تبدو حركة المرور مزدحمة خلال "ساعات الذروة " في شوارع مدينة طهران التي تجاوز عدد سكانها العشرة ملايين.. ورغم ما تتميز به شوارع طهران من نظافة ومن احترام سائقيها لقانون الطرقات يكتشف الزائر والصحفي بسهولة "المضاعفات السلبية" لعقود من الحصار الامريكي والغربي لإيران على اقتصاد البلاد و على المدينة... رغم العديد من "الانجازات الطموحة" مثل شبكة مترو الانفاق وفي قطاعات النقل الجوي والتعليم والبحث العلمي والتكنولوجي والهندسي.

..

وعندما نتحدث مع الديبلوماسيين الأجانب والخبراء والشباب تستمع جوابا واضحا: "إيران صامدة منذ 45 عاما وتتقدم في كل المجالات رغم الحصار الأمريكي الغربي المفروض عليها منذ ثورة 1979 وقرار زعيمها آية الله الخميني غلق السفارة الإسرائيلية وتسليمها إلى الزعيم ياسر عرفات وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية".

ويستحضر معك الخبراء الإيرانيون المستقلون والديبلوماسيون الذين عملوا في طهران قائمة "الغلطات" التي لن تغفرها واشنطن وتل أبيب والعواصم الغربية لقيادات "الثورة الإسلامية الإيرانية" وبينها "إعلان القطيعة مع تل أبيب" والهجوم على السفارة الأمريكية في طهران في نوفمبر 1979 ثم الدخول في مواجهات مفتوحة مع أغلب "حلفاء " واشنطن في المنطقة وفي العالم.. من  فلسطين المحتلة ولبنان وسوريا واليمن إلى غرب إفريقيا وأمريكا اللاتينية غربا وأفغانستان و"خراسان الكبرى" والصين وروسيا شمالا وشرقا..

فهل ستتمسك طهران بعد الانتخابات الرئاسية الجديدة بسياسات "تحدي النظام الإقليمي والدولي"؟

وبعد دخول الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة والضفة ودول المنطقة شهرها التاسع هل تتابع طهران نفس السياسة أم تعدلها لتنتصر" حسابات الدولة" على "إيديولوجيا الثورة الإسلامية الشعبية" وأجندات  مؤسسة "حراس الثورة" التي منحها الدستور صلاحيات واسعة جدا داخليا وخارجيا وهو ما يفسر تزايد دور مؤسسة "فيلق القدس" التابعة له والتي كان يتزعمها الجنرال قاسم سليماني؟


حسن حفيد الخميني في ندوة داعمة لطوفان الأقصى قبل أيام في طهران بحضور مرشحين للرئاسة

أغلب المؤشرات "العلنية الرسمية "لا توحي بتغييرات كبيرة في سياسات طهران الخارجية ولا في الخطاب الانتخابي لأبرز المرشحين للرئاسة.. ورغم كثرة المتنافسين لخلافة الرئيس إبراهيم رئيسي فإنهم جميعا من "نفس المنظومة الثورية"، سواء صنفوا ضمن الإصلاحيين أو المحافظين أو الوسطيين..

"غزة المظلومة الصامدة"

ووطنيا لعل من أبرز هذه المؤشرات سلسلة الكلمات والخطابات التي ألقاها "القائد العام ومرشد الثورة على خامنائي" منذ وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي وبصفة أخص في سلسلة الملتقيات الفكرية السياسية التي تنظم منذ أسابيع في إيران "دعما لطوفان الأقصى" ولـ "غزة المظلومة والصامدة" وإحياء للذكرى 35 لوفاة الإمام الخميني..

أهم رسالة كانت حاضرة.. "تغيير رئيس الجمهورية لا يؤثر في توجهات الدولة ومؤسساتها" المدنية والعسكرية..


     الديبلوماسي والخبير الإيراني مهدي شريعة مدار مع مندوب "عربي21" كمال بن يونس

وحسب تصريح أدلى به الديبلوماسي الإيراني مهدي شريعة مدار لـ "عربي21"، فإن "السياسات الكبرى في إيران لا تتغير كثيرا بتغيير رئيس الجمهورية، لأن الدستور وواقع موازين القوى في البلاد يعطيان صلاحيات واسعة لمؤسسات عديدة" بينها البرلمان ومؤسسة "المرشد قائد الثورة " والمؤسسات التابعة له مباشرة بينها "قوات النخبة" المعروفة منذ  ثورة 1979 بـ "حراس الثورة" فضلا عن الهيئات المكلفة بـ "تشخيص مصلحة النظام" و"مجلس صيانة الدستور "...

التناقضات بين "المحافظين" و"الإصلاحيين"؟

في نفس السياق أورد الخبير الإيراني في الاتصال والشؤون السياسية حامد غاشغاوي في حديث خص به "عربي21" أنه لا يوافق على "التصنيفات الغربية لـ "السياسيين الإيرانيين المتنافسين في الانتخابات إلى "تيار محافظ" و"تيار إصلاحي "...

ويعتبر غاشغاوي أن هذا التصنيف "لا يخلو من تبسيط ويمكن أن يوقع أصحابه في خطأ منهجي" رغم إقراره بوجود "اختلافات في  وجهات النظر" بين عدد من أبرز المتنافسين للوصول إلى كرسي الرئاسة وتعويض إبراهيم رئيسي..

وأورد هذا الخبير الإيراني الشاب في تصريحه لـ "عربي21" أنه من خلال تعامله عن قرب مع عدد من كبار صناع القرار في طهران بكل توجهاتهم ومع فريق كل منهم فإنه لا يوافق على "التقسيم المتسرع لساسة إيران بين محافظين واصلاحيين ووسط"... ورجح أن يكون السباق كبيرا في الانتخابات بين رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف وشخصيات مثل الديبلوماسي وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي سابقا سعيد جليلي.


      المرشح البارز لخلافة رئيسي محمد باقر قاليباف يفتتح مؤتمر دعم طوفان الأقصى

وكان جليلي قاد المفاوضات النووية مع الدول الست العظمى وحقق نجاحات أكسبت إيران موقفا عربيا خلال صراعها مع الغرب قبل عشرة أعوام. كما عين سعيد جليلي عضوا في "مجمع تشخيص مصلحة النظام" من قبل المرشد الأعلى الثورة.

في نفس الوقت قد يجد "المرشح الأوفر حظا"، أي رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، نفسه في موقع التنافس مع شخصيات سياسية وطنية لها "نفس الرصيد السياسي والامني"، بما في ذلك الخبرة العسكرية خلال حرب الثمانينات مع نظام صدام حسين وحلفائه... ثم العلاقة المتميزة مع قوات النخبة و"مؤسسة حراس الثورة " والبرلمان...

 تنافس حقيقي

في المقابل يعتقد خبراء وسياسيون آخرون أن "التنافس بين المحافظين والإصلاحيبن حقيقي".. ويستدلَ هؤلاء بالخلافات التي برزت خلال الثلاثين عاما الماضية بين رؤساء "إصلاحيين" بينهم محمد خاتمي (1997 ـ 2005) والرئيس حسن روحاني (2013 ـ 2021) ورؤساء محافظين بينهم الرئيس المثير للجدل و"الشعبوي" أحمدي نجاد ( 2005 ـ 2013) ورؤساء من "يمين الوسط" أو "وسط اليمين" مثل الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي (2021 ـ ماي 2024) والرئيس الأسبق وأحد أبرز زعماء ثورة 1979 الهاشمي رافسنجاني ( 1989 ـ 1997) وسلفه آية الله على خامنائي (1981 ـ 1989) الذي تولى خطة المرشد العام بعد دورتين رئاسيتين.. ويكون بذلك الشخصية الإيرانية التي تتصدر المشهد عمليا منذ حوالي 43 عاما... مع عدد من رفاقه القدامى زعماء الثورة في سجون الشاه رضا بهلوي ومحلات التعذيب النابعة لقوات "السافاك" الشهيرة ("البوليس السياسي" المكلف التعذيب.. مثلما يشهد على ذلك "متحف العبرة" وسط طهران.. والذي أنجز على أنقاض "زنزانات التعذيب والإعدام" قبل ثورة 1979..

في هذا السياق تقدم أسماء رموز من "التيار الإصلاحي" المشاركين في السباق أبرزهم مسعود بز شكيان وزير الصحة في عهد حكومة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي الثانية وعضو مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) مرارا عن منطقة تبريز شمالي البلاد..

لكن الديبلوماسي والخبير الإيراني مهدي شريعة مدار أورد في حديث لـ "عربي21" أن "حظوظ التيار الإصلاحي ضعيفة إذا لم يتفق رموزه على مرشح واحد وإذا لم يضعوا حدا لخلافاتهم".

كما توقع الخبير الإيراني محمد مهدي يعقوب في تصريح لـ "عربي21" أن يدعم الناخبون أكثر المرشحين الذين يعلنون مجددا "الوفاء لثوابت الثورة وبينها قضايا تحرير فلسطين والقدس والتحالف مع "محور المقاومة" في كامل المنطقة".

وهنا تتضاعف حظوظ رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف والمرشح "الأصولي المعتدل" مصطفى بور محمدي وزير الداخلية والعدل سابقا والأمين العام لجمعية "رجال الدين المجاهدين" ورئيس توثيق الثورة الإسلامية حاليا.

كما تبرز أسماء مرشحين يصنفهم البعض ضمن المحسوبين على "التيار الأصولي المحافظ" بينهم البرلماني قاضي زادة  رئيس مؤسسة" الشهيد والمحاربين القدامى وعلي رضا زاكاني عمدة طهران منذ 2021 وسعيد جليلي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي سابقا.

وبحكم تعدد الأسماء بين المرشحين "المحافظين" تتجه الأنظار إلى الموقف الذي سوف تتخذه مؤسسة "المرشد الأعلى" أي احتمال ترجيح أحد المترشحين سرا أو علنا... وهو ما سوف يؤدي إلى "تعبئة ماكينة حراس الثورة" والأوساط الإعلامية والمالية والسياسية والأمنية والدينية لإنجاحه... أو لتحسين حظوظه في الفوز..

وهنا يبرز مرة أخرى اسم رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف... خاصة بعد ما تردد عن استبعاد مرشحين من "الحجم الكبير" مثل رئيس البرلمان الأسبق على لاريجاني والرئيس الأسبق أحمدي نجاد بسبب تقييمات "داخل المطبخ السياسي المركزي" لبعض الغلطات الاستراتيجية التي اتهموا بارتكابها عندما كانوا في مواقع اتخاذ القرار..

تخوفات ولكن..

ولا تخفي أطراف محلية ودولية عديدة توقعاتها بأن تغير طهران سياساتها في المنطقة بعد "حادث الطائرة الرئاسية" التي حمل وزير الخارجية الأسبق جواد ظريف مسؤولية سقوطها إلى الإدارة الأمريكية بسبب "سياسة العقوبات" التي حرمت إيران من قطع الغيار للطائرات الأمريكية الصنع.. "


الديبلوماسي والخبير في السياسة الدولية العادي أجيلي مع مندوب "عربي21" كمال  بن  يونس

وأورد  الديبلوماسي البوسني السابق في طهران حسن حامد بيغوفيتش في تصريح لـ "عربي21" أن "خدمة الأمن القومي الإيراني هو الهدف الأول لكل ساسة طهران "،  لذلك فهو لا يستبعد "تغييرات في سياسات إيران الداخلية والخارجية بعد الانتخابات الرئاسية الجديدة" وكذلك بعد تزايد التهديدات لإيران وحلفائها في كامل المنطقة ولقوات النخبة التابعة لها في لبنان وسوريا والعراق واليمن التي كانت ضحية" غارات إسرائيلية وأمريكية" عنيفة..

لكن الديبلوماسي والخبير الإيراني في السياسة الدولية الهادي أجيلي يعتبر أن" إيران تحكمها مؤسسات ولا تتأثر كثيرا بتغيير الأشخاص ورؤساء الجمهورية" وهو ما فسر "الانتقال السلمي والسلس للسلطة بعد استشهاد الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية أمير حسين عبد اللهيان ورفاقهما".

 في نفس السياق أورد المستشار مهدي شريعة مدار في حوار مع "عربي21" بحزم "رئاسة الجمهورية جزء من الحياة الدستورية والعملية المؤسساتية في الدولة العميقة وليست الجزء الأهم في إيران"...

ويلتقي مع هذا التقييم مساندون  للسلطات ومعارضون لها ممن يعتبرون أن "الدولة المركزية في إيران ما تزال محكومة تقريبا بنفس" المنظومة الثورية المتعددة الأجنحة والأقطاب"... والتي تتحكم في أهم أسسها مؤسسة المرشد الأعلى والهيئات التابعة لها وبينها المؤسسات الاقتصادية والأمنية والسياسية التابعة لـ " حرس الثورة" وشركائهم داخل أجهزة الدولة وعالم المال والأعمال، وهم جميعا مؤتمنون على مهمة" المحافظة على الأمن القومي الإيراني أولا"..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية إيران الانتخابات السياسة إيران انتخابات سياسة استعدادات المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محمد باقر قالیباف رئیس البرلمان إبراهیم رئیسی فی طهران فی إیران

إقرأ أيضاً:

عن الفرق بين إيران وبين الكيان.. تذكير ضروري وسط جدل ساخن

لا دخل لهذا الكلام بالموقف من اغتيال نصر الله، لأن المشاعر شأن شخصي، وإن تأثّرت بتقدير العقل للموقف على نحو ما.

وليس هذا دفاعا عن إيران، فقد كتبت عشرات المقالات وآلاف التغريدات ضد مشروع تمدّدها، وكان ذلك قبل ربيع العرب، وقبل تدخّلها في سوريا. ومن يتابعني يعرف ذلك.

حين نقول إيران، فهي إيران وتوابعها فقط، ولكن حين نقول "الكيان"، فالأمر يتعلّق بالغرب، لأن "الكيان" صناعة غربية، بل أداة للمشروع الإمبريالي الغربي، ومن كان لا يعرف ذلك، فربما أدرك الحقيقة بعد "الطوفان"، حين هبَّت أمريكا وحلفاءها لنُصرته.

هنا يكون سؤال أيّهما أكثر خطرا، ليس إيران أم "الكيان"، بل إيران أم أمريكا والغرب، وإلا هل كانت الأمّة تافهة طوال عقود حين اعتبرت الصراع في فلسطين قضيّتها المركزية؟!

هنا تغدو المقارنة جدُّ بائسة، بين غرب يُطاردنا منذ قرون وأمعن فينا احتلالا واستعمارا ونهبا، ثم تقسيما ومنعا لامتلاك القوة، وتكريسا للشرذمة (عبر "الكيان" ذاته)، وبين دولة إقليمية تمدَّد نفوذها في 4 دول عربية في غفلة من نظام رسمي عربي بائس وضائع بسبب خلافاته وخلل أولوياته.. أقول تمدَّد نفوذها، ولا أقول "احتلت"، لأن من يسيطرون في تلك الدول هُم من أبنائها، ويساعدهم أو يتواطأ معهم أو يشاركهم بعض السُنّة أيضا.

أفتح قوسا كي أشير إلى سوريا وثورتها.
هذه الثورة كانت جزءا لا يتجزّأ من "ربيع العرب"، ولم تكن ثورة طائفية، ولو لم تدخل إيران على الخط، لكان الموقف من تلك الثورة هو ذاته من بقية الثورات، أي الرفض والاستهداف من الغرب ومن "الثورة المضادة" العربية.

من يعتقد أن إيران (وهي مُجرمة في سوريا) كانت سبب إجهاض الثورة، لا يعرف شيئا في السياسة، بل ولا حتى روسيا، لأن أمريكا والغرب وبعض العرب إياهم أرادوها ثقبا أسود يستنزف الجميع، بما في ذلك إيران وروسيا، مع ضرب ربيع العرب، لأن "الفيتو" الغربي على حكم شعبي حقيقي في سوريا على حدود "الكيان"، هو "فيتو" حاسم، كما أن الإجماع الدولي كان حاسما ضد الثورة أيضا؛ كل طرف تبعا لحساباته.

والنتيجة أن مصالح "الكيان" وحراستها من أمريكا والغرب هي السبب الأهم لإجهاض ثورة سوريا، بصرف النظر عن القاتل المُباشر، ولنتذكّر أن البراميل المتفجّرة كانت هواية النظام المجرم ذاته قبل إيران.
هل بوسع إيران وتوابعها (إذا قرّروا) أن يفعلوا بالأمّة ما فعله الغرب طوال قرون؟! كلا، وألف كلا. ألم يسيطر (الفاطميون) على مصر لأكثر من قرنين، فأين هُم الآن؟!
تعالوا إلى العراق.. أليست أمريكا هي المُجرم الأكبر؟.. ثم اليمن.. أليست المبادرة الخليجية هي من عبثت بالثورة ورفضت نجاحها، وتبعتها آمال القوم إياهم بضرب "الإصلاح" بالحوثيين، لأجل الخلاص من الطرفين، ما أفسح المجال لتمدّد الحوثي؟ في الحالتين كانت هناك مساعدة عربية أو غربية، ولولاها لما نجحت إيران. ألم تكن أمريكا هي التي غطّت مليشيات الحشد لضرب "داعش"؟! فأين هي القوة الأسطورية لإيران وتوابعها التي يتوهَّمها البعض. ألم تستهدف أمريكا التنظيم في سوريا أكثر من روسيا وإيران (هو لا يمثّل الثورة طبعا)؟!

هل بوسع إيران وتوابعها (إذا قرّروا) أن يفعلوا بالأمّة ما فعله الغرب طوال قرون؟! كلا، وألف كلا.
ألم يسيطر (الفاطميون) على مصر لأكثر من قرنين، فأين هُم الآن؟!

أما حكاية التشييع التي يطير بها البعض، فلا تعدو إهانة للسُنّة ومذهبهم.. كم سُنيّا تشيّع في العراق أو إيران أو لبنان.. هل يمكن لمن نشأ على محبَّة أروع النماذج الإنسانية (وليس الإسلامية فقط) في عالم الحُكم كأبي بكر وعُمر أن يراهما (كذا وكذا مما تعرفون)، وماذا عن حكاية المهدي الغائب وقصص الثارات التي لا صلة لها بجوهر الدين المُكتمل قبلها، هل سيقتنع بها أحد لم يأخذها بالوراثة، وهي وراثة في طريقها للاندثار، لأن الأجيال الجديدة من كل الأديان ستحدِّد قناعاتها بنفسها، حيث انتهى الزمن الذي يمكن لحاكم أو لحُكم أن يغيِّر فيه مذهب الناس بقرار سياسي، وهذا لا يعني إساءة لأحد، فلكل أن يعتقد ما يشاء، وهذه المنطقة تعجُّ بالأقليّات من كل لون، ولها جميعا حقوقها في دولة عادلة.

أعيد القول إن المقارنة ليست بين "الكيان" وبين إيران، بل بين ما يمثِّله "الكيان" من مشروع غربي ضد الأمّة، وبين إيران، وهنا تغدو المقارنة عبثية، لأن إيران نفسها مُستهدفة، وإلا فلماذا يطاردونها منذ عقود بالعقوبات، تماما كما طاردوا صدام، وكما طاردوا محمد علي باشا في مصر حين سعى لامتلاك القوة، وحقَّق تقدُّما كبيرا، حتى كانت اليابان ترسل إلى مصر مهندسين لنقل التجربة؟!

من دون أن يتراجع هذا الغرب الفاجر، فسنبقى أمّة مستضعفة، وهو عدوُّنا الأكبر، بل عدوُّ كل المستضعفين في الأرض ممن احتلهم واستعمرهم ونهب ثرواتهم، ثم ترك ديارهم ونصَّب حكاما فاسدين عليها، وما زال يعبث بها على كل صعيد.

أما إيران، فلا طاقة لها بنا إذا اختارت العداء، لكنها دولة موجودة ولن يشطبها أحد، وحين تعرف حدودها، سيكون التفاهم مُمكنا، بل يمكن أن يكون التفاهم بين محاور المنطقة (العرب، تركيا وإيران) محطة نحو إضعاف النفوذ الغربي برمّته.

تذكير آخر: ما يحدث لإيران اليوم، وأيضا لحزب الله باغتيال قادته، لم يكن انتقاما لسوريا وشعبها، وإلا لقتلوا رأس نظامها بهجوم بسيط، ومعه كل رموز عصابته، لكن وجوده مصلحة لهم (النظام وليس الشخص)، بل هُم من كانوا وراء إجهاض الثورة من الناحية العملية، وطبعا عبر الغرب (معه بعض العرب أيضا) الذي منع الثوار من التمدُّد نحو دمشق حين كان جاهزا للسقوط، كما منعوا السلاح النوعي عنهم.

ما يحدث لإيران اليوم، ليس بسبب العراق وسوريا واليمن أو المشروع الإقليمي، بل بسبب تحدّيها لقرار الغرب باحتكار "الكيان" للسلاح الاستراتيجي، ودعمها للمقاومة في فلسطين، ولو تنازلت عن ذلك كله، فسيقبل الغرب بما حصلت عليه من تمدّد إقليمي وأكثر، لأن الصراع بينها وبين العرب والأتراك يمثل مصلحة له (ولكيانه الحبيب) من دون شك.

هي كلمات مُخلصة دفاعا عن هذه الأمّة ودينها، وعن حقها في أن يكون لها مكان تحت الشمس، وهي تُخاطب من كان له عقل وقلب، ولا شأن لها بعشّاق نظرية المؤامرة، ومن يرون أن كل ما يجري هو تفاهم صهيوني أمريكي إيراني، أو مسرحية طويلة لا يسيل فيها "الكاتشاب"، كما في المسارح، بل تسيل فيها دماء بلا حصر، بما فيها دماء أهم القادة!

رسائل أخيرة:
أولا لأحبّتي السوريين الذين وقفت معهم من أول يوم لثورتهم، وحملت رسالة دمائهم الزكيّة؛ من الطفل حمزة الخطيب، وحتى آخر شهيد، أقول لهم إن بقاء نظام الأقلية الطائفي في سوريا لم يكن إلا بسبب وجود "الكيان"، وهو خارج منطق التاريخ، ولا يمكن أن يستمر مهما طال عمره، ومهمَّتكم وقد أصبحتم "شتاتا" بالملايين أن تواصلوا معركتكم معه دون توقف بكل وسيلة ممكنة، بالوقفات والمظاهرات والكتابات، وبالمحاكمات الدولية، وهو ما سيجعل بقاءه صعبا. أما في الصراع مع العدو الصهيوني، فأنتم أولى بحمل الرسالة لأن "الكيان" عدوّكم الأكبر، ولولاه لما بقي النظام.. وذلك الشيخ "القسّام" الذي يفوح عطره في الأجواء كان من شعبكم الأبي.

أما إخوتي في اليمن، فقد وقفت معكم أيضا ضد انقلاب الحوثي، وبقاء حُكم تلك الأقليّة (وهي جزء من الشعب) رهن ببؤس سياسات "الداعمين"، وهو لن يستمر أيضا، وسيعود اليمن لكل أبنائه، وليس لفئة دون أخرى، وهُم كانوا جميعا بكل فئاتهم طوال العقود من أكثر الناس انحيازا لفلسطين وقضايا الأمّة كلها.

وفي العراق، كان الشيعة هُم من هتفوا قبل سنوات "إيران بره بره"، والنتيجة أنه بلد بثروات كبيرة، تعرّض لأكبر عملية نهب في التاريخ، ويستحق شعبه المكلوم أن يُحكَم مدنيا من كل أبنائه الشرفاء، وليَعبُد بعد ذلك كل أحد ربَّه كيف يشاء، ويعتقد ما يشاء دون استفزاز أو إهانة للآخرين.

وفي لبنان بلد متنوِّع، والشيعة فيه كما غيرهم يستحقون أن يعيشوا في بلد مستقر، بعيدا عن تهديد الصهاينة، وعبث العابثين من الدول الأخرى، وصولا إلى نظام عادل يستوعب الجميع، تماما كحال إيران التي يستحق شعبها أيضا عيشا كريما واستمتاعا بثرواته، بعيدا عن إملاءات الخارج والأحلام غير المنطقية بالتمدُّد المذهبي.

لكن مظالمنا كأمّة لا تنحصر في هذه الدول، إذ تعيش أكثر شعوبنا رهينة الظلم الداخلي والتبعية الخارجية، ولا بد لنا من فجر جديد، يمنحنا فرصة أخذ مكاننا تحت الشمس، كما كان حالنا لقرون عديدة.

مقالات مشابهة

  • حماس تبارك الرد الإيراني الصاروخي على جرائم العدو المتواصلة في لبنان وفلسطين
  • رئيس الوفد الوطني يبارك العملية الإيرانية التي ضربت أهدافا عسكرية للعدو داخل فلسطين المحتلة
  • رئيس الدولة يستقبل المشاركين في ورشة “أداء شرطة الأمم المتحدة” الـ3 التي تستضيفها وزارة الداخلية
  • رئيس الدولة يستقبل المشاركين في ورشة أداء شرطة الأمم المتحدة الـ3 التي تستضيفها الداخلية
  • وفاة المجاهد والمؤرخ محمد العربي زبيري .. رئيس الجمهورية يعزي
  • عن الفرق بين إيران وبين الكيان.. تذكير ضروري وسط جدل ساخن
  • رئيس الحكومة الروسية يتوجه إلى إيران
  • رئيس الوزراء الروسي يلتقي الرئيس الإيراني الاثنين في طهران
  • رئيس جامعة طنطا يستعرض خطة دعم المبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الإنسان"
  • النعيمي يؤكد أهمية مشروع رسم السياسات الزراعية التي تنطلق من موجهات قائد الثورة