الجزيرة:
2025-04-17@19:14:51 GMT

الهند وثنائية سلاح الاغتصاب والعنصرية

تاريخ النشر: 4th, August 2023 GMT

الهند وثنائية سلاح الاغتصاب والعنصرية

تصاعدُ أعمال العنف العرقي والديني في الهند، ضد القوميات والعرقيات غير الهندوسية، يُنذر بخطر داهم، ليس على هذه البلاد فحسب، وإنما على المنطقة كلها، نظرا لامتدادات هذه العرقيات في الدول المجاورة التي لدى بعضها على الأقل تاريخاً عدائياً وتنافسياً مع نيودلهي.

الأكثر قلقاً بالنسبة للخبراء الهنود أن أعمال العنف لم تعد تستهدف المسلمين كما جرت العادة خلال العقود السبعة الماضية من ظهور الدولة الهندية الحديثة، وإنما امتدت لتشمل عرقيات السيخ وأخيراً المسيحيين، وهو ما يعزز الاتجاه العنصري ليس وسط المتطرفين الهندوس فحسب، وإنما وسط الحزب الحاكم بنظر الكثير من المراقبين والخبراء، بعد أن ثبت تورط أجهزة الدولة في أعمال العنف الأخيرة، والتي رافقها عمليات تحريض غير مسبوقة من قيادة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف بزعامة رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي.

وفتحت حادثة مانيبور شمال شرق الهند المتاخمة لميانمار (بورما سابقا) صندوق باندورا حقيقيا، لما يعتمل في أحشاء الدولة الهندية، التي لم تعد أكبر دولة علمانية ديمقراطية في العالم، بقدر ما تحوّلت خلال العقدين الماضيين من استئثار حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف بالسلطة، إلى دولة أقرب للعنصرية والتطرف، وذلك على الرغم من الجهود التي يبذلها ما تبقى من حزب المؤتمر الهندي الذي حكم البلاد لفترة طويلة إبان حكم آل غاندي لها، ولكن على ما يبدو أن التيار الهندي المتطرف أقوى سطوة وشعبية اليوم من كل الأحزاب الأخرى، في ظل موجة العنصرية التي تجتاح العالم كله.

حادث مانيبور لم يكشف عن عدم مبالاة الحكومة والشرطة تجاه التعاطي معه، بقدر ما كشف عن حالة تواطؤ حقيقية مع المليشيات المهاجمة

الحادثة التي بدأت في الرابع من مايو/أيار الماضي، فضحهم مقطع الفيديو الذي تسرّب يوم 19/6 لعصابات هندوسية تجرّ سيدتين من عرقية الكوكي المسيحية، بعد أن جرّدتهما من ثيابهما، وسط ضربهما وإهانتهما، ليتناوب كما قيل على اغتصابهما أفراد العصابة المهاجمة.

ولولا هذا التسريب الذي أتى بعد شهر ونصف الشهر تقريباً، ما كان العالم كله عرف ما جرى للفتاتين، إذ إن أجهزة الدولة التزمت الصمت الكامل إزاء الجريمة، ليخرج علينا رئيس الوزراء بعد شهرين على الحادثة ليصف الحادث بالمخجل للهند ويتوعد بالتحقيق، ولكن لم تعد الأقليات والعرقيات والأديان غير الهندوسية يثقون بمثل هذه التعهدات، وهم الذين لديهم سجل حافل بنكوث الدولة الهندية بتعهداتها، ولاسيما شخصية مودي نفسه.

وزاد الطين بلّة حين اتهمت إحدى السيدتين قوات الشرطة، التي كانت موجودة في المكان، بتسليمها إلى الغوغاء من العصابات المهاجمة، ولما حاول والد وشقيق السيدة مساعدتها وإنقاذها تم قتلهما بدم بارد من قبل المهاجمين وبمعاينة قوات الشرطة المحلية.

رئيس الوزراء لا يزال يستذكر أهل الهند حكمه لمنطقة كوجرات كرئيس لحكومتها عام 2002 يوم قتل وأحرق أكثر من 5 آلاف مسلم، بتواطؤ الحكومة نفسها، وأعلن يومها عن اغتصاب 500 مسلمة في الإقليم، وعلى الرغم من رفعهن قضايا اغتصاب للمحاكم، لكن محكمة الإقليم لم تقبل سوى 3 قضايا، ولم يتم التحقيق فيها، باستثناء واحدة، وقد أدت تلك الفترة السوداء من حكم مودي والهند إلى فرض الولايات المتحدة حظراً على دخوله أراضيها ولم يرفع إلاّ بعد أن انتخب رئيساً للوزراء عام 2014، حيث لا يزال في السلطة منذ تاريخه.

وبالعودة إلى حادثة مانيبور التي جرت فعليا بين أقلية الكوكي وأغلبية ميتي الهندوسية المتطرفة، والتي يرجعها البعض ظاهرياً للخلاف على المناصب والأراضي، فإن الحكومة والبوليس -كما روى شهود عيان لوكالات الأنباء وصحف عالمية معروفة مثل نيويورك تايمز وتايمز وفورين بوليسي- متواطئون ضد الأقلية المسيحية، ويضيف شهود العيان بأن قوات الأمن أعلنت عن اختفاء أكثر من 5 آلاف قطعة سلاح من مخازنها، لتقع في أيدي الأغلبية الهندوسية ميتي، ومعها أكثر من 60 ألف طلقة. وبالمقابل هناك من تحدث عن تدفق سلاح وذخيرة من أقارب أقلية الكوكي المقيمين في ميانمار، كما تحدثت تقارير أخرى عن تدفق سلاح من الصين، وهي التي لديها سجل عدائي تاريخي مع الهند، إن كان بحربهما معا عام 1962، أو باصطفاف الهند مع المحور الغربي ضد الصين والتصعيد في بحر جنوب الصين، وهو الأمر الذي يعد أهم ضاغط داخلي وخارجي على الصين اليوم.

وحادث مانيبور لم يكشف عن عدم مبالاة الحكومة والشرطة تجاه التعاطي معه، بقدر ما كشف عن حالة تواطؤ حقيقية مع المليشيات المهاجمة، فعلى الرغم من إرسال الدولة الهندية لعشرات الآلاف من القوات الفدرالية لتهدئة الأوضاع إلاّ أن التصعيد ظل سيد الموقف، وسط مقتل أكثر من 160 شخصاً في أعمال العنف هذه، بالإضافة إلى تهجير أكثر من 60 ألفا من السكان المحليين.

والمُقلق بالنسبة للخبراء والمتابعين للشأن الهندي أن قصة الاغتصاب لم تعد قصصاً فردية منعزلة، بقدر ما غدا اتجاهاً مسيطراً في الهند، فمع احتفال الأخيرة بعقدها السابع على التأسيس، أفرج مودي أخيراً عن 11 شخصاً متهمين باغتصاب السيدة المسلمة بلقيس بانو في أعمال العنف والاغتصاب التي تعرض لها المسلمون في إقليم حكومته كوجرات عام 2002، وهي الحالة اليتيمة التي تم فيها القبض والمحاكمة للمغتصبين، وعلى الرغم من أن المحكمة حكمت عليهما بالسجن المؤبد إلاّ أنه تم الإفراج عنهما أخيراً، وجاء تزامن الإفراج مع حادثة السيدتين ليزيد من المخاوف في أوساط الأقليات، بأن الخطر لا يزال ماثلاً بحقهم، وأن الحكومة ليست جادة في التعامل الإيجابي مع هذه الحوادث.

وقبل أيام تعرضت سيدة مسلمة تعمل معالِجة فيزيائية في منطقة أوجين للاعتداء من قبل شباب هندوس، أثناء توجهها لعملها، وحين سعى ابن عمها لإنقاذها من المهاجمين تم ضربه، ونشر مقطع فيديو الاعتداء على مواقع التواصل الاجتماعي في الهند، التي غدت بمثابة المحاكمة العلنية الوحيدة المتوفرة للأقليات لمثل هذه التصرفات الهندوسية المتطرفة المتكررة، مع غياب مؤسسات الدول، وتواطئها مع المليشيات أنفسها.

تعرض سيدة مسلمة تعمل معالجة فيزيائية بمنطقة أوجين للاعتداء من قبل شباب هندوس أثناء توجهها لعملها (غيتي إيميجز)

وقد نشرت العالمة ميغا كومار المُدرسة في جامعة أكسفورد -مؤخراً- كتابها القيم بعنوان "الطائفية والعنف الجنسي في الهند"، والتي أشارت فيه إلى وجود علاقة بين المتطرفين الهندوس، وعصابات الاغتصاب المنتشرة فيها. وتزيد ميغا بأن الأيديولوجية الهندوسية قدّمت المسلمين كأعداء للشعب الهندي، حيث تنقل عن أحد منظري الأيديولوجية الهندوسية فايناياك دامداور سافاركان بأن "الاغتصاب سلاح لتلقين المسلمين درساً". وتبقى الأيديولوجية التي يبشر بها الحزب الحاكم ويطبقها عملياً والمستندة إلى ما ينعتها بـ "هندوتفا" أي جعل الهند هندوسية خالصة، هي الجذر الحقيقي لتنامي ظاهرة التطرف والعنف والاغتصاب والطائفية، وبمثابة نسق الحياة التي تستمد المليشيات المتطرفة والمتعصبة تطرفها وعنفها.

ويهدد تفشي ظاهرة انتشار السلاح، شمال شرق الهند المتاخمة لكل من ميانمار والصين، بفوضى كبيرة على مستوى المنطقة، لاسيما إن أخذنا بالاعتبار امتدادات العرقيات الهندية داخل تلك الدول، بالإضافة إلى مصلحة بعضها في توتير الأوضاع فيها، وقد اختصر ذلك كله الجنرال الهندي المتقاعد هيملاي سنغ حيث قال "حين يتفشى السلاح غير الشرعي، وسط منطقة وشعب، فإن الصراع المسلح يكون محتوماً."

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: على الرغم من أعمال العنف فی الهند أکثر من لم تعد

إقرأ أيضاً:

إخوان الأردن: مصلحة المملكة فوق كل اعتبار ولا علاقة لنا بالخلية التي اعتقلتها المخابرات

قالت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، إن كل ما تم التطرق إليه خلال المؤتمر الصحفي الحكومي، بشأن اعتقال خلية كانت تخطط لعمليات تخريب في المملكة، هي أعمال فردية، على خلفية دعم المقاومة، ولا علم لجماعة الإخوان المسلمين بها ولا تمت لها بصلة.

جاء ذلك ردا على بيان حكومي ودائرة المخابرات العامة بأن أعضاء في الخلية ينتمون للجماعة.



وتابع بيان الجماعة بأنها "التزمت منذ نشأتها قبل ثمانية عقود بالخط الوطني، وظلت متمسكة بنهجها السلمي، ولم تخرج يوماً عن وحدة الصف وثوابت الموقف الوطني، بل انحازت على الدوام لأمن الأردن واستقراره".

وتابع البيان بأن  "مصالح الأردن العليا فوق كل اعتبار، وأن الحوار والتكامل بين مؤسسات الدولة والمجتمع هو السبيل لمواجهة التحديات وتجاوز الأزمات.".

ورفضت الجماعة محاولات التشويش والتخوين على حد تعبيرها، مشيرة إلى حملات تحريض على الجماعة، مؤكدة أنها لا تخدم الأردن وتستهدف منعته.

في سابق، الثلاثاء، كشف وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني تفاصيل إحباط دائرة المخابرات العامة لمخططات كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى داخل المملكة، على حد تعبيره.

وقال الوزير إن المخابرات العامة ألقت القبض على جميع الضالعين بتلك النشاطات التي تابعتها الدائرة منذ عام 2021.

وبين أن دائرة المخابرات عملت بعد متابعة استخباراتية دقيقة امتدت على فترات زمنية طويلة على إحباط هذه المخططات التي كانت تهدف إلى تنفيذ أعمال  داخل الدولة.




وأوضح الوزير أن هذه الأعمال التي تمثلت بأربع قضايا رئيسة انخرط بها 16 عنصراً ضمن مجموعات كانت تقوم بمهام منفصلة، وشملت هذه القضايا؛ تصنيع صواريخ قصيرة المدى يصل مداها بين 3- 5 كم، وحيازة مواد متفجرة وأسلحة أوتوماتيكية، وإخفاء صاروخ مُجهز للاستخدام، ومشروعاً لتصنيع طائرات مسيرة، بالإضافة إلى تجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب بالخارج.

وأعلن المومني أن المتهمين بالقضايا السابقة أحيلوا إلى محكمة أمن الدولة بالتهم المسندة إليهم خلافاً لأحكام قانون منع الإرهاب، وذلك بعد انتهاء إجراءات التحقيق معهم ومصادقة النائب العام لمحكمة أمن الدولة على قرار الظن الصادر بحقهم أصولاً ووفق أحكام القانون.

وقال الدكتور المومني في رده على سؤال، إن هناك انتماءات سياسية للمتهمين في هذه القضايا وهم منتسبون لجماعة غير مرخصة ومنحلة بموجب أحكام القانون، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.

وفي رده على سؤال آخر، أكد المومني أن الأردن لم ولن يقبل المسوغات لتبرير ما جرى لأنه تم على الأرض الأردنية ويشكل تهديدا مباشرا على الأمن الوطني الأردني وعلى سيادة الدولة الأردنية.

وتاليا بيان جماعة الإخوان المسلمين كاملا: 

تابعت جماعة الإخوان المسلمين، مجريات المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الاتصال الحكومي ، وما تبعه من اتهامات غير منصفة لجماعة الإخوان المسلمين، وعليه نؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين قد التزمت منذ نشأتها قبل ثمانية عقود بالخط الوطني، وظلت متمسكة بنهجها السلمي، ولم تخرج يوماً عن وحدة الصف وثوابت الموقف الوطني، بل انحازت على الدوام لأمن الأردن واستقراره، وكانت وما زالت جزءاً أصيلاً من نسيج الوطن، تقدم مصالح الأردن العليا فوق كل اعتبار، وتؤمن بأن الحوار والتكامل بين مؤسسات الدولة والمجتمع هو السبيل لمواجهة التحديات وتجاوز الأزمات.

وعليه فإن جماعة الإخوان المسلمين تؤكد أنّ كل ما تم التطرق إليه خلال المؤتمر الصحفي وما تلاه إعلامياً من مجريات وأحداث وأفعال، هي أعمال فردية، على خلفية دعم المقاومة ، لا علم لجماعة الإخوان المسلمين بها ولا تمت لها بصلة . 

كما نؤكد أنّ المرحلة تتطلبُ وعياً وطنياً صادقاً، وتكاتفاً مسؤولاً، وترسيخاً للوحدة الوطنية وتمتيناً للجبهة الداخلية على قاعدة المصالح الوطنية العليا للوطن، بعيداً عن محاولات التشويش أو التشويه أو التخوين وحملات التحريض التي لا تخدم الأردن وتستهدف منعته، لا سيما في ظل التحديات والمخاطر التي تستهدف الأردن وتسعى لحل القضية الفلسطينية على حسابه عبر التهجير والوطن البديل.

وأخيرا ، لقد أثبت الأردنيون على الدوام أنهم قادرون على تجاوز التحديات بالحكمة والرشد والمسؤولية والحوار الوطني ، وأن الدولة الأردنية بتماسكها وتعدديتها وانفتاحها، قادرة على احتضان كل رأي حر، والتفاعل مع كل صوت مخلص في إطار من الاحترام المتبادل والشراكة الوطنية الصادقة.

والله تعالى نسأل أن يحفظ الأردن عزيزاً منيعا، آمناً مستقراً، وأن يجمع كلمتنا جميعاً قيادة وشعباً وقوى سياسية ومجتمعية على الخير والحق.

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

*جماعة الإخوان المسلمين – عمان/ الأردن*
17-شوال-1446هـ
الموافق 15-نيسان-2025م

مقالات مشابهة

  • اختتام أعمال الدورة التدريبية التي أقامتها “أكساد” حول الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية
  • لبنان..لا سلاح لحزب الله اللبناني..السلاح بيد الدولة حصراً
  • وزير حرب الاحتلال: مصر هي التي اشترطت نزع سلاح حماس وغزة
  • سلاح المخيمات الفلسطينية ينتظر مبادرة الدولة لمعالجته
  • الأمم المتحدة: الاغتصاب يُستخدم كسلاح حرب ضد النساء في السودان
  • الهجرة الدولية: ثلثا سكان السودان في حاجة ماسة للمساعدات الغذائية
  • إخوان الأردن: مصلحة المملكة فوق كل اعتبار ولا علاقة لنا بالخلية التي اعتقلتها المخابرات
  • الأمم المتحدة: الاغتصاب يستخدم "سلاحا" في الحرب بالسودان
  • لتأهيل مليون م² من المسطحات الخضراء.. أكثر من 100 ألف شجرة تزين الظهران
  • بنسبة 25%.. بدء صرف معاشات تكافل وكرامة بالزيادة التي أقرتها الدولة