لاغرو أن التصالح مع النفس هو الأساس الأمثل لأيما بناء كاريزمي للإنسان، والأمر كذلك بالنسبة للشعوب والأمم.
في البدء دعونا نتبين معنى مفردة الْهُوِيَّةُ في ثنايا هذا المنقول:
(تُعرفُ الهويّة في اللّغة بأنّها مُصطلحٌ مُشتقٌّ من الضّمير هو ومعناها صفات الإنسان وحقيقته، وأيضاً تُستخدمُ للإشارةِ إلى المَعالم والخصائص التي تتميّزُ بها الشخصيّة الفرديّة، أمّا اصطلاحاً فتُعرفُ الهويّةُ بأنّها مجموعةٌ من المُميّزات التي يمتلّكها الأفراد، وتُساهمُ في جعلهم يُحقّقون صفة التفرّد عن غيرهم، وقد تكون هذه المُميّزات مُشتركة بين جماعةٍ من النّاس سواءً ضمن المجتمع، أو الدّولة.
إنتهى المنقول.
واستئناسا بالتعريف أعلاه نجد أن الهوية لها شقين:
1- شق يتعلق بصفات الإنسان وحقيقته (أي بنيويته الجسدية).
2- شق يعنى بالمعالم والخصائص (أي بنيويته المعرفية والثقافية).
بالطبع فإن النقاش الدائر بيننا كسودانيين عن الهوية يتأرجح/يراوح مكانه مابين عنصرين أو فلنقل بين قطبين لاثالث لهما وهما:
(العروبية و الأفريقية).
لنبدأ بالقطب الأول وهو العروبية ولنجب خطفا على الاسئلة التالية:
1- هل هناك (نقاء) عربي -على الاطلاق- من حيث الجينات والدم؟.
2- بالعودة الى تعريف مفردة الهوية هل للعرب قبل الإسلام مصرور يمكنه الإسهام في (تميز) فرد أو شعب من الشعوب؟.
3- هل يمكن تسمية المتاح الآن من مصرور بأنه ثقافة عربية أصيلة؟.
للإجابة على السؤال الأول نجد أن العروبة بالفعل تعد عرقا، وذلك بالعودة إلى يعرب ابن يشجب إبن قحطان إبن هود إبن شالخ إبن قينان إبن ارفخشذ إبن سام إبن نوح -على نبيي الله السلام- فهو أبو العرب جينيا وقد عاش قبل الميلاد بأكثر من 8000 عام ،وقد كان أول من كتب بالعربية القديمة، لكن كما هو معلوم فإن اول من تحدث العربية بقواعدها المعلومة هو اسماعيل عليه السلام، واسماعيل عليه السلام بالطبع ليس بعربي بالرغب من كونه جد العرب العدنانيين وهو من ينتسب اليه العرب الآن.
وللإجابة على السؤال الثاني أجد أنه من المهم بمكان أن نعرض لصراع الهوية الذي مرت به مصر قبلنا وذلك عندما كتب الدكتور طه حسين كتابه الشهير (مستقبل الثقافة في مصر)، فبغض النظر عن تأثير الثقافة الفرنسية على الرجل إلا إن رؤاه في ذلك الكتاب ماكان ينبغي للناس تجاهلها بل استصحابها بين يدي أيما نقاش عن الهوية، ولندع جانبا أخطاء الرجل في توصيفه للأدب الجاهلي ورؤاه في ذلك على عمومها، وكذلك خطأه عندما نحى إلى زاوية خاطئة لمقابلته للهوية العربية في مصر بالهوية الغربية/الفرنسية.
فالرجل رحمه الله احسبه قد أصاب فقط عندما قال بأن العروبة الجاهلية ليست ملهمة بعناصرها كهوية لكي تصنع التميز لشعب من الشعوب، لكنه أخطأ خطأ جسيما عندما أسقط خلافه الشهير مع الإخوان المسلمين في مصر فجعل من الإسلام طرفا مقابلا مما أزرى كثيرا برؤيته.
والدكتور طه حسين أيضا يؤخذ عليه مايؤخذ على عدد كبير من المفكرين المصريين بل والعديد من مفكري دول شمال افريقيا ممن اهملوا تأثير المكون الأفريقي على الثقافة والهوية في تلك الدول ومن ذلك السمت والمكون النوبي الأفريقي في مصر والأمازيغي والزنجي الأفريقي في دول شمال افريقيا فيمموا برؤاهم شمالا إلى أوربا!.
والإتفاق مع الدكتور طه حسين يتركز في توصيفه لفقر وخطل الكثيف من القوام المعرفي والثقافي للعرب ماقبل الإسلام فكرا كان أوعقائد وأعراف مجتمعية وكذلك محددات سلوكية ظهرت في ثنايا حراكهم الحياتي الذي يعتريه الكثيف من السلب والذي أضر كثيرا ببعض أعرافنا فاذا بنا ننقل عنهم -نقل مسطرة-نظرة العرب في جاهليتهم الخاصة بالرق ويقينياتهم الحياتية مثل انصر أخاك ظالما أو مظلوما وكذلك انتقل الينا منهم كِبْرٌ مقيت مرده بيت شعر معلقة عمرو بن كلثوم الجاهلي:
ونشرب إن وردنا الماء صفوا
ويشرب غيرنا كدرا وطينا.
بل وصل الأمر ببعص مفكرينا أن نسبوا بعضا من ملامح سوء الطوية النفسية من حقد وحسد ناب البعض منا قائلين بأنه موروث عربي جاهلي لاينفك عن كاريزما الشخصية العربية كما قال الراحل البروف عبدالله الطيب رحمه الله.
وبالإجابة على السؤال الثالث نخلص إلى أن المتاح الحالي من محددات الهوية عربية اللغة والشكل أنها لايمكن بأي حال من الأحوال تسميتها وتوصيفها أنها طرح عربي وذلك لإختلافنا بنيويا و مفاهيميا، فالأصل فينا هي الافريقية وليس العكس كما قال شاعرنا اسماعيل حسن رحمه الله (عرب ممزوجة بي دم الزنوج الحارة)، وقد اختلط بنا العرب نتاج الهجرات التي اتتنا بعد الإسلام، ولاصحة لكل الاقوال التي تتحدث عن أصالة عربية لدينا قبل الإسلام، حيث أعمل مبضعه وروحه فصنع فينا مشروعا قاصدا لهوية جديدة تختلف كثيرا عن هويات عديدة في جل الدول المسلمة من حولنا ان لم يكن كلها عند مقارنة القوام العام للشخصية السودانية من حيث السمات الخُلقية والمزاج العام.
وهنا فإنني أسجل صوت لوم وتخطئة للأجيال التي سبقتنا عندما جعلوا من الشعر الجاهلي مادة أساس من مناهجنا الدراسية دون أن ينتبهوا للمفارقة المودية الى عدم التصالح النفسي للسوداني عندما يسافر إلى دول عربية ويحتك بأهلها، فإذا به يفاجأ بأنه لايشبه في -شكله وتقاطيعه- لا عمرو بن كلثوم ولا من قبله سيف ابن أبي يزن، كما إنه ليست للحروبات الجاهلية -العربية- أيما صدى أو ذكر في تراث أجدادنا الذين لم يئدوا يوما بناتهم ولم تكن ناقة من نوقهم سببا من اسباب حروبهم على قلتها وبالرغم من كثرة النوق عندنا، وكذلك لم تكن للطِيَرة وضرب الأقداح تأثيرا على قرارت أجدادنا إلا لدى اثنيات وثنية قليلة جدا.
وعن الافريقية أقول بأننا -ولعله من حسن حظنا- في السودان قد ورثنا لغات أفريقية شفاهية غير مكتوبة ،أو لعلها اندثر المكتوب منها فلم تعد تصلح كلغة توازي اللغة العربية التي سادت فينا، يضاف الى ذلك افتقار الزخم الثقافي والإثراء الذي كان ينبغي أن يكون في تلك الثقافات الأفريقية كي تصبح لها سمة حداثة تميزنا كشعب وأمة إن رمنا الإنتصار يوما لها وجعلها فينا محددة لهوية تميزنا تماما ولعلها في هذه الجزئية تشبه المصرور العربي (الجاهلي) النائي عن مفاهيم الإسلام القيمية.
الخلاصة:
الذي أراه، ولكي يحدث التوازن والتصالح في دواخلي مابين هيئتي كسوداني يسعى حثيثا إلى هوية تميزه عن بقية الشعوب، فإنني قد ركنت الى (قناعة) اضحت عندي من الرسوخ بمكان بأنني -جينيا- ذو أصل أفريقي (كوشي) امتزج بدماء عربية نتاج هجرات لهم الى السودان من بعد الإسلام فتكونت القبيلة التي انتمي اليها وهي (الشايقية)، فهي بذلك قبيلة اصلها كوشي كغالب أهل السودان وليس لها أيما أصل عربي وان اتى بعض اهلي بأشجار نسب تنتهي بالعباس!.
ف(كوش) حضارة تليدة بنيت قناعاتها على توحيد الله منذ آمون الذي أجاور السكنى معبده في جبل البركل، وكوش كذلك حضارة تليدة سادت جل أرض السودان -ان لم يكن كله- منذ أزل التأريخ (اكثر من 7 ألف عام قبل الميلاد) وقد وصل الأمر ببعض الدراسات أن قالت بأن إنسان كوش هو أصل البشرية جمعاء.
الخاتمة
أزيح بذلك عن كاهلي ثوب انتماء شائه لهوية عربية (جاهلية)، الأولى بها مني (أبو جهل) وأبو لهب صاحبا الجينات العربية دونما جدال ، ولا ولن يمنعني ذلك -بالقطع- عن التوشح باللغة العربية كلسان أبذُّ به ألسِنةً عربية جينية كُثُر، اذا العروبة عندي لسان حيث سلمان الفارسي من أهل البيت كما قال نبيا صلى الله عليه و آله وسلم ، وبحمد الله فقد ترسخت اللغة العربية في السودان فأضحت لغة اصيلة تنبي بذلك الكثيف من المفردات والسياقات التي تذخر بها لهجتنا السودانية حيث انتفت-الكثير منها- في ثنايا لهجات عربية في دول العالم العربي، هذه اللغة العربية هي لغة الكتاب الذي أؤمن به والإسلام إنما دين للبشرية جمعاء بخلاف الأديان السابقة التي اقتصر بعث انبيائها ورسلها إلى أمم وأعراق بعينها ،وقد قال ربنا جل في علاه في شأن ديننا الإسلام مخاطبا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سورة سبأ:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)28.
ولعلي أذيل خلاصتي بالرد على من يقول بأن الإسلام لايمكنه كدين أن يصبح هوية لشعب أو دولة ومنهم المفكر المغربي محمد بودهان، مبررا ذلك بالقول بأن الدين ليس من الثوابت والشروط الملازمة لهوية شعب ما والتي ينفرد بها عن الشعوب الأخرى وإنما هو من المتغيرات التي تضاف إلى الهوية والقابلة للتحول والتغير حسب الظروف والعصور والتاريخ كما يشهد على ذلك تاريخ الأمم والشعوب في علاقتها بالدين بما في ذلك العرب.
وللرد عليه أقول بأن المسلم طالما دان لله بهذا الدين عليه أن يجعل كل محددات حراك حياته خاضعة له وذلك نزولا عند أمر ربنا له في سورة الانعام:
(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)162
و(لا ولن) يمنع ذلك البتة من الركون الى أصلي الافريقي الكوشي والفخر به اضافة الى فخري بإسلامي ولساني العربي المبين.
عادل عسوم، السوداني الكوشي الأصل المسلم عربي اللسان.
adilassoom@gmail
.comإنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: اللغة العربیة فی مصر
إقرأ أيضاً:
بصيرة الحسين عليه السلام في كلمة السيد القائد .. مسؤوليتنا لا تقبل التراجع
في رحاب ذكرى عاشوراء، ذكرى مظلومية الإمام الحسين عليه السلام واستشهاده في كربلاء، يقف المؤمنون في كل زمان ومكان وقفة استلهام وتزود من مدرسة الصبر والثبات، مدرسة التوحيد والكرامة، مدرسة التضحيات الخالدة التي مثلها سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام.
يمانيون / تحليل / خاص
وفي هذا السياق، تأتي كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) في هذه المناسبة العظيمة بوعيٍ قرآني، وتُجدّد بها مفاهيم الحق في وجه الباطل، والإيمان في وجه الطغيان، وتربط الماضي الثوري الحسيني بالواقع الثوري المقاوم المعاصر، مؤكداً أن عاشوراء ليست تاريخاً يُروى، بل موقفاً يُحتذى، ومسؤولية تُحمل، وجبهة تُواجه فيها قوى الظلم في هذا العصر، وعلى رأسها أمريكا والكيان الصهيوني ،
كلمة السيد القائد .. دروس زاخرة بالمعاني والدلالات الإيمانيةعاشوراء كقضية مستمرة لا ذكرى عابرة
شدد السيد القائد على أن إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ليس مجرد طقس عاطفي، بل موقف مبدئي يتصل بجوهر الإسلام وروحه المقاوِمة ، الإمام الحسين هو “صاحب قضية”، وقضيته هي الإسلام الحقيقي، الإسلام الذي يُقاوم الظلم ولا يخضع له ، بالتالي، فإن إحياء عاشوراء هو مواساة لرسول الله ﷺ، وتجديد للولاء لمبادئ الإسلام الأصيل.
الإسلام الحسيني مقابل الإسلام المحرّفأشار السيد القائد يحفظه الله إلى أن الحسين عليه السلام قاتل من أجل الإسلام الذي يصنع السلام لا الاستسلام، مما يفضح مشاريع تزييف الإسلام التي تبرر الخضوع للطغاة ، دعا إلى التمييز بين الإسلام الحقيقي و”الإسلام الأمريكي” الذي يخدم الاستكبار.
مسؤولية الأمة في وجه الطغيانأكد حفظه الله أن ما يفعله العدو الصهيوني والأمريكي في فلسطين وغيرها من البلدان من إبادة وفساد، يُلزم الأمة بـتحمل المسؤولية الإيمانية والجهادية ، مقاومة الطغيان ليست خياراً سياسياً، بل واجب ديني، والخنوع للطغاة هو خسارة في الدنيا والآخرة.
الثقة بوعد الله والنصررغم التحديات والصعوبات، فإن النصر وعد إلهي لعباده المؤمنين، وهذا يبعث برسالة أمل وثقة لكل الأحرار،
المشروع القرآني الذي يتبناه أنصار الله يستمد شرعيته وقوته من هذا الوعد الإلهي، لا من حسابات مادية أو آنية.
نماذج حية للصمود والمقاومةاستشهد السيد القائد بنماذج بارزة في الواقع المعاصر ( غزة في صمودها ، لبنان في ثباته ، إيران في دعمها للمقاومة، العراق في حراكه المقاوم ،واليمن في نهضته القرآنية المباركة) ، هذه النماذج تمثل الامتداد العملي لمسيرة الإمام الحسين، وتُجسد روح عاشوراء.
مشروع قرآني شاملشدد السيد القائد على أن الانطلاقة ليست فئوية أو مذهبية، بل هي إيمانية قرآنية عالمية ، تتمحور حول التمسك بالقرآن الكريم ، وحمل راية الإسلام الأصيل ، والتحرك في سبيل الله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
عاشوراء موقف وليست طقساًالسيد القائد أوضح أن إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام هو مواساة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وامتداد لموقع الهداية، لا مجرد إحياء شعائري أو بكائي. إنها قضية مستمرة تحمل معاني الوعي والثبات، والتصدي للظالمين، والسير على خطى أهل البيت في مقارعة الطغيان.
رفض الطاعة للطغاة والخنوع للمستكبريناعتبر السيد القائد أن الطاعة لأمريكا و”إسرائيل” تعني الذل والخسارة في الدنيا والآخرة، بينما الموقف الحر المقاوم مهما بلغت كلفته هو خيار العزة والنجاة والتمكين، وهو خيار لا رجعة عنه.
الثقة بوعد الله والانطلاق القرآنيأكّد أن مشروع أنصار الله هو مشروع قرآني إيماني يقوم على الثقة بوعد الله بالنصر، لا على التبعية ولا على التفاهم مع المستكبرين. وأوضح أن التمسك بالقرآن، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي ركائز هذا المشروع المبارك.
موقف ثابت في نصرة فلسطين ومحور المقاومةوجّه السيد القائد تأكيداً واضحاً على الثبات في نصرة الشعب الفلسطيني والوقوف بوجه المشروع الصهيوني، مشيراً إلى أن ما يتعرض له محور المقاومة من حملات إعلامية وضغوط سياسية لا يثنيه عن موقفه، لأن هذا هو الخيار الحاسم الذي لا رجعة عنه.
دروس عاشوراء في وجه الاستكباركلمة السيد القائد في هذه المناسبة العظيمة تُجسّد المعنى الأعمق لعاشوراء، وتجعل من كل مؤمن حسيني مشروع مقاومة، ومن كل موقف إيماني خطوة على طريق التمكين.
وهي دعوة مفتوحة إلى أحرار الأمة أن يكونوا كما أرادهم الحسين عليه السلام: “أحرارًا في دنياهم”، وأن لا يقبلوا بالضيم والخنوع، وأن يحملوا راية الإسلام الأصيل في مواجهة الطغيان الحديث ، والتمسك بالحق، والتضحية من أجله، حتى لو كان الثمن غالياً، لأن النتيجة هي الكرامة والنصر والعزة .