على الأرض والكواكب الأخرى.. أنماط الكثبان الرملية تعبر عن التغيرات البيئية في الماضي والحاضر
تاريخ النشر: 4th, August 2023 GMT
الكثبان الرملية، تلك التلال الرملية التي تكونت بفعل الرياح والتي تتنوع من تموجات على الشاطئ إلى العملاق الشاهق في الصحراء، هي تجسيد للعمليات السطحية وتغير المناخ والجو المحيط. ولعقود من الزمن حار العلماء بسبب تشكل تلك الكثبان في أنماط مختلفة، والآن وجد فريق من الباحثين من عدة جامعات ومراكز بحثية أميركية بقيادة جامعة ستانفورد طريقة لتفسير معنى تلك الأنماط.
وحسبما يشير البيان الصحفي المنشور على موقع جامعة ستانفورد في الأول من أغسطس/آب الجاري، يمكن استخدام النتائج التي توصل إليها الباحثون، والتي نُشرت في دورية "جيولوجي" أداة جديدة لفهم التغيرات البيئية التي تحدث على أي جسم كوكبي يؤوي كثبانا رملية، بما في ذلك الزهرة والأرض والمريخ وتيتان وآيو وبلوتو.
من جهته، يقول ماتيو لابوتر -كبير مؤلفي الدراسة والأستاذ المساعد لعلوم الأرض والكواكب في كلية ستانفورد دوير للاستدامة- إنه "عندما تنظر إلى كواكب أخرى، فإن كل ما لديك هو صور مأخوذة من مئات إلى آلاف الكيلومترات من السطح، حيث تمكنك رؤية الكثبان الرملية، لكن من دون إمكانية للوصول إلى هناك"، مضيفا أن النتائج التي توصل إليها الفريق توفر أداة جديدة ومثيرة حقًا لفك رموز التاريخ البيئي لهذه الكواكب الأخرى التي لا توجد لدينا بيانات إضافية عنها.
للوصول إلى نتائج الدراسة، حلل العلماء صور الأقمار الصناعية لـ46 حقلا من حقول الكثبان الرملية على الأرض والمريخ، ودرسوا كيف تتفاعل الكثبان الرملية أو تتبادل الرمال.
فيزيائيا، تقترب خطوط التلال الخاصة بالكثبان من بعضها بعضا. ومن خلال التفاعلات، تتطور الكثبان الرملية لتشكل أنماطا خالية من العيوب، مما يعكس حالة من التوازن مع الظروف المحلية.
وافترض الباحثون أن عددا كبيرا من التفاعلات قد تشير إلى تغيرات حديثة أو محلية في تلك الظروف الحدودية بين الكثبان. ولاختبار فرضيتهم، استخدموا بيانات من الأرض والمريخ للتحقق من مدى تأثير التغيرات المعروفة في الظروف البيئية، مثل اتجاه الرياح أو كمية الرمال المتاحة، على التفاعلات بين الكثبان الرملية في حقولها.
ولدراسة الأمر على الأرض في جزء من صحراء تنغر الصينية، قام الباحثون بتسوية حقل الكثبان الرملية ليكون لديهم خط أساس لفهم ما يحدث من تغيرات لاحقة في أشكالها. وفي المقابل، حللوا صور الأقمار الصناعية لحقل الكثبان الرملية من 2016 إلى 2022 لمعرفة كيف نما من طبقة مسطحة إلى كثبان كبيرة في حالة توازن مع بيئته.
يقول لابوتر إنه عندما لم تكن الكثبان وأنماطها متوازنة مع ظروفها الحالية، كانت كثافة التفاعل بينها عالية، وبمرور الوقت تمكننا رؤية كثافة ذلك التفاعل تتناقص باستمرار، كما هو متوقع من الفرضية التي وضعها الباحثون.
بعد ذلك، أجرى الباحثون تحقيقا في الكثبان الرملية المهاجرة عبر وادي في صحراء ناميب التي تمتد بين جنوب أفريقيا وناميبيا، ليروا كيف أثرت التغيرات في ظروف الرياح الناجمة عن التضاريس، على أنماط الكثبان الرملية. ووجدوا أن الكثبان الرملية خارج الوادي تظهر عيوبا قليلة في أنماطها، ولكن في أثناء انتقالها عبر الوادي -الذي يبدأ عريضًا جدا، ثم يضيق، ثم يصبح عريضا مرة أخرى- تفاعلت الكثبان الرملية مع بعضها بعضا بشكل أكبر.
يقول كولين مارفن المؤلف الرئيسي للدراسة وطالب الدكتوراه في علوم الأرض والكواكب "مع تدفق الرمال والرياح إلى الوادي، تتفاعل الكثبان مع التغير في ظروف حدودها، وتظهر الحاجة إلى تعديل نمطها. ومن ثم تنتقل الكثبان إلى الجزء الموجود خارج الوادي وتعيد التكيف مرة أخرى مع ظروفها غير المقيدة، ومن ثم نلاحظ انخفاضًا في عدد التفاعلات بين الكثبان. وهذا بالضبط ما توقعنا رؤيته".
وجد الباحثون أيضا أن هذا النمط ينطبق على المريخ، حيث يوجد حقل كثيب كبير حول القطب الشمالي. هناك، استقرت الكثبان الرملية المهاجرة في ظروفها الحالية -متباعدة وتبدو متشابهة وبنفس الحجم- وبسبب ذلك، تتفاعل الكثبان بشكل أقل مع بعضها البعض. ولكن في اتجاه هبوب الريح، حيث تصبح الرياح أكثر تقلبا ويؤدي الصقيع المحلي إلى صعوبة تطاير الحبوب بعيدا، هنا، تتفاعل الكثبان الرملية مع هذا التغير حتى تهاجر بعيدا بدرجة كافية في هذه الظروف الجديدة حتى ينضج نمطها مرة أخرى، ويصل إلى حالة من الاستقرار، مما يقلل من عدد تفاعلات الكثبان الرملية.
يقول مارفن "لدينا حد أعلى للوقت الذي تستغرقه الكثبان الرملية للتكيف مع التغيرات في الظروف البيئية، وهذا هو الوقت الذي تستغرقه الكثبان الرملية للهجرة لمسافة طول الكثبان الرملية. يمكننا استخدام هذا لتشخيص التغيرات الأخيرة في الظروف البيئية على أجسام الكواكب، حيث ليس لدينا أي معلومات بخلاف الصور الملتقطة من المدار أو الرادار على سبيل المثال".
وأضاف لابوتر أن فهم المناخ الحديث للمريخ من خلال تحليل أنماط الكثبان الرملية الحالية يمكن أن يساعد العلماء في تحديد خطوط العرض والعمق بشكل أفضل، إذ قد يتمكن رواد الفضاء المستقبليون من العثور على جليد مائي في باطن الأرض.
تُطلع الدراسة أيضًا الخبراء على آليات الكثبان الرملية على الأرض، التي يمكن أن تساعدهم في تفسير سجل صخور الأرض بشكل أفضل، ومن ثم، تفسير الماضي البعيد لكوكبنا. وعلى قمر زحل "تيتان"، يمكن أن يكشف هذا النهج عن معلومات التضاريس حول خط الاستواء والمناطق الاستوائية على القمر، والتي تقع بالقرب من المكان الذي ستهبط فيه مهمة "دراغونفلاي" منتصف عام 2030.
ويضيف لابوتر "يمكن أن تخبرك التضاريس بعديد من الأشياء المختلفة، على سبيل المثال، التاريخ الجيولوجي للكوكب: هل تيتان لديه حركة تكتونية؟ كيف يعمل الجزء الداخلي لتيتان؟ وكيف يقترن بالسطح؟ هل هناك تآكل كبير؟"، مؤكدا أن تفسيرات أنماط الكثبان الرملية يمكن أن تؤدي إلى نوع من ردود الفعل المتسلسلة، "وسوف يكون هذا مفيدا لمجموعة من الأشخاص لإجراء مجموعة من الاكتشافات في المستقبل".
ونظرا لأن الكواكب الأخرى لها أحجام وجاذبية ودرجات حرارة وتركيبات مختلفة، فإن عملياتها الجيولوجية ستختلف. وبالمقارنة مع أي مركبة جوالة تهبط على نقطة واحدة من الكوكب لجمع المعلومات، فإن بيانات الأقمار الصناعية لحقول الكثبان الرملية بأكملها يمكن أن تزيد بشكل كبير من فهم العلماء لهذه الأجسام خارج كوكب الأرض، كما يمكن أن تعطينا معلومات لفهم ما يجري على الأرض.
يقول لابوتر "إذا أردنا أن نفهم ما حدث في الماضي، أو إذا أردنا التنبؤ بما سيحدث في المستقبل، فمن الصعب فعل ذلك عندما يكون كل ما لديك لإنشاء تلك النماذج هو نقطة بيانات واحدة، أو كوكب واحد فقط. وفي النهاية، يتيح لنا هذا النوع من المعلومات التي توفرها دراسة أنماط تفاعل الكثبان الرملية وحركتها تقديم تفسيرات أفضل لماضي الأرض وأيضًا تنبؤات بمستقبل الأرض".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الأقمار الصناعیة على الأرض یمکن أن
إقرأ أيضاً:
حين تحدث البابا فرنسيس بلغة مصر.. رحلة حوار وسلام تعبر الأديان والحدود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تعد العلاقة بين البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، ومصر واحدة من أعمق وأهم العلاقات الدينية على مستوى العالم، حيث شهدت هذه العلاقة العديد من المحطات المهمة التي ساهمت في تعزيز الروابط بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فضلاً عن التأثير الثقافي والديني الكبير الذي تركته هذه العلاقة على الشعب المصري.
زيارة البابا فرنسيس إلى مصر.. خطوة نحو تعزيز الوحدة المسيحيةفي عام 2017، قام البابا فرنسيس بزيارة تاريخية إلى مصر، وهي أول زيارة له منذ توليه البابوية، وكان الهدف الرئيسي للزيارة تعزيز الروابط بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في إطار تعزيز الحوار بين الأديان والحضارات.
المباحثات مع البابا تواضروس الثاني:أحد أبرز محطات الزيارة كانت اللقاءات بين البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وكانت هذه الزيارة تاريخية لأنها سلطت الضوء على التعاون بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية.
وأكدت التزامهما المشترك بحوار بناء يساعد على تعزيز السلام والتفاهم بين المسيحيين في الشرق الأوسط والعالم أجمع.
مشاركة في قداس وتكريم ضحايا الإرهاب:في الزيارة نفسها، كان البابا فرنسيس قد شارك في قداس في كاتدرائية القديس مرقس في القاهرة، حيث قام بتقديم التعازي لضحايا الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الكنائس المصرية في السنوات السابقة.
كانت هذه الزيارة بمثابة رسالة تضامن مع الشعب المصري في مواجهة الإرهاب وتعزيز وحدة الوطن.
البابا فرنسيس ودعمه للسلام والتعايش بين الأديان في مصرالبابا فرنسيس معروف بمواقفه الداعمة للسلام والتعايش بين الأديان، وهو ما كان له انعكاس واضح في تعامله مع الوضع المصري، كانت مصر دائمًا نقطة انطلاق للبابا في نشر رسالة السلام والمحبة، حيث عمل على تعزيز الحوار بين الأديان، خاصة في فترة التوترات الدينية التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة.
مشاركته في مؤتمر السلام العالمي:في عام 2019، شارك البابا فرنسيس في مؤتمر “الوثيقة العالمية من أجل الأخوة الإنسانية”، الذي انعقد في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة، وكان لهذا المؤتمر تأثير كبير على الحوار بين الأديان في مصر، حيث تم التوقيع على وثيقة تاريخية لتعزيز الأخوة الإنسانية والتعاون بين الأديان.
وقد أكدت هذه الوثيقة على ضرورة العمل معًا من أجل السلام والعدالة في الشرق الأوسط، وهو ما تفاعل معه العديد من القادة الدينيين في مصر.
الرمزية الدينية في زيارته للأماكن المقدسةخلال زيارته لمصر، قام البابا فرنسيس بزيارة الأماكن المقدسة في القاهرة، مثل الكنيسة المعلقة ودير سانت كاترين، مما أضاف بعدًا روحيًا إلى زيارته، وكانت هذه الزيارة أيضًا تعبيرًا عن احترامه العميق للكنيسة القبطية ولتاريخ مصر العريق.
علاقات البابا فرنسيس مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسيةعلى الرغم من أن الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية تفترقان في بعض العقائد، إلا أن البابا فرنسيس والكنيسة القبطية جمعتهما علاقة أخوية وطيدة تعتمد على التعاون المشترك في قضايا السلام والحوار المسيحي.
اللقاءات مع البابا تواضروس الثاني:بعد زيارة البابا فرنسيس لمصر في 2017، استمر التواصل مع البابا تواضروس الثاني على أعلى المستويات ، فقد شهدت العلاقة بين الكنيستين تبادل الزيارات واللقاءات التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين المسيحيين في الشرق الأوسط.
كان لهذه اللقاءات تأثير كبير في دعم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مواجهة التحديات التي كانت تواجهها في تلك الفترة.
الاعتراف المتبادلفي ظل هذه العلاقة، تم الاعتراف المتبادل بالقداسات والتقليد المسيحي بين الكنيستين، وهو ما يعكس الرغبة المشتركة في تعزيز الوحدة المسيحية في المنطقة.
كما عقد العديد من الندوات واللقاءات الحوارية بين رجال الدين في الفاتيكان والكنيسة القبطية، مما ساعد في تصحيح المفاهيم المغلوطة بين الطائفتين.
التأثير الثقافي والروحي للبابا فرنسيس في مصرإلى جانب الأبعاد الدينية، كان للبابا فرنسيس تأثير ثقافي وروحي واضح في مصر، حيث اجتذب العديد من المحبين والمتابعين من جميع أنحاء العالم العربي، وكانت زيارته بمثابة فرصة لتسليط الضوء على التراث المسيحي المصري العريق وتعزيز مكانة مصر كداعم للحوار الديني في منطقة الشرق الأوسط.
دعم لحقوق الأقليات المسيحيةفي العديد من تصريحاته، أبدى البابا فرنسيس دعمه المستمر لحقوق الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط.
وكان دائمًا يبرز أهمية احترام حقوق الإنسان والتعايش السلمي بين الأديان، وهي رسائل لاقت صدى واسعًا في المجتمع المصري، خاصة بين المسيحيين.
الدور الروحي في توجيه الأجيال الشابةفي زيارته لمصر، التقى البابا فرنسيس بالعديد من الشباب المصري، داعيًا إياهم إلى العيش بسلام وحب، وملهمًا إياهم ليتبعوا قيم السلام والمحبة. كانت هذه الزيارة بمثابة رسالة قوية للأجيال القادمة حول أهمية العيش المشترك والعمل معًا لبناء مستقبل أفضل.
علاقة مستمرة من الحب والتعاونتظل علاقة البابا فرنسيس بمصر علامة بارزة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، من خلال زيارة البابا فرنسيس إلى مصر، أصبح هناك فهم أعمق للتعاون المسيحي في المنطقة، بالإضافة إلى تعزيز الحوار بين الأديان.
البابا فرنسيس ظل دائمًا مناصرًا للسلام والمحبة، مما جعله رمزًا دينيًا له تأثير كبير في مصر والعالم العربي.