كتاب سلطة المثقف والسياسي للدكتور محمد الحوثي
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
يحيى اليازلي
يقول عبدالله البردوني في قصيدة بعنوان «بين الرجل والطريق» من ديوان «وجوه دخانية في مرايا الليل»:
(كان رأسي في يدي مثل اللفافة
وأنا أمشي، كباعات الصحافة
وأنادي: يا ممراتُ، إلى أين
تنجرُّ طوابيرُ السخافة؟
يا براميل القماماتِ، إلى
أين تمضينَ ..؟ إلى دور الثقافة
كل برميلٍ إلى الدور ..؟ نعم
وإلى المقهى .
ثم ماذا ..؟ ورصيــفٌ مـثـقـلٌ
برصيفٍ .. يحسبُ الصمتَ حَصافهْ)
قصة أو أجواء هذه القصيدة كما سمعت من أحد الأصدقاء.. أن البردوني وهو بصير/ كفيف… كان ماشيا في الشارع ورآه الناس وقد داس بقدمه على جرائد فيها قصيدته وصورته.. فقالوا له يا أستاذ عبدالله أنت تدوس على صورتك.. فكانت فرصة ليقول ما كان يجول بخاطره وراح فكتب هذه القصيدة.. لكني سمعت البردوني شخصيا في لقاء تلفزيوني يحكي مغازيها حينما سألته المذيعة: من هم البراميل المقصودون في قصيدتك.. فقال هم الموظفون في الثقافة وليسوا أهلها… وقال إنه حينما يكون المسؤول على الثقافة غير مثقف تكون النتائج كارثية.. القصيدة تناقش جدلية العلاقة بين المثقف والسياسي التي يهدف إليها الباحث محمد الحوثي في كتابه سلطة المثقف.. وإن كان في منتهاه والتي ذكرها في مبتداه لا يرى علاقة واحدة بينهما… لكني أظن العلاقة التي لا يراها أن لا انسجام بينهما.. مع إمكان تواجدهما في حقل.. مما يعني تزامل صوري مفروض.. وقد يبدو أسلوب عرضي للكتاب من هذه البداية أنه متعلق بالثقافة في حين أنه متعلق بكل جوانب الحياة.. لأن مفهوم المثقف واسع ومتعدد بحسب موقعه..
اختار الدكتور محمد محسن زيد الحوثي بعناية لوحة غلاف كتابه سلطة المثقف والسياسي.. لوحة غلاف جميلة ومناسبة لمضمون الكتاب… وهي عبارة عن وردتين بيضاء وحمراء كل منهما مغمور الساق في كأس فيه سائل بلون الآخر… إضافة إلى وجود خلفية حائطية لكل من الكأسين ذويا الوردتين مخالفة للون الوردة التي قباله… أحدهما يرمز إلى المثقف والآخر يرمز إلى السياسي وهذا لا يحتاج عبقرية لاكتشافه لأن الجميع يعرف أن اللون الأحمر أقرب إلى السياسة واللون الأبيض أقرب إلى الثقافة.. والعلاقة بين هذا وذاك واضحة من خلال تبادل الوردتين موقع الآخر في الكأسين… وهذا يدل على إمكانية أن يحل أحدهما مكان الآخر.. فالسياسي بإمكانه أن يشغل دور المثقف والمثقف كذلك بإمكانه أن يحل مكان السياسي.. أو أن كليهما يستطيع تأدية دور الآخر أو أن يكون مثقفا وسياسيا في ذات الوقت..
الغلاف الأخير نشر فيه المؤلف مقطوعة من مقدمة أدب الكاتب لابن قتيبة يكاد يلمس فيها خلاصة مراد الكتاب بصيغة أدبية كلاسيكية تعكس تاريخ الثقافة العربية وجدلية علاقتها مع السياسة على امتداد العصور.. ويصور ابن قتيبة أسباب تطير ونكوب أهل زمانه عن الأدب.. وأن العلماء مغمورون مقموعون.. بكرة الجهل.. كاسدة بضاعتهم فيما أموال الملوك محل إغراء ضعاف النفوس.. وخلاصتها أن العلم والأدب في الهامش والجهل والسفالة في المتن.. وينعكس ذلك سلبا على الدين والحياة..
طبعا هذا الكتاب كانت الهيئة العامة للكتاب على وشك طباعته، إلا أن ظروفاً حالت دون ذلك، ولكن بإذن الله سيجد الكتاب طريقه إلى الطباعة، وسأحاول أن أقف عند بعضه باختصار في هذا العرض لكي أعرف أهميته قدر الإمكان، فأطرق بعض العتبات.. منها: العنوان والغلاف والمدخل والعناوين الرئيسية للمحتوى.. إنه بحق كتاب مهم دسم وفوائده كثيرة وقد بذل الباحث فيه مجهودا كبيرا.. وقد أجرى تحليلات ومقارنات وناقش إشكاليات مهمة.
في البداية تحدث المؤلف عن شيئين… أنه لن يتناول مفهوم الثقافة لأنه من المفاهيم التي قدم فيها باحثون تعريفات كثيرة وجرت حولها نقاشات كثيرة وفيها إشكاليات معقدة.. لكنه حاول سبر أغوارها والتقريب والمعالجة والتوفيق علميا على أسس موضوعية.. مع ربطها بالواقع. والشيء الثاني وبناء على المسلمة السابقة قال أنه لا يوجد علاقة واحدة بين المثقف والسلطة… لكن تظل الجدلية بينهما موجودة ومستمرة ما دام العقل الإنساني يعمل في الفضاء المعرفي الواسع… لكنه بالمقابل توصل إلى خلاصة لتعريفات المثقف وبنى عليها أشياء سنتعرف عليها بالتالي. لكن أهم محاور الكتاب.. عموما: اتجاهات تعريف المثقف.. اتجاهات تصنيف المثقفين.. علاقة المثقف بالسلطة.. المشكلات المحيطة بالمثقف.. إشكالية علاقة المثقف بالجماهير.
بعد أن انتهى من نتائج البحث حول مفهوم المثقف بحسب تموضعاته… خلص إلى عنوان مهم وهو «دور المثقف»… ولأن المؤلف مستوعب مسألة دور أو مهمة المثقف وتأثيرها الفعال فقد جعله محورا مهما في كتابه، وهناك كتاب مهم لعلي شريعتي تحت عنوان مسؤولية المثقف.. ومثله على صعيد مقارب توجد ملزمة لحسين بدر الدين بعنوان مسؤولية أهل البيت… وبالمناسبة لم يأنس الباحث في كتابه بشيء من كتاب شريعتي ولا من ملزمة بدر الدين.. وقد لمته على ذلك فقال إنه لم يتوفر لديه كتاب شريعتي.. حين كتابة بحثه قبل تسع سنوات.. وبالنسبة للسيد حسين فذكر في الكتاب أنه سيفرد له كتابا خاصا.. باعتباره مثقفا عضويا. لذلك أحببت أن أشير إليهما بعجالة في هذا العرض.
المسؤولية في قالبيها الأخلاقي والديني.. نجدها لدى حسين بدر الدين في ملزمة مسؤولية أهل البيت وقبل ذلك لدى علي شريعتي في كتابه مسؤولية المثقف وهو كتاب يستند ككل مواضيع شريعتي على الركيزة الأخلاقية.. مع كون فكره ينبني على وجهين ديني وأخلاقي.. لكنه في هذا الكتاب تحديدا تجلى على الصعيد الأخلاقي كفيلسوف ومنظر بدرجة كبيرة… لأنه وهو يوجه خطابه المتعلق بالثقافة والمسؤولية الثقافية لحاضره في القرن العشرين والذي هو عصر الحضارة الفلسفية والثورة والحداثة والتكنولوجيا… بالإضافة إلى كونه رجلاً مثقفاً وفيلسوفاً تشرب التاريخ بما يحمل من علوم ومعارف وأديان شرقية وغربية.. لم يقف موضع الحيرة من أنه لا بد من أن يضيف جديدا إلى ما سبق وأن يقدم إضافة فكرية ومفيدة لزمنه المتسم بأنه وجه الحضارة المشرق… ما أحدث بدوره نقلة كبيرة في إعادة تشكيل مفهوم الثقافة لدى جيله والأجيال التالية في مجتمعات كثيرة وما يزال تأثيره إلى اليوم..
حسين بدر الدين وهو يقدم محاضرته حول مسؤولية أهل البيت.. يمثل القالب الديني مع كونه يمزج بين الجانبين الديني والأخلاقي في سائر ملازمه.. إلا أنه في هذه الملزمة تجلى كرجل دين بدرجة أساسية والمهم أنه ترك أثرا كبيرا في أوساط السادة من أهل البيت فاتجه معظمهم إلى ساحات الجهاد..
يقول المؤلف في القسم الذي خصصه تحت عنوان لمحة يمنية وهو عنوان يسبق نهاية البداية من مجمل الكتاب انه أستحسن تخصيص حيز في البحث طرح فيه بعض الأشكالات المتعلقة بالمثقف اليمني وعلاقته بالسلطة والصعوبات والمعوقات بإيجاز ليس لتميز المثقف اليمني عن غيره ولكن بحكم صيرورة اليمن التاريخية والاجتماعية. وفي نهاية هذا الحيز خلص الباحث بعد بحث إلى سمات المثقفين اليمنيين وإلى أنه لم ير فرقا كبيرا لا في السمات ولا في الصفات أو في الإشكاليات لكنه قد ناقش مع ذلك بعض السمات ومنها محدودية الفاعلية والتأثير.. والفقر النظري.. والتوتر النفسي.. وتحميل قوى خارجية مسؤولية السقوط والهزيمة.. والتناقض والاحتدام السياسي الذي يؤدي إلى قمع النخبة المثقفة لنفسها نتيجة لسياسة التهميش.. وناقش بعد ذلك إشكاليات منها انعدام سياسة واضحة للبحث العلمي.. وأيضا أزمة المثقف التي بدأت واكتملت مع تحول الأنظمة إلى تكتلات ومصالح ملتفة حول الدولة، لكنه يرى علاقة المثقف بالجماهير من أعقد الإشكاليات المؤثرة عليه أي المثقف من خلال نتاجه الذي قد يتقبله أو لا يتقبله الجمهور. وفي الباب الأخير بعنوان «نهاية البداية».. وبعد بحث وتنقيب في إشكاليات البحث وسبر أغوار في العلاقة بينهما أي الإشكاليات المستقلة والتابعة طرح الباحث بأسلوب جديد المفاهيم في مفهوم واحد مستوعبا كل عناصر المفهوم للمثقف ودوره محتويا عناصر مفهوم (المثقف النقدي /العضوي.. المثقف القدوة.. المثقف المؤمن).
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: بدر الدین أهل البیت فی کتابه
إقرأ أيضاً:
صدور الهدهد الأزرق للدكتور غسّان عبد الخالق
عمّان - العُمانية: صدر للكاتب الدكتور غسّان عبد الخالق كتاب "الهدهد الأزرق؛ نحو مختبر تطبيقي في الأدب الرقمي" في 250 صفحة، وذلك عن دار فضاءات للنشر والتوزيع.
واشتمل الكتاب على إهداء جاء فيه: "إلى مجلاّت الحائط المنسية في مدارسنا العتيقة"، وإشارة استحضرت قصيدة محمود درويش: "يغتالني النقاد أحيانًا، وأنجو من قراءَتهم، وأشكرهم على سوء التفاهم؛ ثم أبحث عن قصيدتي الجديدة"، ومقدّمة، وتمهيد، وتوقيعات، وملحقَين؛ وخاتمة.
ومما جاء في المقدّمة: "قُيّض لي سابقًا، أن أقارب التأثير الحاسم لوسائل التواصل الاجتماعي، في أبرز أبحاثي (معجم ألفاظ الربيع العربي) الذي صدّرت به كتابي (بلاغة الشارع؛ دراسات تطبيقية في ضوء النقد الثقافي). وها أنا ذا أفي بالوعد الذي قطعته على نفسي أكثر من مرة، وأعني به التصدّي لتوثيق تجربتي في (الفيسبوك)؛ سياقًا ونصًّا".
ويضيف عبد الخالق: "مع أنني أدرك أن الانشغال بهذا الشأن قد يثير استهجان أو استغراب بعض المتزمّتين، فإنني أُقدم عليه بكل اطمئنان، لأنني عوّدت قرّائي ودرّبتهم على التعامل معي بوصفي ناقدًا ثقافيًّا مهجوسًا بخطاب الجمهور في المقام الأول، ومن واجبي –لذلك- أن أشتبك مع كل نسق ثقافي معلن أو مضمر، بلا هوادة ودون مجاملة، ولأنني أَعدُّ النقد الثقافي التزامًا شاملًا، وليس (بريستيجًا) أكاديميًّا أو نقديًّا، أفعّله هنا ولا أفعّله هناك، لغاية في نفسي أو لغاية في نفس غيري".
مثّل التمهيد للكتاب تشخيصًا للأنساق المضمرة في (الفيسبوك)، وخاصة على صعيد نسق الدوافع السياسيّة الذاتيّة أو الجمعيّة، ونقرأ للمؤلف في ذلك: "ليس سرًّا أن كثيرًا من المغامرين السياسيين، قد نقلوا مماحكاتهم ومهاتراتهم وآمالهم وطموحاتهم السياسيّة، من الشارع إلى شاشة الحاسوب المحمول أو الهاتف المحمول، وراحوا يصبّون جام غضبهم وإحباطاتهم وتطلّعاتهم عبر الفيسبوك. وقد أشاع كثير منهم حالة من الابتذال السياسي المكشوف، المصحوب بمظاهر التنمّر والعدمية والعبث والضحك الأسود، وتطبيع ثقافة التخوين والاتهام والتجريح".
وفيما شغلت التوقيعات -التي سبق للمؤلف أن نشرها في صفحته بين عامي 2012 و2020- مئة وخمسًا وستين صفحة؛ فقد ضمّ الملحق الأول أبرز ما أُهدي له من قصائد شعرية فيسبوكية، وضم الملحق الثاني مقالات تابع المؤلف من خلالها تطورات موقفه من وسائل الاتصال الاجتماعي، مشيرًا إلى أنه حدّد سمات التوقيع بـ: الفكرة، والمفارقة، واللغة الشعرية، والإيجاز، والبساطة.
وختم المؤلّف كتابه قائلًا: "حينما عرضت هذا الكتاب على ثلّة من الزملاء والأصدقاء الذين أثق برأيهم؛ بادر الأكاديميون منهم لتأكيد قناعتهم بأنه قد يكون فاتحة لعدد من التجارب التوثيقية الإبداعية والدراسات الثقافية الجادة في حقل الأدب الرقمي. وأضاف بعضهم قائلًا: إذا أُحسن توجيه طلاب الدراسات العليا إلى بعض المدوّنات النوعية في الفضاء الأزرق؛ الأدبية والاجتماعية والسياسية -ومن منظور النقد الثقافي- فإن الحصاد سيكون وفيرًا، وخاصة إذا نظرنا بعين الاعتبار، إلى حقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي الآن، تمثل المنابر الأولى للجمهور، على اختلاف مرجعياته وتوجهاته، وأن هذه الوسائل توفر للباحثين فرصًا ذهبية، لرصد التفاعلات الموثّقة بين المرسل والمستقبل بالسنة والشهر واليوم والساعة".