أين الفاعلون الدوليون من مخاطر إبادة جماعية في السودان؟
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
يُعتبر الوضع في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بالغ الخطورة بشكل خاص. إذ فرَّ إلى هناك أكثر من مليون شخص هرباً من الحرب. وتسيطر القوات المسلحة السودانية (SAF) تحت قيادة عبد الفتاح البرهان على المدينة، وفي الوقت نفسه، تحاصرها قوات الدعم السريع المنافسة (RSF) تحت قيادة محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي) وتهاجمها بشكل متكرر
التغيير:(وكالات)
تتصاعد أعمال العنف في السودان، ويواجه عدد لا يحصى من الناس خطر التهجير والموت والمجاعة.
“في السودان ينفد الوقت أمام ملايين الأشخاص الذين يواجهون خطر المجاعة الوشيك بعدما نزحوا من أراضيهم، ويعيشون تحت القصف، وانقطعت عنهم المساعدات الإنسانية”، بهذه الكلمات الحازمة، حذرت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية في الأيام الأخيرة من مجاعة في السودان، وذكرت في بيان مشترك أن طرفي الصراع في هذا البلد الذي تمزقه الحرب تعمدا جزئيا منع وصول المساعدات للمدنيين.
وكانت أليس ويريمو نديريتو، مستشارة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بمنع الإبادة الجماعية، قد أشارت سابقاً إلى الوضع الكارثي في السودان، وحذرت قبل بضعة أيام في بيان أمام مجلس الأمن الدولي من أن العنف في إقليم دارفور ربما يكون بالفعل قد بلغ حد الإبادة الجماعية. وأضافت: “المدنيون يتعرضون للهجوم والقتل بسبب لون بشرتهم وبسبب انتمائهم العرقي”.
وترى منظمة أطباء بلا حدود الأمر نفسه. وقالت رئيسة الاستجابة الطارئة لأطباء بلا حدود في السودان كلير نيكوليه: “إننا نشهد (..) حمام دم يجري أمام أعيننا”.
ووفقا لأطباء بلا حدود، فقد قُتل ما لا يقل عن 145 شخصا، وأصيب أكثر من 700 آخرين منذ 10 مايو/ أيار وحده. ولم تعد منظمات الإغاثة قادرة على مواصلة العمل بعد الآن بسبب العنف.
وضع خطير في الفاشر
ويُعتبر الوضع في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بالغ الخطورة بشكل خاص. إذ فرَّ إلى هناك أكثر من مليون شخص هرباً من الحرب. وتسيطر القوات المسلحة السودانية (SAF) تحت قيادة عبد الفتاح البرهان على المدينة، وفي الوقت نفسه، تحاصرها قوات الدعم السريع المنافسة (RSF) تحت قيادة محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي) وتهاجمها بشكل متكرر.
وتحذر مارينا بيتر، رئيسة منتدى السودان وجنوب السودان الألماني، في مقابلة مع DW قائلة: “الفاشر على شفا حدوث مجاعة”. وأضافت أنه إذا استولت الميليشيات على المدينة، فمن المرجح أن تؤدي إلى حركة لجوء ضخمة أخرى. كما يمكن أن نتوقع ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية، كما هو الحال في المدن الأخرى التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع. وأوضحت بيتر: “أولئك الذين يملكون بعض المال يمكنهم، مع قليل من الحظ، مغادرة المدينة. لكن الفقراء سيذبحون تماما”.
تحالفات هشة
وحسب تقديرات بيتر، فإن قوات الدعم السريع قامت بتصرفات وحشية لإجبار السكان على الانضمام إليهم، وتقول إن “الفاشر في الأساس هي القطعة المفقودة. إذا نجحوا في ذلك، فإن السودان سينقسم إلى قسمين – وهذا سيكون بمثابة كارثة على المستوى السياسي”.
وعلى الأرجح، ترجع وحشية تصرفاتهم أيضاً إلى حقيقة أن كلا الجانبين يواجهان ضغط الوقت. فكلما طالت مدة الحرب، كانت احتمالات انهيار التحالفات أقوى. وحسب تحليل لمجموعة الأزمات الدولية (ICG)، فإن كلا الجانبين قد استند إلى تحالفات مع ميليشيات محلية. وهذا يؤدي إلى صعوبة السيطرة على كل تحالف على حدة. “لقد دخل الصراع مرحلة جديدة خطيرة، يستمر فيها السودان في التفكك”، وفقا لمجموعة الأزمات الدولية.
دور الفاعلين الدوليين
وتعتمد الأطراف المتحاربة بشكل أكبر على التحالفات مع شركاء دوليين. على سبيل المثال، أطلق قائد الجيش عبدالفتاح البرهان مبادرة دبلوماسية تجاه إيران في الخريف الماضي. ومنذ ذلك الحين، تمتلك القوات المسلحة السودانية أيضًا مسيرات مقاتلة يمكن من خلالها ممارسة ضغط كبير على خصومها. ومن الواضح أيضًا أن مصر والسعودية تدعمان البرهان. وبغض النظر عن الوضع الصعب، فإن البرهان يواصل تصوير نفسه على أنه الرجل القوي في البلاد. وتحلل الخبيرة بيتر الوضع: “كلا من مصر والسعودية ترغبان في رؤية شخص مثله على رأس دولة تدار بإحكام”.
وعلاوة على ذلك، فإن مصر والسودان مرتبطتان أيضًا لأسباب سياسية وأيديولوجية، كما تقول عالمة السياسة هاجر علي من معهد “GIGA” أو (المعهد الألماني للدراسات العالمية ودراسات المناطق) في مدينة هامبورغ ، الذي نشر مؤخرًا تحليلاً لحرب السودان يفيد بأن سياسات البرهان والطابع المحافظ للحكومة المصرية يشبهان بعضهما البعض، وعليه فإن “مصر لا تعمل مع قوات الدعم السريع (المنافسة) لأنها ليست جهة فاعلة تابعة للدولة”.
ويقدم حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، نفسه كمقاتل ضد الإسلامويين. وبهذا الدور أيضًا، تمكن من الفوز بدولة الإمارات العربية المتحدة كداعم له. كما أن روسيا تقف إلى جانبه، على الأقل بشكل غير مباشر. وفي المقابل، أعطى حميدتي ميليشيا فاغنر – التي أعيد تسمية الجزء النشط منها في أفريقيا الآن بالـ “الفيلق الأفريقي” – حقوق التنقيب عن احتياطيات الذهب الهائلة في السودان. والآن تخطط روسيا أيضًا لإنشاء مركز لوجستي في بورتسودان، والذي سيتم توسيعه ليصبح قاعدة بحرية على المدى الطويل. ووفقا لتقارير إعلامية، فقد كان هناك اجتماع مماثل بين المبعوثين الروس وقيادات القوات المسلحة السودانية في نهاية أبريل/ نيسان الماضي.
وتقول هاجر علي: “ترغب كل من الإمارات وروسيا في توسيع نفوذهما في أفريقيا بشكل عام”. وتابعت أنه لدى الدولتين مصلحة مشتركة في احتياطيات الذهب في السودان. بالإضافة إلى ذلك، يعد السودان مهمًا لكلا البلدين من أجل تعزيز تواجدهما بقوة في قارة أفريقيا. “ويفضل أن يتم ذلك من خلال التعاون مع الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل حميدتي، الذي يفلت من سيطرة الدولة”، حسبما ترى هاجر علي.
مصلحة في “عدم استقرار متحكم فيه”
بشكل عام، يبدو أن الجهات الدولية لديها قليل من الاهتمام بحل الصراع. “بالنسبة لجميع الدول المعنية، يعد السودان بوابة إلى البحر الأحمر ومن خلاله إلى أفريقيا”، كما تقول علي. ولهذا فإن عدم وجود أي مؤسسات تعمل بشكل طبيعي في السودان تقريبا، أمر يأتي على هواهم. وهذا يقلل من أوقات الانتظار إذا كنت ترغب في إنشاء قاعدة عسكرية أو تواجد دبلوماسي”.
وتابعت هاجر علي: “كل ذلك يتم بسرعة أكبر بكثير من خلال قنوات غير رسمية وغير شفافة، كما هو الحال حاليًا في السودان. وفي هذا الصدد، فإن الجهات الفاعلة على المدى الطويل لديها اهتمامات أقل بالسلام من اهتمامها بانعدام للاستقرار متحكم فيه”.
نقلاً عن DWعربية
الوسومآثار الحرب في السودان إيران السعودية حرب الجيش والدعم السريع روسيا مصرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان إيران السعودية حرب الجيش والدعم السريع روسيا مصر القوات المسلحة السودانیة قوات الدعم السریع فی السودان تحت قیادة هاجر علی
إقرأ أيضاً:
ثورة يحبّها الأعداء… إلى حين!
زوايا
حمّور زيادة
في ذكراها السادسة (ديسمبر/ كانون الأول 2018 – ديسمبر 2024)، تنافس أعداء الثورة السودانية في التسابق الى نسبتها لأنفسهم. ما عدا الاسلاميين الذين أطاحتهم الثورة، وظلوا يردّدون انها انقلاب داخلي وخيانة أمنية بتنسيق دولي. أما الجيش، الذي ظلّ، منذ استقلال السودان في العام 1956، عدواً لكل الأنظمة الديمقراطية، وقامت كل الثورات السودانية ضد حكمه، فقد هنأ الشعب بالثورة المجيدة، ويؤكّد أن الجيش (قامت ضد حكمه الثورة، ثم استمرّت رافضة إدارته الفترة الانتقالية، ثم رافضة انقلابه على الشراكة مع المدنيين) سيكون حارساً لها، حتى تبلغ أهدافها!
هذا خطاب سيستمر فيه الجيش حتى يؤسّس لشرعيته الجديدة التي يكتسبها بالحرب، فالآن لم يعد هناك من يسائله عن انقلاب 25 أكتوبر (2021) الذي قطع به طريق التحوّل الديمقراطي. لذلك احتفل الجيش بوضع لافتة عليها صور أعضاء مجلس السيادة الحالي، وكُتب عليها "شرعية مية المية" (!)، من دون أن يسأل من أين أتت شرعية مجلس السيادة الحالي، بعد أن فضّ قائداه، عبد الفتاح البرهان ومحمد أحمد دقلو (حميدتي)، الشراكة مع المكوّن المدني، وانهارت عملياً الوثيقة الدستورية التي جعلت فترة رئاسة البرهان المجلس مؤقتة حتى نوفمبر/ تشرين الأول 2021. قبل أن يحولها بعد الانقلاب إلى رئاسة دائمة ونافذة، فهو يعين أعضاءً في المجلس ويقيلهم!
هذه الشرعية التي قتلتها بنادق البرهان وحميدتي في أكتوبر ،2021 وما تلاه من شهور، هي ما يتمسّك بها الجيش مؤقتاً حتى تكتمل شرعية حكمه بالحرب، فبعد النصر تصبح شرعية حرب 15 ابريل هي ما تجبّ أي شرعية، وما تسقط أي جريمة.
أما قوات الدعم السريع التي نشأت يداً باطشة للنظام، واستخدمها الجيش والحركة الإسلامية في كل مراحل جرائم إقليم دارفور ثم الخرطوم، وعرضها للايجار والارتزاق في دول الجوار، متكسبين من وحشيتها، فتعلن أنها ملتزمة بالثورة واهدافها! وأنها تقاتل لأجل الحرية والسلام والعدالة.
بعيداً عن أن لدى الحركة الاسلامية نافذين في "الدعم السريع"، كانوا ولا يزالون خصوما للثورة، ويرونها انقلاباً ومؤامرة، ظلّ قائد "الدعم السريع" (حميدتي) نفسه عدوّاً لها ويعتبرها مجرّد فوضى تسمح له بالوصول إلى حكم البلاد، فبالنسبة للرجل الطموح القادم إلى السلطة عبر رهانات متهورة بدأت في بوادي دارفور، لم تكن الثورة إلا مجرّد اضطرابات وتفكك قبضة القوى المسيطرة. وبعملية حساب سريعة، وجد أن فرصته في الصعود وسط حالة الارتباك والفوضى ستكون أكبر منها لو انحاز لقائده وسيده البشير. قفز حميدتي سريعاً من قارب البشير، فأغرقه. ثم وجد نفسه مطلب العسكريين ومقصد رجائهم، كما حكى قائد الجيش، البرهان، في فترة حلفه مع الرجل.
هكذا بدا لحميدتي ان الثورة استنفدت اغراضها، فما بال هؤلاء الناس في الميادين والشوارع؟ هكذا لجأ إلى ما يعرفه دوماً. القمع، والمزيد من القمع. لم يسامح الثورة قط أنها من نادت بدمج الجيوش. وبعد أن أجبر على التوقيع على الاتفاق الإطاري لام أحد قادة قوى الحرية والتغيير أمام الجميع: "لولاكم لما كان الجيش أو غيره يتكلم عن دمج الدعم السريع". لذلك لن يسامحها ما بقي حلمه حياً، فلولاها لأثمرت لقاءات قادة الادارات الأهلية واللافتات الفخمة التي تصفه برجل السلام وتبرّعاته للمهنيين والمجتمعات المحلية مع سعادة الجيش بالتحالف معه، وتنافس عدد من كبار الضباط على تحيته، والعمل تحت إمرته. بينما جرت إقالة ضباطٍ عديدين رفضوا تعاظم نفوذ الرجل الذي حلم في 2017 بامتلاك قوات جوية! كان ذلك كله ليثمر سلطة تأتيه طائعة فيصبح كما يلقبه اتباعه "أمير البلاد". لكن ثورة ديسمبر كان لها حلم مختلف، بدولة مدنية ديمقراطية حديثة. ولم يكن الرجل يفهم لماذا ترفض الثورة الإدارات الأهلية، بينما هناك عمدة لمدينة لندن! كانت هذه معضلة تحيّره، وتحدث عنها في مخاطبة عامة. لذلك ينتظر غالباً نصراً لا يجيء ليعلن نفسه بطلاً لثورة 15 إبريل، كما يردّد الإعلاميون التابعون له.
لكل المتضرّرين من ثورة ديسمبر حكايتهم الخاصة. لكن جميعهم يتفقون على أن الاحزاب السياسة سرقتها من الشعب، وأنهم سيردونها للشعب! حتى الزعيم القبلي الذي أغلق الميناء الرئيسي للبلاد، وكبّدها الخسائر وأذلها في تنسيق مع المكون العسكري لإسقاط حكومة عبدالله حمدوك، حتى لهذا الزعيم حكايته عن الثورة التي طالب فيها الثوار في الشوارع بالبرهان وحميدتي ليحكما، ويسأل مستنكراً: من أين جاءت الأحزاب؟
... هكذا يتنافس عليها المتنافسون. بينما تفرّقت بأبنائها السبل والمواقف. وانهار الوطن الذي حلمت به الثورة. وأصبح مستقبله بين بندقيتي البرهان وحميدتي! حرب المكوّن العسكري الذي انقلب على المدنيين ليصحّح مسار الثورة.
نقلا عن العربي الجديد