فى مثل هذه الأيام من كل عام، ومنذ بدء الأيام العشر من شهر ذى الحجة، تتزاحم فى الرأس معانٍ كثيرة، ومشاعر متدفقة تهفو لزيارة بيت الله الحرام، والوقوف مع ملايين الحجيج على جبل عرفة، فى مثل هذا الوقت تشتاق القلوب إلى زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة طاعةً وسعيًا لأداء فريضة الحج لمن لم يكتبها الله له من قبل، أو العودة مرة أخرى لمن استطاع إليها من قبل سبيلاً.
"دعاني لبيته لحد باب بيته"، كلمات كتبها الشاعر الكبير بيرم التونسي ضمن الأغنية الشهيرة لكوكب الشرق أم كلثوم والتى جسد ووصف فيها مشاعره عندما زار بيت الله الحرام، هذه الزيارة التى نردد دومًا أنها تأتي تلبية لدعوة الله سبحانه وتعالي لعبده، وهو ما أستشعره كثيرًا ممن كتبت لهم الزيارة. تذكرت رحلتى إلى الحج لبيت الله الحرام قبل سبع سنوات تقريبًا، تلك الزيارة التى جاءت فى أيام معدودات وبدون ترتيب مسبق، أو تقديم قبلها بأشهر كما هو الحال مع الراغبين فى تأدية فريضة الحج، كل نفقات الرحلة توفرت فى حسابي قبلها بأسابيع ثم جاءت الإجراءات بسرعة تعجبت لها إلى أن تحدد موعد السفر خلال فترة وجيزة، هي دعوة من الله عز وجل يكتبها لمن يشاء من عباده هو وحده أعلم بنفوسنا واشتياقنا إلى تلك الرحلة المباركة، وكأنها طبطبة على القلوب وتهدئة للروح، دائمًا ما أقول ذلك لمن يرغب فى تأدية الفريضة، مازلت أتذكر اللحظة الأولى للدخول إلى مشارف مكة المكرمة بمبانيها المميزة، وبرج الساعة الذى يعلو أبنيتها، ثم لحظة الوصول إلى الكعبة التى تهتز له المشاعر وتفيض فيه الروح بمشاعر فرح وسمو روحاني لم تشهده النفس من قبل، الطواف والدعاء يا لها من لحظات فارقة فى حياة كل من حج إلى بيت الله الحرام.
فى رحلة الحج التى نظمتها نقابة الصحفيين رزقني الله بصحبة طيبة من الزملاء الصحفيين والصحفيات، الذين كانوا عونًا لبعضهم البعض فى أداء المناسك، وتهوين كل صعب يواجه المجموعة، ودائمًا ما أعتبر أن تلك الصحبة الطيبة رزقًا من الله سبحانه، وتعالى لتسيير أداء الفريضة، وهى نعمة أحمد الله عليها كثيرًا، لأن بعضًا منهم صاروا أصدقاء وأخوة حتى هذه اللحظة، وصدق قول الله سبحانه وتعالي "وخلقناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا".
الوقوف بجبل عرفات وجبل الرحمة والوقوف بمنى كلها أيام لا تنسى وتهفو الروح وتشتاق لتلك الأيام المباركة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب لنا عودة بالعمرة والحج مرة أخرى، تقبل الله منا ومن سائر المسلمين، الذين يؤدون الفريضة هذا العام، صالح الأعمال.
ومع ارتفاع تكاليف رحلة الحج هذا العام، وأيضًا العام الماضي بسبب زيادة سعر الصرف، تراجع بعض من يشتاقون إلى الحج عن الإقدام عن هذه الخطوة نظرًا لعدم الاستطاعة المادية، وهو أمر يجب بحثه وإيجاد حلول له من قبل المسئولين والسلطات المختصة سواء فى مصر أو فى أرض الحرمين الشريفين للتيسير على حجاج بيت الله، وأثق أنهم سيجدون حلولاً مناسبة.. كتبها الله لكل مشتاق وكل عام وأنتم بخير.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: بیت الله الحرام الله سبحانه من قبل
إقرأ أيضاً:
حفظ الله سوريا!
كل المؤشرات اليوم تكاد تجزم بأن الوضع فى سوريا بات غاية فى التعقيد فى أعقاب التطورات التى جرت مؤخرا، لا سيما أن الداخل السورى يتأثر إلى حد كبير بطموحات وتحركات أطراف خارجية، فعلى حين دعمت كل من روسيا وإيران حكم الرئيس "بشار"، فإن الولايات المتحدة الأمريكية عمدت إلى التركيز على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. أما تركيا فركزت تطلعاتها نحو الشمال السوري. وهناك إسرائيل التى تستغل الظروف والوضع الهش لسوريا حاليا من أجل السطو على المزيد من الأراضى السورية، وبذلك باتت المنطقة ساحة لتكالب الأطراف عليها، الأمر الذى يستدعى من السوريين أن يحسموا أمرهم و يقرروا مصيرهم بأنفسهم بعيدا عن التأثيرات والتحركات الخارجية الجارية حولهم.
يتعين على الشعب السورى اليوم أن يدير دفة الأمور بنفسه، وأن يراعى القاعدة التى تقول بأن على السوريين أن يحددوا مستقبلهم، و يقرروا مصيرهم بعيدا عن أية تأثيرات خارجية، ودون الارتكان إلى الأطراف الخارجية سواء الإقليمية أو الدولية، فالبوصلة يجب أن توجه من جانبهم بحيث لا يظل مستقبلهم منوطا بحسابات وأجندات خارجية وذلك درءا لآية عواقب، لا سيما أن إسرائيل تظل متربصة بسوريا اليوم، ومن ثم ووسط معمعة الأحداث تسلط الأضواء على إسرائيل و نواياها حيال سوريا، ومحاولتها استغلال الفرصة للظفر بأية مكاسب تمنحها السيطرة على المقدرات فى سوريا والسطو على المزيد من أراضيها ضاربة عرض الحائط باتفاق الانفصال الذى وقع فى عام 1974.
لقد دفعت التطورات التي جرت مؤخرا إسرائيل إلى التحرك بسرعة نحو السيطرة على مناطق فى الأراضى السورية معتبرة إياها خطوة ضرورية وحكيمة ينبغى عليها اغتنامها فى الظروف الحالية، الأمر الذي سيشكل تهديدا لسوريا، بل ويثير المخاطر التى لا بد أن تترتب على دخول إسرائيل عنوة للأراضي السورية. ويعزز المخاوف هنا من التبعات، لا سيما مع التصريحات الإسرائيلية التى تميط اللثام عن أن الكيان الصهيونى الغاصب يخطط للبقاء طويلا فى الأراضى السورية، وهو بذلك يسقط من اعتباره اتفاقية فصل القوات الموقعة بين إسرائيل وسوريا عام 1974، ولهذا رأينا مصر تحذر من أية تطورات تستهدف النيل من سوريا عبر ما يرفعه المستفيدون فى إسرائيل من تطلعات لتحقيق مصالحهم. ومن ثم بادرت مصر والأردن وقطر بإدانة تدخل إسرائيل فى الأراضى السورية باعتبار ذلك يشكل خرقا للقانون الدولى.
أما فرنسا وألمانيا فطالبتا بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، الأمر الذي يضع ضغطا على دولة الكيان الصهيوني فى حال كانت تخطط للبقاء فى المناطق السورية لفترة طويلة. ولا شك أن المبدأ والقانون يلزم دولة الكيان الغاصب بعدم استغلال الفراغ الناتج عن انهيار النظام السوري من أجل تحقيق أهدافها التوسعية، كما يلزمها بعدم استغلال الظروف للسطو على المزيد من الأراضى فى سوريا، لا سيما وقد خرج " أحمد الشرع" القائد العام للإدارة السورية الجديدة ليشدد على ضرورة رفع العقوبات الدولية المفروضة على بلاده لتسهيل عودة اللاجئين الذين فروا بسبب الحرب، ولكى يؤكد أنه لن يسمح باستخدام سوريا كنقطة انطلاق لشن هجمات ضد إسرائيل أو أى دولة أخرى. مطالبا إسرائيل بالانسحاب من المواقع السورية التى دخلتها، و بالانسحاب من المنطقة العازلة التي سيطرت عليها بعد سقوط بشار.