الرباط – ترعرع الشاعر العربي وسط الصحراء، فكانت السماء سقفه والنجوم مرشده والكواكب معبوده، لذلك حضرت بقوة في قصائده حيث كان الشعر ديوان العرب وفخرهم ومرآة مجتمعهم.

ويعكس غنى الشعر العربي بالظواهر الفلكية معرفة دقيقة مبنية على الملاحظة والتجربة، وتفنن الشعراء في وصف القمر والشمس وأبراج الدلو والعقرب والحوت والجدي والجوزاء وكواكب المشتري وزحل ونجوم الفرقد وبنات نعش والثريا وغيرها.

ووظف الشعراء حركتها وسكونها وألوانها ومنازلها وبعدها وقربها وظهورها واختفاءها وغير ذلك من الدلالات في التعبير عن خوالجهم وأحوالهم النفسية وتصوير المعاني لإيصالها للمتلقي بأسلوب بليغ ومنيع.

ومن أبيات الشاعر الضرير أبي العلاء المعري (المتوفي 1057م) مرثيته الشهيرة لأبي حمزة الفقيه التي تدل على معرفته الجيدة بالكواكب والأفلاك إذ يقول فيها:

زحل أشرف الكواكب دارا…. من لقاء الردى على ميعاد
ولنار المريخ من حدثان الده… ر مطف وإن علت في اتقاد
والثريا رهينة بافتراق الشم… ل حتى تعد في الأفـــــــــراد

‪منظر لسماء الرباط ساعة الغروب‬ (الجزيرة)

السماء الملهمة
وفي ليلة علمية أدبية بالرباط نظمتها مبادرة الفلك الممتع والمكتبة الوسائطية في موضوع الظواهر الفلكية والشعر، حجّ جمهور من محبي القصيدة والقوافي يحذوهم فضول لمعرفة العلاقة بين عالمين مختلفين، أحدهما ينبني على معرفة دقيقة بالأجرام السماوية من حيث التطور والحركة، والآخر كلام موزون مقفى دال على المعنى.

وعدد الدكتور الحسن طالبي، وهو أستاذ اللغة العربية ودكتور في النقد اللغوي وأيضا منشط فلكي، أبياتا لشعراء عرب كانت السماء الشاسعة بسحرها وجمالها وما تكتنزه من ظواهر كونية مصدر إلهامهم ومطيتهم في الوصف والمقارنة والتشبيه والكناية والاستعارة.

وقال رئيس مبادرة الفلك الممتع عبد الحفيظ باني للجزيرة نت إنهم يحاولون تبسيط العلوم وجذب أشخاص اهتماماتهم بعيدة عن عالم الفلك، وإبراز العلاقة بين عوالم تبدو في الظاهر متناقضة لكنها في الحقيقة غير ذلك.

وتقلب الجمهور ومعظمه من الشباب بين جمال القصائد وجماليات السماء من خلال أشعار ابن أبي ربيعة وأبي تمام والمعري وأبي الزناد وابن بشر والأخطل وأميمة بنت عبد شمس وغيرهم من شعراء الجاهلية والإسلام.

ويؤكد الحسن طالبي ارتباط الإنسان العربي بالفلك، فقد كان العرب عامة والشعراء خاصة يمتلكون معرفة علمية متداولة في المجتمع المحلي، "فكان من الطبيعي أن نجد كما هائلا من الظواهر الفلكية وأسماء النجوم والكواكب والأبراج في الشعر العربي".

وليس شعراء الصحراء وحدهم من تحضر في قصائدهم تلك الظواهر، فمع توسع الحضارة الإسلامية خارج بيئتها الصحراوية الأولى، ظل الشاعر العربي مرتبطا بالسماء لأنها -وفق طالبي- "موضوع مثير للعواطف وللأفكار وللتأمل"، ولأن الشاعر "كان دائما يرفع عينيه إليها يهتدي بنجومها ويستضيء بقمرها في سفره للتجارة والحج والعلم".

‪الحسن طالبي: العرب عامة والشعراء خاصة يمتلكون معرفة علمية متداولة محليا‬ (الجزيرة)

شعر وفلك
استعار الشعراء من مدونة الفلك مفرداتهم لنظم شعر في مدح الملوك وذم الخصوم ورثاء الأحبة وبكاء الحال، فقالت أميمة بنت عبد شمس وهي ترثي من قتل من قومها:

أبى ليلك لا يذهب…. ونيط الطرف بالكوكب

ونجم دونه الأهوال… بين الدلو والعقرب

وقال الشاعر الجاهلي النجدي بشر بن أبي حازم:

أراقب في السماء بنات نعش

وقد دارت كما عطف السوار

ويقصد أنه سهر طيلة الليل إلى أن دارت بنات نعش في آخر الليل، وبنات نعش (الكبرى والصغرى) اسم مجموعة نجمية من سبع نجوم تمثل أربع منها النعش، وتمثل الثلاث الأخريات بناته يتبعنه، وهي اليوم تعرف بالدب الأكبر والدب الأصغر، ووظف الشاعر بنات نعش لأنها لا تغيب على عكس النجوم الأخرى، وهو ما تنبه إليه الشعراء.

وأشار أبو العلاء المعري في أبيات له إلى اقتران الكواكب، وهي ظاهرة فلكية تقترب خلالها الكواكب من بعضها بعضا، وكان العرب يرون لكل اقتران معنى ونبوءة، فينظرون لاقتران المشتري وزحل مثلا نظرة تفاؤل فتتغير بعده الدنيا والأحوال:

قِرانُ المُشتَّري زُحَلاً يُرَجّى… لِإيقاظِ النَواظِرِ مِن كَراها

وَهَيهاتَ البَريَّةُ في ضِلالٍ… وَقَد فَطَنَ اللَبيبُ لِما اعتَراها

وَكَم رَأَتِ الفَراقِدُ وَالثُرَيّا… قَبائِلَ ثُمَّ أَضحَت في ثَراها

تَقَضّى الناسُ جيلاً بَعدَ جيلٍ…. وَخُلِّفَتِ النُجومُ كَما تَراها

وأشار شاعر العصر العباسي أبو تمام في قصيدته التي وصف فيها "معركة عمورية"، إلى مذنب كان المنجمون يتشاءمون منه، فنصحوا الخليفة المعتصم بعدم خوض المعركة بعد ظهوره، لكنه تجاهل رأيهم واحتكم لسيفه فانتصر فيها:

السيف أصدق إنباء من الكتب     في حده الحد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف   في متونهن جلاء الشك والريب

والعلم في شهب الأرماح لامعة    بين الخميسين لا في السبعة الشهب

وخوفوا الناس من دهياء مظلمة     إذا بدا الكوكب الـغربي ذو الذنب

وصيروا الأبراج العليا مرتبة      ما كان منقلبا أو غير منقلب

تشبيه بحال السماء
ويشبه شاعر حالة الوحدة والفرقة بالثريا، وهو تجمع للنجوم يرى بالعين المجردة وبنات نعش (اسم مجموعة نجمية مكونة من سبع نجوم) فيقول:

وكنا في اجتماع كالثريا

وصرنا فرقة كبنات نعش

ويصف المؤرخ والشاعر الأندلسي ابن الأبار البلنسي البدر لحظة الخسوف فيقول:

نظرْت إلَى البَدرِ عند الخُسوف   وقد شين منظره الأَزين

كما سفَرتْ صَفحَةٌ لِلْحبِيب         فَحجَّبها بُرقع أدكن

ووظف شاعر الغزل القرشي من العصر الأموي عمر بن أبي ربيعة الفلك توظيفا مدهشا في قصيدة نظمها عن حبيبته التي هجرته وتزوجت غيره فقال:

أيها المنكح الثريا سهيلا     عمرك الله كيف يلتقيان؟

هي شامية إذا ما استقلت    وسهيل إذا استقل يمان

والثريا التي يتحدث عنها بن أبي ربيعة هي المرأة التي أحبها وتزوجت رجلا غيره يدعى سهيلا، فيستغرب الشاعر في هذا البيت كيف أنها تزوجت من لا يناسبها، ويشبه عدم التكافؤ بموقع الثريا وهي العنقود النجمي الذي يوجد في الشمال (شامية) ونجم سهيل ويوجد في الجنوب (يمان).

ويبدو أن جمال السماء وسحرها وغموضها وكنوزها كان ينعكس دائما على إبداعات الشعراء العرب كما يقول الحسن طالبي، كما انعكست ثقافة الشاعر الفلكية ومعرفته سواء الشعبية المتداولة أو العلمية الدقيقة بشكل جلي في القصائد التي نظمها في الغزل و الرثاء والمدح والهجاء والتأمل والتفكر.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

«شاعر المليون» يختتم حلقاته التسجيلية ويستعد لمرحلة البث المباشر

أبوظبي (وام)
استعرضت الحلقة التسجيلية الخامسة والأخيرة في الموسم الثاني عشر من برنامج «شاعر المليون»، الذي تنتجه هيئة أبوظبي للتراث، تحت شعار «قصيدنا واحد» وتم بثها لاختبارات مرحلة المئة، التي استمرت ثلاثة أيام في الفترة من 29 سبتمبر الماضي إلى الأول من أكتوبر الجاري في أبوظبي وخاض خلالها الشعراء اختباراتٍ تحريريةً وشفهية، تمهيداً لاختيار قائمة الـ48 شاعراً الذين انتقلوا إلى الحلقات المباشرة.
​كانت الاختبارات قد جرت على 3 مراحل، بدأت بمشاهدة الشعراء لمجموعة من الأفلام في سينما خارجية، خُصص لكل مجموعة منها موضوع محدّد تناول إحدى القضايا مثل العلاقات الأسرية، والتطوع، والموروث والعادات والتقاليد، وحماية البيئة، أعقب ذلك إجراء الاختبار التحريري، ثم في اليوم التالي أُجريت مقابلات اللجنة مع المشاركين، حيث قدّم الشعراء الأبيات المطلوبة حول المواضيع التي شاهدوها، ثم طُلب من كل شاعر تصحيح بيتٍ احتوى على خلل في الوزن، إضافةً إلى مجاراة بيتٍ آخر على نفس الوزن والقافية.​ وعرضت ضمن الحلقة التي تم بثها مقابلات مع عدد من الشعراء المشاركين، الذين تحدثوا عن مقابلاتهم أمام لجنة التحكيم، وشاركوا انطباعاتهم حول الاختبارات التي خضعوا لها، مؤكدين أنها كانت ملهمة لهم ومثلت اختباراً حقيقياً لقدراتهم الشعرية وثقتهم في الأداء، ومحطة مهمة لتعزيز شغفهم الشعري ورغبتهم في مواصلة مشوار البرنامج. تضمّنت الحلقة تقريراً استعرض أبرز ملامح الموسم الحادي عشر من «شاعر المليون»، تحدث فيه أعضاء لجنة التحكيم عن التميّز في كتابة القصيدة والتجدّد في ابتكار الجمال، مؤكدين أن الفن يمثل حالة جمالية وهوية للشعوب وأشادوا بمسيرة البرنامج التي استطاعت، على مدى مواسمه المتعاقبة، أن ترسّخ حضور الشعر النبطي، وتستقطب نخبة من الشعراء من بيئاتٍ وخلفياتٍ مختلفة، ما أضفى على المنافسة تنوّعاً ثرياً في اللغة والصور والأساليب. وتطرّقوا إلى رمزية «البيرق» وتجذّره في الوجدان الشعبي، بوصفه رمزاً للفخر والانتماء.
وتضمّنت الحلقة أيضاً تقرير «بودكاسات» لعدد من شعراء المواسم السابقة، والمهتمين بالشعر، إضافة إلى رصد لندوة شعرية، ولقاءات أجريت خلال الجولات الخمس للجنة التحكيم، تناولت مواضيع متنوعة حول الشعر والجمال والقصيدة والذكريات، بالإضافة إلى أهمية البرنامج بالنسبة للمشهد الشعري.
وعرضت الحلقة جانباً من اجتماع أعضاء لجنة التحكيم لاختيار قائمة المائة من بين الشعراء المجازين خلال جولات اللجنة في كلٍّ من السعودية والكويت والأردن وسلطنة عُمان والإمارات، وأجريت خلالها مقابلات مع 959 شاعراً وشاعرة، نال منهم 866 الإجازة، بينما مُنحت البطاقة الذهبية لـ15 شاعراً. وجرت اختبارات المئة بمشاركة شعراء وشاعرات من 13 دولة، شملت 54 من السعودية، و32 من الكويت، و7 من الأردن، و6 من سلطنة عُمان، و6 من العراق، و5 من الإمارات، و4 من اليمن، وشاعر واحد من كلٍّ من سوريا، وتونس، وقطر، ومصر، والمملكة المتحدة، والسودان. وببث الحلقة التسجيلية الخامسة، تختتم الحلقات التسجيلية للموسم الثاني عشر من شاعر المليون، تمهيداً لانطلاق الحلقات المباشرة بدءاً من 28 أكتوبر الجاري، حيث سيتنافس الشعراء على مسرح شاطئ الراحة أمام لجنة التحكيم، ويسبق ذلك مؤتمر صحفي يُعقد في 26 أكتوبر، تُعلن خلاله أسماء الشعراء الـ48 الذين تأهلوا للحلقات المباشرة.
 

أخبار ذات صلة الحلقة التسجيلية الثالثة من «شاعر المليون» تستعرض منافسات «جولة الأردن» شاعر المليون يختتم مرحلة الـ100 في أبوظبي

مقالات مشابهة

  • موعد شهر رمضان 2026 في مصر.. معهد الفلك يعلن أول أيام الصوم
  • جمعية “نور الفلك” ترصد مذنب “ليمون” في سماء القصيم
  • طالبي يقود سندرلاند للإطاحة بتشيلسي ويواصل مفاجآته بالدوري الإنجليزي
  • «شاعر المليون» يعلن غداً قائمة الـ48 المتأهلين للموسم الـ 12
  • موعد شهر رمضان 2026 في مصر.. معهد الفلك يعلن التفاصيل
  • «شاعر المليون» يعلن غداً قائمة الـ 48 المتأهلين للموسم الـ 12
  • انطلاق مبادرة ابنك مستقبل وطن بمركز شباب الشعراء في دمياط
  • «شاعر المليون» يختتم حلقاته التسجيلية ويستعد لمرحلة البث المباشر
  • تعرف على الدول العربية التي رفض مصادقة الكنيست على ضم الضفة و فرض السيادة الإسرائيلية عليها
  • عمرو دياب يتألق في أجمل ليالي مهرجان الجونة.. والنجوم يشاركونه غناء "بابا" و"خطفوني"