دراسة علمية لـ”كارنيغي يورب” تتناول جوانب معاناة ليبيا من آثار تغير المناخ
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
ليبيا – سلطت دراسة علمية نشرتها منظمة “كارنيغي يورب” الأوروبية الضوء على حالة الضعف المناخي في ليبيا وبناء قدرتها على الصمود من خلال التمكين المحلي.
الدراسة التي تابعتها وترجمت أهم ما ورد فيه صحيفة المرصد أشارت إلى أن مناطق جبل نفوسة وفزان والجبل الأخضر معرضة لتغير المناخ ما يبرز الدور المهم الذي يلعبه المجتمع المدني والبلديات في حماية المجتمعات المهمشة في بلد شاسع وقاحل معتمد على النفط بعدد سكان بالغ قرابة الـ7 ملايين نسمة.
ووفقًا للدراسة تمثل ليبيا واحدة من الدول المعرضة بشدة للآثار الضارة الناجمة عن تغير المناخ ومن بينها ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار وارتفاع مستويات سطح البحر وموجات الجفاف الممتدة والعواصف الرملية والترابية ذات الوتيرة والمدة والشدة المتزايدة.
وبحسب الدراسة صنف المؤشر القطري لمبادرة “نوتردام” للتكيف العالمي ليبيا في المرتبة الـ126 من بين 182 دولة أي في الطبقة المتوسطة الدنيا للبلدان الأكثر ضعفًا في وقت يمثل فيه تناقص توافر المياه الخطر الأكثر إلحاحًا فيما يتعلق بالمناخ في البلاد.
وأشارت الدراسة إلى سحب 80% من إمدادات الماء الصالحة للشرب في البلاد من طبقات المياه الجوفية الأحفورية غير القابلة للتجدد عبر منظومة النهر الصناعي ذات البنية التحتية المتدهورة لتعرضها إلى التبخر في الخزانات المفتوحة ومعدلات استخراجها غير المستدامة وخدمتها غير المتكافئة بالمدن النائية.
وبينت الدراسة إن الافتقار إلى إستراتيجية وطنية للمياه أو سياسة مائية متكاملة إلى جانب الدعم الكبير لتعريفاتها عوامل فاقمت آثار هذه الندرة إذ أصبح توفير الماء النظيف مصدرًا للمنافسة الإقليمية والمجتمعية والسياسية على نحو متزايد فيما تتعرض الكهرباء بالمثل للتهديد بسبب الاضطرابات المناخية.
وتابعت الدراسة إن الشبكة الكهربائية تعاني هي الأخرى من ارتفاع درجات الحرارة وتآكل البنية التحتية والدعم الكبير لها ما ساهم في معدلات استهلاك باهظة وانقطاع التيار الكهربائي في وقت يمثل فيه الاعتماد على النفط نقطة ضعف أخرى في ليبيا فـ85% من السكان توظفهم الدولة.
وأضافت الدراسة إن هذا الاعتماد جعل البلاد معرضة بشدة لانخفاضات مستقبلية في أسعار النفط بسبب التحول إلى الطاقة المتجددة وتعهدات خفض الكاربون إلى الصفر في وقت يتم فيه استخدام الطاقة النفطية في توليد الكهرباء ما يعني كلف مالية كبيرة وتلويثا للبيئة.
وأشارت الدراسة إلى أن الأراضي الصالحة للزراعة تقلصت إلى أقل من 1% بسبب الآثار التراكمية للصراع وتعطل سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الإمدادات الزراعية ونقص إمدادات المياه المتجددة فيما مثل القطاع الزراعي مصدر دخل لـ22% من السكان في العام 2020.
وأوضحت الدراسة أن انخفاض الإنتاج الزراعي في ليبيا جعلها مضطرة إلى استيراد 3 أرباع موادها الغذائية ما يجعلها عرضة بشدة للاضطرابات في إمدادات الغذاء العالمية بما في ذلك تلك الناجمة عن تغير المناخ فيما أدى عدم الاهتمام الحكومي المستوطن بالقطاع الزراعي لتفاقم هذه الديناميكية.
ونقلت الدراسة عن عالم تربة ليبي قوله:”إنهم لا يعطونها الأولوية لأنهم يعتقدون أنها لا تساهم في إجمالي الدخل ولكن إذا فقدنا الإنتاج الغذائي المحلي فسنعاني من انعدام الأمن الغذائي” في وقت تشكل فيه نقاط الضعف هذه تهديدا خطيرا بشكل خاص لرفاهية وأمن من يعيشون بالمناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة.
وأكدت الدراسة إن هذه المناطق هي جبل نفوسة ومنطقة فزان والجبل الأخضر وفيها تتفاقم الصدمات المناخية ليس فقط بسبب التدهور البيئي بل للتهميش الاجتماعي والاقتصادي والصراعات السياسية والطائفية فضلا عن انهيار البنية التحتية.
وبينت الدراسة إن الآثار التراكمية لهذه العوامل تشكل مصدر قلق خاص في هذه المناطق الـ3 على الأمن الغذائي وزراعة الكفاف في وقت تمثل فيه منطقة الجبل الأخضر مصدرا لإنتاج نصف إجمالي المحاصيل الزراعية وجبل نفوسة وسهل الجفارة المتاخمة لها وفزان تنتج النصف الآخر.
وقالت الدراسة إن المزارعين الذين تمت مقابلتهم في هذه المناطق يدركون تماما كيفية اجتماع تغير المناخ مع المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وخاصة سوء الإدارة لتهديد سبل عيشهم ناقلا عن مزارع من منطقة سيدي السايح وجهة نظره بالخصوص.
وقال المزارع:”أن العامل الرئيسي هو الإهمال إذ لا توجد رقابة ولا دعم ولا استثمار في تنمية قدرتنا كمزارعين وتغير المناخ يمثل طبقة أخرى إلا أن تجاور آثاره مع الافتقار إلى الرقابة المؤسسية والدعم سيدفع المزارعين مثلي إلى ترك ممارسات أجدادهم وراءهم”.
وبينت الدراسة إن المزارعين ليسوا وحدهم المهددون في هذه المناطق إذ يتعرض المهاجرون غير الشرعيون للخطر بشكل خاص نظرا لقرب بعض هذه المناطق الزراعية من الحدود ودورها الناتج في استضافتهم شأنهم شأن الأقليات العرقية الليبية فتغير المناخ بالنسبة لها تفاقم آخر لمظالم تمييز موجودة مسبقا.
ووفقا للدراسة يتعرض العاملون في القطاع غير الرسمي والنساء والأطفال للخطر ما يحتم فهم كيفية تأثير تغير المناخ على رفاهية ومعيشة هؤلاء أمرا ضروريا لصياغة إستراتيجية مناخية قابلة للحياة وأكثر شمولا لتحشد الموارد والمعرفة المحلية لبناء مسارات أفضل لتعزيز القدرة على الصمود.
وانتقدت الدراسة مشاكل الحكم الطويلة الأمد والتفتت المؤسسي والتوترات السياسية والصراع المسلح المتكرر لتسببها في زيادة تعرض ليبيا لتغير المناخ فيما أعاقت الاستجابة الحكومية المتماسكة بسبب الانقسام السياسي والحكومي التخفيف من آثاره والتكيف معه.
وأوضحت الدراسة إن ليبيا لم تحقق تقدما في مجال الطاقات المتجددة رغم امتلاكها إمكانات شمسية ورياحية هائلة بسبب الافتقار إلى القدرة التنافسية في القطاع الخاص والمقاومة البيروقراطية من الاحتكارات المملوكة للدولة والانقسامات السياسية والمنافسات بين النخبة المسؤولة عن هذا الشلل.
وهاجمت الدراسة الافتراس البيئي الذي تمارسه الميليشيات المسلحة عبر تحويل مساحات من الغابات إلى مخططات أكثر ربحية لغسل الأموال مثل الشقق ومراكز التسوق والمنتجعات فضلا عن القيام بعمليات بين الأشجار المقطوعة بصفة فحم ما صعب وسائل عيش مواطنين كاسبين لعيشهم خارج الأرض.
ونقلت الدراسة عن أحد المزارعين في الضواحي الجنوبية للعاصمة طرابلس قوله:” لقد أصبحت عواقب تغير المناخ أكثر حدة منذ أن بدأوا في تقسيم الغابات إلى وحدات أصغر وقطع الأشجار وبيع الأراضي رغم مساعي الشرطة الزراعية للتصدي لذلك”.
وتحدثت الدراسة عن ضعف قدرة ليبيا على بناء سياسة مناخية عوائق بسبب ندرة الموظفين المؤهلين وعدم كفاية القدرات التقنية وضعف جمع البيانات المحلية وقلة التعاون بين الجهات الحكومية والجامعات والافتقار إلى المشاركة والنشاط على المستوى المحلي في البلديات.
وأضافت الدراسة إن الدعم الإداري والمالي والسياسي الحكومي ضعيف ما أحبط جهود الدعوة والتوعية بتغير المناخ فيما يواجه المجتمع المدني قيودا مماثلة بسبب نقص الدعم والإجراءات القمعية المتزايدة ما أثر سلبا على النشطاء في الجانب المناخي.
وتطرقت الدراسة لملاحظة المزارعين المحليين تحول فصول الشتاء إلى أكثر دفئا والصيف أكثر جفافا وسخونة ما تسبب أحيانا في اندلاع حرائق الغابات في وقت بات فيه هطول الأمطار أقل تواترا والعواصف الرملية الموسمية أكثر شدة بسبب الاحتباس الحراري وانحسار الغطاء النباتي وتآكل التربة.
وأضافت الدراسة إن التصحر هو نتيجة مباشرة لتغير المناخ فمع توسع الرمال قلت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة مؤكدة عدم كفاية الصهاريج لتلبية حاجة الناس بمناطق جبل نفوسة في وقت تشير فيه التوقعات لنفاد الطبقة المائية الجوفية بحلول العام 2037 ما سيتسبب في أضرار اجتماعية واقتصادية شديدة.
ونقلت الدراسة عن أحد نشطاء الطوارق قوله:”سوف نختفي وقد قدم مهندس طوارقي شاب مقترحا لتنقية مياه الصرف الصحي المستدامة واستخدام الري بالتنقيط لزراعة خط أشجار من أوباري إلى سبها لمكافحة التصحر من دون تعريض إمكانية الوصول إلى المياه في المستقبل للخطر”.
وقال الناشط الطوارقي:”المقترح لم يتحقق بسبب نقص الدعم من العاصمة طرابلس” فيما بينت الدراسة عمل النساء والأطفال دون سن الـ16 أحيانا خاصة أثناء الإجازات المدرسية إلى جانب الرجال لتوفير ما مطلوب من العمالة الزراعية في ظل تحديات تحديات نقل المحاصيل إلى أسواق الشمال.
ونقلت الدراسة عن ناشط مناخي وصفه للجبل الأخضر وغاباته ومنحدراته الكثيفة ومروجه الريفية بـ”رئة ليبيا” رغم أنه لا يشكل سوى 1% مبينة أنه يمثل 50 لـ75% من التنوع النباتي ويعاني من ارتفاع تكاليف التنقيب عن المياه الجوفية ومشاكل البذور وتآكل التربة بسبب الرعي الجائر وسوء إدارة الأراضي.
وبحسب الدراسة يعاني النحالون أيضا من تغير المناخ بسبب درجات الحرارة التي جعلت المنطقة نطاقا غير مضيافة للنحل فيما برزت معاناة أخرى في الجبل الأخضر من فقدان متفش للغطاء الشجري والنباتي عبر إزالة 14 ألف هكتار من الغابات وبيع الحطب بصفة فحم والشروع في البناء من دون رادع.
وتحدثت الدراسة عن عدم كفاية المبادرات الشبابية لإعادة التشجير وزراعة الملايين من الشتلات لمواكبة الدمار البيئي ما يحتم معالجة عوائق البلديات القانونية والتمويلية داخليا وخارجيا مثل الافتقار إلى التمكين التشريعي فضلا عن مزيد من التوعية والتثقيف بشأن تغير المناخ لا سيما في المدارس.
ترجمة المرصد – خاص
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: الافتقار إلى تغیر المناخ هذه المناطق الدراسة إن فی وقت
إقرأ أيضاً:
تغير المناخ يعصف بأولويات الأمن العالمي.. تحذيرات من تداعيات بيئية تهدد جاهزية الجيوش حول العالم.. وخبراء يدعون إلى استراتيجيات جديدة للتعامل مع تحديات البيئة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حذر خبراء في مجال الأمن من أن تغيّر المناخ يمثل تهديدًا أمنيًا متزايدًا، مشددين على ضرورة ألا يُترك ليُصبح "نقطة ضعف استراتيجية"، وأن على الجيوش في العالم أن تتكيف مع التهديدات المتزايدة الناتجة عن الكوارث المناخية. وتأتي هذه التحذيرات في ظل تصاعد القلق من تراجع الأولويات المناخية، خاصة مع تركيز أوروبا على تعزيز قدراتها الدفاعية، وتراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها تجاه حلفائها والملف البيئي. حسب ما أوردته شبكة فرانس 24.
تأثيرات مباشرة على الجيوش
وأشار الخبراء إلى أن الجيوش أصبحت بالفعل معرضة لتداعيات تغيّر المناخ، بدءًا من التعامل مع الكوارث الجوية وصولًا إلى المنافسة المتصاعدة في القطب الشمالي، الذي يشهد ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة. وأكدوا أن هذه التحديات لا يجب أن تتحول إلى "نقطة عمياء" في الاستراتيجيات العسكرية.
احتباس حراري يهدد الأمن القومي
وقد عبّرت عدة جهات دفاعية عن إدراكها المتزايد لهذه التهديدات، معتبرة أن الاحتباس الحراري يشكل تحديًا كبيرًا للأمن القومي، مما يتطلب من القوات المسلحة تكييف استراتيجياتها وعملياتها.
وقالت إيرين سيكورسكي، مديرة مركز المناخ والأمن في واشنطن: "هذا الأمر لا يمكن تجنبه. المناخ لا يعبأ بمن يكون الرئيس أو ما هي أهدافه السياسية الحالية". وأضافت: "التغيرات قادمة لا محالة، ويجب على الجيوش أن تكون جاهزة".
تجاهل أمريكي لقضية المناخ
وفي الوقت الذي تجاهلت فيه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ظاهرة الاحتباس الحراري بحذفها من المواقع الرسمية، لم يتطرق آخر تقرير استخباراتي إلى التغير المناخي، ما أثار انتقادات حادة من المتخصصين.
وعلقت سيكورسكي على هذا قائلة إن هذه الفجوات الاستراتيجية تزداد خطورة، خاصة في ضوء التنافس مع الصين في مجال الطاقة المتجددة، والسباق نحو السيطرة على القطب الشمالي مع انحسار الجليد وفتح ممرات الشحن الجديدة والوصول إلى الموارد.
وأضافت: "ما يقلقني، بوصفي عملت طويلًا في مجال الأمن القومي، هو أن هذا الإغفال يشكّل تهديدًا فعليًا للولايات المتحدة".
تهديدات مناخية تُقلق الأمن القومي الأوروبي
وفي أوروبا، أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تجدد المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة، مما دفع العديد من الدول إلى تسريع خطواتها نحو مصادر الطاقة المتجددة. إلا أن خفض ميزانيات المساعدات الإنمائية مؤخرًا أثار تساؤلات بشأن قدرة الدول على الاستمرار في تمويل المبادرات المناخية في ظل التوجه نحو زيادة الإنفاق العسكري والتجاري.
وفي ألمانيا، أقرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في وقت سابق من شهر مارس بالوضع الجيوسياسي "بالغ التعقيد"، لكنها شددت على أن العمل المناخي يظل "أولوية عليا في السياسة الأمنية". وأعلنت برلين عن خطط لإنفاق نحو نصف تريليون دولار على التحديث العسكري والبنية التحتية، بالإضافة إلى 100 مليار يورو مخصصة لإجراءات المناخ.
وفي تقييم مشترك صدر في فبراير عن وزارتي الخارجية والدفاع في ألمانيا، ورد أن "أي شخص يفكر في الأمن عليه أن يفكر أيضًا في المناخ، فنحن نعيش بالفعل في أزمة مناخية". وأشار التقييم إلى أن التحديات المناخية بدأت تؤثر على "مجموعة كاملة من المهام العسكرية"، مع تصاعد المخاطر مثل فشل المحاصيل على نطاق واسع، وزيادة احتمالات النزاعات وعدم الاستقرار.
وفي بريطانيا، أوضح تقرير صادر عن وزارة الدفاع البريطانية في سبتمبر أن تأثير النشاط البشري على المناخ لا يزال يُحدث تداعيات واسعة النطاق، ويضغط على المجتمعات والاقتصادات، بل ويهدد بقاء بعض الدول.
استدعاء الجيوش في مواجهة الكوارث المناخية
وتشير بيانات مركز المناخ والأمن إلى أن الجيوش استُدعيت أكثر من 500 مرة منذ عام 2022 للاستجابة لحالات طوارئ مناخية حول العالم، مثل الفيضانات والعواصف وحرائق الغابات، مما يُشكل ضغطًا كبيرًا على قدراتها التشغيلية.
وذكرت سيكورسكي أن هناك محاولات من بعض الدول لـ"تسليح" الكوارث المناخية. فعلى سبيل المثال، تسببت الأمطار الغزيرة الناتجة عن العاصفة "بوريس" في فيضانات هائلة ببولندا العام الماضي، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية وإجلاء السكان. ورغم تدخل الجيش، أفادت الحكومة بارتفاع بنسبة 300% في المعلومات المضللة القادمة من روسيا، والتي استهدفت جهود الإغاثة.
وأضافت سيكورسكي أن الصين استخدمت أساليب مشابهة عقب فيضانات قاتلة ضربت فالنسيا في إسبانيا، حيث تدخلت القوات المسلحة للمساعدة.
وفي السياق ذاته، أشارت إلى أن ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن الاحترار العالمي يحمل آثارًا مباشرة على العمليات العسكرية، مثل التسبب في مخاطر صحية للجنود أو تقليص القدرة على نقل البضائع بالطائرات نتيجة تغيّر الكثافة الجوية.
غياب الشفافية حول الانبعاثات العسكرية
ولا تُلزم الجيوش حول العالم بالإبلاغ عن انبعاثاتها من الغازات الدفيئة، ما يجعل تقدير تأثيرها الدقيق على التغير المناخي أمرًا صعبًا. ومع ذلك، قدر تقرير للاتحاد الأوروبي في 2024 أن البصمة الكربونية للقوات المسلحة عالميًا قد تصل إلى 5.5% من إجمالي الانبعاثات، في حين أشار التقرير ذاته إلى أن البنتاجون وحده ينتج انبعاثات تفوق تلك الصادرة عن دول بأكملها مثل البرتغال أو الدنمارك.
وأوضح الباحث دونكان ديبليدج من جامعة لوبورو، أن الجيوش كانت مدركة منذ عقود لمخاطر الاعتماد على الوقود الأحفوري، مشيرًا إلى أن تلك المخاوف بدأت منذ أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي. ووفقًا لدراسة تعود لعام 2019، فإن الجندي الأمريكي كان يستهلك خلال الحرب العالمية الثانية نحو جالون وقود يوميًا، فيما ارتفع هذا الرقم إلى 4 جالونات في حرب الخليج، وقفز إلى 16 جالونًا بحلول عام 2006 خلال العمليات الأمريكية في العراق وأفغانستان.
وأكد التقرير الأوروبي أن هذا الاعتماد على الوقود الأحفوري يُمثل "نقاط ضعف كبيرة" أثناء المعارك، حيث تكون قوافل الوقود أهدافًا سهلة للعبوات الناسفة، والتي تسببت في سقوط نحو نصف القتلى الأمريكيين في العراق وقرابة 40% في أفغانستان.
ورغم إمكانية تقليل هذه المخاطر من خلال الطاقة المتجددة، إلا أن التقرير أقر بأنها "لا تزال غير ملائمة تمامًا لظروف القتال".
وختم ديبليدج بالقول إن التحول العالمي السريع في مجال الطاقة لتفادي "كارثة مناخية" سيشكل تحديات كبرى للجيوش، وسيطرح تساؤلات جدية بشأن استمرار استخدامها للوقود الأحفوري. وأضاف: "أيًا كان المسار الذي سنتخذه، لم يعد لدى الجيوش خيار سوى التأقلم مع واقع عالمي يختلف تمامًا عما عهدته حتى اليوم".