مئوية «البابا» .. الناسك الذى ولد يتيمًا ورحل عظيمًا (ملف خاص)
تاريخ النشر: 4th, August 2023 GMT
تحتفل مصر والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بمئوية ميلاد البابا شنودة الثالث، البطريرك 117 فى تاريخ باباوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والمولود فى 3 أغسطس 1923، وذكرى رحيله 11، حيث وافته المنية فى 17 مارس 2012.
أخبار متعلقة
الأنبا إرميا عن البابا شنودة: مصري عميق الأصل عربي الوجدان عالمي الآفق
بحضور شخصيات عامة.
فى مئويته الأولى.. ماذا قال باراك أوباما والشيخ خليفة بن زايد ونجيب محفوظ عن البابا شنودة؟
البابا شنودة أحد أبرز الرموز المصرية التى شكلت جزءاً من تاريخ مصر، مشاركاً وعنصراً فاعلاً فى كثير منها، وشاهداً على بعضها، ولعب دوراً كبيراً فى المشهد المصرى، نظراً لمكانة الكنيسة القبطية باعتبارها كنيسة وطنية وجزءا من تاريخ مصر.
واحتفاءً بتلك المناسبة تنشر «المصرى اليوم» هذا الملف فى ذكرى ميلاده، مستعرضة محطات هامة فى مسيرته وسيرته، والتى ناهزت 89 عاماً، إنساناً وشاعرًا ورجل دين جلس على رأس الكرسى البابوى فى مرحلة تاريخية من عمر الكنيسة المصرية شهدت خلالها إنجازات كبيرة خلال رحلة امتدت 40 عامًا قادها إلى العالمية ليستحق بجدارة لقب «معلم الأجيال» و«بابا العرب».
معشوق العرب وملهم الأجيال ومحبوب المصريين، صفات كثيرة لا حصر لها صاحبت البابا المتنيح شنودة الثالث ولازمته، البطريرك رقم 117 بين البابوات الذين اعتلوا كرسى مارمرقس الرسول فى تاريخ الكرازة المرقسية، بل ولازمته حتى اليوم، ولعل ما جعل هذه الصفات لا تنفك عنه دائمًا، مواقفه الوطنية التى لا يستطيع أحد المزايدة عليه فيها وكذلك مقولاته الشهيرة ولعل أبرزها «مصر ليست وطنا نعيش فيه وإنما وطن يعيش فينا».
وتزامنًا مع المئوية الاولى لقداسة البابا المتنيح شنودة الثالث، والتى توافق يوم 3 أغسطس، حيث يوم مولده، تلقى «المصرى اليوم» الضوء على جوانب متعددة من حياته الكنسية والروحية والاجتماعية.
القمص رويس مرقص، الوكيل البابوى السابق فى الإسكندرية، راعى كنيسة السيدة العذراء والشهيد مارجرجس بغبريال بالإسكندرية، أحد عاشقى البابا شنودة والمقربين منه وقتما كان بطريركًا، قال إن البابا المتنيح ترك أثرا طيبًا وسيرة حسنة ودوّن فى سجل الموروثات الوطنية والدينية والروحية والكهنوتية ما جعله متفردًا عن بقية البطاركة فى تاريخ الكنيسة.
وأضاف لـ«المصرى اليوم»، أن شنودة الثالث لم يكن قيادة دينية روحية فقط بل كان أبًا وإنسانًا عظيمًا وراهبًا مؤمنًا وناسكًا متبتلًا فى أديرة وقلايا الكنيسة فهو رجل المواقف الصعبة الذى حفر اسمه بأحرف من نور فى تاريخ الوطنية المصرية والعربية، كونه يحظى بمكانة كبيرة جدًّا فى قلوب الجميع من كل رموز مصر الإسلامية والمسيحية، فكان محبًا عاشقًا لتراب مصر.
وأعرب عن سعادته بالاحتفال بمثل هذه المناسبة الكبيرة، والتى تحظى بمكانة كبيرة لدى المسلمين قبل المسيحيين، باعتبار البابا شنودة مواطنًا مصريًا قبل أن يكون قيادة كنسية لها من الاعتبار والاحترام والتقدير لدى الجميع فى مصر والدول العربية، مشيرا إلى أن الاحتفال بمئوية البابا المتنيح هو بمثابة أبسط حق ورد الجميل لقداسته نظرًا لمواقفه الوطنية.
وعن حياته الرهبانية، قال القمص رويس، إن الباب المتنيح كان دائم التردد على الأديرة والقلايا، خاصة أديرة الأنبا بيشوى والسريان فى وادى النطرون، نظرًا لميوله القلبية للحياة النسكية والمسكونية والرهبنة والتى كانت تلازمه لفترات طويلة فى مراحل عمره المتنوعة، حتى رُسم راهبًا باسم أنطونيوس السريانى، فى 18 يوليو 1954، ثم أسقفًا للتعليم 1962، ثم بطريركًا للكرازة المرقسية 14 نوفمبر 1971.
وقال محسن جورج، عضو المجلس القبطى فى الإسكندرية، إن البابا شنودة المتنيح كان يجمع العديد من الصفات والسمات الشخصية والمقومات التى تجعله متفردًا بين الآخرين، ولعل ما جعله متربعًا على عرش المصريين المسلمين قبل المسيحيين، هى روح الدعابة التى كان يتميز بها وسرعة البديهة والذكاء الحاد، وأنه كان يخرج من أى موقف بشكل فكاهى غاية فى الرقى، فكان يجمع بين روح الدعابة و«اللين» لذلك كان يظهر ذلك عليه أثناء العظات الروحية والمقابلات، فكان إذا بكى أبكى الجميع، وإذا ضحك أضحك الجميع، فضلًا عن خفة ظله التى كانت تظهر فى تعاملاته مع الغير وكان بارعًا فى اختيار الكلمات التى يستخدمها للرد فى المواقف ولديه مخزون كبير من الأمثلة والنكات والفكاهيات المصرية الأصلية التى تجعل الجميع يرتبط به بشكل غير عادى.
وأضاف «جورج»، لـ«المصرى اليوم»، أن المتنيح كان «وطنيا حتى النخاع» ولديه حكمة كبيرة فى التعامل مع الأمور الحساسة فكان قبطانا ماهرا قاد السفينة إلى بر الأمان بعد أن تلاطمت بها الأمواج من كل جانب، مشيرًا إلى أنه لعل الكثير لا يعرف أن البابا شنودة كان «منخرطًا» فى الهموم المصرية باعتباره قيادة دينية مصرية فكان عميق المودة والعشق لبلده وفى مقدمة الصفوف فى أوقات الشدة والألم، وتجسد ذلك فى زيارته التاريخية إلى جبهة الحرب فى أكتوبر 1973، أكثر من مرة قبل اندلاع الحرب وبعدها أيضًا، كما قام بزيارة الجنود المصريين المصابين بعد الحرب فى المستشفيات.
وأشار إلى أن من اللافت أن البابا شنودة كان أول بابا للكنيسة يقيم حفلات أفطار رمضانية لكبار السياسيين والتى بدأت فى عهده لأول مرة عام 1986 بمقر الكاتدرائية، وتم تحويلها إلى عادة سنوية يجتمع فيها الجميع بروح الأخوة والمحبة والود فى جميع محافظات مصر.
ووصف البابا المتنيح بـ«حبيب الفقراء» الودود الذى لم يكن يومًا قاسيًا مع أحد ولم يرد لأحد طلبه فى أى شىء على الإطلاق، فكان ودودا وقدوة وحكيما ولطيفا، ولعل مواقفه مع «الفقراء» خير دليل على هذا السلوك البابوى الرائع.
أما كريم كمال، الكاتب والباحث القبطى ورئيس الاتحاد العام لأقباط من أجل الوطن، فقدم شهادته الخاصة عن البابا المتنيح، قائلًا إنه كان شاهد عيان على العديد من المواقف والأحداث خلال العشرين عاما الأخيرة فى حياة الراحل العظيم، وقد تكون من أهم سمات عهد قداسته العطاء بسخاء وبلا حدود، وبلا تمييز، فقد نفذ قول الكتاب المقدس (وأنا أقول لكم: اسألوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم)، فقد نفذ هذه الآية بكل دقة فكان يعطى من يطلب منه دون النظر إلى الدين وهذا يؤكد وطنية البابا، مستطردًا: لقد رأيت قداسة البابا يتكفل بالعديد من الحالات المرضية والاجتماعية دون أن يعلن عن ذلك وكان يقول دائما الله أعطنا لكى نعطى الجميع.
وأضاف أنه منذ أن جلس قداسة البابا شنودة المتنيح على الكرسى المرقسى السكندرى، عمل على تأسيس لجنة البر فى القاهرة والإسكندرية، حيث كانت تجتمع لجنة القاهرة كل يوم خميس، ولجنة الإسكندرية السبت الأول والثالث من كل شهر برئاسته، حيث يقوم بالتكفل بالحالات التى تعجز الكنائس عن الصرف عليها مثل حالات عمليات القلب المفتوح وزراعة الكلى أو الكبد وكان يأمر بسفر الحالات المرضية للعلاج فى أفضل المستشفيات فى الخارج مع مرافق من الأسرة والتكفل بكامل بالمصاريف، وأيضا حالات الزواج حيث كان يتكفل بكل شىء، وأحيانا يدفع جزءا من ثمن المسكن.
ولفت إلى أن البابا كان متابعا جيدا للآلاف من حالات الطلبة ويتكفل بكل المصاريف الدراسية دون الإعلان عن ذلك، مشيرا إلى أنه كان مثالا للراعى الصالح والأب الحنون والرجل الوطنى الذى لا يتصرف بطائفية بل بوطنية لذلك مازال متربعًا على عرش قلوب الملايين من المصريين والعرب وفى كل أنحاء العالم.
القمص إبرام إيميل، الوكيل البابوى فى الإسكندرية، راعى الكنيسة المرقسية الكبرى، قال إن البابا المتنيح كان قائدا دينيا ومؤثرا يمتلك من الأدوات والمقومات ما تجعله قادرا على قيادة سفينة الكنيسة والوطن بحكمة واقتدار والعبور بها إلى بر الأمان، مشيرًا إلى أن تأثير البابا شنودة لم يكن فقط على المستوى المحلى وإنما أيضا على المستوى العالمى، فتراه يجسد مواقف وطنية تدرس فى الأكاديميات العالمية عن معنى الوطن والحفاظ عليه.
وأضاف لـ«المصرى اليوم»: كان المتنيح يمتاز بكاريزما قوية وحضور طاغ فى جميع المحافل المحلية والإقليمية والدولية، ولديه من الإجابات الحاضرة فى الرد على أى تساؤلات قد تطرأ، ما يجعل صوته مسموعا فى الداخل والخارج، مشيرًا إلى أنه خلال فترة حبريته لم يغفل الجانب الوطنى على الإطلاق وكان يتعامل بحكمة وروية بالغة مع جميع الأحداث الطائفية.
وقال المحامى جوزيف ملاك، مدير المركز المصرى للدراسات الإنمائية وحقوق الإنسان، إن المئوية الأولى للبابا شنودة جاءت فى إطار رد الجميل، فحياة البطريرك الراحل مليئة بالمواقف الوطنية والنجاحات والتوسعات فى مجال الخدمات الروحية فى بلاد المهجر، وبالتالى فتنظيم الكنيسة احتفالية تكريمية للبابا المتنيح جاءت فى وقت يشتاق فيه الجميع للتذكرة بأفعاله ومواقفه التى قد لا يعرفها أو عاصرها جيل كامل من المصريين حاليًا.
الشعراوى وشنودة.. صداقة إلى آخر العمر
أحبه المسلمون وقدسه الأقباط ونال احترام المصريين والعالم
نال البابا شنودة احترام المصريين والعالم، وذلك لمواقفه التاريخية وحرصه على وجود علاقة طيبة مع باقى الطوائف المسيحية المختلفة والمسلمين أيضًا، ولذلك لم يكن مشهد الرحيل والوداع إلا بصورة تليق برجل من طراز فريد جمع خصائص استثنائية قدسه بسببها الأقباط وأحبه المسلمين بسبب مواقفه.
فسر مشهد الوداع التاريخى للبابا وتوافد عشرات الآلاف من رعايا الكنيسة والمسلمين الذين احتشدوا على مدى ثلاثة أيام فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وحولها لإلقاء نظرة الوداع على البابا الذى وافته المنية فى 17 مارس 2012، حالة الاحترام والتقدير لقداسته يوم وداعه.
وشيع جثمان البابا الراحل إلى مثواه الأخير بحضور لافت للمسؤولين الحكوميين ورجال الدين المسلمين والمسيحيين وأعضاء المجلس العسكرى الذى كان يدير شؤون الحكم فى البلاد آنذاك، بينما خصص الراحل المشير محمد حسين طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة آنذاك، طائرتين عسكريتين لنقل جثمان البابا ومرافقى الجثمان من الأساقفة من القاهرة إلى مقر الدفن بمنطقة وادى النطرون بحسب وصية البابا شنودة.
ويرجع الفضل للبابا شنودة فى أنه كان أول بابا يقيم حفلات إفطار رمضانية لكبار السياسيين وفعاليات المجتمع المصرى السياسية منذ عام 1986، وهو العرف الذى اتبعه فيما بعد باقى الكنائس فى الطوائف المسيحية الأخرى، وأصبح عرفًا يحذو نحوه الجميع، وأحد مظاهر التآخى بين المصريين فى الشهر الفضيل، حيث تشهد كنائس مصر على امتداداها وانتشارها من شمال البلاد حتى جنوبها إفطارات رمضانية ترسخ مبادئ وقيم الوحدة والإخوة الإنسانية.
ارتبط البابا شنودة بعدد من الأصدقاء من علماء الدين الإسلامى من أبرزهم الدكتور محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر الشريف، والشيخ محمد متولى الشعرواى، وغيرهم من رموز الدين الإسلامى، وثقت تلك العلاقة العديد من اللقاءات التى جمعتهم فى العديد من المناسبات الوطنية، حيث كان البابا شنودة مشاركًا ومحاضرًا فى المؤتمرات الإسلامية العالمية، إضافة إلى دوره البارز فى رعاية «الحوار المسيحى الإسلامى» على مدار سنوات، استكمالًا لجهود سابقة فتحت الباب لـ«حوار مسيحى- مسيحى» مع الكنيسة الكاثوليكية خلال زيارة شهيرة للفاتيكان التقى خلالها بابا الفاتيكان البابا بولس السادس والبابا فى عام 1973، وهو اللقاء الذى شكل نقطة تاريخية فى العلاقة بين الكنيستين، حيث كان أول لقاء بين بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وأسقف روما فى التاريخ الحديث، وشكّل نهاية لخلافات لاهوتية تعود للقرن الخامس.
وقال البابا شنودة فى خطابه الشهير: «أريد أن أذكر أن الإسلام فى جوهره، وفى روحه، وفى أساسه، يعامل غير المسلمين معاملة طيبة.. نذكر من هذا الميثاق الذى أعطى لنصارى نجران، والميثاق الذى أعطى لقبيلة تغلب والوصية التى قدمها الخليفة الإمام عمر قبل موته، ووصية الخليفة أبوبكر لأسامة بن زيد، والميثاق الذى أعطاه خالد بن الوليد لأهل دمشق، والميثاق الذى أعطاه عمرو بن العاص لأقباط مصر».
استكمل البابا قائلا: «أذكر أيضًا الحديث الشريف: (من آذى ذميًا فليس منا، العهد لهم ولأبنائهم عهد أبدى لا ينقد، يتولاه ولى الأمر ويرعاه).. وأذكر أيضًا فى سماحة الإسلام ذلك الشرع الجميل الذى يقول «وإن أتاك أهل الذمة فاحكم بينهم بما يدينون».
تابع البابا شنودة «أذكر أيضا فى سماحة الإسلام، حفظه فى عهوده ومواثيقه للمسيحيين فى كنائسهم وصوامعهم ورهباناتهم وأملاكهم وأرواحهم وكل شىء.. وأذكر أن عمرو بن العاص عندما أتى إلى مصر كان بطريرك مصر، البابا بنيامين، البطريرك الثامن والثلاثين، كان مختفيا فى أرجاء مصر من إخوته المسيحيين المختلفين عنه فى الإيمان ثلاثة عشر عامًا لم يجلس على كرسيه، فلما جاء عمرو بن العاص أمنه على نفسه وعلى كنائسه والكنائس التى أخذها من الروم أرجعها إليه عمرو بن العاص، بل ساعده أيضا فى بناء كنيسة الإسكندرية».
بروفايل الراهب الزاهد على مَذْبَح الكنيسة
بعد أن نَالَ سر المعمودية المقدَّس بدير القديس الأنبا شنوده بسوهاج، ونظرًا لظروف أسرية اجتاز الطفل باسم نظير مراحله التعليمية الأولى فى دمنهور والإسكندرية وأسيوط وبنها، متنقلًا مع شقيقه الأكبر روفائيل بحسب تنقلات عمله.
التحق بمدرسة «الإيمان الثانوية» بجزيرة بدران – بشبرا مصر بالقاهرة، وأتمَّ دراسته الثانوية بالقسم الأدبى بمدرسة «راغب مرجان» بالفجالة.
بدأ خدمته فى مدارس التربية الكنسية بكنيسة العذراء بمهمشة بالقاهرة عام 1939، وفى نفس العام تعَلَّم قواعد الشعرِ، وكتب نشيدًا وطنيًا لعمال مصر أنشدوه فى عيدهم عام 1940 وكان عمره آنذاك 17 عامًا.
بدأ خدمته بكنيسة القديس الأنبا أنطونيوس بشبرا مصر فى 1946، وهى المكان الرئيسى لخدمته فى التربية الكنسية قَبل رهبنته، والتحق بعدها بالكلية الإكليريكية سنة 1946، وتخرج بها سنة، وكان الأول فى الترتيب وقام بالتدريس بها فى السنة التالية.
حصل البابا شنودة على ليسانس الآداب قسم التاريخ – من كلية الآداب جامعة فؤاد الأول «جامعة القاهرة حاليًا» فى عام 1947، وتطوع بالجيش وتخرج فى كلية الضباط الاحتياط فى العام ذاته وكان أول الخريجين.
بدأ فى نشر مقالاته بمجلة «الحَقّ» التى كان يصدرها أب اعترافه وقتها، القمص يوسف الديرى، كاهن كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس بشبرا البلد، حيث نشر سبع مقالات خلال الفترة من أكتوبر 1947 إلى نوفمبر 1948 فى مجلة الحق.
بدأ البابا شنودة يكتب قصائد روحية بمجلة مدارس الأحد، ثم صار يكتب مقالات روحية بمجلة مدارس الأحد فى أبريل 1947، وعمل فى مجال التدريس.
منذ عام 1949 تكَرّس البابا شنودة للخدمةِ، وللتدريسِ بالإكليريكية، وتولى رئاسة تحرير مجلة مدارس الأحد أثناء سفر مؤسسها إدوار بنيامين إلى إثيوبيا فى أكتوبر 1949، وحتى رهبنته فى يوليو 1954، واُختيرَ رئيسًا لمجلس إدارة بيت مدارس الأحد عام 1952، ثم استقال منه ليتفرغ للإكليريكية وللخدمة، كما قامَ بالتدريس فى مدرسة الرهبان بحلوان عام 1953.
قبل جلوسه على الكرسى الباباوى مثل البابا شنودة الكنيسة فى الحوار اللاهوتى بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الكاثوليكية فى سبتمبر 1971، والذى نظمته مجموعة «برو أورينتا»، ووضع صيغة إيمان وافق عليها الطرفان.
تمت سيامة البابا شنودة كأول أسقف للتعليم والإكليريكية والمعاهد الدينية خلال الفترة من 1962 وحتى 1971.
بعد وفاة البابا كيرلس السادس فى 9 مارس 1971، رُشح البابا شنودة للجلوس على الكرسى البابوى، وكان أحد الثلاثة الذين اختيروا بالانتخاب من بين خمسة مرشحين يوم 26 أكتوبر 1971، وتم اختياره – بالقرعة الهيكلية – ليكون بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ 117 فى يوم الأحد 31 أكتوبر 1971، وفى اليوم التالى صدر القرار الجمهورى رقم (2782 لسنة 1971) باعتماد تعيين البابا شنودة الثالث بابا للإسكندرية وبطريركًا للكرازة المرقسية.
توج البابا شنودة الثالث وتم تجليسه على الكرسى البابوى بحضورعدد كبير من الآباء البطاركة ورؤساء الكنائس والطوائف وممثلى كنائس العالم، وبحضور أعضاء المجمع المقدس للكنيسة القبطية يوم الأحد 14 نوفمبر 1971.
مبارك وشنودة تاريخ بين اللين والقوة
«غبور»: ذهبت والدكتور الفقى إلى الدير لإقناعه بحضور مجلس الشعب
قال منير غبور، رئيس جمعية إحياء التراث الوطنى، إن البابا شنودة الثالث، شخصية فريدة من نوعها، على كافة المستويات.
وأتذكر واقعة أن 3 من الآباء الأساقفة حضروا إلى بيتى الساعة 1 صباحا، يطلبون منى أن أتدخل لإقناع البابا لحضور جلسة مجلس الشعب هو يرفض الحضور، وطلبوا منى التوسط، وكان البابا شنودة عنيدا، وعندما يتخذ قرارا لا يتراجع عنه، فقلت لهم إذا كان البابا اتخذ قرارًا فكيف أستطيع أن أثنيه عنه، ومع إصرارهم، تواصلت مع الدكتور مصطفى الفقى سكرتير الرئيس مبارك وطلبت منه أن نذهب للبابا وذكرت له السبب.
وتوجهنا أنا والدكتور الفقى إلى دير الأنبا بيشوى وتحدثنا معه عن أن عدم ذهابه لحضور جلسة مجلس الشعب سيفسر بأسباب كثيرة، وتحدث البابا عن طلبات ومشاكل، فى مقدمتها أن الرئيس مبارك يرفض مقابلة البابا، فكيف له أن يحضر جلسة مجلس الشعب.
وأشار إلى أن الدكتور الفقى اتصل بالرئاسة وحكى الموقف، وعلى الفور تم تحديد لقاء صباح اليوم الثانى مع الرئيس مبارك، وأتذكر أن اللقاء كان وديا للغاية وعرض البابا شنودة قائمة بالطلبات التى قام بتسجيلها قبل اللقاء، وبناء عليه حضر جلسة مجلس الشعب وهذه من أصعب المواقف مع البابا شنودة.
وقالت الدكتور منى ذكى أستاذ الفكر الاستراتيجى والتسويق الدولى، إن البابا شنودة قد تتلمذ على يد جدها إقلاديوس لبيب على فنون اللغة القبطية التى كانوا يتحدثون بها فى اللقاءات التى تجمع بين أفراد عائلتها والبابا شنودة.
وأضافت ذكى أنها تذكر فى عام 1979، حيث كانت تستعد لخوض امتحانات الثانوية العامة وقد اصطحبتها والدتها لحضور قداس البابا شنودة بالكنيسة وفور انتهاء البابا شنودة من القداس توجهت إليه رفقة والدتها لتخبراه بأن يصلى ويدعى لها بالنجاح والتوفيق فى امتحاناتها وبالفعل استجاب البابا شنودة لها ووضع يده على رأسها ليبدأ فى الصلاة والدعاء، ثم أخبرها قائلا «هتنجحى بتفوق، تلك الكلمات كان لها بالغ الأثر فى نفسى».
وقالت: «تشجعت كثيرا لصلاة البابا، التى كانت مليئة بالإيمان والبركة»، وبالفعل استجيبت دعوات البابا شنودة لها.
وأوضحت أنها تمكنت من تحقيق المركز الأول على مستوى زملائها بالمدرسة، وقد حصلت على منحة دراسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة لتستكمل دراستها الأكاديمية حتى حصولها على درجة الدكتوراة.
وتروى زكى موقفا إنسانيًا جمعها والبابا شنودة: «إنه فى عام 2009 جمعها لقاء رفقة والدتها مع البابا شنودة فى مقر السفارة المصرية بالمجر وقد أعد السفير المصرى مائدة عشاء جمعتنا وأضاف البابا شنودة لها كثيرا من الإنسانية والمواقف التى لا تنسى، حيث كان معروفا بمهاراته فى إلقاء الشعر وكتاباته فقد أثرى تلك اليلة التى لا تنساها مى من ذاكرتها بقصيدة شعرية جميلة عن مصر، فقد كان البابا محبا وعاشقا لمصر وأرضها وشعبها».
وأوضحت أن البابا شنودة كان يحرص على صمود وتماسك الكنيسة القبطية أمام كافة الأزمات التى لحقت بالأقباط خلال تلك الفترة من عنف واضطهاد طائفى، وبالفعل تمكن من اجتياز كافة التحديات التى مرت بها الكنيسة المصرية.
البابا والرئيس الأمريكى كارتر
واجه بشجاعة انحرافات الغرب وأصدر لائحة«المجمع المقدس»
إنجازات عديدة شهدتها الكنيسة القبطية خلال عهد البابا شنودة، رسخت معها مكانة الكنيسة عقائديًا وأرسى خلالها دعائم مازالت تشكل أساس الإيمان لدى الشعب الكنيسة القبطية، ولعل من أبرزها أنه يعتبر أول بابا يصدر فى عهده لائحة أساسية للمجمع المقدس، وأول بابا يقوم بسيامة أساقفة من جنسيات متعددة.
ويعتبر البابا شنودة أيضًا أول بابا يرأس بنفسه جلسات المجمع داخل الكنيسة وأمام المذبح المقدس، مع وجود الكتاب المقدس مفتوحًا أمام المجمع، وأول بابا للكنسية يتم فى عهده اجتماع المجمع المقدس برئاسته مع رئيس الجمهورية مرتين خلال سبعة شهور لمناقشة أمور تتعلق بالوحدة الوطنية.
وفى مجال التعليم استطاع البابا شنودة تحقيق العديد من الإنجازات، حيث كان أول من تمت سيامته أسقفًا للتعليم والإكليريكية والمعاهد الدينية، وهو أيضًا أول بابا تم اختياره من بين خريجى وأساتذة الكلية الإكليريكية منذ القرن الخامس الميلادى.
وكان الراحل أول بابا يؤسس فروعًا للكلية الإكليريكية ببلاد الغرب، وأول بابا يقوم بالتدريس بنفسه فى قاعات الإكليريكية والمعاهد الدينى، ويرأس بنفسه قسم اللاهوت بمعهد الدراسات القبطية.
وبلغ عدد الكتب التى أصدرها البابا شنودة فى مجالات العقائد واللاهوتيات والروحيات والنسكيات وتأملات ودراسات فى الكتاب المقدس وشخصيات كتابية وسير قديسين وفى الرعاية والخدمة، حوالى 140 كتابًا
ويعد البابا شنودة أول بابا تُترجم مؤلفاته إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية واليونانية والهولندية والإريترية والأمهرية والسريانية والأرمنية والبلغارية وغيرها.
وحصل البابا شنودة على 9 شهادات دكتوراه فخرية من جامعات متعددة، ويعتبر أول بابا يشرف بنفسه على رسائل علمية للدكتوراه والماجستير، ويرأس بنفسه لجان مناقشة الرسائل العلمية، وأول بابا تناقش عن أعماله وإنجازاته 4 رسائل دكتوراه وماجستير.
عُرف عن البابا شنودة مواقفه الشجاعة وإقدامه، فكان أول بابا يواجه بشجاعة بعض الانحرافات التى حدثت ببلاد الغرب ومنها بدعة كهنوت المرأة، وسلوكيات المثلية الجنسية، وسُمح للمرأة فى عهده بالالتحاق بالإكليريكية والتدريس بها.
خلال عهده.. أكثر من 100 أسقف و400 كاهن فى مصر وبلاد المهجر
أكثر من 100 أسقف وأسقف عام تمت سيامتهم فى الكنيسة القبطية خلال عهد البابا شنودة، بما فى ذلك أول أسقف للشباب وأكثر من 400 كاهن وعدد غير محدود من الشمامسة فى القاهرة والإسكندرية وكنائس المهجر.
وتؤكد المراجع الكنسية أن البابا شنودة الثالث على مدار 40 عاماً ومنذ توليه كرسى البطريركية فى 1971، بنى العديد من الأديرة والكنائس فى خارج مصر وداخلها، ورسم عددا من الأساقفة بالخارج، فكان الراحل أول بابا يؤسس إيبارشيات فى أوروبا وأستراليا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، حيث وصل عددها إلى 27 إيبارشية وأسقفية، 4 فى إفريقيا، فى آسيا إيبارشية واحدة وفى أوروبا 11 أسقفية، وفى أمريكا الشمالية 6 أسقفيات، وفى أمريكا الجنوبية إيبارشيتين، وفى أستراليا 3 أسقفيات.
لم يكتف البابا شنودة بذلك فقط وإنما أولى الأقباط فى الخارج اهتمامًا خاصًا، وأجرى 104 رحلات ما بين 1971 حتى 2011، للوقوف على الكنائس القبطية بالخارج، منهم 101 رحلة خارج مصر لأهداف رعوية ومسكونية ووطنية استغرقت 1716 يوما (4 سنوات و8 أشهر و16 يوما)، اشتملت على 191 زيارة لـ38 دولة موزعة فى قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وأستراليا، ويعتبر أول بابا يقوم برحلات رعوية لزيارة الكنائس وافتقاد الأقباط فى أمريكا وأستراليا وأوروبا- بحسب ما رصده «مركز معلم الأجيال لحفظ ونشر تراث البابا شنودة الثالث».
اهتم البابا شنودة بتوسع الكنيسة فى الخارج، وأسس كنائس قبطية فى قارة أمريكا اللاتينية فى كل من البرازيل وبوليفيا والمكسيك والأرجنتين، إضافة إلى التوسع بالكنائس فى القارة السمراء وقام بإنشاء كنائس فى كينيا وزامبيا وزبمباوى وجنوب إفريقيا، فضلا عن زيارته إلى بلاد إفريقية لم يزرها بابا من قبل، مثل زائير والكونغو وغيرها، كما سام كهنة وأساقفة من جنسيات متعددة منها الفرنسية والهولندية والبريطانية والإريترية والسودانية للخدمة الكنائس فى بلادهم.
وافتتح البابا الراحل 7 فروع للكلية الإكليريكية فى مصر والمهجر، كما استمر فى إلقاء المحاضرات بالكلية بعد تنصيبه بطريركا واستمر فى إدارتها، وأسس خدمات كنسية تابعة للكنيسة القبطية فى اليابان وسنغافورة وتايلاند وهونج كونج والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وباكستان، وانتشرت فى عهده مؤتمرات خدمة الشباب فى مصر وبلاد المهجر.
البابا مع شعب الكنيسة
البابا شنودة: «الكبرياء أول خطية عرفها العالم»
«بابا العرب» و«بابا الوحدة الوطنية» و«معلم الأجيال» و«الراهب المقاتل».. ألقاب عدة أُطلقت على البابا شنودة الثالث، ورغم المكانة الدينية والروحية التى صاحبت سيرته خلال مسيرته منذ جلوسه على الكرسى البابوى وما لازمها من قداسة ومكانة كبرى بحكم منصبه الدينى وارتباطه بعلاقة وثيقة بقادة دول العالم، إلا أن من اقتربوا من البابا شنودة أكدوا أنه كان زاهدًا وبسيطًا فى تعاملاته وتصرفاته مع الآخرين وهو ما رصدته الكاميرات بالصوت والصورة خلال اجتماعات الأربعاء، وهو اللقاء الذى كان يحرص البابا شنودة على عقده أسبوعيًا ليلتقى مع أبناء الشعب من الكنيسة، والذى استمر على مدار نصف قرن بشكل متواصل لم يغب عنه ولم يبعده إلا فترة الأعياد أو ظروف السفر للخارج، وذلك خلال الفترة من عام 1962 وحتى رحيله فى عام 2012.
فيما بعد حرص البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، على أن تكون عظته الأسبوعية فى نفس اليوم، الأربعاء من كل أسبوع، ليكون امتدادًا لمعلمه السابق، حيث كان يجتمع البابا شنودة مع الناس كل يوم أربعاء فى لقاء بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية للإجابة على أسئلة ومشاكل أبناء الكنيسة بأسلوب شيق لا يخلو أحيانًا من المزحة، وكان يتخلله بعضا من تجاربه الحياتية والإنسانية بأسلوب شيق كشف عن شخصية امتلكت خفة ظل وحضور مميز جمعت بين قوة الشخصية وجمال الروح وبساطة التعامل.
بساطة البابا شنودة لم تأت وليدة صدفة أو ادعاء كان يهدف من خلاله إلى التقرب من الناس، بل كان نابعًا من صفات شخصية أثقلت تكوينه الإنسانى قبل أن تراوده فكرة الرهبنة منذ خمسينيات القرن الماضى، والتى أكدتها مقولته الخالدة «الذى لا يبنى حياته على أساس التواضع، تكون كل الفضائل التى يقتنيها طعامًا للمجد الباطل والافتخار».
وهو ما يوضحه البابا شنودة عندما كشف فى مقدمة كتابه «حياة التواضع والوداعة» والصادر فى عام 2001، والذى تضمن رؤية فلسفية عن حياة التواضع والوداعة فى 34 مقالًا كان قد نشرها فى جريدة وطنى منذ منتصف عام 2000. وكتب شنودة فى مقدمة كتابه «فكرت فى هذا الكتاب فى أواخر الخمسينات، منذ أكثر من أربعين عامًا، قبل أن أنزل إلى عمل الأسقفة، وقرأت له كل ما استطعت قراءته من كتب الآباء، وترجمت الكثير منها، وأعددت كارتات عديدة لكافة نقاط الموضوع. ثم أعلنت عنه فى الستينات بعد أن صرت أسقفا»، مضيفا «الفكرة بدأت فى حياتى الرهبانية، والتفكير فى النشر كان فى حياتى الرعوية».
يواصل البابا شنودة فى مقدمة كتابه «واجهتنى مشكلة أساسية، وهى أن التواضع والوداعة فى المفهوم الرهبانى أصعب من احتمال العلمانيين الذين سيُنشر الكتاب بينهم... فكيف أوفق بين المثالية فى عمقها، وبين الإمكانية العملية للناس فى التنفيذ؟!»
يتابع فى كتابه «ومع ذلك فحياة التواضع والوداعة مُطالب بها الكل.. الراهب الذى مات عن العالم وعن كل ما فيه من كرامة، وكذلك الذى يعيش فى العالم، ويجاهد أن يكون له مركز، وطموح، وتدرج فى الترقى.. وفى نفس الوقت يود أن يمارس هذه الفضيلة التى اتصف بها السيد المسيح نفسه، وأوصانا أن نتعلمها منه.. ودعا إليها الجموع فى أول عظته على الجبل».
يقول البابا شنودة «ظللت أتصفح أوراقى العديدة الخاصة بالموضوع، والتى ملأت حقيبة بأكملها.. وأخذت أصوغ الفكر بحيث يكون مقبولًا وممكنًا، مع الاحتفاظ بمثاليته.. وتخليصه بقدر الإمكان من الدرجات التى لا تقوى عليها سوى الرهبنة».. مضيفًا «إننا لا نستطيع أن نحجب المثالية عن الناس، وإنما نعرضها بأسلوب ممكن التنفيذ.. وليأخذ كل إنسان منها حسب طاقته.. حسب قامته الروحية، ودرجة نموه، وحسب مقدار ما يعطيه الله من النعمة ومن قدرة على شركة الروح القدس»
يختتم البابا شنودة مقدمة الكتاب بـ«إن التواضع والوداعة لازمان للحياة الروحية، وبدونهما لا تثبت أية فضيلة، بل تصير طعامًا للمجد الباطل.. وقد وضعته لكم فى سبعة أبواب تحدثت فيها عن أهمية التواضع، وبعض أقوال الآباء فيه.. عن تواضع الله ووداعته.. وعن خطورة الكبرياء التى هى أول خطية عرفها العالم، وبها سقط الشيطان والإنسان.. وعن البر الذاتى، والعظمة، ومحبة المديح والكرامة».
«رابطة خريجى الكلية الإكليريكية»: دائرة معارف متحركة
قال الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة، ممثلا عن مجلس إدارة رابطة خريجى الكلية الإكليريكية، كان قداسة البابا شنودة الثالث معلماً بين ربوة، ومنارة للتعليم، وبارعا فى تأثيره على سامعيه ومتابعية، حيث كان- غبطته- فى تعاليمه يُعلم بالمواقف والأفعال، قبل الأقوال، حتى أصبح مدرسة، لكل من يتعامل معه ويسمعه، أو يقرأ له كتاباته، فمواقفه المتعددة الإنسانية والكنسية والوطنية، التى يشهد لها الجميع، فى الداخل والخارج، جعلته يحصد الجوائز العالمية، كجائزة الأمم المتحدة للتسامح الدينى، وجائزة منظمة اليونسكو للحوار والتسامح الدينى وجائزة أفضل واعظ عالمى.
وأضاف الأنبا أغاثون: «اتصف البابا شنودة فى التعليم بالشمولية، حتى أصبح دائرة معارف متحركة، ولفت أنظار العالم إلى شخصة وتعاليمة، ما جعل جامعات العالم تتشرف بمنحه شهادات الدكتوراة الفخرية، مشيرا إلى تأثير تعاليم قداسة البابا شنودة، حيث علم الشعب الإيمان والعقيدة، فى بساطة وحكمة، فصارت تعاليمه معاشة فى وجدان الكنيسة، إكليروساً وشعباً، حتى صاروا يميزون بين التعاليم الصحيحة، والخاطئة، لذلك أصبحوا يقفون على صخرة الإيمان الصحيح، فى مواجهة رياح التعاليم الغريبة».
وتابع: «أما من جهة الكلية الإكليريكية، ودوره فيها، فقد أحبها بكل قلبه، إلى أن دعاه الله واختاره، ليكون أول أسقفاً للتعليم، بيد قداسة البابا كيرلس السادس، فى سبتمبر ١٩٦٢، وظل غبطته مواظباً على التعليم، فى الكلية الإكليريكية وفروعها والمعاهد الدينية ما جعله يؤسس الكثير من فروع الكلية الإكليريكية والمعاهد الدينية داخل مصر وبلاد المهجر بسبب إقبال الأعداد الغفيرة وطلب كثيرين للشبع من التعاليم اللاهوتية والتلمذة على يد قداسته، لافتا إلى أن ما كان يميز ويبرز تعاليم قداسته أنها كانت تعالج المشاكل التعليمية والعقائدية فى مواجهة أصحاب التعاليم الخاطئة.
وقال أسقف مغاغة: «نظراً لتقوى البابا شنودة، ونعمة الله الموهوبة له، دعاه الرب واختاره، بأن يكون خليفة للقديس مارمرقس، باسم البابا شنودة الثالث وفى نوفمبر ۱۹۷۱، وبالرغم من كثرة مشغوليته الكثيرة إلى أنه كان يحمل لواء التعليم اللاهوتى، لأنه كان يدرك أهمية التعليم الصحيح فى إعداد الأجيال المقبلة، إعداداً روحياً وإيمانياً، حتى لـقـب بـ«معلم الأجيال».
واستطرد: «من جانب آخر، كان لشخصه وتعاليمه الدور الكبير فى زيادة الحوارات المسكونية للوصول إلى وحدة الإيمان المسيحى لمدة أربعين عاماً. قائلا: »لا يفوتنا أن نشير إلى تنوع وشهرة كتاباته الذهبية، التى أثرت المكتبة القبطية فى الداخل والخارج بالكتب والمقالات والأشعار الدينية، بالإضافة إلى كتاباته الصحفية فى الجرائد والمجلات القومية، بصفته عضواً فى نقابة الصحفيين ولأجل هذا كله لا تزال تعاليمه الأرثوذكسية النقية، نبراساً وصخراً، ومقياساً للتعليم السليم، من التعليم الخاطئ«.
تحقيقات وحوارات مئوية البابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية البابا شنودة البابا شنودة الثالث منير غبور الكلية الإكليريكيةالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: زي النهاردة شكاوى المواطنين مئوية البابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية البابا شنودة البابا شنودة الثالث زي النهاردة الکنیسة القبطیة الأرثوذکسیة البابا شنودة الثالث عمرو بن العاص قداسة البابا المصرى الیوم العدید من الفترة من فى تاریخ بطریرک ا التى کان ا إلى أن کان أول أکثر من إلى أنه أنه کان حیث کان رئیس ا لم یکن فى مصر فى عام
إقرأ أيضاً:
سيادة القانون
واقع الأمر أن سيادة القانون تستمد من سيادة الدستور، فالدستور هو الذى يضع الأساس الذى يقوم عليه القانون وكل فروعه، بذلك يسمو القانون بسبب خضوعه لمبدأ سيادة القانون، وبذلك يعلو على الدستور ذاته، فالعلاقة بين الدستور والقانون يكتسب منها الدستور وصفه السامى، لذلك جاءت المحكمة الدستورية فى العديد من أحكامها لتؤكد أن المشرع ليس مطلق العنان فى إصدار التشريعات، بل يجب عليه أن تكون التشريعات كلها منطقية مرتبطة بعضها ببعض، لأن التشريع ليس مقصودًا لذاته، إنما مرتبط بأهداف الدولة، من ثم يكون التشريع مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف، الأمر الذى يجب على المشرع أن يُظهر فى القوانين التى يصدرها تناغم الأغراض التى يستهدفها بالقانون من غير تجاوز لتلك الأهداف أو إنقاص منها، وأن السلطة التقديرية التى تمنح للمشرع أو النائب الغرض منها تنظيم الحقوق والمفاضلة بين عدة بدائل وعليه الترجيح بينها وبين ما يراه للمحافظة على حقوق الأفراد. المقصود حمايتهم بالقانون الذى يصدره، وإلا أصبح القانون عبئًا على المجتمع وعدوانًا على الحقوق وسلبًا لمصالح الأفراد، ويفقد التشريع قيمته بحجة المزايا إلى تجب على القانون حمايتها أو يقوم التشريع بتهميشها أو تعطيلها، فهذا دور التشريع، فالنص التشريعى يعكس الألم وأحوال المجتمع، لذلك يتدخل المشرع لكبح جماح وشهوات بعض الأفراد الأنانيين.
لم نقصد أحدًا!!