الوطنية العابرة للحدود من الأسفل بعد الحرب العالمية الأولى: ثورة 1924م في السودان الإنجليزي-المصري (1 /2)
Transnationalism from Below after the First World War: The Case of the 1924 Revolution in Anglo-Egyptian Sudan
Elena Vezzadini إلينا فيزاديني
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
نشر المركز الفرنسي للدراسات الإثيوبية هذا المقال في موقع Open Edition Books https://books.

openedition.org/cfee/1149، وهذا هو الجزء الأول من ترجمتي لبعض ما جاء فيه.
تعمل مؤلفة المقال أستاذة بمعهد العالم الأفريقي بجامعة السوربون. وقد حصلت عام 2008م على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة بيرجن النرويجية بأطروحة عن حركة 1924م، وأستلت منها عددا من الأوراق من بينها ورقة تُرْجِمَتْ للعربية بعنوان "برقيات وطنية: الكتابات السياسية ومقاومة الاستعمار في السودان بين عامي 1920 – 1924م" (1). ونشرت الكاتبة أيضاً في 2015م كتاباً عن ثورة 1924 عنوانه:
(2). Lost Nationalism: Revolution, Memory and Anti-colonial Resistance in Sudan
المترجم
*********** ********** **********
الملخص
اكتسبت الحركة الوطنية في السودان زَخْمًا قويا عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، أفضى في النهاية إلى انفجار ثورة 1924م. ولما كان البعض يرى أن السبب الرئيس في قيام تلك الانتفاضة هو حالة السودان المتفردة كبلدٍ وُضِعَ تحت إدارة حكم ثنائي (إنجليزي – مصري)، والصراع السياسي بين بريطانيا ومصر، يسعى هذا المقال لإعادة تفسير العوامل العالمية التي أفضت إلى قيام الثورة، أولاً عن طريق ربطها بانتشار الأفكار وتقنيات الاحتجاج العابرة للحدود التي تجاوزت مصر وبريطانيا، وثانياً بتحليل تلك الثورة على ضوء اللحظة العالمية المميزة التي حدثت في العديد من مواقع العالم الكلولونيالي إبان سنوات الحرب العالمية الثانية وما بعدها. وبالإضافة إلى ذلك، وعلى عكس ميل التاريخ العالمي إلى التركيز في الغالب على النخب العابرة للحدود الوطنية، فإن حالة السودان كانت لديها لها ميزة إظهار تأثير الانتشار الدولي على الثقافات السياسية المحلية "من الأسفل". وسنقوم هنا باستكشاف العديد من جوانب "الوطنية العابرة للحدود من الأسفل"، التي كان منها دور الصحافة والأخبار العالمية في تغذية ثورة 1924م، وما رد به النشطاء من أجل الوصول إلى قراء ومستمعين في كثير من دول العالم، واقامتهم لجمعيات سرية في السودان، وتلك بنية احتجاجية أخرى عابرة للحدود الوطنية؛ ولكن أيضاً الكيفية التي أحدثت بها حقبة الاحتجاجات الجماهيرية تحولاً في بنية الجمعيات السرية بحيث صارت من أدوات تعبئة الجماهير.
*********** ************* **********

المقدمة
ثورة 1924م في التاريخ (History) وعلم التأريخ (Historiography)
هزت موجة من الاحتجاجات في عام 1924م السودان، أحد أكبر المستعمرات البريطانية في أفريقيا، وأقلها سكاناً (ستة ملايين نسمة آنذاك)، وأضعفها تنمية وعمراناً. وصارت البلاد مسرحاً لسلسلة من المظاهرات والاحتجاجات وحالات التمرد، فيما صار يُعْرَفُ في تأريخ السودان بـ "ثورة 1924م". وكان السودانيون في ثورتهم تلك يطالبون بحق تقرير مصيرهم، وتحريرهم من الحكم البريطاني الكلولونيالي، والاتحاد مع مصر. ولفهم هذه المطالب ينبغي فهم السياقات التي وردت فيها؛ إذ أن السودان كان يُحْكَمُ عبر اتفاق سياسي بين بريطانيا ومصر عام 1899م جعل من السودان مستعمرةً تُدَارُ بصورة ثنائية بينهما. ولم يكن ذلك الوضع يمثل مشكلة كبيرة، إذ أن بريطانيا كان تستعمر مصر نفسها (بشمل غير رسمي). غير أن تلك السيطرة البريطانية كانت تواجه بمعارضة جهيرة الصوت في مصر، ولم تستطع القضاء على المؤسسات السياسية المصرية. وأثر ذلك السياق على طبيعة الهيمنة المصرية في السودان: فبينما كانت السيادة المصرية فيه محدودة، كان لها تأثير رمزي مهم لدى السودانيين من ذوي الوعي السياسي، الذين آمنوا بضرورة الوجود المصري بالسودان للحد من الاستغلال البريطاني لبلادهم. ومع ذلك، كان الوجود المصري في السودان كذلك واقعاً ملموساً للغاية من نواحٍ عديدة، أولها أنه لم يكن للسودان يومها قوات مسلحة خاصة به، وكان يعتمد على الجيش المصري (المكون من كتائب مصرية وسودانية)، كان السودانيون فيه يدينون بالولاء لقائد (سردار) الجيش البريطاني الجنسية، وأيضا للحاكم المصري (الخديوي أو السلطان أو الملك) بحسب الفترة الزمنية المعينة. وثانيا، كانت حكومة السودان حتى عام 1924م تعتمد في الإدارة على عدد كبير من الموظفين المصريين في الخدمة المدينة والجيش (نحو 1,800 من الكتبة المصريين في مقابل 1,500 من الكتبة السودانيين). وثالثا، كانت عائلات التجار المصريين السودانيين هم من المتعاملين الرئيسيين في تجارة الماشية المزدهرة - وذات الأهمية الاجتماعية - بين مصر والسودان. لقد كانت بداية الحرب العالمية الأولى قد أعطت البريطانيين ذريعة لتحويل مصر من مستعمرة غير رسمية إلى محمية رسمية. وخلافاً للوعود التي كانت قد قطعتها عام 1914م، رفضت السلطات البريطانية في نهاية الحرب رفع الحماية، لذا لجأ الملايين من المصريين للتظاهر في الشوارع لعدة أشهر. وتُعْرَفُ هذه الحلقة في التاريخ المصري بـ "ثورة 1919م". وعقب موجات من المظاهرات والإضرابات العامة، والعصيان والاغتيالات السياسية، أُعْلِنَ – من جانب واحد - عن استقلال مصر في عام 1922م، وشمل الإعلان أربع نقاط مؤجلة كانت إحداها هي وضع السودان في المستقبل، الذي تقرر مناقشته في مفاوضات قادمة. وفي يناير من عام 1924م اُنْتُخِبَ سعد زغلول زعيم حزب "الوفد" الذي اشتهر بمعاداته للكولونيالية بأغلبية كبيرة ليرأس الوزارة المصرية. وتقرر بدء المفاوضات بشأن وضع السودان المستقبلي في سبتمبر 1924م. وأقترح زعلول أن يستقل السودان عن بريطانيا، ويتحد مع مصر. وكان هذا هو نفس ما كان يؤمن به المحتجون في السودان عام 1924م. وكانت المظاهرات التي ينظمها السودانيون المناصرون للاتحاد مع مصر (أي أعضاء "جمعية اللواء الأبيض") تجوب الشوارع أسبوعيا في شهري يونيو ويوليو 1924م. ولم يشترك في المظاهرة الأولى سوى بضع مئات من الناس. غير أنه بعد حل "جمعية اللواء الأبيض" في يوليو من ذلك العام، ازدادت أعداد المشاركين في المظاهرات، وبدا أنها صارت تشكل تهديداً (للحكومة). وفي أغسطس 1924م سِيرَتْ مظاهرة في 15 أغسطس شارك فيها ألفان أو ثلاثة آلاف من المحتجين. وقامت مظاهرات أخرى لعل أشهرها مظاهرة طلاب مدرسة الخرطوم الحربية في يوم 8 أغسطس من ذات العام. وكان هذا يشير إلى تمدد السخط والاحتجاج إلى قطاعات بالغة الأهمية في الدولة الكلولونيالية. ولا يزال الغموض يلف بعض الاحتجاجات في تلك الفترة. فقد قامت مظاهرة في بورتسودان قال عنها البعض أنها أفلحت في جعل السلطات الكلولونيالية تفقد السيطرة على زمام الأمور بالمدينة، ولو لفترة قليلة. ووَاجَه الجيش المظاهرات التي اندلعت في أتبرا بعنف مفرط أدى لقتل أربعة من المتظاهرين وجرح 19 منهم. وأدانت جهات كثيرة داخل وخارج السودان تلك الحادثة الدموية، وقادت لمزيد من المظاهرات.
وفي تلك الأيام كان قسم المخابرات يتلقى العديد من التقارير عن النشاطات المعارضة للحكومة الكلولونيالية في مراكز البلاد الحضرية الكبيرة والصغيرة، شملت شندي ووادي حلفا في الشمال، والأبيض وبارا والنهود في الغرب، والدلنج في جبال النوبة، والفاشر في دارفور، وسنار وود مدني في النيل الأزرق، وواو وملكال في جنوب السودان. وظل مستوى قمع السلطات لتلك الاحتجاجات في تصاعد مستمر منذ بداية يوليو 1924م؛ واِكْتَظَّ سجن كوبر سيئ السمعة بالمعتقلين السياسيين، الذين نظموا فيه تمرداً. ومع بداية سبتمبر 1924م بدأت المظاهرات تقل تدريجيا بسبب ما كانت تمارسه السلطات من قمع مفرط، وتناقصت بالتالي أعداد المعتقلين؛ غير أن مستوى التوتر بقي مرتفعاً، وسرت شائعات بأن السخط العام قد بلغ حتى الجيش نفسه.
وفي 19 نوفمبر 1924م اغتال مصريون وطنيون في القاهرة السير لي استاك حاكم عام (وسردار) السودان (3). واعتبرت حكومة السودان والسلطات البريطانية أن مصر مسؤولة أخلاقيا عن ذلك الاغتيال وعن الاضطرابات التي حدثت في السودان، وطالبوا – من باب الانتقام لاغتيال استاك – بخروج القوات المصرية من السودان، وبحل الكتائب السودانية، و"تطهير بعض عناصرها" وإعادة تنظيمها لاحقاً في قوة جديدة. وعندما تجمعت القوات المصرية في يوم 27 نوفمبر 1924م بالخرطوم استعداد للعودة لبلادها، تمرد ستة ضباط ونحو 200 من الجنود السودانيين (أغلبهم من الكتيبة الحادية عشر). وبعد مواجهات عنيفة استمرت ليومين أُنْهِيَ التمرد بصعوبة بالغة. وأُعْدِمَ في يوم 5 ديسمبر ثلاثة من الضباط المشاركين في ذلك التمرد. وكان هذا الحدث، الذي أشاع شعوراً عاماً بالقَلقَلَة والصدمة والاضطراب، بمثابة نهاية ثورة 1924م.
لقد ظل النمط السائد في كتابة تأريخ ثورة 1924م هو القول بأنها قامت نتيجةً علاقة ثلاثية إشكالية بين السودان ومصر وبريطانيا؛ ولم تكن تلك هي علاقة بين دول متساوية. وكان السودان يُصَوَّرُ على أنه "أرض معركة" بين دولتين متنافستين. وبذا فإن ما وقع في 1924م لا يمكن أن يُعَدُّ ثورة على الإطلاق، إذ أن ما حدث كان نتاجاً لتلك الصراعات بين بريطانيا ومصر بأكثر مما هو نتيجة لديناميات داخلية حقيقية، بدليل العدد الصغير لعضوية "جمعية اللواء الأبيض".
ومن ناحية أخرى، تتباين مواقف علم التأريخ من المساهمة النوعية المُحدَّدة لمصر وبريطانيا فيما وقع من أحداث في عام 1924م. وتصف بعض الآراء (ومعظمها مؤيدة للمصريين) المصريين بأنهم "صناع القرارات والمستشارين الذين كانوا يعملون خلف الكواليس éminence grise" في شؤون الحركة السودانية: فقد نظموا الأحداث مِنْ عَلٍ، وموّلوا الحركة، وأرسلوا مبعوثين لتوجيه قادتها، وما إلى ذلك. ومن ناحية أخرى، يرى آخرون - من منظور مختلف - أن تلك الأحداث لم يشعلها سوى التقاعس الاستراتيجي البريطاني، أو أنه سُمح للحركة بأن تصل إلى ذروة خطيرة لإيجاد ذريعة وجيهة للقضاء على العنصر المصري في السودان نهائيا. حتى أن البعض كان يعتقد بأن اغتيال ستاك في مصر كان قد حدث في وقت "مناسب بأكثر مما هو معقول too timely" و"مريب للغاية" بحيث لا يمكن اعتباره محض صدفة. ولا شك في أن كل تلك التفسيرات كانت تستند - وإلى حد ما - على أدلة وتفسيرات منطقية، فقد كان بعض الساسة المصريين يجوبون طرق الخرطوم خاصة قبل شهر يونيو 1924م، على الرغم من أن مشاركتهم في تلك الأحداث كان بالتأكيد أقل بكثير مما كان يؤمل فيه ويرغب الوطنيون السودانيون. ولكن من جانب آخر، ليس هناك من دليل على صحة الرأي الذي ذهب إلى أن البريطانيين تعمدوا الانتظار حتى تندلع انتفاضة؛ إلا أنه يصح القول بأن تمرد القوات السودانية واغتيال استاك كانا من الحوادث التي استغلها البريطانيون لصالحهم. فقد أفلحوا في تنحية سعد زغلول (رئيس الوزارة المصرية المعارض لهم دوماُ)، وفي إجلاء المصريين عن السودان (2). غير أن كل وثائق المخابرات البريطانية الداخلية تكشف بوضوح عن أن السلطات البريطانية كانت قد قللت من شأن أحداث 1924م، ولم تْعلَ منها. لقد كانت السلطات البريطانية دائما متخلفة بخطوة عن الناشطين، وكانت غير قادرة على توقع معظم الأحداث التي وقعت، على الرغم من الطاقة الهائلة التي كرستها لاكتشاف ما يجري بالبلاد، كما تشهد على ذلك آلاف التقارير التي كتبتها المخابرات.
غير أن المشكلة الأهم في تصور أن ثورة 1924م قد وقعت نتيجةً ثانوية للسياسة المصرية أو البريطانية هي أنه - حتى لو سلمنا جدلاً- بأن السياسيين المصريين "أثروا" على قادة الحركة، أو أن البريطانيين كانوا ينتظرون سراً أن تتدهور الأمور من أجل أن تُطْلَقُ أياديهم في التعامل مع المصريين، إلا أن حقيقة حدوث عمليات الاحتجاجات الشعبية لا تزال تنتظر التفسير. وخلافاً للفكرة الشائعة التي ذهبت إلى أنه لم يشارك في تلك الحركة سوى أفراد قلائِل، فإن كثير من المصادر قدمت أدلة على مشاركة الآلاف من السودانيين في تلك الاحتجاجات، وأن السلطات البريطانية كانت على علم بما يمارسه نشطاء (يقل عددهم قليلاً عن الألف) يقودون تلك المظاهرات، ويكونون لجاناً سياسية، ويبعثون للسلطات الحاكمة ببرقيات عليها أسمائهم الحقيقية، ويشاركون في اجتماعات وجمعيات سرية تعارض النظام الكلولونيالي، إلى غير ذلك من النشاطات. وفقد بعضهم وظائفهم، وتحطمت الآمال المهنية عند بعضهم الآخر بعد أن نفوا من البلاد أو أدخلوا السجون، تاركين خلفهم زوجاتهم وأطفالهم، وتوفي عدد قليل منهم وهم في السجون.
إن حدثاً مثل الذي وقع في عام 1924م لا بد أن يكون قد نشأ نتيجةً لمجموعة من الظروف والمُلابَسات التي يمكن البحث في شأنها في مواطن متعددة، مثل التغييرات التي حدثت في تركيبة المجتمع السوداني بعد تأثير الكلولونيالية عليه، أو التحولات التي حدثت في أوساط الجيش والعمال، وفي أنماط التجارة. وأسعى في هذا المقال للتركيز على إعادة تقويم تأثير السياق الدولي، ودوره في إشعال ثورة 1924م.
ويقدم هذا المقال عدداً من التغيرات في المنظور. أولها هو الجمع بين مستويين من التحليل: المستوى الكلي (macro- level) للسياسة الدولية، والمستوى الجزئي (micro- level) للتاريخ الاجتماعي الذي يركز، بعبارة أخرى، على عناصر تلك الحركة السياسية التي تكشف عن اعتمادها المتبادل (interdependence) وتضامنها وعيشها التكافلي (symbiosis) مع الإطار الدولي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الأولى. وثانيها هو إخراج السودان من العلاقة الثلاثية المذكورة أعلاه، وفتحه على الإطار العالمي الإمبريالي الأكثر اتساعاً. وفي الواقع، ينبغي أن يُنْظَرُ إلى السودان على أنه مُتَدَاخِل ومُتَرَابِط ومتشابك في ومع دوائر عابرة للحدود وأوسع مدى، بحسبانه جزءًا من عالم اهتز عملياً (وفكرياً أيضاً) في أعقاب الحرب العالمية الأولى. ويهدف هذا المقال لتقديم "حالة" تُوضح فيها "الوطنية العابرة للحدود من الأسفل" من أجل إظهار أن العلاقات الدولية ليست مجالًا يشغله السياسيون بشكل حصري، ولكنها أيضاً شيء له تأثير مرتد على الأشخاص العاديين وعلى حشود الجماهير المتحركة. ومن خلال تبني هذا المنظور، يمكننا التركيز على السودانيين باعتبارهم فاعلين actors، وليسوا مجرد أشخاص يؤثر عليهم الساسة البريطانيون أو المصريون، وكعناصر اختارت أفكاراُ معينة وأيدتها بسبب ما قدمته من تمكين، وفتحوا الطريق نحو أشكال من التحرر السياسي، عوضاً عن بقائهم مجرد "مستقبلات receptors سلبية". وبعبارة أخرى، يمكن القول بأن تلك الحالة السودانية (في عام 1924م) تمتاز بأنها قد أظهرت الأثر الضخم الذي أحدثته الحرب العالمية الأولى على الثقافات السياسية المحلية "من الأسفل".
*******************

إحالات مرجعية
1/ المقال المترجم في هذا الرابط http://www.sudanile.com/66233
2/ نشرت هيذر شاركي استعراضاً لهذا الكتاب تجد في هذا الرابط ترجمة له: https://shorturl.at/dXJim
3/ يمكن النظر في الأحداث المذكورة من وجهة النظر البريطانية في هذا المقال: https://shorturl.at/HmF2X

alibadreldin@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرب العالمیة الأولى السلطات البریطانیة التی حدثت فی هذا المقال فی السودان ثورة 1924م ما کان غیر أن فی هذا فی تلک

إقرأ أيضاً:

في ذكراها السادسة كيف تم إجهاض ثورة ديسمبر؟

بقلم: تاج السر عثمان

١
في الذكرى السادسة لثورة ديسمبر، نستلهم دروسها حتى لا تتكرر تجربة إجهاضها التي قادت للحرب اللعينة، بترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، وابعاد العسكر والدعم السريع عن السياسة والاقتصاد، ونحن نسير في تكوين اوسع جبهة جماهيرية قاعدية لوقف الحرب واسترداد، وذلك من خلال النقد والنقد الذاتي، بمتابعة تطور المخططات للانقلاب علي ثورة ديسمبر من القوى المضادة لها في الداخل والخارج. ننطلق من الوقائع لا من التصورات الذهنية المسبقة والأوهام ، ويمكن تحديد تلك المخططات في الآتي:
٢
بعد اندلاع ثورة ديسمبر ، تم التوقيع علي ميثاق إعلان ” الحرية والتغيير” والذي توحدت حوله قوي الثورة ، وانطلقت الثورة بعنفوان وقوة أكثرعلي أساسه باعتباره البديل الموضوعي للنظام الإسلاموي الفاشي الدموي ، وكانت كما اوضحنا في مقالات ودراسات سابقة في اهم النقاط التالية:
– تشكيل حكومة انتقالية من كفاءات وطنية بتوافق جميع أطياف الشعب السوداني، تحكم لمدة أربع سنوات. – وقف الحرب بمخاطبة جذور المشكلة السودانية ومعالجة آثارها وعمل ترتيبات أمنية مكملة لاتفاق سلام عادل وشامل وقيام المؤتمر الدستوري الشامل لحسم القضايا القومية.
– وقف التدهور الاقتصادي وتحسين حياة المواطنين في كل المجالات المعيشية والتزام الدولة بدورها في الدعم الاجتماعي وتحقيق التنمية الاجتماعية من خلال سياسات دعم التعليم والصحة والاسكان مع ضمان حماية البيئة ومستقبل الأجيال.
– إعادة هيكلة الخدمة المدنية والعسكرية (النظامية) بصورة تعكس استقلاليتها وقوميتها وعدالة توزيع الفرص فيها دون المساس بشروط الأهلية الكفاءة.
– استقلال القضاء وحكم القانون ووقف كل الانتهاكات ضد الحق في الحياة فورا ، والغاء كل القوانين المقيدة للحريات وتقديم الجناة في حق الشعب السوداني لمحاكمة عادلة وفقا للمواثيق والقوانين الوطنية والدولية.
– تمكين المرأة السودانية ومحاربة كافة أشكال التمييز والاضطهاد التي تتعرض لها.
– تحسين علاقات السودان الخارجية علي أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة والبعد عن المحاور ، مع ايلاء أهمية خاصة لاشقائنا في دولة جنوب السودان.
٣
بعد وصول الثورة الي ذروتها في اعتصام القيادة العامة ، تم انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد بهدف قطع الطريق أمام الثورة، واستمرت المقاومة باسقاط الفريق ابنعوف، ومع اشتداد المقاومة والمطالبة بالحكم المدني، تمت المحاولة الانقلابية بمجزرة فض الاعتصام ، والتي أعلن فيها البرهان انقلابه على ميثاق ” إعلان الحرية والتغيير” بقيام انتخابات بعد 9 شهور وإلغاء الاتفاق مع” قوى التغيير” الذي خصص لها 67 % من مقاعد التشريعي، لكن موكب 30 يونيو 2019 قطع الطريق أمام الانقلاب بعد المجزرة، وتمت العودة للمفاوضات مع قوى الحرية والتغيير، وتم التوقيع على الوثيقة الدستورية “المعيبة” التي تجاوزت ميثاق ” إعلان الحرية والتغيير”، فما هي أبرز نقاط “الوثيقة الدستورية” : –
– تراجعت ” الوثيقة الدستورية” عن ” إعلان الحرية والتغيير” ، واصبحت الفترة الانتقالية ( 39 شهرا) ، وتكوين مجلس سيادة من 11 ( 5 عسكريين و6 مدنيين) ، لمجلس السيادة الرئاسة خلال في 21 شهرا الأولي، والشق المدني في الفترة الانتقالية الثانية 18 شهرا!!. كما أعطت المكون العسكري حق تعيين وزيري الدفاع والداخلية والانفراد بالاصلاح في القوات النظامية. وقننت الوثيقة الدعم السريع دستوريا ، واعتبرته مؤسسة عسكرية وطنية حامية لوحدة الوطن ولسيادته وتتبع للقائد العام للقوات المسلحة وخاضعة للسلطات السيادية.
– اعتبرت “الوثيقة الدسترية” المراسيم الصادرة من 11 أبريل 2019 سارية المفعول ما لم تلغ أو تعدل من قبل المجلس التشريعي ، أما في حالة تعارضها مع أي من أحكام الوثيقة تسود أحكام الوثيقة. بالتالي ابقت الوثيقة الدستورية كما جاء في المراسيم علي وجود السودان في محور حرب اليمن ، والقوانين المقيدة للحريات التي ظلت سارية المفعول ولم يتم إلغايها..
٤
تم التنكر من المكون العسكري للوثيقة الدستورية رغم عيوبها ، ولم يتم تنفيذ بنودها كما في البطء والفشل في الآتي:
– محاسبة منسوبي النظام البائد في الجرائم التي ارتكبت منذ يونيو 1989.
– معالجة الأزمة الاقتصادية ووقف التدهور الاقتصادي ، وزاد الطين بلة الخضوع لتوصيات صندوق النقد الدولي برفع الدعم الذي زاد من حدة الغلاء والسخط علي الحكومة مما يهدد بسقوطها.
– الاصلاح القانوني وإعادة بناء المنظومة القانونية ، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات واستقلال القضاء وحكم القانون.
– تسوية أوضاع المفصولين من الخدمة المدنية والعسكريين وعدم اصدار قرار سياسي وبعودتهم.
– استمرار الانتهاكات ضد المرأة ( كما حدث في حالات الاغتصاب التي سجلتها مجازر دارفور واعتصام القيادة العامة . الخ.
– سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة ، وتعمل علي تحسين علاقات السودان الخارجية ، وبنائها علي أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة مما يحفظ سيادة البلاد وأمنها، بل تم الخضوع للاملاءات الخارجية كما في تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي بطريقة فوق طاقة الجماهير استنكرها حتى صندوق النقد الدولي وانتقد الحكومة علي تلك الطريقة في التنفيذ التي تؤجج الشارع وتهدد استقرار البلاد والفترة الانتقالية، والخضوع للابتزاز في التطبيع مقابل الرفع من قائمة الدول الراعية للارهاب، فضلا عن دفع التعويض (335 مليون دولار) عن جرائم ليس مسؤولا عنها شعب السودان.
– تفكيك بنية التمكين الذي ما زال قويا ، وقيام دولة المؤسسات.
– تغول المجلس السيادي علي ملف السلام ، وتأخير تكوين التشريعي والولاة المدنيين بعد اتفاق المكون العسكري مع الجبهة الثورية، وعدم تكوين مفوضية السلام التي من اختصاص مجلس الوزراء، والسير في منهج السلام الجزئي والقائم علي المحاصصات حتى توقيع اتفاق سلام جوبا الذي وجد معارضة واسعة.
– تسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية، وإعلان نتائج التحقيق في مجازر الاعتصام ومظاهرات ومواكب المدن( الأبيض، كسلا، قريضة، . الخ).
– انتهاك وثيقة الحقوق باطلاق الرصاص علي المواكب والتجمعات السلمية مما أدي لاستشهاد وجرحي
– عدم تكوين التشريعي.
٥
الانقلاب علي الوثيقة الدستورية:
وأخيرا جاءت اتفاقية جوبا التي كرّست الانقلاب الكامل علي “الوثيقة الدستورية”، ولم تتم اجازتها بطريقة دستورية بثلثي التشريعي كما في الدستور، بل تعلو بنود اتفاق جوبا علي الوثيقة الدستورية نفسها، كما قامت علي منهج السلام الذي حذرنا منه منذ بدايته، والذي قاد لهذا الاتفاق الشائه الذي لن يحقق السلام المستدام، بل سيزيد الحرب اشتعالا قد يؤدي لتمزيق وحدة البلاد مالم يتم تصحيح منهج السلام ليكون شاملا وعادلا وبمشاركة الجميع.
كان من الأهداف تعطيل الفترة الانتقالية وتغيير موازين القوي لمصلحة القوى المضادة للثورة ، ويتضح ذلك عندما وقع المكون العسكري اتفاقا مع الجبهة الثورية بتأجيل المجلس التشريعي وتعيين الولاة المدنيين، وجاءت الاتفاقية بشكلها لتغيير موازين القوي لصالح قوى “الهبوط الناعم ” بإعطاء نسبة 25% في التشريعي للجبهة الثورية و3 في السيادي و5 في مجلس الوزراء ، مما يحقق أغلبية يتم من خلالها الانقلاب علي الثورة..
اضافة للسير في الحلول الجزئية والمسارات التي تشكل خطورة علي وحدة البلاد ، ورفضها أصحاب المصلحة أنفسهم.
السير في منهج النظام البائد في اختزال السلام في محاصصات دون التركيز علي قضايا جذور مجتمعات مناطق الحرب من تعليم وتنمية وصحة وإعادة تعمير، فقد تمّ تجريب تلك المحاصصات في اتفاقات سابقة (نيفاشا، ابوجا، الشرق،. الخ) وتحولت لمناصب ووظائف دون الاهتمام بمشاكل جماهير مناطق النزاعات المسلحة في التنمية والتعليم والصحة وخدمات المياه والكهرباء وحماية البيئة، وتوفير الخدمات للرحل و الخدمات البيطرية، وتمّ إعادة إنتاج الحرب وفصل الجنوب، من المهم الوقوف سدا منيعا لعدم تكرار تلك التجارب.
جاء انقلاب ٢٥ أكتوبر 2021 ليطلق رصاصة الرحمة على الوثيقة الدستورية الذي وجد مقاومة جماهيرية كبيرة، وفشل حتى في تشكيل حكومة، مما أدي للتدخل الإقليمي والدولي لفرض الاتفاق الإطاري الذي أعاد الشراكة وكرس الدعم السريع واتفاق جوبا، وقاد للصراع على السلطة والثروة بين قيادتي الدعم السريع والجيش، الذي اتخذ شكل دمج الدعم السريع في الجيش و فجر الصراع المكتوم، وقاد للحرب الجارية حاليا.

٦
من العرض السابق تتضح الخطوات التي سارت عليها القوى المضادة للثورة كما في تغيير نسب المجلس لإجهاض الثورة التي رفضتها لجان المقاومة وتجمع المهنيين ، في مواجهة ومقاومة مستمرة لقواها التي أكدت استمرارية جذوتها ، وكان طبيعيا أن ينفرط عقد ” تحالف قوى الحرية والتغيير”، وينسحب منه الحزب الشيوعي وقبل ذلك جمد حزب الأمة نشاطه فيه، بعد أن سارت بعض مكوناته في خط “الهبوط الناعم “والتحالف مع المكون العسكري لإعادة إنتاج سياسات النظام البائد القمعية والاقتصادية وتحالفاته العسكرية الخارجية ، ومنهج السلام الجزئي الذي يعيد إنتاج الحرب ولا يحقق السلام المستدام.
كل ذلك يتطلب بمناسبة الذكرى السادسة للثورة أوسع حراك في الشارع بمختلف الأشكال وقيام أوسع تحالف من القوى الراغبة في استمرار الثورة واستعادة مسار الثورة على أساس ” ميثاق قوى الحرية والتغيير في يناير 2019 وتطويره)، وتحقيق الديمقراطية والتحول الديمقراطي، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ، وعودة كل شركات الذهب والبترول والجيش والأمن والدعم السريع وشركات الماشية والمحاصيل النقدية والاتصالات لولاية المالية، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي بما يقوي الصادر والجنية السوداني وتوفير العمل للعاطلين من الشباب، ورفض السير في السياسة الاقتصادية للنظام البائد في رفع الدعم وتخفيض العملة والخصخصة،، وانجاز مهام الفترة الانتقالية وتفكيك التمكين والانتقال للدولة المدنية الديمقراطية التعددية ، ورفض الحلول الجزئية في السلام بالحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة.
– إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات ، وإلغاء قانون النقابات 2010، واجازة قانون نقابة الفئة الذي يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، ورفع حالة الطوارئ ، واطلاق سراح كل المحكومين ونزع السلاح وجمعه في يد الجيش وحل جميع المليشيات (دعم سريع ومليشيات الكيزان وجيوش الحركات. الخ) وفقا الترتيبات الأمنية، وتكوين جيش قومي موحد مهني تحت إشراف الحكومة المدنية. لضمان وقف الحرب واستعادة مسار الثورة. وعودة النازحين لمنازلهم وقراهم وإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
– تسليم البشير والمطلوبين للجنائية الدولية ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وضد الانسانية.
– عودة النازحين لقراهم وحواكيرهم ، وإعادة تأهيل وتعمير مناطقهم ، وعودة المستوطنين لمناطقهم ، وتحقيق التنمية المتوازنة.
– السيادة الوطنية ووقف ارسال القوات السودانية لمحرقة الحرب في اليمن، فلا يمكن تحقيق سلام داخلي، والسودان يشارك في حروب خارجية لا ناقة له فيها ولا جمل، والخروج من المحاور العسكرية، وقيام علاقاتنا الخارجية مع جميع دول العالم علي اساس المنفعة والاحترام المتبادل، وتصفية كل بؤر الارهاب والحروب في السودان.

alsirbabo@yahoo.co.uk

   

مقالات مشابهة

  • في تذكّر ثورة في السودان غابتْ
  • السودان: ثورات تبحث عن علم سياسي (1-2)
  • كتابات تتحدى الحرب: ثورة 19 ديسمبر او اين ذهب الوطن
  • سفارة روسيا في لشبونة: الأضرار التي لحقت بالسفارة البرتغالية في كييف كانت بسبب قوات الدفاع الجوي الأوكرانية
  • هل كانت ثورة ام وهم الواهمين
  • (عودة وحيد القرن) كانت من أنجح العمليات التي قام بها قوات الجيش السوداني
  • استفتاء 19 ديسمبر .. جذوة الثورة ما تزال حية
  • في ذكراها السادسة كيف تم إجهاض ثورة ديسمبر؟
  • استفتاء 19 ديسمبر ..جذوة الثورة ما تزال حية 
  • في الذكرى السادسة للثورة والاستقلال معاً لوقف الحرب