أول حالة وفاة وسط حجاج السودان في مكة المكرمة
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
تاق برس – أعلن مكتب شئون حجاج السودان (البعثة الطبية) مساء أمس عن تسجيل أول حالة وفاة وسط بعثة حجاج السودان لموسم ١٤٤٥هجرية الحاج/ “عبدالماجد الحاج أبو” من ولاية شمال دارفور بالاراضي المقدسة في مكة المكرمة أثر هبوط حاد في الدورة الدموية.
وكان الفقيد قد حضر من ولاية شمال دارفور (الفاشر) بعد رحلة طويلة وشاقة استمرت عدة ايام بسبب الحرب التي تدور رحاها بالبلاد وصل خلالها الى الأراضي المقدسة ادى خلالها العمرة متمتعا حسب وكالة السودان الرسمية للأبناء “سونا”.
ونتيجة للاجهاد الشديد تعرض ( لهبوط حاد في الدورة الدموية ) تم إسعافه للمستشفى وقبل وصوله فاضت روحه الطاهرة الى بارئها.
حجاج السودانمكة المكرمةوفاة حاجالمصدر: تاق برس
كلمات دلالية: حجاج السودان مكة المكرمة وفاة حاج حجاج السودان
إقرأ أيضاً:
ذَهاب دارفور سيقود إلى فُقدان الشرق
ذَهاب دارفور سيقود إلى فُقدان الشرق
كيف لا يرى أصحاب ذِهنيّة التفكيك ومن يُناصرهم ذلك؟
أمرنا جِدُّ عجيب نحن في السودان. فبينما نسمع ونشاهد في أجهزة التلفزيون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ثالث أكبر الدول في العالم مساحةً يدعو إلى ضمِّ كندا ثاني الدول مساحةً إلى بلاده ويضيف إلى ذلك جزيرة جرينلاند أكبر جزر العالم مساحةً، وبينما تخوض روسيا أكبر دول العالم مساحةً حرباً ضَرُوساً لإخضاع أوكرانيا وضمِّ أجزاء منها إليها، وبينما نجحت الصين رابع دول العالم مساحةً في استعادة هونج كونج وواصلت سياستها الرامية إلى استعادة تايوان، نسعى نحن بأيدينا، أو بالأحرى يسعى بعض الذين أحكموا قبضتهم على شُؤون بلدنا على تفكيك وتمزيق هذا الوطن العظيم.
جاء في الأنباء في حديث منسوب للأمين العام للحركة الإسلامية، وهو أحد أبرز رموز حزب المؤتمر الوطني الذي حكم البلاد لنحو ثلاثين عاماً تمّ خلالها انفصال جنوب السودان بأهله النُجباء وأراضيه الخصبة ومياهه الوفيرة وغاباته الخضراء وجماله الطبيعي، أنّه لا يمانع في ذَهاب دارفور التي" ظلّت منطقة مشتعلة بالصراعات وأقعدت بالسودان" في قوله.
هذا تفسير وقراءة مغلوطة لتطورات الأوضاع في السودان تاريخياً ومفاهيمياً.
أوّلاً، من حيث التاريخ، فإنّ الأوضاع في دارفور لم تنفجر إلا نحو عام 2003، أي بعد قُرابة الخمسين عاماً من الاستقلال. فقبل ذلك، ظلّت دارفور إلى حدٍّ كبير مثلها مثل باقي مناطق السودان، توجّه إليها الناس من خارجها واستوطنوا فيها وتعايشوا مع أهلها بمحبَّة، وشهادات بعضهم على ذلك مُتاحة، وحقّق عددٌ منهم نجاحاً مادياً ملحوظاً جعلهم من أثرياء السودان. تقتضي الأمانة والنزاهة الفكرية والأخلاقية إذاً، أن نبحث في الأسباب الحقيقية التي قادت من حالة السِلم والاستقرار في دارفور منذ الاستقلال، إلى انفجار الصراع في عام 2003.
هذا من ناحية الوقائع التاريخية، أمّا من الناحية المفاهيمية، فإن الحُجَّة الرئيسية لتفسير صراعات دارفور ومن ثمّ تبرير الدعوة إلى انفصالها، تدور حول اختلاف العادات والسحنات وأشياء من هذا القبيل المُحزن بينها وبين المناطق التي يُراد بتر دارفور منها، وهي حُجَّة واهية ولا تستقيم على أكثر من وجه. فلننظر على سبيل المِثال إلى أقوام أمريكا وكندا وأستراليا والبرازيل، لنجد أنّ بعضهم قد لا يلتقون إلا عند آدم. ومع ذلك، لم يطالب أحد بتقسيم هذه الدول على أُسُس إثنية، فقد كفلت الدساتير وأُطُر الحكم الرشيد فيها حقوق المُواطنة المُصانة بالقوانين التي يجري تنفيذها، لا تلك التي يُحتفظ بها كمحض نصوص خاوية.
ومن الناحية الأخرى، كَمْ عمر الوطن؟ إنّ التركيز على اللحظة الراهنة المُشبّعة بعوامل الاحتقان سيقود بطبيعته إلى إبراز عناصر الاختلاف وإخفاء ما يجمع بين الناس من مزاج وجداني مشترك وملامح وطباع مُتقاربة ينسج الزمن في سيرورته من خيوطها رداء الوطن الجميل الذي يُمكِن لنا جميعاً أن نرفل فيه.
وأخيراً، من الناحية المفاهيمية أيضاً وربما هي الأهمّ: ألا توجد مسؤولية للحاكمين في المركز عن تدهور الأوضاع وبروز النزاعات في الأقاليم؟ أليست هي المسؤولية الأكبر بحكم الموارد المادية والبشرية والمعرفية المُتاحة لهم لحلّ النزاعات، والالتزامات الأخلاقية المُناطة بهم بحكم مناصبهم الجليلة هذه؟ هل حقّاً لا يوجد بديل عقلاني لإرسال الجيوش لقمع النزاعات؟ إذا اعتبر أهل الأقاليم البعيدة أنّ نموذج الحكم القائم يتجاهل مصالحهم وأنّهم لا يجدون لأنفسهم تمثيلاً حقيقياً فيه، ألا يدعوا ذلك الحاكمين إلى إجراء حوار موضوعي جادّ معهم حول شكواهم؟
لقد انفصل الجنوب، وذهب إلى حال سبيله، ولم تتحقّق توقعات من قبلوا بانفصاله. فبدلاً عن الازدهار والنمو المتسارع الذي بشروا به لما تبقّى من السودان، شهدنا تدهوراً مُتسارعاً في الأوضاع الاقتصادية، وتزايداً في وتيرة الصراع والعنف انتهى بالحرب المُدمِّرة الحالية التي اندلعت في العاصمة نفسها هذه المرّة ولم تبق ولم تذر. ومِمّا يُحمد لأهلنا في جنوب السودان في هذا الخصوص، أنّهم لم يظهروا الشماتة فيما حدث لنا نحن الذين بيننا من قال إنّهم "لا يشبهوننا".
من يتصوّر بأنّه سيحتفظ بأقاليم السودان المُتبقية بعد ذهاب دارفور استناداً إلى وجود التوافق والانسجام بين مكوناتها واهم، فالانسجام التلقائي بين مكونات أيّ مجتمع خرافة. وهو خرافة أكبر في المجتمعات التي تتمطّى فيها القبليّة خاصة عندما تجد من يحتفل بمآثرها، لأنّ القبيلة بالتعريف هي كيان مُتميّز عن الكيانات القبليّة الأخرى القائمة معه. وحتى داخل القبيلة الواحدة، قد لا يوجد انسجام تامّ، ولنا في الصومال الشقيق مثالاً، إذا تحرّجنا من الإشارة إلى تاريخ بعض القبائل السودانية، إن لم يكن كلّها. ويكفي النظر إلى تجربة السلطنة الزرقاء وقبائلها، والتي لخّص كاتب غاب عني اسمه تاريخها بأنّه عبارة عن " شكلة" مُستمرّة وقعقعة بالسيوف تواصلت حتى أفول نجمها. لذلك لم تترك تلك السلطنة في عمرها الطويل آثاراً مادية وعمرانية تستحقّ الذكر، وأهمّ ما وصلنا منها من الناحية الفكرية والأدبية كتاب طبقات ود ضيف الله الذي تمتزج فيه الوقائع بالأساطير.
نموذج الدولة الحديثة المحكومة بالنظم القانونية العقلانية، والذي أصبحت معرفته في متناول الجميع هو ما يحفظ الوحدة والسلام بين مكونات البلد في أرجائه المختلفة، وليس نظام الحكم القائم على الانسجام القبائلي. ولذلك إذا ذهبت دارفور الى ما ذهب إليه الجنوب، فسيتبعها عاجلاً أو آجلاً الشرق وهلُمّ جرّا.
نحن الآن في حالة حرب اشتدّت فيها محاولات الاستقطاب وإثاره المخاوف والكراهية وسط المدنيين على أُسُس جهوية بهدف حشد الدعم من جانب كلّ طرف من طرفيها لنفسه. وللأسف فقد انساقت أعداد ليست قليلة من الناس وراء ذلك. ولكِنّ الشواهد تشير أيضا إلى أنّ الأغلبية العظمى من السودانيين، رغم الضرر الماحِق الذي حلّ بهم بسبب الحرب، رأت في المدنيين، بغضّ النظر عن خلفياتهم الإثنية ومناطقهم الجهوية، ضحايا حرب مثلهم.
حجب الدعم من قِبل المدنيين السودانيين عمن يدعون إلى استمرار الحرب، قد يكون هو الوسيلة الناجعة الوحيدة بأيديهم لإيقافها. هذه الحرب لن توقفها دول المحاور الاقليمية المعروفة بمناصرة جانب أو آخر من الجانبين المتقاتلين، أو حتى تلك التي تزعم الحياد. مصالح هذه الدول قد بُلورت للأسف، ليس على أرضية الفوائد المتبادلة بينها وبين السودان، وإنّما على منطق انتهازي ذي نظرة قصيرة المدى تتطلّب إبقاء السودانيين مُقسّمين ومُتشاكسين للاستئثار بمواردهم الطبيعية. هذا المنطق فيه بالطبع استصغار للسودان وأهله، كان حريّاً بأن يُحِسسنا بالغبن ويستنهض فينا الغيرة الوطنية على بلدنا العظيم. لقد ردّد البعض كثيراً أنّ هذه الدول لا ترغب في قيام حكم مدني ديمقراطي في السودان خوفاً من انتقال العدوى إليهم. ولكِن من المرجح أنّ السبب الأهمّ من ذلك، في نفورهم من قيام مثل هذا الحكم في السودان، هو أنّه سيجعل من الصعب على أيّ جهة الاستمرار في الاستغلال غير المُنصف لموارد السودان، نتيجة لوجود تشريعات واضحة وأداء حكومي مُراقب من قِبل الصحافة الحرّة والتنظيمات السياسية والمدنية، وهذه هي أهمّ سمات النظام الديمقراطي كما هو معلوم.
لماذا لا نقلب الطاولة إذاً على دُعاة الحرب ببناء الجسور بين المجموعات المختلفة من الأهالي وخلق تضامن ملموس بين المدنيين يسمو على اعتبارات الجهوية، ويكرّس انتماءنا لهذا الوطن العزيز وحده.
أعلم دون شكّ، أنّه من الصعب على من فقد عزيزاً لديه بسبب الحرب، أو فقد منزله ومصدر رزقه وثروته وأضطرّ للنزوح أو البقاء مُجبراً تحت نيران البنادق، أن يغفر لمن يظنّ أنّ له يداً في حدوث الضرر الذي حاق به. ومع ذلك، فإنّ التسامي فوق النكبات الشخصية والبحث عن شعلة للتسامح في أغوار النفس هو أمرٌ مُمكِنٌ، والشواهد على ذلك في تاريخ البشرية كثيرة. أكتفي منها بمثلين، وكلاهما لأمّ، وليس مثل فقد الأمّ لولدها فقد.
ففي إيران، أقدمت السيدة "سميرة علين جاد" في آخر اللحظات تقريباً قبل صعود قاتل ابنها إلى المشنقة، بالعفو عنه. وكانت هذه السيدة قد أخبرت وكالة " الأسوشيتد برس" قبل اتخاذها لهذه الخطوة أنّ الفكرة التي ظلّت مسيطرة على ذهنها طَوال الوقت هي الثأر لمقتل ابنها المراهق.
وفي جنوب افريقيا، وفي إحدى جلسات "لجنة الحقيقة والمصالحة" بعد نهاية نظام حكم الفصل العنصري، استمعت امرأة مُتقدِّمة في السنّ إلى اعتراف الجندي الذي قتل زوجها وابنها بطريقة وحشيّة. وعندما سألها القاضي عن ما تطلبه من القاتل، تقدّمت بثلاثة طلبات هي: أن يأخذها إلى موقع الجريمة لتجمع بعض الرُفات منه وتقوم بدفنها، وأن يُصبح الجندي بمثابة "ابن بديل" لها يستوعب بعض الحبّ الذي تكنّه لابنها وذلك بزيارتها مرّة كلّ أسبوعين، وأخيراً بأن يقبل هو عفوها الكامل عنه والذي يبدأ بقيامها باحتضانه بقوة في التّوِّ واللحظة.
ختاماً، لربما تكمن أهمية التسامح، بجانب إعلائه لقيم الإنسانية السمحة، في كونه تِرياقاً للنفس المجروحة يُحرِّرها من نير وظلام الكراهية الدامس القابع في الدواخل.
محمد حامد الحاج
melhaj@gmail.com