سعيد بن حميد الهطالي
saidalhatali75@gmail.com
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
"إذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً
فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا"
في عالم مُتغير تطغى عليه الماديات، وتُسيطر فيه المصالح على العلاقات الشخصية، تبدو قيم الوداد الصافي في مدى ندرتها وأهميتها في حياتنا اليومية كالبذرة التي يُمكن أن تنمو في كل علاقة إنسانية إذا ما أعطيت البيئة المُناسبة للنمو، هي كنجم هادٍ في سماء مُلبدة بالغيوم، أو كشمعة مُضيئة في ليلٍ دامس، أو كشعلة منيرة في دروب مظلمة، أو كملاذ للقيم الإنسانية الأصيلة، أو كملجأ آمن للفضائل، أو كواحة خضراء منفردة في صحراء العلاقات الإنسانية، أو كزهرة متفتحة في حقل من الأشواك، أو كوردة عطرية في بستان جاف، أو بين أرواق خريفية.
إنَّ البيت الشعري للإمام الشافعي- رحمه الله- يعكس تأملًا عميقًا، وتجربة حياتية غنية في طبيعة بناء العلاقات الإنسانية الحقيقية الصافية التي ينبغي أن تتجرد من الغايات الكدرة، والعواطف المُزيفة، والمصالح المادية المُجردة، وتكون مبنية على طبيعة عواطف صافية نقية تلقائية غير مُتكلفة ولا مصطنعة، ولا مُزيفة، نابعة من أحاسيس صادقة ندية تتدفق بسلاسة وشفافية، كالماء الزلال، تروي النفس، وتُغذي القلب، وترتبط بذلك الشعور العميق المُتصل بالروح.
إنَّ الوداد الصادق لا يحتاج إلى قناع فهو يظهر في العيون قبل الكلمات، ويُعّبر عن نفسه في الأفعال البسيطة واليومية، يقول أحد الشعراء:
" بالفعل لا بالقول تعرف ودهم // والفعل يكشف مضمر الأعماق".
الودُّ الصادق هو ذلك الرابط الذي يتشكل دون جهد، ويبني جسورًا من التفاهم والمودة دون الحاجة إلى تصريحات وتبريرات، ينمو ببطء لكنه أكثر صلابة، ومتانة، واستدامة، فعندما يكون الوداد نابعًا من أعماق القلب فإنِّه يحمل أعباء الحياة، ويخلق مناخًا من الثقة والأمان، يصمد أمام تقلبات الزمان، لأنه قائم على أساس من الصدق والإخلاص الذي لا يتأثر بعواصف الأيام، أما الوداد المتكلف فهو هش وزائل، لا يلبث أن ينهار عند أول اختبار حقيقي، لأنَّ جذوره غير متأصلة في أعماق النفس.
لذا، فإنَّ البحث عن الصفاء الطبيعي في العلاقات الإنسانية هو السبيل إلى السعادة الحقيقية والطمأنينة الدائمة، هذه العلاقات التي تزدهر بعيدًا عن التصنع والتكلف تكون ملاذًا آمنًا للأرواح، حيث يمكَن للأشخاص أن يكونوا على طبيعتهم وسجيتهم، يتشاركون الأفراح والأحزان بصدق وعفوية، في بيئة تنمو فيها الثقة وتزدهر المحبة، ويصبح كل لقاء بين القلوب الصافية والنوايا الطيبة فرصة لتبادل النقاء الداخلي دون خشية من غدر أو خداع أو خيانة.
إنَّ صفو الوداد في العلاقات الطبيعية يتيح لنا أن نعيش حياة أكثر إتزانًا وسلامًا مع الآخر، لأنها تعفينا من التصدي لضغوط التظاهر والتصنع الذي نلمسه من بعض النفوس المريضة التي لا تستطيع أن تعيش إلا في البيئة الملوثة المليئة بالسموم العاطفية والسلبية التي لا تتغذى إلا على الخلافات والعداوات والفتن، ولا تتعايش إلا مع الكذب والزيف والغدر كأنهن جزء من وجودها، تعيش في دوامة من السلبية والتوتر، ولا تجد سعادتها إلا في التشويش على السلام والهدوء في البيئات الإيجابية والمنعشة.
كثير ما ننخدع في علاقاتنا بالأشخاص الذين يخيبون توقعاتنا وأمانينا،هذا الخداع الذي ينجم عن رغبتنا في رؤية الأفضل فيهم، نتمنى أن يكون الآخرون كما نريدهم أن يكونوا، مما يجعلنا نتجاهل الإشارات التحذيرية والسلوكيات المريبة بحكم ما يملكه الشخص المُخادع من مهارات عالية في التمثيل والتصنع، وتغيير الأقنعة ويظهر ما ليس فيه مما يجعل من الصعب علينا التمييز بين الصدق والزيف.. لكن بمرور الوقت ومع التجارب المتعددة يصبح لدينا حس داخلي أقوى وقدرة أكبر على التمييز الحقيقي والمزيف، نتعلم أن ننظر إلى أبعد من المظاهر، ونفهم أنَّ الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات، ويبقى الإنسان الحكيم هو من يستفيد من هذه التجارب ليصبح أكثر حذرًا في علاقاته، وأقل عرضة للخداع.
" فلا خير في ودٍ يجيء تكلفًا"، فهو ود يعاني من الهشاشة والضعف في علاقته غير المستقرة، التي تحكمها المصالح، وتحركها الأهواء، لا يصمد أمام اختبارات الزمن، لأن علاقته مبنية على التكلف تشبه البناء على الرمال، سرعان ما تنهار عند أول عاصفة أو كجدار هش يتداعى عند أول لمسة، أو كفقاعة صابون تنفجر عند أول تماس، أو كبيتٍ على حافة هاوية يسقط عند أول اهتزاز.
ليختتم الإمام الشافعي- رحمه الله- قصيدته العصماء بالبيت الشعري القائل:
"سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها
صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفًا"
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
البطولة... "ديربي البيضاء" ينتهي بالتعادل الإيجابي بين الرجاء والوداد وسابيتو يفشل في تحقيق الانتصار للمرة السادسة
انتهى « ديربي البيضاء »، بالتعادل الإيجابي هدف لمثله بين الرجاء الرياضي والوداد الرياضي، في المباراة التي جرت أطوارها اليوم الجمعة على أرضية ملعب العربي الزاولي بالدار البيضاء، في افتتاح لقاءات الجولة 11 من البطولة الاحترافية في قسمها الأول.
ودخل الرجاء الرياضي المباراة في جولتها الأولى، وكله عزم على تحقيق النقاط الثلاث التي غابت عنه منذ الجولة الرابعة، عندما انتصر على أولمبيك آسفي بثلاثة أهداف لهدفين، في الوقت الذي بدأها الوداد الرياضي بطموح الفوز هو الآخر، للعودة إلى سكة الانتصارات، بعد التعادل في الجولة الماضية بهدفين لمثلهما مع اتحاد طنجة.
وبحث الفريقان عن الهدف الأولى بشتى الطرق الممكنة من خلال المحاولات التي أتيحت لهما، دون تمكنهما من تحقيق مرادهما، في ظل غياب النجاعة الهجومية، وكثرة التمريرات الخاطئة في وسط الميدان، دون نسيان التصديات الجيدة للحارسين أنس الزنيتي، ويوسف المطيع، علما أن الفرص السانحة للتهديف كانت شبه منعدمة، في ظل النسق المتوسط من لاعبي الطرفين.
وتبادل الرجاء الرياضي والوداد الرياضي الهجمات، بحثا عن الهدف الأول الذي استعصى عليهما منذ بداية اللقاء، حيث حاولا معا الوصول إلى شباك بعضهما البعض، إلا أن تواصل تألق مطيع والزنيتي في التصديات، حال دون تحقيق المبتغى، ليستمر الشد والجذب بينهما، على أمل زيارة الشباك، دون جدوى، لتنتهي بذلك الجولة الأولى بلا غالب ولا مغلوب.
وكانت الجولة الثانية مختلفة تماما عن سابقتها، بعدما تمكن الرجاء الرياضي من افتتاح التهديف في الدقيقة 54 عن طريق اللاعب باب أسومان ساكو، واضعا فريقه في المقدمة، ومجبرا الغريم على الاندفاع بأكبر عدد من اللاعبين بغية إحراز التعادل، للخروج بأقل الأضرار، بكسب نقطة عوض خسارة النقاط الثلاث كاملة، علما أن هذا الانتصار إن تحقق، سيكون الأول لسابيتو مع الرجاء، منذ توليه تدريب الفريق خلفا لروسمير زفيكو.
وكثف الوداد الرياضي من هجماته، إلى أن تمكن من إحراز التعادل في الدقيقة 79 عن طريق اللاعب محمد الرايحي، معيدا المباراة إلى نقطة البداية، ليبحث كل فريق مجددا على هدف الانتصار، الذي سيمكنه من كسب النقاط الثلاث، إلا أن كل محاولاتهما باءت بالفشل، في ظل تسرع لاعبيهما في إنهاء الهجمات، ناهيك عن التصديات الجيدة لمطيع والزنيتي، لتنتهي بذلك المباراة بالتعادل الإيجابي هدف لمثله بين الطرفين.
واقتسم الفريقان نقاط المباراة فيما بينهما، بنقطة لكل واحد منهما، حيث رفع الوداد الرياضي رصيده إلى 16 نقطة في المركز الخامس، بنفس عدد نقاط حسنية أكادير الرابع، ونهضة الزمامرة السادس، فيما تجمد رصيد الرجاء الرياضي عند النقطة 14 في الصف التاسع، متساويا في عدد النقاط مع اتحاد طنجة الثامن، والدفاع الحسني الجديدي العاشر.
كلمات دلالية البطولة الاحترافية الديربي البيضاوي الرجاء الرياضي الوداد الرياضي