نفاد الثقة وحلبة الصراعات الاقتصادية
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
نعيش في عصر لم يعد للثقة فيه مكان، بداية بالعلاقات الشخصية مرورا بالشراكات والعلاقات التجارية، ونهاية بكل ما قد يصدر عن وسائل الإعلام أو المنابر الإخبارية والمؤسسات الحكومية والمدنية، نعم تضاءلت الثقة حتى أنها إن صادفت مَحَلّا عُدّ ذلك شيئا من السذاجة وضربا من البله والعته، ولا أحسبنا نحتاج تبريرا أو حججا لذلك وقد امتلأت سنواتنا الأخيرة بكثير من أدلة كسر الموثوق وتهافت الثابت، كيف لا وقد عايشنا زمنا اصطدمت فيه ثقة الناس بالكثير من تصنيع الأوهام وترويج الأباطيل؟! لعل آخرها ما لم يكن بالحسبان إبّان جائحة كورونا ودور شركات الصحة والأدوية العالمية في ترويج الوهم والخوف وتسويق المرض سعيا للتكسب وتأكيدا لدورها في تنفيذ مخططات الدول العظمى في تنافساتها غير الإنسانية وصراعاتها المادية السياسية.
لم يعد من السهل بمكان إقناع الناس في دول العالم كافة بمصداقية المصدر وأهلية المتحدث حتى وإن صدق فعلا، خصوصا حينما تتصل أذرعته بامتداد قوة اقتصادية هنا، أو نفوذ سياسي هناك، تماما كحكاية الراعي الكذّاب الذي تعوّد ادّعاءَ مظلمته من الذئب، حتى ثبت كذبه وبراءة الذئب ما أفقده مصداقيته حتى أوان الصدق فعليا في استصراخه الأخير ضد هجمة الذئب الأولى، وهكذا فإن تعوّد الكذب يفقد المرء قيمته وصدقه، كما يفقد المصدر (مهما كان ثقله ومرجعيته) كل مصداقيته.
أزمة الثقة بين الجماهير من الناس والمؤسسات سواء كانت حكومية، خاصة أو مدنية اتسعت مساحاتها حتى انسحبت على كل أنماطها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى الدينية التي كانت مقدسة لا تقبل المساس لما شاب بعضها من تسييس أو أدلجة، وضمن كل هذه التراكمات من انعدام الثقة الشعبية تأتي قضية فلسطين التي تشغل العالم اليوم لتأتي على ما يمكن أن يكون قد تبقى من فتات الثقة المنهوبة لتذروه مع رياح العدوان الإسرائيلي وتمترسه بالتحالفات العالمية والسرديات التاريخية، كل تلك التراكمات من الثقة المهترئة كانت مدعاة لبحث شعبي معرفي معمّق في التاريخ والجغرافيا، والقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية ليعتنق كل إنسان -حيثما كان موقعه- عقيدته النابعة من معرفته وتحليله وربطه العقلي لا من مصادر إعلام أجيرة أو مصادر معرفية مؤدلجة مُسَيَّسَة.
ثم تتناوشنا كثير من جولات التنافس وميادين النفوذ والسيطرة بين الدول الكبرى لنمعن النظر في أولوياتنا وفيما تراكم لدينا من معرفة أولا، ثم من قدرة على التشكيك بعيدا عن الوقوع في شرك تصديق كل ما ينشر ثانيا ، وضمن هذه الجولات تمر جولة عابرة من صراع اقتصادات العالم وخاصة العملاق الصيني الذي التهم السوق العالمية بقدرته على الوصول للجميع في كل مكان وبأقل الموارد الممكنة، لم يكن من السهل على أمريكا وبريطانيا وحلفائهما الاعتراف بالهزيمة الاقتصادية أمام الصين، ولن تكون سهلة مع الوقت كذلك خصوصا إن ما تحالف هذا العملاق مع خصم لدود قديم هو روسيا، لذلك فلا أسهل من فبركة التقارير الصحفية وصنع الأخبار الاقتصادية المحذرة من الشركات الصينية (المغشوشة والخطيرة على البشر) على افتراض الأصالة والأمان من خصمها الغربي طوال عقود من الزمن، وما كان أسهل ابتلاع طعم التقارير الصحفية والتحقيقيات الاقتصادية لولا أن شعوب العالم لم تنس بعد تقارير مماثلة عن العراق قبل الحرب عادت المصادر التي روجتها لتكذيبها والتشكيك فيها دون التفات أن تلك التقارير المصنوعة لأهداف تنافسية وصراعات سياسية ذهبت بأرواح آلاف الأبرياء وبحياة أضعافهم في الشتات بين تهجير وتجويع، تلك التقارير صدرت عن منظمات أممية وإعلام قدّم نفسه حينها على أنه الإعلام النزيه الساعي لنصرة الإنسان، هو ذاته المُصَدِّر اليوم للهجوم على الشركات الصينية وهو ذاته المُصَدِّر لأسطورة التفوق الإسرائيلي .
( SHEIN ) ليست منزهة عن العيوب والقصور، ولكن أخواتها الأوروبية التي تدعي النزاهة ليست كذلك، وإنما هي حروب اقتصادية ساء فيها الطرف المسيطر سابقا قدرة هذه القوة الطارئة على سحب البساط في خضم انشغالات الخصم بانشغالات تستنزف طاقته المادية في حين تبني هذه القوة الطارئة ترسانة اقتصادية تمكنها مع حلفائها من المنافسة سياسيا إن دعت الحاجة، ولا شك أن هذا كابوس لا تريد أمريكا وحلفاؤها له المرور فضلا عن تأكيده واقعا، وقد بدأت التقارير المصنوعة بملابس الأطفال في ادعاء اهتمامها بأطفال العالم من مخاطر ملابس الشركة الصينية، وكأننا قد نسينا غفلتها عن أرواح أطفال فلسطين الذين ما زالوا رماد آلة حرب مدعومة من ذات الدول مُصَدِّرةِ التقرير عبر صحفها، فهل هؤلاء أطفال وأولئك دمى ؟! أم هل تلك دماء وما يجري الآن على أرض فلسطين ماء؟!
ختاما: لن تكون استعادة الثقة أمرا هينا على شعوب بلغ لديها الشك مبلغه، ولن تستعاد هذه الثقة بغير اعتناق مبادئ إنسانية عالمية لا استثناءات بها لحليف أو صديق، ولا سلطة فيها لغير القانون الذي وضع لصالح إنسان هذا العالم ولمنفعة شعوبه الحالمة بالأمان في أوطانها وبالتنمية في مؤسساتها بعيدا عن تنفذ الأقوياء وكواليس السياسات المادية والفساد المقنّع.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
فرنجيه: سنعطي الثقة للحكومة
جدّد النائب طوني فرنجيه "العزاء لكل اللبنانيين ولجمهور المقاومة بالقياديّين الكبيرين الشهيدين السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين"، قائلاً: "نرفض عزل أيّ فئة من اللبنانيين، فتضامننا ووقوفنا إلى جانب كل المكوّنات اللبنانية يبقى فوق كل اعتبار وهذا ما أثبتناه خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، فالتجربة اللبنانية تؤكّد أنّ محاولة استضعاف أي مكوّن لبناني ستؤدي في نهاية المطاف الى ضعف لبنان".فرنجيه وفي كلمة له عبر "تطبيق زوم"، في خلال العشاء السنويّ الذي نظمته منسقية "المرده" في أستراليا، اعتبر أنّ "قوّة الدولة وانتظام مؤسساتها هو ما يحتاجه لبنان في خلال هذه المرحلة، بالإضافة إلى التماسك والوحدة في الداخل اللبناني وبين اللبنانيين المُقيمين والمغتربين"، وأضاف: "نحن بحاجة إلى أهلنا وأصدقائنا في كلّ الإغتراب اللبناني، ولاسيما أبناء الجالية الأسترالية الذين سيكون لهم دور أساسي وفعّال في إنقاذ لبنان، كما كان لهم الدور الجوهري في الوقوف إلى جانب بلدهم في الحرب الأخيرة وفي مراحل أخرى كثيرة". وتابع: "لبنان بعد انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، أمام فرصة حقيقية وجديّة، ومن هذا المنطلق ذهبنا إلى انتخاب العماد عون بعد انسحاب رئيس المرده سليمان فرنجيه، الذي كان من أوّل المؤيدين للرئيس الجديد، وذلك وفقا لما أعلن مرارا وتكرارا أنّه سيدعم أيّ اتفاق جديّ ومتين حول شخصية "بتعبي الكرسي" وهذه صفة تنطبق على رئيس الجمهورية جوزاف عون" .
وقال النائب فرنجيه: "صحيحٌ أننا غير ممثّلين في مجلس الوزراء، لكننا لن نكون من المُعطلين لقطار الحلول في لبنان، وسنعطي الثقة للحكومة التي تتضمن شخصيات كفوءة يعوّل عليها لوضع لبنان على سكة الحلول. فنحن ننظر الى المستقبل بأعين اللبنانيين المتعطّشين إلى المشاريع الإنمائية التي تعود بالمنفعة على كلّ الوطن بعيداً عن المنافع الخاصة والضيقة، وهنا وعلى سبيل المثال ماذا يمنع لبنان من أن يكون له قطاع كهربائيّ على غرار كلّ دول العالم؟ ولماذا يصّر البعض على استخدام ملف الكهرباء انطلاقا من الزوايا السياسية اللبنانية الضيقة".