مفتي الجمهورية في ندوة الحج الكبرى بمكة المكرمة: التيسير في الدين ينشأ عن رسوخٍ في العلم
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم إن من سمات وخصائص الشريعة الإسلامية الغراء التيسير ورفع المشقة، وهذه السمة تشمل جميع الأحكام التي جاء بها الإسلام من العبادات والمعاملات، وهو ما يتجلى كذلك بشكل كبير في مناسك الحج وأحكامه.
وأضاف مفتي الجمهورية أن التيسير في الدين ينشأ عن رسوخٍ في العلم، ودرايةٍ بأحوال الناس وحاجتهم وواقعهم، وإدراك لمقاصد التشريع واعتبارها ركنًا أصيلًا في الفتوى، فالتيسير منهج علمي مدروس ومقنن بعناية كبيرة من قِبَل علماء الشريعة وأئمة الفقه.
جاء ذلك خلال كلمة فضيلته في الجلسة الرئيسية لأعمال ندوة الحج الكبرى في نسختها الـ 48 التي تُعقد في مكة المكرمة بعنوان "مراعاة الرخص الشرعية والتقيد بالأنظمة المرعية في شعيرة الحج"، بحضور أكثر من 500 حاضر ومشارك من المسؤولين والعلماء والمفتين ومفكري العالم الإسلامي.
مفتي الجمهورية في ندوة الحج الكبرى بمكة المكرمةوأوضح فضيلة المفتي أن فريضة الحج من العبادات التي تنطوي على كثيرٍ من المشقة، فقد جعل الإسلام مبناها على التيسير، حتى جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة وهو يسأل، فقال رجل: يا رسول الله، نحرت قبل أن أرمي؟ قال: «ارمِ ولا حرج»، قال آخر: يا رسول الله، حلقت قبل أن أنحر؟ قال: «انحرْ ولا حرج». فما سئل عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: «افعل ولا حرج».
وأشار فضيلة إلى أن دار الإفتاء المصرية تنتهج في فتاواها المنهجَ الإسلامي الرشيد في التيسير ومراعاة أحوال المكلفين في هذا العصر في كافة الأحكام، وفيما يتعلَّق بشعيرة الحج، ومن مظاهر التيسير في هذا الشأن: الأخذ بقول من قال بسنية المبيت في مزدلفة مراعاة لظروف عصرنا الذي كثرت فيه أعداد الحجيج كثرة هائلة، والأخذ بالقول بسنية المبيت بمنًى ليالي التشريق لما يعتري الحجيج من تعب شديد وضيق مكان وخوف مرض، وجواز رمي الحاج الجمرات قبل الزوال في سائر أيام التشريق لشدة الزحام، وغير ذلك من الفتاوى التي تيسِّر على ضيوف الرحمن أداء مناسكهم على أكمل وجه دون مشقة أو تضييق.
مفتي الجمهورية في ندوة الحج الكبرى بمكة المكرمةوأكَّد فضيلته أنَّ من مظاهر تيسير الشريعة في فريضة الحج: أن جعلت من ضمن شروط هذه الفريضة الاستطاعة، والتي تشمل القدرة المالية والقدرة البدنية وسلامة الطريق، ويدخل في نطاق الاستطاعة في هذا العصر اتباع الأنظمة والالتزام بالإجراءات والقوانين المنظِّمة لأداء فريضة الحج، ومن ضِمنها استخراج تأشيرة الحج من الجهات الرسمية المعتمدة، فتأشيرة الحج هي الأساس في ذلك دون التأشيرات الأخرى.
وشدَّد مفتي الجمهورية على ضرورة أنَّ اتِّباع التعليمات التنظيمية التي تضعها السلطات والالتزام بها أمر حثَّ عليه الإسلام، مصداقًا لما جاء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.
وأكَّد فضيلة المفتي أنَّ اتباع هذه التعليمات يتوافق مع مقاصد الشريعة في الحفاظ على نفوس وأرواح الحجاج، وفي التيسير على الحجاج بتسهيل أداء المناسك، وكذلك في دفع مفاسد الازدحام الذي يعوق تنقلات الحجاج ويسبب التدافع الذي قد يقود إلى التهلكة، كما أنَّ الالتزام بهذه الإجراءات يضمن للحجاج الحماية القانونية ومنعهم من التعرض للمساءلة القانونية أو الترحيل.
وأهاب مفتي الجمهورية في ختام كلمته بمن يريد الحج إلى بيت الله الحرام أن يلتزم بما يقرره ولاة الأمر والقائمون على شؤون الحج، تنفيذًا للتوجيهات الإلهية، وتحقيقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية.
اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية يدين بشدة ارتكاب الكيان الإسرائيلي «مجزرة مخيم النصيرات» بغزة واستمرار جرائم الإبادة الجماعية
للثأر لشقيقهم.. إحالة 3 عاملين لـ «مفتي الجمهورية» لاتهامهم بقتل شخص بالقناطر الخيرية
مفتي الجمهورية يستقبل شيخ الطريقة الرضوانية وعددا من أعضاء مجلس النواب
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام دار الإفتاء المصرية فريضة الحج مفتی الجمهوریة فی ندوة الحج الکبرى
إقرأ أيضاً:
الإيمان والعلم
الإيمان والعلم يتكاملان ولا يتناقضان، وصحيح العقل لا يتناقض مع صحيح فهم الشرع، فبالعلم نصل للإيمان، حيث يقول الحق سبحانه: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، ويقول سبحانه: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ»، والإيمان يحثنا على طلب العلم، حيث يقول الحق سبحانه: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن فى السَّمواتِ ومن فى الأرضِ، حتَّى الحيتانِ فى الماءِ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ».
كما أنه لا تناقض بين الإيمان والعلم على الإطلاق، فالعلم قائم على الأخذ بالأسباب، والإيمان يدعونا إلى الأخذ بأقصى الأسباب، وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) يقول: «لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق» ويقول: اللهم ارزقنى، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وحتى فى حديث نبينا (صلى الله عليه وسلم): «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَانًا»، قال أهل العلم وشراح الحديث: إن الطير تأخذ بالأسباب، فتغدو وتروح، ولا تقعد فى مكانها وتقول: اللهم ارزقنى.
ونقل بعض الرواة أن أحد الناس خرج فى تجارة فلجأ إلى حائط بستان للاستراحة فيه، فوجد طائرًا كسير الجناح، فقال: يا سبحان الله ما لهذا الطائر الكسير كيف يأكل؟ وكيف يشرب؟ وبينما هو على هذه الحال إذا بطائر آخر يأتى بشىء يسير من الطعام فيضعه أمام الطائر كسير الجناح، فقال: يا سبحان الله، سيأتينى ما قسمه الله لى، فقال له صاحبه: كيف رضيت لنفسك أن تكون الطائر المسكين الكسير مهيض الجناح؟ ولم تسع لأن تكون الطائر الآخر القوى الذى يسعى على رزقه ويساعد الآخرين من بنى جنسه، وقد قال أحد الحكماء: لا تسأل الله أن يخفف حملك، ولكن اسأله سبحانه أن يقوى ظهرك.
ويقول الحق سبحانه: «فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور»، ولم يقل اقعدوا وسيأتيكم الرزق حيث كنتم، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «تَدَاوَوْا فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ»، ولم يقل أحد على الإطلاق إن الدعاء بديل الدواء، إنما هو تضرع إلى الله (عز وجل) بإعمال الأسباب التى أمرنا سبحانه وتعالى بالأخذ بها لنتائجها.
ولم يقل أحد على الإطلاق من أهل العلم إن الفقه بديل الطب بل إن الفقه الصحيح يؤكد أن تعلم الطب من فروض الكفايات، وقد يرقى فى بعض الأحوال إلى درجة فرض العين على البعض.
ونؤكد أن ثواب تعلم الطب لا يقل عن ثواب تعلم الفقه، وأن الأولوية لأحدهما ترتبط بمدى الحاجة الملحة إليه، فحيث تكون حاجة الأمة يكون الثواب أعلى وأفضل ما صدقت النية لله (عز وجل).
وعلينا ونحن نأخذ بأقصى الأسباب ألا ننسى خالق الأسباب والمسببات، مَنْ أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، فنجمع بين أسباب العلم وأسباب الإيمان معًا، مؤكدين أنه لا تناقض بينهما بل الخير كل الخير والنجاء كل النجاء أن نحسن الجمع بينهما والأخذ بهما معًا.
الأستاذ بجامعة الأزهر