مجزرة النصيرات مؤلمةٌ واستعادة أربعة أسرى غير محبطة
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
في ظلال #طوفان_الأقصى “78”
#مجزرة_النصيرات مؤلمةٌ واستعادة أربعة أسرى غير محبطة
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
بحزنٍ وأسى وغضبٍ وألم، تابع الفلسطينيون وحلفاؤهم ومحبوهم في كل مكانٍ، العملية العسكرية الأمنية الخاصة التي نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، التي أسفرت عن استشهاد 276 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 750 آخرين بجراحٍ مختلفةٍ، جلهم من النساء والأطفال، وكلهم من المدنيين الآمنين من سكان المخيم واللاجئين إليه من مناطق القطاع المختلفة، التي طالها القصف ودمرتها الغارات الجوية وقذائف المدفعية والدبابات، ونجح خلالها في استعادة أربعةٍ من أسراه لدى المقاومة، إلا أنه خسر ضابطاً برتبةٍ رفيعةٍ، وفقاً لتصريحات الناطق العسكري باسم جيشه، والتي لا نثق فيها كثيراً ولا نصدقه غالباً، وقتل بسلاحه ثلاثة من أسراه، وفقاً لبيان أبي عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذي نصدقه دائماً ونثق به دوماً.
لا ننكر أبداً أننا جميعاً شعرنا بغصةٍ كبيرةٍ، وأحسسنا بمرارٍ يشبه العلقم، وألمٍ يشبه الذبح بالسكين، اجتاح أرواحنا، وطغا على قلوبنا، وترك آثاره على أجسادنا، وأتعب نفوسنا، وشغلنا لساعاتٍ طويلةٍ في فهم ما حدث، واستيعاب ما جرى، وربما أخرج بعضنا عن طورهم، وشككهم ولو قليلاً في مقاومتهم، التي يثقون فيها وفي قدراتها، ولا يشكون في صدقها ولا في إخلاصها، ولا يظنون فيها إلا خيراً، ولا يتوقعون منها إلا نصراً، ولكن حادثة النصيرات كانت مختلفة وصادمة، وموجعة ومؤلمة، وأراد منها العدو أن تكون كاويةً لوعينا ورداعةً لنا، ورافعةً لمعنويات جيشه المنهار، ومهدئةً لشعبه الغاضب الخائف على حياة جنوده وأسراه، إلا أن صورة نصره المزعوم عما قليل ستبهت، وستستعيد مقاومتنا عافيتها فوراً وستنهض، ولن يحبط شعبنا ولن يضعف عزمه.
فخسارتنا وفاجعتنا في أهلنا وشعبنا كانت كبيرة، وعدد الشهداء من كل الفئات كبير، والدمار الذي حل بالمخيم المدمر واسعٌ وشاملٌ، وزاد في الحسرة والألم نجاح العدو في تخليص أربعة أسرى، والاحتفال بعودتهم، وتبادل التهاني باستعادتهم، والإشادة بقدرات جيشهم وتفوق أجهزتهم الأمنية وبراعة فرقهم الخاصة، مما جعل طعم الخسارة مختلفاً، ومذاق المعركة مغايراً، فشعبنا لم تصدمه المجزرة التي فقد في غيرها ضعف هذا العدد وأكثر، بدءً من مجزرة مستشفى المعمداني، وصولاً إلى عشرات المجازر الأخرى التي ارتكبها العدو في مناطق مختلفة من القطاع، وقتل في بعضها أكثر من خمسمائة شهيد، إلا أن مجزرة النصيرات ستبقى مختلفة، ولا أظن أن المقاومة ستتجاوزها بسهولة، أو ستسكت عنها ولا تتعلم منها.
يعلم الفلسطينيون عموماً ومقاومتهم خاصةً أنه لم يكن من السهل على العدو الإسرائيلي، الذي عجز على مدى ثمانية أشهر من القصف والدمار والغارات العنيفة التي لم تنته، وقتل فيها وأصاب قرابة 150 ألف فلسطيني، عن تحقيق أيٍ من أهداف عدوانه على قطاع غزة، التي أعلن عنها وتشدق بها، وبرر بها عملياته وأقنع بها حلفاءه، استعادة أيٍ من جنوده الأسرى ومستوطنيه لدى المقاومة، والعودة بهم بصورة نصرٍ صريحٍ، والظهور بهيئة المنتصر القادر، إذ أفشلته المقاومة وأحبطته وكشفت ضعفه وأظهرت عواره، ونجحت وسط القصف والدمار في إخفاء الأسرى والحفاظ عليهم ورعايتهم، ولم يتمكن العدو رغم كل الوسائل التي استخدمها في معرفة مكانهم وتخليصهم، أو تحديد أماكن إخفائهم لقصفهم وقتلهم والخلاص منهم.
إلا أن هذا العدو العاجز، والحكومة الفاشلة، والجيش المنهك، والأجهزة الأمنية المصدومة، أضعف من أن يسمي ما قام به نصراً، أو أن يصنف ما حققه كسباً، فهو لم يقم بهذا العمل وحده، رغم أن عمليته جاءت متأخرة ثمانية أشهر، ما يعني أنه في حاجة إلى سنواتٍ طويلةٍ ليستعيد أسراه بهذه الطريقة، فقد استخدم في عمليته قواتٍ خاصةً مجهزةً، وفرقاً عسكرية مدربةً، ومجموعاتٍ من المستعربين خاصة، وعزز عناصره على الأرض بمساندة جويةٍ، ومتابعةٍ دقيقة بطائرات الهيلوكبتر، وقصفٍ عنيفٍ بالطائرات والدبابات والمدفعية البعيدة، وارتكب خلالها مجزرةً بشعةً يندى بها جبين أي جيشٍ يدعي الفوقية، وتخجل منها أي دولةٍ تدعي الديمقراطية.
كما لم يكن جيش العدو وحيداً، إذ هو أضعف من أن يخوض منفرداً معركةً كهذه، وأن ينجح في تحقيق ما حققه بقدراته فقط، وهو المنهك المهزوز، الواهن المرتعش، الذي يخسر يومياً قتلى وجرحى على أرض المعركة أمام قوى المقاومة في الشمال والجنوب على السواء، فقد شاركته من الجو طائراتٌ أمريكية وبريطانية، وربما أقمارٌ صناعية وأجهزة تنصتٍ ورصدٍ متطورة، لا تخجل قيادتها من الإعلان عن أنها عملت على تنفيذ هذه العملية على مدى ثمانية أشهر من عمليات التصوير والمراقبة والتجسس وجمع المعلومات وتحليل البيانات، ولعله لولا مشاركتهم ما تغنى العدو بمجدٍ لا يستحقه، ولا احتفل بنصرٍ لم يحققه.
ما حدث في النصيرات بالتأكيد ليس نصراً للعدو، ولا إنجازاً له، ولن يحسب له أو يشكر عليه، فما عاد به هو أقل بكثيرٍ مما خسره، وما حققه سيبقى يتيماً ولن يحقق مثله، ولن يتمكن من تكرار ما يشبهه، حتى ولو استعان بكل قوى العالم وأجهزة حلفائه الكبار، وستكشف كتائب القسام عن صور وأسماء من قتلهم جيشهم، وستبرهن لهم بالفعل لا بالقول، أن العدو خسر بمذاق النصر، وأن أسراه سيدفعون ثمناً كبيراً، وسيضيق عليهم، وسيشد وثاقهم، وستتضاعف الحراسات عليهم، ولن تتمكن أي قوةٍ في الأرض على استنقاذهم أحياءً، أو الوصول إليهم، ما لم تدفع الثمن، وتلتزم بالاتفاق، وتذعن للشروط، وتؤدي وتخضع لما يريده الشعب الفلسطيني وضحى من أجله، وما تفرضه المقاومة وتصر عليه.
بيروت في 10/6/2024
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: طوفان الأقصى إلا أن
إقرأ أيضاً:
شكراً غزة
#شكراً_غزة
م. #أنس_معابرة
ربما يمكننا القول بأن الحرب قد وضعت أوزارها في غزة، وأقول ربما؛ لأن العدو غادر بطبيعته، ولا تؤمن غدراته، ولكن حسب الإدارة الأمريكية الجديدة الآن وقوانينها التي تسعى لإدارة الاعمال والاستثمار وتحسين الوضع الاقتصادي، يجد العدو نفسه أمام خيار الرضوخ لقوة المقاومة فقط.
نعم؛ لقد قدمت غزة الثمن الباهظ في هذا العدوان، وخسرنا عشرات الآلاف من الشهداء، كل واحد منهم أب أو أبن أو أم أو ابنة، وكل واحد له عائلة تبكيه، ولكن نسأل الله أن يتقبلهم شهداء، أو يجعلهم شفعاء لأهلهم يوم القيامة.
مقالات ذات صلة اجْعَلْ الْمَرْكَبَ يَسِيرُ 2025/01/19لا يمكننا استخلاص الدروس من حرب غزة فقط، بل هي درس بحد ذاتها، درس ستظل صفحاته مفتوحة مشرقة في كتب التاريخ مهما طال عليها الزمن، وستظل ناراً تحرق كل من تخاذل في نُصرة المقاومة، والوقوف إلى جانبها.
هي درس في الصمود؛ حين وقف ثلة من المقاومين الأشاوس أمام أعتى جيوش الأرض، جيش مسلّح بأعتى أنواع الأسلحة، وتحالفت معه أقوى القوى في العالم، فوقفت معه أوروبا وامريكا ودول كثيرة قريبة وبعيدة، وفتحت له مخازن الأسلحة ليختار ما يشاء.
بينما لم تتوان كثير من الدول عن مده بالإمدادات الغذائية والعلاجية والصناعية، وسُخّرت موانئ للتصدير، وشوارع للمرور، وبوابات للعبور، ومطارات للشحن، من أجل امداد العدو بكل ما يحتاجه في عدوانه على قطاع يحاصره منذ عشرات السنوات.
وهي درس في الولاء، الولاء الحقيقي للعقيدة ولله، وتمسك بالثوابت الايمانية، وترك للطائفية والعنصرية والقومية والنفسية، تلك التقسيمات البالية التي زرعتها قوى الاستعمار في نفوسنا على مدى القرون الماضية، ولكن نجحت غزة في استئصالها من جذورها، وبات أهلها على قلب رجل واحد.
وهي درس في العطاء، بالأمس خرجت الأسيرات الثلاث بكامل الصحة والعافية، بينما سقطت ثلة من قادة المقاومة وأفرادها تحت وابل النيران والقصف الأعمى، وآثروا سلامة الأسرى لضمان نجاح صفقات التبادل، وتحرير أهلنا من سجون الاحتلال المظلمة.
ولا ننسى الملثم البطل، حين أطلّ علينا في بداية الحرب، كان واسع الصدر عريض الكتفين، ممتلئ بالصحة والعافية، وبالأمس كان ضعيف الجسد، قد خسر عدة كيلوجرامات من وزنه في هذ الحرب التي أغلق فيها العدو المعابر، وحارب أهل غزة بلقمة الغذاء وشربة الماء والعلاج، على مرأى العالم المشلول ومسمعه.
وهي كذلك درس لأولئك المتخاذلين أمام ساداتهم من العدو المحتل ومن تحالف معه، الذين ما فتئوا يبثون بذور الفتنة بين الناس، ويحاولون تثبيط عزيمة الأبطال هناك، ولكن ظهور المقاومة يوم أمس لحظة تسليم الأسرى بكامل العدة والعتاد، وبقدرتهم العالية على السيطرة هي الرد الأمثل على هؤلاء المغرضين.
هي درس للاحتلال بان النصر قد يطول، ولكنه سيتحقق بإذن الله، فأين هي أهداف عدوانكم على غزة؟ هل أنهيتم وجود المقاومة هناك؟ هل أعدتم احتلال قطاع غزة؟ هل ستبقون قوات لكم هناك؟ هل ستسيطرون على معبر رفح الحدودي؟ هل استعدتم أسراكم بالقوة؟
لم يتحقق هدف واحد لهم في غزة، نعم استشهد عشرات الآلاف من أهلنا هناك، وجرح مئات الآلاف، وهدّم 80% من قطاع غزة، ولكن في حساب المعارك؛ لم يحقق الجانب الأقوى عسكرياً أهدافه، وبالتالي هو خاسر بكل معنى الكلمة.
بل فرضت المقاومة كلمتها العليا وأجبرت الاحتلال على التوقيع على اتفاق متعدد المراحل لإنهاء تلك الحرب، ومقابل الأسيرات الثلاث: أطلقوا سراح 90 أسيراً من سجون الاحتلال رغم أنفه.
دعك من تصريحات اليمين المتطرف في حكومة الاحتلال، فهم أبواق إعلامية لإرضاء جماهيرهم الغاضبة بعد الهزيمة المُذلة التي لحقت بهم، فحزبهم المتطرف قائم على أساس عدم تخلي الاحتلال عن أرض احتلها، وعدم إطلاق سراح أسير واحد من أهلنا في فلسطين، وهي ذات المبادئ التي أشعلت المقاومة بها النيران يوم أمس.
أغضبتم لماذا لم تشكرنا المقاومة؟ هل نحتاج أن تشكرنا على عدة كيلوجرامات من الغذاء ألقيناها على قطاع غزة في استحياء؟ أم تشكرنا على عدة شاحنات من الأكفان التي بعثنا لهم بها؟ لأم تشكرنا على تصريحاتنا وشجبنا واستنكارنا؟
هي شكرت أخوة الدم، من آثروا الوقوف إلى جانبهم في حربهم، واختلطت الدماء بالتراب، وهُدّمت صوامع ومساجد ومنازل على رؤوسهم، وخسروا الآلاف من الشهداء في سبيل دعم المقاومة وتشتيت العدو.
نحن لا ننتظر شكراً من المقاومة، بل نحن من يقدم لها الشكر. فشكراً غزة.