– المشهد كما يراه العالم والأطراف المنخرطة في الحرب الدائرة منذ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، سواء كانوا في ضفة المقاومة في غزة أو في ضفة كيان الاحتلال، من قوى شعبية صغيرة إلى الدول العظمى الكبيرة، هو مشهد حرب تمتد لثمانية شهور ويعجز خلالها جيش الاحتلال عن تحقيق أي من أهداف الحرب، ويفقد زمام المبادرة، ويفقد قوة الردع.
– المقارنة المتسرّعة قد توصل إلى الاستنتاج أن الفارق بين المشهدين، يمكن اختزاله بالقول بسقوط دور الجيوش العربية وصعود المقاومات بدلاً منها، لكن ما جرى في حرب 1973 قال إن العطب عام 1967 لم يكن في الجيوش، وإن الخلل في استثمار نتائج الحرب أو المضي بها قدماً حتى فرض معادلات جديدة على الكيان بدلاً من منحه فرصة استثمارها في استرداد زمام المبادرة وإعادة تأكيد قدرة الردع. كما حدث بفعل كامب ديفيد، لم يكن أيضاً بسبب الجيوش، لأن الجانب العسكري من حرب 73 قال بأن الجيوش العربية قادرة على تخطيط حرب والإعداد لها، وخوض غمارها، وتحقيق المفاجأة فيها، وإنجاز النصر العسكري المتمثل بالعبور الى الأراضي المحتلة وتدمير خطوط الدفاع الأولى والثانية والثالثة لجيش الاحتلال، وبالتالي فإن الخلل عام 67 كان في مكان ما من القيادة العسكرية والأمنية والسياسية، لكنه قطعاً ليس في الجيوش التي أنجزت نصراً كان كاملاً قبل أن يبدأ الخلل بفعل التدخل السياسي، بداية لإخراج الجيش المصري من الحرب، ثم لإخراج مصر من الصراع كله.
– لكن بالرغم من حقيقة ما قالته حرب تشرين عسكرياً، لا تزال حرب 2024 أشد تفوقاً، وقد ثبت أن حرب المقاومة تتيح الفرصة لخوض حرب استنزاف طويلة، لا تتسبب بتعريض العواصم العربية والمؤسسات الحيوية في الدول العربية للخطر، لكنها تدفع الكيان إلى حافة الانهيار، ولم تكلف هذه الحرب الاقتصادات العربية وموازنات الدول العربية قرشاً واحداً، ومثلت ذريعة لأي ارتكاب سياسي أو مالي أو امني، كما كان ينسب لنظرية الاستعداد للحرب من جانب الدول والحكومات والجيوش، وهي حرب تخوضها مقاومات تنتمي للجغرافيات الثانوية في البلاد العربية، حيث لا دول غنية ولا دول قوية ولا مجتمعات موحدة، لكنها رغم الجوع والدمار والحصار، من غزة إلى جنوب لبنان إلى اليمن والعراق، تنجح بفعل العكس تماماً في الكيان، فهي مثلما حيّدت العواصم والجيوش والاقتصادات والمجتمعات العربية عن دفع الثمن، جعلت الجيش والاقتصاد والعاصمة والتجمع في كيان الاحتلال يدفع أثماناً باهظة، لبلوغ عتبة الانهيار، وهو ما لم يكن ممكناً نسبته لحرب 73 في أفضل التمنيات.
– ثمة فارق رئيسي بين الحربين يفسره وجود محور المقاومة. وهذا المحور الذي تشكل إيران عمقه الاستراتيجي وسورية عقدة الوصل بين ساحاته، يستند أيضاً إلى جيوش قوية ومقتدرة، لكنه لا يزج بها في ساحات القتال إلا نسبياً وجزئياً، وعند الضرورة القصوى. وهذا المحور ينخرط في حربه بخلفية عقائدية لا مكان فيها للاعتراف باحتلال أي جزء من فلسطين تحت شعار التسوية التاريخية للدولتين، ويضع لنفسه مهمة هي زوال هذا الكيان. وقد أخلص لما أعلنه من قناعة بأن قضية فلسطين هي الأولوية التي يخضع لها سائر بنود جدول أعمال مكوناته، وفي مقدمتها موجبات الاهتمام بشؤون السلطة والسعي إليها ومستلزمات الحفاظ على المكاسب التي توفرها، ومراعاة الضوابط التي يستوجبها ذلك داخل كل بلد وعلى مستوى العلاقات الخارجية. وهذا المحور بسبب إخلاصه لفكرة فلسطين أولوية، ثابر لعقود طويلة على بناء القوة اللازمة لمنازلة الكيان، فنظّم ودرّب وهيكل تشكيلات من مئات آلاف الشباب العرب في بلدان عديدة، وراكم من السلاح والذخائر التي يحتاجها وأتقن تصنيع أغلبها وحتى تفوّق مجتمعاً على قدرة الكيان النارية، وخاض معارك اختبارية سبقت الطوفان قالت له بنضج اللحظة لضربة تغيّر الاتجاه فكان العبور في 7 أكتوبر تذكيراً بعبور 6 أكتوبر وتحية لشهداء ذاك العبور من الجيشين المصري والسوري.
– الأهم في هذا المحور هو أنه على قلب رجل واحد في الإخلاص لفكرة فلسطين أولوية، وقد شهدت الشهور الثمانية ترجمة حسيّة لهذا الإيمان والإخلاص، رغم المزايدات التي رافقت الأشهر الأولى حول مدى جدية أطرافه في ترجمة انخراطها في الحرب، وهو ما أثبتت وتثبت الوقائع أنه ذكاء استراتيجي في كيفية خوض حروب الاستنزاف، وبقاء الوهج لغزة وقتالها ومعاناة شعبها وبطولات مقاومتها، فيتراكم نصر الميدان فوق نصر حرب الرواية التي غيّرت اتجاهات الرأي العام العلمي بفعل ذلك، والأهم هو ما يثبت من وقائع أنه لو كان في جبهة الإسناد الأولى لغزة من هذا المحور التي يمثلها لبنان أنور سادات، يقبل أن ينسحب من الحرب في منتصف الطريق تحت شعار الأولوية الوطنية على القضية المركزية الجامعة لقضايا الوطنيات المختلفة، لوقعت الكارثة وتكرّر ما جرى مع حرب 73، وقد كانت الإغراءات والتهديدات والضغوط الداخلية أكثر من أن تُحصى، ونجحت القيادة التي تمثل المحور في لبنان بالفوز في الامتحان الصعب، وبقيت على إخلاصها وتحمّلت ولا تزال ما تنوء تحت حمله الجبال، ومعادلتها تقول اذهبوا إلى حركة حماس وفاوضوها وعندما تتفقون وتنتهي الحرب في غزة، ستتوقف جبهة لبنان، وما يصحّ في جبهة لبنان يصحّ كذلك في جبهات اليمن والعراق، ويصح ضمناً وبقوة في حالتي سورية وإيران.
– كانت حرب حزيران جولة ربحها الكيان عسكرياً فتعلّمت منها الأمة، وأعدّت لحرب 73، وكانت نهاية حرب 73 بكامب ديفيد جولة ربحها الكيان سياسياً فتعلمت منها الأمة، وجاءت حرب 2024 تترجم تعلم الدروس السياسية والعسكرية وإتقان تجاوز نقاط الضعف ومراكمة نقاط القوة، لننتقل من زمن الهزائم إلى زمن الانتصارات، وكلمة السر هي الأخلاق والصدق والإخلاص والعقيدة، وكلها تختصرها معادلة فلسطين حرة من البحر إلى النهر.
رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
من التضخم إلى البتكوين.. هذه أبرز القوى الاقتصادية التي شكلت 2024
أثرت العديد القوى والعوامل على الاقتصاد والأعمال في عام 2024، مثل خفض أسعار الفائدة، وارتفاعات سوق الأسهم، وتهديدات التعريفات الجمركية من قبل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير ترجمته "عربي 21"، إنه من المتوقع أن ينهي الاقتصاد سنة 2024 في وضع مستقر، مع انخفاض التضخم ونمو اقتصادي قوي، خاصة في الولايات المتحدة، وذلك رغم الحملة الانتخابية الأمريكية المضطربة والصراعات العالمية المتصاعدة.
وأضافت أنه رغم ذلك لا تزال التوقعات لسنة 2025 غامضة بسبب تأثير تغييرات سياسة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
أرقام قياسية
في نهاية سنة 2023، كان مؤشر "إس آند بي 500" يتجه نحو تسجيل رقم قياسي جديد، وفي كانون الثاني/ يناير، وصل أخيرًا إلى هذا الارتفاع، مدفوعًا جزئيًا بأسهم شركات التكنولوجيا "السبعة الرائعة" وهي: "ألفابت، وأمازون، وآبل، وميتا، ومايكروسوفت، وإنفيديا، وتسلا"، ومع استمرار السوق الصاعدة، أصبحت الارتفاعات في سوق الأسهم أمرًا شائعا.
حقق مؤشر "إس آند بي" 500 إلى مستوى قياسي مرتفع 57 مرة في سنة 2024، مع بعض الارتفاعات الكبيرة خصوصًا بعد الانتخابات، رغم أن الارتفاع قد تباطأ في الأسابيع الأخيرة.
عام من تخفيضات أسعار الفائدة
وأشارت الصحيفة إلى أن التباطؤ العالمي ساعد في التضخم، ومعه التوقعات بتخفيف السياسة النقدية، في تعزيز سوق الأسهم الرائجة.
وذكرت أن سياسة التشديد النقدي كانت هي السائدة في معظم الاقتصادات الكبرى على مدار السنتين الماضيتين، حيث رفع محافظو البنوك المركزية أسعار الفائدة لكبح التضخم المتصاعد. وفي صيف وخريف هذه السنة، بدأت العديد من الاقتصادات المتقدمة في خفض أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ الجائحة.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، اتبع بنك الاحتياطي الفيدرالي نفس النهج بتخفيض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة، وهي خطوة كبيرة غير معتادة وإشارة واضحة إلى أنهم يحوّلون اهتمامهم من مكافحة التضخم إلى حماية سوق العمل.
ومع تحسن الظروف الاقتصادية في الولايات المتحدة، انخفضت أسعار الفائدة لدى الاحتياطي الفيدرالي أيضًا.
وأفادت الصحيفة بأن التحركات الأخيرة للاحتياطي الفيدرالي أوضحت أن مخاطر التضخم عادت، وفي 18 كانون الأول/ ديسمبر، أعلن عن خفض ثالث للفائدة هذه السنة بمقدار ربع نقطة، لكنه قلل من التوقعات بتخفيضات إضافية، مشيرًا إلى أنه قد يتم خفض الفائدة مرتين فقط حتى نهاية 2025.
ويعتقد مسؤول واحد فقط من الاحتياطي الفدرالي أن أسعار الفائدة ستبقى على حالها السنة المقبلة، بينما يتوقع آخرون إجراء تخفيضات.
وأدى هذا الإعلان، مع نطاق عدم اليقين في توقعات الاحتياطي الفيدرالي، حيث يتوقع أحد مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي عدم إجراء أي تخفيضات على الإطلاق السنة المقبلة، بينما يتوقع مسؤول آخر خمسة تخفيضات، إلى تراجع الأسواق.
السندات تروي قصة أقل تفاؤلاً
وعلى خلفية أخبار الاحتياطي الفيدرالي، ارتفعت عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوى لها منذ أيار/ مايو.
وبينت الصحيفة أن عوائد سندات الخزانة ارتفعت في أيلول/ سبتمبر وأوائل تشرين الثاني/ نوفمبر، حتى بعد بدء الاحتياطي الفيدرالي في خفض الفائدة وارتفاع الأسهم بعد فوز ترامب. كما ارتفع متوسط سعر الفائدة على الرهن العقاري لمدة 30 سنة، مما يبدو متناقضًا مع تخفيضات الفائدة.
ويشير ارتفاع العوائد طويلة الأجل إلى أن وول ستريت لا تزال غير متأكدة من استمرار حالة عدم اليقين في ظل تخفيضات الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة.
ويفكر المستثمرون في الأصول مثل سندات الخزانة لأجل 10 سنوات فيما سيحدث للنمو والتضخم على مدى شهور أو سنوات، وقد يشير ارتفاع العوائد إلى أن المستثمرين يتوقعون ارتفاع التضخم في المستقبل بالنسبة للاستثمارات طويلة الأجل.
وذكرت الصحيفة أن بعض العوامل التي أدت إلى ارتفاع الأسهم بعد فوز ترامب، مثل خفض الضرائب، وإلغاء اللوائح التنظيمية، والإنفاق الحكومي، قد تشكل مصدر قلق لمستثمري السندات، الذين يخشون أن تؤدي خطط ترامب الاقتصادية إلى زيادة العجز الفيدرالي والتضخم.
تهديدات ترامب بالتعريفات الجمركية
وخلال موسم الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية، عبّر كلا المرشحين عن دعمهما للتعريفات الجمركية كأداة أساسية لحماية الشركات الأمريكية من المنافسين الصينيين والعالميين الآخرين.
وأضافت الصحيفة أن ترامب أعلن، بعد أسابيع قليلة من فوزه بالانتخابات، أنه سيفرض تعريفات جمركية على المنتجات القادمة من كندا والمكسيك والصين في أول يوم له في المنصب، وخلال ولايته الأولى، فرض ترامب تعريفات جمركية على بعض الواردات، خصوصًا تلك القادمة من الصين، مما أدى إلى انخفاض حصتها من الواردات.
وقد تؤدي التعريفات الجمركية الشاملة إلى اندلاع حرب تجارية إذا ردت الدول بفرض تعريفات جمركية مماثلة، وأظهرت الدراسات أن تكلفة التعريفات الجمركية غالبًا ما يتم تمريرها إلى المستهلكين الأمريكيين، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم.
آفاق اقتصادية منقسمة
ويرى الديمقراطيون والجمهوريون آثار سياسات ترامب المحتملة بشكل مختلف، فقد ارتفعت مشاعر المستهلكين بين الجمهوريين بعد يوم الانتخابات، وفقًا لاستطلاع رأي المستهلكين الذي أجرته جامعة ميشيغان. بينما انخفضت لدى الديمقراطيين.
ونقلت الصحيفة عن جوان و. شو، مديرة استطلاع جامعة ميشيغان، قولها: "أعرب الديمقراطيون عن قلقهم من أن التغييرات السياسية المتوقعة، خاصة زيادة التعريفات الجمركية، ستؤدي إلى عودة التضخم، بينما توقع الجمهوريون أن الرئيس المقبل سيؤدي إلى تباطؤ كبير في التضخم".
عودة البتكوين
وقالت الصحيفة إن ازدهار العملات المشفرة كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بفوز ترامب، فخلال حملته الانتخابية، وعد ترامب بجعل الولايات المتحدة "عاصمة العملات المشفرة في العالم"، وفي اليوم الذي تلاه فوزه، ارتفعت قيمة بيتكوين إلى مستوى قياسي.
ويأتي هذا بينما قفزت أسعار بيتكوين بشكل هائل في الأشهر الأخيرة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، ارتفع سعر بيتكوين الواحد إلى 100 ألف دولار لأول مرة، وهو تحول مذهل بعد أن انخفض سعره إلى أقل من 17 ألف دولار في 2022 بعد انهيار بورصة "إف تي إكس" للعملات المشفرة.
لكن، مثل سوق الأسهم، تتسم البتكوين بالتقلب، مما يجعلها أكثر من مجرد أداة مضاربة أكثر من كونها عملة، وبعد أن سجلت أعلى مستوى لها فوق 108 ألف دولار هذا الأسبوع، انخفضت إلى أقل من 100 ألف دولار.
وقال جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي: "إنها ليست منافسًا للدولار، بل للذهب".
النمو الفلكي لشركة إنفيديا
وأشارت الصحيفة إلى أن شركة إنفيديا، التي أصبحت هذه السنة الأكثر قيمة في العالم لفترة قصيرة، ستستفيد أيضًا من ازدهار العملات المشفرة، حيث تُستخدم شرائحها في ألعاب الفيديو وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وكذلك في تعدين العملات المشفرة.
وكانت إنفيديا من أفضل الشركات أداءً في السوق.
وقالت الصحيفة أن إنفيديا سجلت أكبر نمو، حيث ارتفعت أسهمها بنحو 800 بالمئة منذ بداية سنة 2023، وفي مؤشر آخر على ازدهار الذكاء الاصطناعي، بلغت شركة "برودكوم"، وهي شركة تصنيع شرائح أخرى، قيمتها السوقية تريليون دولار في وقت سابق من هذا الشهر.
ورغم ذلك، انخفضت أسهم إنفيديا في الأسابيع الأخيرة بعد فتح السلطات الصينية تحقيقًا لمكافحة الاحتكار ضدها.
مستقبل عقد الصفقات
في سنة 2023، انخفضت صفقات الاندماج والاستحواذ العالمية إلى أدنى مستوى لها منذ 10 سنوات، مما يعكس القلق بشأن الاقتصاد العالمي والتوترات الجيوسياسية، فضلاً عن عدم اليقين قبيل الانتخابات في العديد من البلدان.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن صانعي الصفقات في الولايات المتحدة يأملون أن تكون إدارة ترامب الثانية مفيدة لعمليات الاندماج، خاصة مع توقع تساهل رئيس لجنة التجارة الفيدرالية الجديد، أندرو فيرغسون، مع عمليات الاندماج مقارنةً برئيسة اللجنة الحالية، لينا خان.
وتعهد فيرغسون أيضًا بمكافحة هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى، وقد تبقى أسعار الفائدة مرتفعة مع استمرار الغموض حول مقترحات ترامب الاقتصادية، فهل انتهت حقبة الاندماجات الكبرى أم ستعود بقوة؟