صحيفة التغيير السودانية:
2024-09-30@15:46:57 GMT

أيّ كرامة في الحرب العبثية

تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT

أيّ كرامة في الحرب العبثية

خالد فضل

خالص التعازي لأسر وذوي ضحايا المجزرة الدموية التي حدثت وقائعها في قرية ود النورة من ريف منطقة المناقل، ونترحم على تلك الأرواح السودانية الغالية من أجيال الشباب في الغالب التي يستمر إهدارها عبثا دون توقف منذ فجر الاستقلال إلى شيخوخته الراهنة، ويدين كل صاحب حس إنساني سليم مناهض للعنف والحرب وناشد للسلام والحرية والعدالة، وكل صاحب موقف أخلاقي وفكري وسياسي رشيد ينطلق من قاعدة لا للحرب؛ يدين بأشد العبارات قوات الدعم السريع التي هاجمت القرية بمفرزة كبيرة من جنودها وآلياتها وأسلحتها.

وأيا كانت دواعي الحشود القبلية أو الحزبية التي استهدفها الهجوم، فإنّ معظم سكان قرى الجزيرة هم من المدنيين الأبرياء، وفيهم من العفوية ما يقارب السذاجة في التعامل مع وقائع مثل كنه الحرب وطبيعتها، كما أنهم ظلوا لمدة 6 أشهر يتعرضون لممارسات وانتهاكات فظيعة وفرت بيئة مواتية لاستغلال ردة فعلهم الفطرية والمشروعة ضد العدوان الواقع عليهم لتحقيق أهداف الفئات الوالغة في الحرب من أجل إحكام سيطرتها وسطوتها على البلاد والانتقام من الثوار الذين أزاحوا جبروتهم في ثورة ديسمبر المجيدة.

وقد ظل صاحب هذا القلم مذ أن خطّ حروفه الأولى للنشر قبل 30 سنة تقريبا، ينشد السلام والحرية والحياة الديمقراطية لوطنه وشعبه، وهو موقف يتشاركه مع كثير من السودانيين/آت، بل مع جميع البشر المحبين للسلام المبغضين للعنف والكراهية والحرب، وهو عالم إنساني فسيح، يمتد من مشارق الشمس يوميا على الأرض إلى مغربها السرمدي، حتى تأفل أفولها الأبدي في يوم الحشر.

ثم بعد الإدانة للحرب عموما وللانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها البشر المتعاركون ضد بعضهم بعضا وضد الأبرياء والعزل وضد سبل الحياة ومرافقها وأنشطتها، لا بد من مواجهة الحقائق، لا كما يرويها الطرفان المتحاربان، بل من موقف الرفض للحرب أساسا، فمن في وسعه أن يترقى إلى مصاف السلم يمكنه ببساطة أن ينظر إلى هذه الانتهاكات بأنها نتيجة حتمية للأصل وهي الحرب ذاتها، فمتى ما توقفت الحرب أمكن تلافي نتائجها الوخيمة، ومتى زاد أوار النار اشتعالا تعاظمت آثار الحريق دمارا، هذه الفرضية البسيطة، توصل إليها من عجب قائد الجيش الفريق البرهان في تصريحاته لقناتي الحدث/العربية في يوم السبت 22 أبريل 2023، وهو يقول عبر الهاتف: يجب على طرفي الصراع في السودان الجلوس معا لإيجاد مخرج للأزمة، ويجب أن نجلس جميعا كسودانيين، ونجد المخرج الملائم حتى نعيد الأمل ونعيد الحياة، لأن هذه الحرب العبثية الجميع فيها خاسر، وأنّه يشاطر قادة الدول القلق الذي أبدوه حيال هذه الحرب.

وبذات جوهر ما أدلى به البرهان جاءت تصريحات قائد الدعم السريع حميدتي لذات المصدر. وكان البرهان قد أكد وجوده في مركز قيادته؛ لأن ذلك مكان عمله، ولن (أتركه إلا على نعش) على حد تعبيره.

الحرب العبثية الخاسرة هذه استمرت لأربعة عشر شهرا حتى الآن، وما تزال الانتهاكات لحقوق الإنسان متواصلة من كل أطرافها، ولا ننسى تعدد الأقطاب فيها، فالبرهان يسنده الآن مليشيات عديدة منها مليشيات مناوي وجبريل ومالك عقار ومصطفى طمبور ومليشيات جماعات الإسلام السياسي البراء بن مالك، ومليشيات القبائل والمناطق خاصة في مناطق سيطرته في الشمالية والشرق ومنطقة المناقل بالجزيرة مثل كتائب الزبير بن العوام وغيرها من لافتات تنتشر مقاطعها عبر الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي، وتحظى فعالياتها وتعبئتها لمواصلة الحرب العبثية بالتغطية من وسائل الإعلام الرسمية والموالية في السودان، فيما تتحالف مع الدعم السريع مليشيات قبلية في مناطق دارفور وكردفان والخرطوم وبعض أرجاء الجزيرة.

وهي النذر الأسوأ في سيناريوهات الحرب العبثية، الأمر الذي لا يجدي معه نفعا تعمية الأنظار وخداع الناس بمسميات تعود إلى حروبات عهد الإسلاميين الغاشم (الإنقاذ) مثل حرب الكرامة!! فأي كرامة في حرب عبثية الجميع فيها خاسر على حد وصف البرهان نفسه، فهل الكرامة في مقتل حوالي 100 ألف من المدنيين، وتشريد ونزوح ولجوء حوالي 10 ملايين منهم، وخروج 80% من الأنشطة الاقتصادية من الخدمة، ومكابدة الحياة وأكل أوراق الشجر والمجاعة ونقص الغذاء وضياع جيل كامل من الأطفال والشباب.

أهذه المعطيات تحقق الكرامة، ما الإهانة والذل إذا كانت تلك نتائج حرب الكرامة، هل انقلبت الموازين بحيث صار رأسها إلى أسفل وأرجلها إلى أعلى مثل قلب (الهوبا) بحيث صار دعاة السلم والناشطين من أجل ما يمكن إنقاذه هم المنبوذين والمطرودين؛ مما يراه دعاة الحرب نعيما؛ هناك بعض المرضى النفسيين يتلذذون بعذابات الآخرين، وتكون هي جنتهم ومصدر سعادتهم.

الحق أنّ دعاة السلام ولا للحرب هم الأكثر تأهيلا من كل جانب لقيادة بلادهم وإنقاذه من الجحيم، ولنا في تاريخ عمر البشير القريب عظة، وما تزال أصداء خطبه الجوفاء ترن في الفضاء كلما وقف البرهان في محفل من محافل اليتم والمأساة، وهو يترحم ويعزي ويحمل الأطفال في صنيع مصطنع، أو يأكل (الزلابية!! لا للحرب نعم للسلام، والتحية للقابضين بالوعي على جمر القضية الوطنية الكبرى قضية وقف الحرب لتبدأ مرحلة طي الأحزان وفق المعادلة الصحيحة التي تمشي على ساقين مستقيمين، إنها الكرامة الإنسانية التي تنتهكها الحروب يا سادة ولا سبيل لردها إلا بوقف الحرب.

الوسومخالد فضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: خالد فضل الحرب العبثیة

إقرأ أيضاً:

ما الذي تمرد عليه الدعم السريع؟

الجيش بقيادة البرهان والدعم السريع بقيادة حميدتي تمردا على الوثيقة الدستورية في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ بانقلاب عسكري ، والانقلاب اكبر تمرد على الحياة السياسية المدنية
التمرد المشترك فشل في تشكيل حكومة
حميدتي ادرك في الساعة الخامسة والعشرين ان الانقلاب وراءه الكيزان وسوف يؤدي في النهاية الى استئصاله هو
فاعترف بفشل الانقلاب واعتذر عنه وايد الاتفاق الاطاري لاستعادة المسار الانتقالي واجراء انتخابات بعد عامين.
البرهان نفسه وقع على الاتفاق الاطاري كقائد للجيش
الكباشي والعطا ومن ورائهم الكيزان عارضوا الاتفاق الاطاري
وضغطوا البرهان للتراجع عنه ، وبالفعل تمرد البرهان على الاتفاق الاطاري
وفي النهاية نجح الكيزان في اشعال الحرب بقيادة البرهان في الظاهر وقيادتهم هم في الباطن على اساس عودة نظامهم المأفون في ازبوع ازبوعين كحد اقصى، وحدس ما حدس!
في بدايات عهد البشير ، لما كان يصف جون قرنق بالمتمرد ، قرنق بحسه الفكاهي قال: انا متمرد قبل سبعة سنوات والبشير دا تمرد قبل سبعة شهور ، يعني انا عندي اقدمية بتاع تمرد !
دحين الجيش دا عنده اقدمية تمرد ، واقدمية انتهاكات واقدمية في نهب موارد الدولة ،
هذه الحرب صراع سلطة ارعن ، وغالبية الشعب هم ضحايا لا يشعر بهم احد من اطراف الصراع.
ماذا عن الدعم السريع ؟
غدا ساواصل سلسلة اقتباسات من مقالاتي حول رأيي الناقد جذريا للدعم السريع ، ولكنني انتقده في سياق بلورة وعي ديمقراطي يهدف لتحرير الوطن والمواطنين من استبداد وفساد المؤسسة العسكرية والامنية ومن قبضة الحركة الاسلامية اسما الاجرامية فعلا المهيمنة على الجيش والامن .
بعد هذه الحرب لا بيعة لحكم الجيش الذي حكم ٥٤ سنة بعد الاستقلال حافلة بالمجازر الجماعية والانتهاكات والسلب والنهب
ولا بيعة للكيزان المجرمين الذين حكموا ٣٠ عاما تحت مظلة الجيش ( سنوات الايدز السياسي)
ولا بيعة للدعم السريع الذي رأينا ما يفعله في مناطق سيطرته من مجازر وانتهاكات
بذرة العقلانية والوعي الديمقراطي هي رهاننا الاستراتيجي ، وحتما ستثمر، وهم يعلمون ذلك ، ولكنهم سيظلون مثابرين على تزييف الوعي وحبس الرأي العام في الغوغائية والهدف هو تحويل هذه الحرب الى رافعة لاستبداد عسكري جديد بقيادة الكيزان.  

مقالات مشابهة

  • نقول لأصحاب الفيل: لا منتصر في هذه الحرب اللعينة..!
  • لست عالقاً ولا نازحا يا ابن أخي وانت مازلت داخل وطن الجدود رغم ظروف الحرب اللعينة العبثية المنسية فاي دار تطرق بابها تقول لك ألف ألف مرحب
  • البرهان و”الملكية الوطنية للحلول” للحرب
  • البرهان يعرض خارطة لإنهاء الحرب في البلاد
  • ما الذي تمرد عليه الدعم السريع؟
  • تطورات خطيرة للحرب على حزب الله.. ماذا شهدت الساعات الماضية (شاهد)
  • رجل السلام
  • وحدة الساحات السودانية وخطاب البرهان
  • محمد وداعة: ام .. المعارك
  • البرهان يعلن شروط للقبول بأي مبادرة لإنهاء الحرب في السودان