في الوقت الذي صعدت فيه الحركات اليمينية المتطرفة في الانتخابات الأوروبية تستمر قضية الهجرة تثار كتهديد من قبل طيف سياسي واسع وبشكل متزايد، ولا تزال أوروبا تزيد تحصين نفسها مرسلة إلى الموت من يفرون إليها من الحروب والقمع وتغير المناخ وعدم الاستقرار الاقتصادي.

بهذه المقدمة افتتح موقع "أوريان 21" الفرنسي مقالا للمحررتين سارة قريرة ومارين بيكيت استعرضتا فيه كتابين، الأول للفيلسوف الفرنسي بيير تيفانيان والخبير القانوني البلجيكي جان تشارلز ستيفنز حاولا فيه تفكيك النهج الأوروبي لقضية الهجرة من الناحيتين النظرية والميدانية، والآخر للمصور الصحفي الفرنسي لويس ويتر.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحف فرنسية: دعوة ماكرون لانتخابات مبكرة مغامرة غير محسوبةصحف فرنسية: دعوة ماكرون لانتخابات مبكرة ...list 2 of 2بلومبيرغ: روسيا تجند أفارقة وأجانب آخرين للقتال في حربها ضد أوكرانيابلومبيرغ: روسيا تجند أفارقة وأجانب آخرين ...end of list

وانطلق المقال من العبارة الشائنة -حسب وصف الصحفيتين- التي كتبها رئيس الوزراء الفرنسي السابق ميشيل روكار عندما قال "لا يمكننا استيعاب كل البؤس في العالم"، وقد استعادتها ماريون ماريشال حفيدة جان ماري لوبان والنائبة عن حزب التجمع الوطني اليميني الفرنسي المتطرف في حديث لها عن الانتخابات الأوروبية.

تفكيك الخطاب

وفي مخالفة للخطاب السائد بشأن سياسة الهجرة الفرنسية والأوروبية جعل بيير تيفانيان وجان تشارلز ستيفنز مهمتهما تفكيك هذه الصيغة السحرية كلمة كلمة بعد أن أصبحت عنوانا لإطلاق المزيد من السياسات القمعية، ووضعا شبه دليل يزود القراء بترسانة من الحجج البلاغية والسياسية والقانونية لمواجهة مثل هذه التأكيدات المضللة التي فاز اليمين المتطرف بإسكات النقاش بشأنها.

وبشكل قاطع، حلل تيفانيان -الذي شهدت كتاباته لسنوات عدة على التزامه المناهض للعنصرية- وستيفنز -الذي عمل 10 سنوات في جمعيات عدة تدافع عن حقوق الأجانب- خطاب الهجرة برمته في أوروبا بالاعتماد على الإحصائيات والدراسات المتاحة، بما في ذلك بعض ما نشرته منظمات رسمية.

واعتمد تيفانيان وستيفنز مصطلح "لاجئ" للإشارة إلى جميع الأجانب الذين وصلوا إلى الأراضي الأوروبية، لأنه مهما كان الوضع القانوني لهؤلاء الأشخاص فإن دافعهم للهجرة هو العثور على ملجأ للاحتماء من خطر أو تهديد، سواء كان "سياسيا" أو "اقتصاديا" أو في الأغلب هما معا.

وفي عبارة رئيس الوزراء الفرنسي السابق يدمج روكار باستخدام البناء للمجهول أو ضمير المتكلم الجمع مجتمعا أوروبيا بأكمله مع أصحاب السلطة السياسية، لمواجهة مجتمع آخر يختزل ببساطة في عبارة "البؤس" دون أن يكون له اسم أو جنس أو وجه، وليشكل آفة يجب إبقاؤها بعيدا عن حدود أوروبا، مما يظهر أن هذه العبارة معادية للأجانب وتجب إدانتها قبل كل شيء.

وتساءل الموقع عن حجم هذا "البؤس العالمي" الذي يهدد بالهبوط على القارة العجوز ويهدد رفاهية سكانها وعيشهم معا، ليعود مع تيفانيان وستيفنز إلى الأرقام لإظهار الفجوة بين الخطاب السياسي الكارثي والواقع.

فحسب تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعامي 2021 و2023، فإن بلدان الجنوب هي التي تستقبل "الأغلبية العظمى (أكثر من 73%) من اللاجئين"، مما يستبعد "موجة المد" التي تثيرها باستمرار أحزاب تشمل ما هو أبعد من اليمين الأوروبي المتطرف التقليدي، ويظهر أن البلدان الأكثر ثراء ليست هي التي تتحمل معظم "العبء" رغم قدرتها التي أثبتتها أزمة اللاجئين الأوكرانيين.

منظر عام لمخيم غابة كاليه في فرنسا في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 (الأوروبية) بين القمع والربحية

ومع عبارة "استقبال" تغرس في الأذهان وجود سياسة رعاية تشمل جميع اللاجئين الذين وصلوا إلى الأراضي الفرنسية فإن ما يتم إخفاؤه هو أن الأمر ليس أكثر من "ترك الأشخاص الذين يصلون دون مطاردتهم مثل قطاع الطرق أو حبسهم واحتجازهم"، لتتساءل الكاتبتان: لماذا الإصرار على المنع بالقانون أو تدخل سلطات إنفاذ القانون، وليس التضامن مع اللاجئين وإدماجهم المهني في النسيج الاجتماعي؟

أما الآن فالهجرة الوحيدة المقبولة كما تذكرنا رئيسة القائمة في الانتخابات الأوروبية فاليري هاير فهي تلك التي تتعلق بـ"الوظائف تحت الضغط"، وتكييف تنقل الأفراد مع القيمة السوقية الربحية مقابل التكلفة الباهظة لسياسات الهجرة القمعية الأوروبية.

وخلص كتيب "الجيب الصغير" -الذي كتبه تيفانيان وستيفنز- إلى أن عناصر لغة اليمين المتطرف التي كانت من المحرمات قبل 20 عاما يتبناها الآن من يدعون أنهم يقطعون الطريق على المعادين للمهاجرين تفاديا لخطر موجة ستدنس القارة الأوروبية.

نقطة التثبيت الصفرية

بدوره، يسلط المصور الصحفي لويس ويتر في كتابه "لا باتو.. الدولة والشرطة والأجانب" الضوء على المطاردة المستمرة للأشخاص "المنفيين" في مدينتي كاليه ودونكيرك الفرنسيتين، موضحا أنه اختار مصطلح المنفيين بدل "المهاجرين"، لأن "هؤلاء الرجال والنساء تركوا أحباءهم وانتزعوا أنفسهم من جذورهم ليقيموا في المنفى".

وأشار إلى أن هذه المطاردة تسميها إدارة الشرطة "نقاط التثبيت الصفرية"، والهدف منها هو ثني المنفيين عن الاستقرار وإعادة التجمع بعد تفكيك "غابة كاليه" أكبر حي فقير في أوروبا عام 2016، حيث أصبحت إستراتيجية السلطات هي إخفاء آثار هؤلاء عند الحدود الفرنسية البريطانية.

ومن خلال توثيق انتظام عمليات الطرد كل 48 ساعة أثبت المؤلف أن عمليات الصيد في الصباح الباكر وتمزيق الخيام ومصادرة الأمتعة الشخصية وحظر توزيع الطعام والماء ثمرة سياسة مدروسة ومتقنة، وبالفعل دخلت الترسانة الشرعية للحكومات المتعاقبة ضد المنفيين لتصبح خطا سياسيا مقبولا.

خيارات ليست بخيارات

ويوضح الكاتب أن فرنسا تعاقدت من الباطن مع المملكة المتحدة لمنع المنفيين من عبور القنال الإنجليزي ولكنها تمنعهم في الوقت نفسه من البقاء، وتقترح عليهم إنسانيا الإقامة في مدن غير كاليه رغم أن فرنسا لم تكن وجهتهم مطلقا، وترصد لهم موارد للحزم (أخذ الحيطة والحذر) والإنسانية، ولكن الكاتب يشير إلى أن 85% من الموارد للحزم و15% فقط للإنسانية.

وإذا كانت فرنسا تسمي إستراتيجيتها "نقاط التثبيت الصفرية" فإن إستراتيجيات مماثلة تقوم في العديد من دول الاتحاد الأوروبي والبلدان الواقعة على حدوده كالمغرب وتونس وليبيا "لمحاولة احتواء المنفيين الوافدين أو منعهم من الانتقال إلى الأراضي الأوروبية، وأحد أوجه التشابه مع الحدود الفرنسية البريطانية هو استخدام الشرطة"، يقول لويس ويتر "الشرطة تأتي أولا ثم القانون".

ولدى الاتحاد الأوروبي قوة أوروبية مسؤولة عن السيطرة على تدفق الهجرة وقمعها، وهي الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) التي تتمتع بأفضل الموارد بميزانية مخصصة تبلغ نحو 500 مليون يورو، وكما هو الحال في كاليه فإن "الحزم" له الأسبقية على "الإنسانية".

وخلص لويس ويتر إلى أن مدينة كاليه ترمز إلى ما يمكن أن تفعله البلاد على حدودها في أسوأ حالاتها وما يمكن أن يفعله مواطنوها في أفضل حالاتهم، إذ إن هناك دولة استبدادية تسيء المعاملة، ولكن مقابل آلاف الأفراد المستعدين للعمل بشكل يومي لمساعدة الأجانب الباحثين عن ملجأ.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات الانتخابات الأوروبیة إلى أن

إقرأ أيضاً:

بلومبيرغ تفكك التأثير الاقتصادي الحقيقي للمهاجرين في أميركا

تُعتبر الهجرة جزءا لا يتجزأ من النسيج الاقتصادي والاجتماعي للولايات المتحدة. وعلى مدى عقود، شكلت الهجرة عاملا حيويا في تعزيز القوة العاملة، والابتكار، وتحفيز الطلب الاقتصادي.

لكن مع تصاعد الجدل السياسي بشأن الهجرة، خاصة مع عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يتجدد النقاش حول تأثير المهاجرين على سوق العمل، والأجور، والاقتصاد الكلي، والتكاليف الحكومية.

ونشرت وكالة بلومبيرغ تقريرا حديثا يسلط الضوء على تفاصيل هذه القضية المحورية.

1- المهاجرون أساس الاقتصاد الأميركي

وفقا لمكتب الإحصاءات الأميركي، يشكل المهاجرون نحو 20% من القوى العاملة، مع وجود أكثر من 32 مليون عامل مهاجر في مختلف القطاعات.

هذا النمو في القوى العاملة المهاجرة ازداد بشكل كبير في السنوات الأخيرة، إذ انضم 4 ملايين مهاجر جديد إلى سوق العمل بين عامي 2022 و2023، بحسب بلومبيرغ.

وساهم هذا التدفق الكبير في تعويض نقص العمالة الذي تفاقم خلال الجائحة، مما أدى إلى استقرار عديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية.

المهاجرون يشكلون نحو 20% من القوى العاملة في أميركا مع وجود أكثر من 32 مليون عامل مهاجر في مختلف القطاعات (الفرنسية)

من ناحية أخرى، تتفاوت المؤهلات التعليمية للمهاجرين، حسب دولهم الأصلية، فعلى سبيل المثال، يتمتع 74% من المهاجرين من جنوب آسيا بمستوى تعليمي جامعي، بينما أقل من 10% من المهاجرين من المكسيك يحملون شهادات جامعية.

إعلان

وتقول بلومبيرغ إن هذا التباين ينعكس على توزيع العمالة عبر القطاعات المختلفة، مما يجعل المهاجرين عنصرا متنوعا ومهما في الاقتصاد الأميركي.

2- الهجرة غير النظامية أزمة متفاقمة

تذكر الوكالة أنه منذ عام 2021، شهدت الولايات المتحدة ارتفاعا غير مسبوق في أعداد المهاجرين غير النظاميين، إذ سجلت سلطات الحدود 7 ملايين محاولة عبور خلال السنوات الثلاث الماضية.

وتشير التقديرات إلى أن عدد المهاجرين غير النظاميين قد يتجاوز 8.7 ملايين شخص إضافي بحلول عام 2026، وفقا لمكتب الميزانية في الكونغرس.

وقد أثار هذا التدفق الكبير جدلا سياسيا واقتصاديا واسعا، ففي حين يرى البعض أن المهاجرين غير النظاميين يشكلون عبئا على الموارد العامة، يوضح التقرير أن عديدا منهم يعملون في قطاعات تحتاج بشدة إلى العمالة، مثل البناء والزراعة والخدمات، مما يجعلهم جزءا لا غنى عنه من الاقتصاد الأميركي.

3- دور المهاجرين في سوق العمل

تاريخيا، كان للمهاجرين دور كبير في سد الفجوات في سوق العمل الأميركي. ويعمل المهاجرون بشكل أساسي في القطاعات التي تعاني نقصا دائما في العمالة، مثل البناء، حيث يشكلون 25% من إجمالي العمالة، وترتفع النسبة إلى 53% في نيويورك.

بعض الأميركيين يرون أن المهاجرين غير النظاميين يشكلون عبئا على الموارد العامة (الفرنسية)

وتذكر بلومبيرغ أنه في فترة التعافي من الجائحة، وصف رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول الهجرة بأنها عامل رئيسي في دعم الاقتصاد، مشيرا إلى أن زيادة عدد العمال المتاحين ساعدت في تقليل الضغوط التضخمية واستقرار السوق.

4- تأثير الهجرة عل الأجور

من بين أبرز النقاط التي يثيرها المعارضون للهجرة هي تأثير المهاجرين على الأجور. ويحذر مكتب الميزانية في الكونغرس من أن تدفق العمالة ذات المهارات المنخفضة قد يؤدي إلى تباطؤ نمو الأجور في بعض القطاعات.

ومع ذلك، تشير الدراسات طويلة الأمد إلى أن تأثير الهجرة على الأجور يعد "ضئيلا للغاية"، خاصة عند النظر إليه على مدى 10 سنوات أو أكثر، وفق ما تنقله وكالة الأناضول.

إعلان 5- المهاجرون الموهوبون محرك الابتكار

ولطالما كانت الولايات المتحدة وجهة لجذب العقول المبدعة من مختلف أنحاء العالم، حسب بلومبيرغ. ففي عام 2022، كان هناك 14 مليون مهاجر حاصل على تعليم جامعي في الولايات المتحدة، يعملون بشكل رئيسي في قطاعات مثل التكنولوجيا، والطب، والبحث العلمي.

ووفقا لبحث أجراه المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية، كان المهاجرون مسؤولين عن ثلث براءات الاختراع الجديدة خلال العقود الثلاثة الماضية. وتتركز هذه الابتكارات في مجالات مثل التكنولوجيا المتقدمة والصناعات الكيميائية والطب.

6- تحديات مالية واجتماعية

ورغم الفوائد الاقتصادية، فإن الحكومات المحلية تواجه تحديات مالية كبيرة بسبب تكاليف تقديم الخدمات الأساسية للمهاجرين. ففي نيويورك وحدها، استقبلت المدينة 200 ألف مهاجر جديد منذ عام 2022، مما أدى إلى ضغط هائل على الموارد العامة، وفقا لما ذكرته الوكالة.

وأعلنت المدينة حالة الطوارئ وطلبت المساعدة الفدرالية، كما لجأت إلى تمويل برامج لمساعدة المهاجرين على العودة إلى بلدانهم الأصلية.

 

7- تكلفة اقتصادية هائلة

وتعهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب بتنفيذ أكبر حملة ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة، تستهدف نحو 11 مليون مهاجر غير نظامي.

وتشير التقديرات إلى أن تنفيذ هذه الخطة سيكلف البلاد أكثر من 150 مليار دولار، بالإضافة إلى 15 مليار دولار سنويا للحفاظ على أمن الحدود.

ويرى المحللون أن ترحيل هذا العدد الكبير سيؤدي إلى فجوات كبيرة في القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على العمالة المهاجرة، مما يهدد استقرار الاقتصاد.

مقالات مشابهة

  • ألمانيا.. مظاهرة رافضة لخطط اليمين بشأن الهجرة
  • في هذا التوقيت.. ترامب يأمر بمداهمات بحق المهاجرين في شيكاغو
  • إدارة ترامب تتجه لتنفيذ اعتقالات جماعية للمهاجرين
  • المفوضية الأوروبية تحقق في تأثير خوارزميات X على الانتخابات
  • الصحاف: إطلاق سراح 12 عراقيًا دخلوا ليبيا بهدف الهجرة غير الشرعية
  • كيف علّق برّي على اللقاء الذي جمعه بنواف سلام؟
  • قيود جديدة على تأشيرات الدخول لأمريكا
  • الجامع الأزهر يناقش الدروس المستفادة من الهجرة إلى الحبشة
  • بلومبيرغ تفكك التأثير الاقتصادي الحقيقي للمهاجرين في أميركا
  • وفد «المراقبة الأوروبية» يصل إلى مصر خلال أيام لمتابعة تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة