يخيبون توقعاتنا وأمانينا،هذا الخداع الذي ينجم عن رغبتنا في رؤية الأفضل فيهم، نتمنى أن يكون الآخرون كما نريدهم أن يكونوا، مما يجعلنا نتجاهل الإشارات التحذيرية والسلوكيات المريبة بحكم ما يملكه الشخص المُخادع من مهارات عالية في التمثيل والتصنع، وتغيير الأقنعة ويظهر ما ليس فيه مما يجعل من الصعب علينا التمييز بين الصدق والزيف.. لكن بمرور الوقت ومع التجارب المتعددة يصبح لدينا حس داخلي أقوى وقدرة أكبر على التمييز الحقيقي والمزيف، نتعلم أن ننظر إلى أبعد من المظاهر، ونفهم أنَّ الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات، ويبقى الإنسان الحكيم هو من يستفيد من هذه التجارب ليصبح أكثر حذرًا في علاقاته، وأقل عرضة للخداع.

" فلا خير في ودٍ يجيء تكلفًا"، فهو ود يعاني من الهشاشة والضعف في علاقته غير المستقرة، التي تحكمها المصالح، وتحركها الأهواء، لا يصمد أمام اختبارات الزمن، لأن علاقته مبنية على التكلف تشبه البناء على الرمال، سرعان ما تنهار عند أول عاصفة أو كجدار هش يتداعى عند أول لمسة، أو كفقاعة صابون تنفجر عند أول تماس، أو كبيتٍ على حافة هاوية يسقط عند أول اهتزاز.

ليختتم الإمام الشافعي- رحمه الله- قصيدته العصماء بالبيت الشعري القائل:

"سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها

صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفًا"

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

صعود الإصلاحيين لرئاسة إيران وتأثيره على مستقبل العلاقات مع المغرب

تتجه الأنظار في العالم، نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي شهدت انتخابات رئاسية أفضت إلى كسر التيار الإصلاحي لهيمنة المحافظين والمتشددين على منصب الرئاسة، وهو ما لم يكن منتظرا، وشكل مفاجأة كبيرة.

وفاز الإصلاحي مسعود بزشكيان في الاستحقاقات الرئاسية الإيرانية بنسبة 55% من أصوات الناخبين، حيث ظفر بأزيد من 17 مليون صوت، فيما منافسه المحافظ سعيد جليلي حصل على 13 مليون صوت فقط.

وتعهد الرئيس الإيراني الجديد في أول تصريح له، بتبني سياسة خارجية تعمل على تخفيف التوتر، دون أن يتطرق للعلاقات التي تربط بلاده بمجموعة من الدول وخصوصا التي على خلاف معها، ومنها المغرب الذي اشتكى مرارا من تدخل إيران في شؤون وحدته الترابية.

 

وفي هذا الصّدد، أبرز محمد العمراني بوخبزة، الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، تعليقا على الانتخابات الرئاسية الإيرانية في تصريح لموقع « اليوم24″، أن الأخيرة لها خصوصيتها نظرا للنظام السياسي في إيران، ويظهر من خلال التوجه للدور الثاني أنه ثمة تقاطبات بين الإصلاحيين والمحافظين، وهو ما يعكس حدة التقاطب والتقارب في نوايا التصويت، وانقسام المجتمع الإيراني داخليا ».

وأشار إلى أن التقاطب الذي حصل في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ميز الاستحقاقات التي تابعها العالم وخاصة أنها تأتي بعد وفاة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، إذ لم يحدث هذا منذ الثورة الإيرانية الإسلامية، متوقعا استمرارية التقاطب الداخلي بين الإصلاحيين والمحافظين.

وحول تأثر العلاقات الإيرانية المغربية بنتائج الانتخابات الرئاسية، قال بوخبزة: « لا أظن أن لذلك تأثير، فنتائج الانتخابات الرئاسية ليس لها تأثير كبير على السياسة الخارجية، وذلك على اعتبار أن ما يتعلق بالمواقف الخارجية، يبقى من اختصاص المرشد العام للثورة الإيرانية ».

وأوضح أن « محدودية دور رئيس الدولة الإيرانية فيما يتعلق بالاختيارات والمواقف الكبرى المتعلقة بالسياسة الخارجية، واضح وجلي »، ومن ثمة يضيف « تأثير هاته النتائج على موقف إيران من المغرب غير وارد، بل نعتقد بأنه ستكون هناك استمرارية في نفس النهج، إذ طالما تناوب الإصلاحيون والمحافظون على السلطة، وكانت نفس المواقف التي تطبع العلاقات الإيرانية المغربية ».

وتابع: « إيران تعمل على مشروع استراتيجي كبير، ولا يتأثر بتقلب نوايا التصويت، أو بوصول أي تكتل للسلطة، بل هي عملية مسترسلة، ومستمرة، ويشرف عليها النظام، وتستهدف حتى المغرب من خلال محاولة الهيمنة على مجموعة من المناطق ومنها شمال إفريقيا، وبالتالي لا نجد أن هناك مؤشرات تدل على تغير الموقف الإيراني من المغرب، طالما أن الأمر يندرج ضمن الخيارات الاستراتيجية التي تشتغل عليها الدولة، وهي من اختصاصات مرشد الثورة، وليست لها علاقة بنتائج الانتخابات »، بحسب تعبيره.

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب أعلن ماي 2018 عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، على خلفية تورط حزب الله اللبناني في دعم جبهة البوليساريو الانفصالية، وصرح آنذاك وزير الخارجية بأن المغرب طلب رسميا من السفير الإيراني مغادرة البلاد بعد التأكد من تورط سفارة إيران في الجزائر في محاولات المس بالوحدة الترابية للبلاد.

كلمات دلالية إيران بوخبزة

مقالات مشابهة

  • صعود الإصلاحيين لرئاسة إيران وتأثيره على مستقبل العلاقات مع المغرب
  • السعودية تتطلع إلى التشاور مع إيران بعد انتخاب بزشكيان
  • مصري في «مجلس وزراء» الفاتيكان.. المونسيور يؤانس لحظي: التعيين الجديد في أمانة سر الفاتيكان تشريف كبير.. وتأكيدا لثقة البابا فرنسيس
  • ورقة ضد الأمريكيين.. مخاوف إسرائيلية من تدهور العلاقات مع الصين بعد حرب غزة
  • وصول دفعة جديدة من أطفال غزة إلى أبوظبي
  • الأرشيف والمكتبة الوطنية يختتم مشاركته في «طانطان»
  • مدرب صن دوانز يقترب من الدوري المغربي
  • الاتحاد الجزائري يمنع أنديته من التعاقد مع لاعب الوداد السابق
  • تحليل : المغرب لن يتأثر بصعود اليمين المتطرف إلى السلطة بفرنسا
  • ما قبل الغرب.. صعود وسقوط أنظمة العالم الشرقي.. قراءة في كتاب