نص الدرس الثاني لقائد الثورة من حكم أمير المؤمنين علي عليه السلام
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
صنعاء – سبأ:
نص الدرس الثاني لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، من حكم أمير المؤمنين علي “عَلَيْهِ السَّلَام” الأحد 3 ذو الحجة 1445هـ/ 9 يونيو 2024م:
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق ما تحدثنا عنه بالأمس، من الحديث على ضوء نصوص من كلام أمير المؤمنين عليٍّ “عَلَيْهِ السَّلَام”، وحكمه المفيدة، التي هي قبسٌ من نور القرآن الكريم، وهدي النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ونتحدث فيما يتعلق بولاية الأمر وإدارة شؤون الأمة؛ باعتبار هذا الموضوع من المواضيع المهمة، التي ينبغي أن يكون لدينا جميعاً تجاهها رؤيةٌ صحيحة، وفهمٌ صحيح، ونظرةٌ صحيحة؛ لأن البعض من أبناء الأمة:
إمَّا أن يكون- كما قلنا بالأمس- متأثراً بالرؤية الغربية، داعياً إليها، منشداً إليها، بل يعمل من أجل أن تسود هي في واقع الأمة.
وإمَّا أن يكون أيضاً متعلقاً بمفهومٍ خاطئ، ونظرةٍ سلبية؛ مكَّنت الطغاة، والجبارين، والظالمين، والمستكبرين، من السيطرة على الأمة، وتُدجِّن الأمة لهم، وتُعَطِّل المشروع الإسلامي العظيم، في جانبه المتعلق بإقامة الدين؛ وبالتالي صلاح حياة الناس، وفي إقامة القسط، وفي البناء الحضاري الإسلامي للأمة.
نبدأ اليوم من قول أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَام”، فيما رواه عبد الله بن عباسٍ “رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا”، قال: ((دخلت على أمير المؤمنين علياً “عَلَيْهِ السَّلَام” بذي قار))، ذي قار موضع بالقرب من البصرة، كان أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَام” مسافراً إلى البصرة في إطار حملته لتصدي للناكثين، فعندما وصل إلى هذا الموضع استقر فيه لبعض الوقت، فدخل عليه عبد الله بن عباس وهو يخصف نعله [حذاءه يصلحه]، ((فقال لي: مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعل؟ فقلت: لا قيمة لها))، ليست كأحذية وملبوسات بعض الأمراء والملوك، الذين قد يكون ثمن ما يلبسونه ويستخدمونه من أغراضهم الشخصية، على مستوى الملابس، على مستوى الأحذية، ثمناً كبيراً جداً وغالياً؛ لأنها من أفخر وأغلى الأشياء، أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَام” في تلك المرحلة وهو على رأس دولة الإسلام، التي تحتها أقطار كثيرة: ما يسمى الآن بدول الخليج بكلها، والجزيرة العربية بأجمعها، واليمن، والعراق، وإيران، وأجزاء من بلدان أخرى، ومصر أيضاً في تلك المرحلة، يعني: أقطار واسعة، وهو على رأس دولة الإسلام، في نطاقها الواسعة جداً وإمكاناتها الضخمة، وقيمة النعل الذي يلبسه متواضعة جداً، لا قيمة لها.
((فقلت: لا قيمة لها. فقال “عَلَيْهِ السَّلَام”: وَاللهِ لَهِيَ أَحْبُّ إِليَّ مِنْ إِمْرَتِكُم، إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقًّا، أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً))، يعني: ذلك النعل، ذلك الحذاء الذي يلبسه في قدمه، ولا قيمة له؛ لأنه متواضع جداً، ليس من النوع الذي له قيمة غالية، أو ثمن مرتفع، هو أحب إلى أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَام” من أن يكون أميراً على دولة الإسلام في نطاقها الواسعة، الذي يشمل كما قلنا: الجزيرة العربية، وما يسمى بدول الخليج، والعراق، ومصر، واليمن، وإيران، وأجزاء من بلدان أخرى، مما كانت في إطار الاتحاد السوفيتي سابقاً، أو كانت في المراحل التاريخية في إطار فارس، بعض تلك البلدان: من باكستان، من أفغانستان، طاجيكستان، أوزباكستان… دول كثيرة يعني، أجزاء منها كانت آنذاك تحت سيطرة دولة الإسلام، ففي تلك المرحلة كان الشام فقط في تلك المرحلة الذي لا يزال تحت السيطرة الأموية؛ أمَّا بقية العالم الإسلامي- آنذاك- فكان في إطار دولة الإسلام، إطار نطاقٍ واحد ودولة واحدة، والموقع الرسمي أن يكون الإنسان أميراً للعالم الإسلامي، بما فيه من أقطار، وبلدان، وأمَّة، وإمكانات، وثروات، هذا الموقع، بهذه الأهمية، بهذا المستوى، ليس له قيمة عند أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَام” بمستوى ذلك النعل الذي يلبسه في قدمه، وهو من أقل النعل قيمةً، من أقل الأحذية قيمةً.
هذا الموضوع يحتاج إلى تأمل، إلى تدبر؛ لاستيعاب مدى أهمية هذا الكلام؛ لأنه كلام كبير جداً، يعني: عندما نقارن بما لا قيمة له هذا المنصب، هذا الموقع، هذا الدور، هذا التمكين والنفوذ، أن تكون أميراً للعالم الإسلامي بما فيه من بلدان وأقطار، ثم نجد أن هذا لا يسوى بكله عند أمير المؤمنين عليًّا “عَلَيْهِ السَّلَام” ذلك النعل البسيط، الذي لا قيمة له، يلبسه في أحد قدمين، لماذا؟
أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَام” هو الذي قال عنه رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”: ((عَلِيٌّ مَعَ القُرْآنُ))، كان عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَام” في رؤيته، في تربيته، في روحيته، في اهتماماته، في نظرته، قرآنياً بكل ما تعنيه الكلمة، مطبوعاً بطابع القرآن الكريم، كان قرآناً ناطقاً يتجسد في موقفه، في رؤاه، في تحركاته، في مشاعره القرآن الكريم، ودين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتعاليمه. هذا مدخل مهم، في كيف تكون نظرتنا ورؤيتنا لمسألة المناصب ومواقع المسؤولية.
عندما نأتي إلى الحالة السائدة لدى الناس، كيف هي رؤية أكثر الناس، أكثر أبناء المجتمع ونظرتهم إلى المنصب، المناصب ومواقع المسؤولية بمستوياتها المختلفة، من أبسط منصب وأقل موقع للمسؤولية، إلى أعلى مستوى من مستويات المسؤولية؟ نجد أن الشيء السائد لدى الناس: أن ينظروا إلى موقع المسؤولية، إلى المناصب بشكلٍ عام- بحسب طموحاتهم- إلى أنها ذات أهمية كبيرة جداً جداً، وذات قيمة عالية، يبذلون من أجلها الغالي والنفيس، ونظرتهم إلى أهميتها هذه، نظرتهم إلى قيمتها في نفوسهم، ليست من المنطلق الذي تحدث عنه أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَام”: ((إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقًّا أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً))، لا، هناك نظرة باعتبارات أخرى، ومن منطلقات أخرى، ونتحدث على نحوٍ من التفصيل مع الاختصار في ذلك.
الكثير من الناس يعشق المنصب، الكثير من الناس حتى لو لم يكن في منصب من المناصب، يتمنى- هي أمنية بالنسبة له- يتمنى أن لو كان في منصب، يتمنى أن لو كان أميراً، أو ملكاً، أو رئيساً، هذه بالنسبة له أمنية كبيرة جداً، ولكن عندما يراها- وحالة الكثير من الناس- قد يراها في قائمة المستحيلات، فقد يتجه في أمنيته إلى ما هو أكثر قرباً بالنسبة له، أو تعقلاً بالنسبة له، شيء منطقي إلى حدٍ ما، أن لو كان وزيراً، أو محافظاً، أو مسؤولاً في نطاق معيَّن، بل البعض يتمنى أن لو كان في مستوى- مثلاً- أن يكون جندياً، أو أن يكون مديراً ولو في نطاق محدود جداً، على قسم معيَّن، أو في أي مستوى من مستويات المسؤولية، وأي موقع من مواقع المسؤولية، يتمنى ذلك، لكن البعض من الناس يرى أن ذلك ليس متاحاً بالنسبة له، ليس في إطار الممكن بالنسبة له، بحسب ظروفه وواقعه.
البعض من الناس لديه أمل بأن يصل إلى مستوى معيَّن، إلى موقع معيَّن، وقد يبذل الجهد في ذلك، يسعى بوسائل كثيرة مما يراها وسائل مُقَرِّبة، بحسب ظروف زمانه ومكانه، الظروف السياسية، والاعتبارات القائمة في بلده، أحياناً- مثلاً- من خلال علاقات مُعَيَّنة، تَزَلُّف مُعيَّن، أو من خلال تقديم شيء معيَّن ملفت، أو بأي طريقة يراها وسيلةً للوصول إلى ذلك المنصب، بل في بعض البلدان- مثلاً- قد تكون مسألة التعلم والتخرج بشهادة معينة، أو البروز في عمل معيَّن، عمل سياسي معيَّن… أو أي وسيلة، الوسائل الكثيرة التي قد يرى فيها البعض أنها وسيلة يصل من خلالها إلى منصب معيَّن، بل البعض قد يكون سبيله للوصول لذلك من اللحظة الأولى ارتكاب مظالم، وجرائم… وغير ذلك؛ بُغية الوصول إلى منصب معين. لماذا؟ للأهمية التي يراها الكثير من الناس في ذلك.
والأهمية بالنسبة لهذا الموضوع تتنوع لدى الناس:
بدايةً لدى أكثر الناس، يرى أن الموقع (موقع المسؤولية) والمنصب يعطيه أهميةً شخصية لدى نفسه أولاً:
يعني: يشعر أنه لو وصل إلى ذلك المنصب، أو إذا وصل إلى منصب معيَّن، يُحِسُّ في نفسه بأنه أصبح شخصاً مهماً، ويرى لنفسه أهميةً عند نفسه، كان يرى نفسه ما قبل ذلك في مستوى هابط ونازل، فرأى نفسه لمَّا وصل إلى ذلك المنصب أنه أصبح شخصاً مهماً، تختلف هذه المسألة باختلاف الطموحات، يعني: البعض من الناس ولو كان في أبسط منصب، لشعر في نفسه بالراحة الكبيرة، ومشاعر الاعتزاز، والفخر، والرضا، وشعر بالأهمية الكبيرة لنفسه… إلى غير ذلك، ويظهر ذلك في سلوك الكثير من الناس، في أسلوبهم في التعامل مع الآخرين، أصبح يتعامل بدافع هذا الشعور الذي أصبح يحمله: أنه قد أصبح شخصاً مهماً، وأصبح كبيراً، وله أهمية، وله موقع أكبر على الآخرين، فيغيب التواضع من أسلوبه في التعامل مع الآخرين، يظهر التطاول، التعالي، التكبر، يحمل في نفسه الغرور، تظهر سلبيات كثيرة نتيجةً لهذا الشعور، هذا أول ما يواجه البعض، يعني: لدى نفسه.
ثم شخصاً مهماً لدى الآخرين:
لدى أصدقائه مثلاً، تأتيه منهم التهاني والتبريكات، والمدائح، والإشادة، ومختلف التعبيرات التي تدل على هذا المعنى: على أهميته في ذلك الموقع، وفي موقع تلك المسؤولية.
وأحياناً تكون لهذه النظرة العامة لدى الناس، لدى المجتمع، يكون لها تأثير أيضاً على الإنسان في نفسه، أنه عندما يشعر بأنه سيصبح له أهمية لدى الناس، اعتبار لديهم، تتغير طريقة تعاملهم معه، لمَّا وصل إلى ذلك المنصب، يتعاملون معه بالمزيد من الاحترام، والتقدير، والمهابة… وغير ذلك. بدلاً من أن تكون حالة القيم الإسلامية هي السائدة أصلاً في التعامل ما بين الناس مع بعضهم البعض، ولا يشترط أن يكون الإنسان رئيساً، أو وزيراً، أو ملكاً، أو أن يكون مديراً، أو وزيراً، أو يحمل مسؤولية معيَّنة، أو في موقع معيَّن ومنصب معيَّن، حتى يقضى بالاحترام بين شعبه، بين أمته، بين الناس، بل أن تسود القيم التي هي تلقائياً تجعل الإنسان يتعامل مع أخيه المسلم باحترام وتقدير، وللقيم الأخرى أيضاً: القيمة الإيمانية والأخلاقية، والقيم التي لها أهمية في ميزان الحق، صفات الكمال التي لها قيمة في ميزان الحق، واعتبار أن تكون هي ذات أهمية لدى المجتمع، مع أنها أهمية عند البعض من الناس الذين لا يزالون على فطرتهم.
هذا من العوامل التي تجعل البعض من الناس يعشق المنصب؛ لأنه ينظر هذه النظرة، وله في نفسه هذه القيمة، ويرى هذه القيمة يحملها الناس في نظرتهم وتعاملهم مع من يكون في منصب.
أيضاً النفوذ:
عندما يكون الإنسان في منصب معيَّن، له صلاحيات معيَّنة، تأثير معيَّن، وتتفاوت المسألة بمستوى المناصب يعني، الصلاحيات المرتبطة بها، والإمكانات في النفوذ المتعلقة بها.
البعض من الناس أيضاً يرى في المنصب أن له أيضاً هذه الأهمية، مع القيمة الاعتبارية، أنه موقع للنفوذ، يستطيع من خلاله أن يمارس بعض الأمور، أن يحقق بعض الأهداف، أن يتصرف بعض التصرفات، في إطار احتمائه- مثلاً- بالجهة التي فيها هذا المنصب: وزارة، ودولة، وحكومة، أو جهة ذات مسؤولية معينة معتبرة، وقد يستغل نفوذه في أشياء متعددة: للحماية، والمنعة، والاعتزاز، في مقابل تصرفات يفعلها، أو أعمال، أو تسلط… أو غير ذلك، تحقق أهداف شخصية، أو أهداف فئوية، أو أهداف حزبية، بحسب انتمائه واهتماماته وأهدافه، قد ترى فيها وسيلةً تساعده على التسلط، على تصفية حسابات معينة، أحقاد في نفسه، أغراض معينة ينفذها، مآرب، مصالح شخصية… إلى غير ذلك.
والبعض أيضاً المطامع المادية:
البعض قد يكون هدفه الأساس هو المطامع المادية، يرى أن المنصب موقع يساعده- من خلال الاستغلال السيء له، والنفوذ فيه- إلى تحصيل مكاسب مادية، بوسائل غير مشروعة، بوسائل غير مشروعة، وأنه سيحمي نفسه وسيتمكن من الابتزاز المالي، الابتزاز بأساليب متنوعة، الحصول على مصالح معينة، الخيانة في الحق العام، الفساد المالي… أشياء كثيرة ووسائل كثيرة قد يجعل منها وسيلةً للحصول على مكاسب مادية، ومصالح مادية.
وهذا يحصل كثيراً، يعني: في تاريخ المسلمين، في الدول والممالك التي تعاقبت في ملكها، وفي نفوذها، وفي سيطرتها على العالم الإسلامي، كان هذا حاصلاً بشكلٍ كبير: الاستغلال للمال العام من جهة، في إطار المصالح الشخصية، والأطماع الشخصية؛ والابتزاز، والنهب، والظلم، والاعتساف، وأخذ أموال الناس بغير حق؛ ففساد واستغلال شخصي محرم للمال العام من جهة، ثم لا يكفيهم ذلك، لا يكفيهم ما يأخذونه من المال العام، فيذهبون إلى الأموال الشخصية للناس، ويبتزونهم فيها بأشكال متنوعة ومتعددة، ولا يزال حاصلاً في العالم الإسلامي في معظم البلدان.
البعض قد يجمع كل الأسباب:
يعني: لديه أهمية وعشق المنصب، بالنظر إلى القيمة المعنوية والاعتبارية، والأهمية في نفسه وفي نفوس الناس، وأنه بذلك سيرى نفسه شخصاً مهماً؛ لأنه لا يمتلك مؤهلات أخرى ذات قيمة كمالية، من صفات الكمال الإنساني، والأخلاقي، والإيماني، فيرى أنه سيعوض نفسه بهذا الجانب، أو أنه لا يرى في تلك الأشياء قيمة أصلاً، يرى كل القيمة في المنصب، ومع ذلك يحسب حساب النفوذ والتسلط، ويحسب حساب المطامع المادية؛ فلديه مجموع هذه الدوافع بكلها.
البعض من الناس قد يكون هدفه مادياً، ولكن بمستوى محدود:
يعني: يريد أن يؤمن وضعه المعيشي بما يحصل عليه- مثلاً- من راتب، وقد تكون نيته أن يلتزم النزاهة، وألَّا يتجاوز الحق فيما سيحصل عليه، ليسد حاجته المعيشية، وليوفر متطلبات حياته الضرورية، من خلال ما يحصل عليه- مثلاً- من مرتب، وحوافز… وغير ذلك، مما يأتي بشكل طبيعي وصحيح، أو في إطار قانوني مثلاً.
البعض من الناس لديه أيضاً هواية الأمر والنهي:
هواية كبيرة لديه، حتى لو كان سيتقشف، أو سيلتزم النزاهة فيما تعلق بالجانب المالي، لكن لديه هواية كبيرة وعشق أن يكون آمراً ناهياً، هذه بالنسبة له فوق كل لذة، فوق كل رغبة، فوق كل طموح، يرغب أن يكون في موقع يأمر فيه وينهى، هذا يعود أيضاً إلى الشعور بالقيمة الاعتبارية لموقع المسؤولية.
البعض من الناس لديه أجندة، ويرى في مسألة المنصب وسيلةً لتنفيذها:
يعني: قد يكون لديه أهداف باطلة، أهداف معينة، ومشاريع معينة، وأفكار معينة، ويريد أن ينفِّذها وأن يفرضها بواسطة المنصب، والمشكلة هي عندما تكون تلك الأجندة باطلة، وهو يتعصب لها إمَّا بدافع فئوي، أو حزبي، أو لغير ذلك من الأسباب، وهي باطلة، ليست حقاً، فيسعى إلى أن يُسَخِّر المنصب في النفوذ والإمكانات لخدمة باطلٍ يفرضه على الناس، ويحميه ليكون سائداً في واقع الحياة.
كل هذه الاعتبارات تُشكِّل خطورةً، أو سلبيةً في الحد الأدنى، يعني: فيما يتعلق- مثلاً- بمن يرى في المنصب وسيلة لسد حاجته المعيشية، هذا وإن لم يكن- مثلاً- بهدفٍ سيء، لكنه لا يصح أن يكون هدفاً، إذا تحوَّل هو إلى هدف، له سلبياته يعني، وهناك مخاطر مترتبة على تلك الاعتبارات، وتلك النظرة للمنصب ولمواقع المسؤولية، من ينظر إليها بهذا الاعتبار، من يعشق المنصب بهذا الاعتبار، لذلك تأثيرات خطيرة جداً في الواقع، منها: المظالم، والمفاسد، والاستغلال السيء للسلطة، وخدمة الباطل، وسيطرة الباطل، وممارسة الطغيان.
وعند استقراء التاريخ في الماضي والحاضر، نجد أن أكبر المظالم، وأعظم المفاسد، أتت إلى واقع الناس في هذا السياق: من عشاق المناصب، عشاق المناصب هم الأكثر ظلماً، الأكثر فساداً، الأكثر طغياناً، الأعظم شراً في واقع الناس، وما يحصل في سبيل الوصول إلى المنصب، وما يحصل ما بعد الوصول إلى المنصب، من مظالم، وطغيان، ومفاسد.
فعلى سبيل المثال: في الدولة الأموية، معظم أمرائها وملوكها، الحالة النادرة جداً فيهم التي تختلف شيئاً ما، لكن معظمهم نجد الأمور الرهيبة جداً في ظلمهم، وإجرامهم، وطغيانهم، كذلك في الدولة العباسية… في الدول الأخرى، كذلك في عصرنا الحاضر ما نجده من كثير من ملوك الجور، من زعماء الضلال والظلم والطغيان، وما نجده من أعوانهم في مستويات المسؤولية ومواقع المسؤولية المختلفة، هذا شيءٌ واضح يعني.
ولربما مما يُقدِّم لنا صورة مختصرة عن المخاطر الرهيبة جداً الناتجة عن ذلك، ما تذكره كتب التاريخ عن أحد ملوك بن أُميَّة، عندما أتت البشارة له بأنه قد حان دوره في الوصول إلى المنصب، سيتحول هو إلى ملك، أصبح دوره، مات الذي قبله وهو ولي عهد، فأتته البشارة، وعندما أتته البشارة كان المصحف (القرآن الكريم) بين يديه، حينها قال مخاطباً للقرآن الكريم وأغلقه، أغلق المصحف، وقال: [هذا آخر العهد بك]، خلاص يعني وداعاً للقرآن وداعاً نهائياً، وتركه وذهب معهم، كيف كانت ممارساته فيما بعد ذلك؟ كيف كان ظلمه؟ كيف كان طغيانه؟ كيف كان إجرامه؟ من تلك النوعية الذين لا يهتدون بهديٍ، ولا يستنون بسنة؛ فلا هدى الله هو دليلهم ونورهم، ولا طريقة رسول الله ومنهجيته في التَّمسُّك بهدى الله وتعليماته هي سبيلهم ودليلهم.
يقولون أيضاً عن أحد ملوك بني العباس (هارون العباسي)، أنه قال ذات مرة، وهو في مسجد رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، البعض ينصحه ويُذَكِّره حول ما يرتكبه من ظلم وطغيان وإجرام، فكان جوابه وهو في مسجد رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، أمام قبر رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، كان جوابه لذلك الناصح أن قال: [الملك عقيم، أما والله لو قام صاحب هذا القبر- وأشار الى قبر رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”- ونازعنا هذا الامر، لضربنا خيشومه بالسيف]، تجد هذه الوقاحة العجيبة، وهذا التعبير عن نهاية الطغيان والاجرام.
وفعلاً أكثر سلاطين الجور، وزعماء الضلال والطغيان، لو قام رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” من قبره في عصر أيٍّ منهم، ورأوا أنه يشكل تهديداً على مناصبهم؛ لما ترددوا في أن يقاتلوه، أن يقاتلوا رسول الله، موقفهم من دين الله، من رسالة الله، من عباد الله، هو موقف في هذا المستوى من الطغيان والاجرام، موقف لم يحترم حتى رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، بل بهذه الوقاحة [لضربنا خيشومه بالسيف].
حالة العشق للمناصب هي التي تدفع الكثير من الناس إلى الممارسات الظالمة، إلى المفاسد الكبيرة، إلى الاجرام، إلى الطغيان، وتدفع الكثير من الناس إلى أن يقف في صف الباطل؛ لأنه يريد أن يكون له منصب معين، ويريد أن يضمن هذا المنصب بالوقوف في صف الباطل، ومحاربة الحق، وأيضاً يصل الحال ببعضهم إلى أن يكون في صف أسوأ أهل الباطل، في صف الكافرين، أن يوالي الكافرين ضد أمته، وأن يقف في صف أعداء الأمة الإسلامية بكلها، لا يتردد في ذلك، همه كيف يحمي منصبه، وأن يبقى في ذلك المنصب، ثم قد يخسر.
فما أكثر المظالم والمفاسد؛ لأن موقع المسؤولية، والمناصب ذات الأهمية في حياة الناس، مناصب في الدولة، عندما تكون مواقع للتسلط والظلم، وتسخير إمكانات الأمة والنفوذ في نشر باطل، في نشر ظلال، في الظلم، في الممارسات السيئة؛ فالشر منه كبير، يختلف يعني عن مستوى التأثير من موقعٍ عادي، أنت كمواطن عادي مثلاً، أو شخص لست في موقع إمكانات دولة، وفي ظهري دولة، أنت في مستوى إمكانات بسيطة، أو واقع بسيط، واقع اجتماعي محدود، واقع تأثير محدود، إمكانات محدودة، لا يكون ظلمك وشرك وفسادك بذلك المستوى الذي هو من موقع مسؤولية، وعندما تكون الحالة حالة توجه عام، دولة من رأسها إلى أبسط موقع فيها، لديها توجه قائم على الظلم، والباطل، والطغيان، والإجرام، وحصل هذا كثيراً في تاريخ الأمة، وتكون الحالة النادرة جداً أن يكون هناك البعض، القلة القليلة من الناس، الذي قد لا يكون لديه ذلك التوجه السيء الظالم، ولا تلك الممارسات، تكون الكارثة كبيرة جداً. فنجد المخاطر المرتبطة بهذه المسألة.
أيضاً البعض من الناس- مثلاً- قد يرتبط في رضائه وسخطه، وتأييده للحق، بهذا الهدف، يعني: [أنا سأقف مع الحق، وسأتجه لنصرة الحق، لكن بشرط أن يكون لي منصب، إذا لم يكن لي منصب فسأخذل الحق]، وفي أقل الأحوال- مثلاً- لا يكتفي بخذلان الحق، بل يكون لديه انطباع سيء؛ لأنه يعتبر لنفسه حقاً في أن يكون له منصب مهم جداً؛ لإرضاء نفسه، وإرضاء أهدافه الشخصية ورغباته الشخصية، تلك الاعتبارات الشخصية.
هذه المسألة أيضاً لها تأثير سيء على الإنسان، يعني: لم يعد ارتباطه بالحق ارتباطاً إيمانياً، من منطلقٍ إيماني، فهو يقف الموقف الحق من أجل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، طاعةً لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يبتغي مرضاة الله “جَلَّ شَأنُه”، هدفه هدف مُقدَّس، صادقٌ مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ما يأمله ثمناً لموقفه هو شيء أعظم من مسألة منصب معيَّن، أو مكافأة معيَّنة من الناس، أو سُمعة لدى الناس، أو أهمية لدى الناس، هو يتجه في عمله بإخلاصٍ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويعي قيمة هذا الإخلاص، في أن يكون عمله مقبولاً عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن يكون لموقفه مع الحق قيمة إيمانية وأخلاقية، بحيث يرضى عنه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويحظى بما وعد الله به أولياءه المؤمنين، حتى بالعزة، العزة الحقيقية، العزة التي هي مرتبطة بالإيمان، والفوز العظيم، الفوز الحقيقي للإنسان، الكثير من الناس يعاني أيضاً من هذه المشكلة، مع أن البعض قد ينطلق مع الحق ابتداءً بنية حسنة، وصادقة، وخالصة. ولكن الإخلاص بنفسه يمكن أن يتغير في مرحلة معينة، عندما يحصل هناك تمكين، ويرى الإنسان المواقع (مواقع المسؤولية) متاحة، أو يرى الآخرين أيضاً لديهم مناصب معينة، فتتحرك في نفسه المطامع الشخصية، والرغبات الشخصية لذلك؛ فيصل إلى هذا المستوى من عشقه للمنصب، بحيث يربط موقفه مع الحق بالمنصب، فإن كان سيحصل على ذلك المنصب؛ فهو مع الحق، وإن فاته ذلك المنصب؛ كفر بالحق جملةً وتفصيلاً، أو خذل الحق، وغيَّر اتجاهه وتفاعله مع الحق. هي حالة خطيرة، هي تعود إلى عشق المنصب، وهي حالة سلبية جداً.
فحالة الإنسان عندما يرتبط في حالة الرضا، والسخط، والموقف، بالمنصب؛ أصبحت حالة عشق للمنصب، وعلى الإنسان أن يراجع نفسه، وأن يحاول أن يعمل للخلاص من تلك الحالة الخطيرة على نفسه والسلبية، التي تصبح عائقاً بينه وبين مرضات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
النظرة الصحيحة هي التي يعلمنا أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَام” في هذا الدرس، عندما قال هذه الكلمة المهمة العظيمة: ((وَاللهِ لَهِيَ أَحبُّ إِليَّ مِنْ إِمْرَتِكُم، إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقًّا، أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً))، في التربية الإيمانية يجب أن يحرص الإنسان المؤمن أن تكون نظرته إلى المنصب هذه النظرة، فلا يسوى عنده قيمة نعله، إذا كان حتى نعلاً ليس غالي الثمن- لأن البعض من الناس حتى النعل عنده يحتاج مما هو مرتفع الثمن جداً- من أبسط الأحذية، التي قد لا يرى لها الناس قيمة، ألَّا يكون لديها أي قيمة، يحاول الإنسان في تربيته الإيمانية، في واقعه النفسي، أن يكون منشداً إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” إلى الغايات الكبرى، التي رسمها الله لعباده المؤمنين، إلى الأهداف المقدسة العظيمة، ويعمل على تزكية النفس، من خلال انشداده إلى الله، وأخذه بتعليمات الله، واهتدائه بهدى الله الذي يزكي النفوس، وهو شفاءٌ لما في الصدور؛ فتكون مسألة المناصب لا قيمة لها عنده، ولا حتى بقيمة مفردة نعل، يعني: واحد من نعليه، من نعلين لا قيمة له، أن يكون بهذا المستوى، أن يتخلص من داء عشق المناصب.
ثم تكون الأهمية- وبشكلٍ حصري- لمواقع المسؤولية لمسألة واحدة، هي: إحقاق الحق، ودفع الباطل، فلا نريد من هذه المواقع المهمة للمسؤولية إلَّا هذا الهدف: إحقاق الحق، وإقامة الحق في واقع الحياة، الحق بالنسبة للمؤمنين هو الهدف العملي، الذي يرتبطون به في مسيرة حياتهم، فهم يعملون لإقامة الحق في واقع الحياة، والحق مصدره الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والحق عنوانٌ عظيم وأساس، أساسٌ يتحرك المؤمنون وهم مرتبطون به في هذه الحياة. هو الأساس الذي يضبط المسار في أداء المسؤولية بشكلٍ صحيح.
العناوين الأخرى يجب أن تكون مضبوطةً بضابط الحق، مثلاً: من أشهر العناوين التي تعتمد في هذا العصر، وتعتمد بشكل صريح وواضح كعنوان، هي: المصلحة، عنوان المصلحة، هذا العنوان يغلب في الساحة الإسلامية، وليس فقط في الأوساط الغربية والدول الكافرة، بل في أوساط المسلمين (عنوان المصلحة)، [نسعى للمصلحة، نعتمد السياسات التي تحقق المصلحة والمصالح، مصلحة بلدي، أريد أن أسعى لما فيه مصلحة بلدي]، هذا العنوان إذا لم يربط بالحق، ويكون فرعاً عن الارتباط بالحق، وناتجاً للتمسك بالحق، فهو في أكثر الأوقات، وأكثر الأحيان، وفي أكثر الحالات، هو عنوان غير واقعي؛ لأنه لا مصلحة فيما خالف الحق أطلاقاً، نهائياً، لا مصلحة فيما يخالف الحق.
الحق مصدره الله، الحق هو فيما هدانا الله إليه، في تعليماته، ونهجه، وأمره، وشرعه، الحق هناك؛ لأن الله رسم لنا ما فيه الحق، ما هو الشيء الثابت، الصحيح، المطابق للحكمة، المطابق للخير، الذي لا ظلم فيه، ولا سوء فيه، ولا شر فيه، ولا جهالة فيه، حقٌّ بكل ما تعنيه الكلمة، هناك الحق، {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}- كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}[البقرة: الآية147]، وَيُبيِّن الله في القرآن الكريم أهمية هذه المسألة في اتِّباع المؤمنين للحق، وفي ما يفصل ما بينهم وبين غيرهم، يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ}[محمد: الآية3]، يعني: هذا هو السبب حتى في أن يحظى المؤمنون بنصر الله ومعونته وتأييده، وفي أن يغضب الله على الكافرين وأن يسخط عليهم، يقول الله “جَلَّ شَأنُه”: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}[يونس: الآية108].
الحق هو الأساس الذي ينبغي أن نسعى لإقامته، ليكون سائداً في هذه الحياة، ليكون معمولاً به، ليكون هو السائد في موقع إدارة شؤون الأمة، الحق في المجال السياسي، الحق في المجال الاقتصادي، الحق في الجانب الاجتماعي… الحق في كل المجالات، كيف يكون هو المعتمد الذي يتمسك به الناس، يلتزم به الناس، يحتكم إليه الناس، يعود إليه الناس، يكون هو ما يُعمل به في واقع الحياة (الحق)، وفعلاً لابدَّ للحق إذا أردناه أن يكون قائماً، لابدَّ له أن يكون أيضاً في مواقع المسؤولية، إذا أزيح من موقع المسؤولية، وتحوَّل إلى حالة وعظية إرشادية، بعيداً عن موقع إدارة شؤون الناس، عن ولاية الأمر، أصبح مجرد حالة وعظية إرشادية في المساجد، وفي زوايا المدارس الدينية؛ يكون حضوره في واقع الحياة حضوراً ضعيفاً، محارباً، مقصياً، غير فاعل، والذي يحل محله ما هو؟ الباطل.
الباطل يتفرع عنه كل المنكرات، كل الشر، كل الفساد، كل المظالم، كل الجرائم، الباطل يشكِّل خطورة كبيرة على الناس، وإذا كان موقع إدارة شؤون الناس- المسؤوليات في المسؤولية، المناصب بحسب مستوياتها- موقعاً لخدمة الباطل، يستند إلى إمكانات دولة، إلى سلطة دولة، إلى نفوذ دولة؛ فإنه حينئذٍ ينتشر في واقع الناس، ويتغلب على الناس في حياتهم؛ فما أكثر الظلم حينئذٍ، وما أكثر الفساد، وما أكثر الضلال، وحينئذٍ- فعلاً- يتضاءل حضور الحق في حياة الناس، في مقام العمل به، والالتزام به، وتضيع حقوقهم، الحقوق هي فرعٌ عن الحق، حقوق الناس المشروعة، التي قدَّمها الله لهم، هي تضيع عندما لا يُعمل بالحق، الحق في كل المجالات، والقرارات، والسياسات، هو بأن تكون وفق هدى الله وتعليماته ونوره، الذي هو الصواب، والذي هو الواقع، والذي هو الصحيح، والذي فيه الخير للناس، والذي يحفظ للناس حقوقهم ومصالحهم الحقيقية، وهذا ما يجب أن تكون نظرة الإنسان إلى المناصب، تكون فقط وسيلةً لإقامة الحق ودفع الباطل، دفع الباطل عن الناس، دفع الباطل حتى لا يكون هو المتغلب في واقع الحياة، والمسيطر في واقع الحياة، بما يتفرع عنه من شر، ومنكرات، ومظالم، ومفاسد، والعياذ بالله.
نكتفي بهذا المقدار.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
المصدر: الوحدة نيوز
كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة الدكتور عبدالعزيز المقالح السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي أمیر المؤمنین علی مواقع المسؤولیة الکثیر من الناس فی واقع الحیاة البعض من الناس إلى ذلک المنصب فی تلک المرحلة القرآن الکریم دولة الإسلام هذه المسألة هذا المستوى لا قیمة لها الوصول إلى بالنسبة له إلى المنصب ع ل ى آل ه لا قیمة له لدى الناس رسول الله یکون لدیه ا وصل إلى س ب ح ان ه أن لو کان ت ع ال ى مستوى من البعض قد الناس فی من خلال أن یکون قد یکون یکون هو کیف کان غیر ذلک فی منصب مع الحق فی نفسه أن تکون فی موقع الذی هو ما یحصل الحق فی فی إطار ن الله ما فیه ا یکون ذلک فی ى الله فی هذا إلى أن یرى فی یرى أن کان فی فی ذلک
إقرأ أيضاً:
قائد الثورة : التصعيد الأمريكي على بلدنا لن ينجح ولن يُضعف قدراتنا العسكرية بل يُسهم في تطويرها
الثورة /
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
كلمتنا عن تطورات العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ولاسيَّما بعد أن استأنف عدوانه الشامل على قطاع غَزَّة ناكثاً بالاتِّفاق، مع ما هو عليه من استمرار في جرائمه في الضِّفَّة الغربية وفي القدس، ومساعيه المستمرّة ضد الشعب الفلسطيني؛ بهدف أن يحقِّق مآربه وأهدافه العدوانية في تهجيرهم، وتصفية القضية الفلسطينية.
نحن حرصنا- وبتوفيقٍ من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»- إلى أن نتحرَّك في جبهة الإسناد اليمنية، منذ بداية النكث من قبل العدو الإسرائيلي لاتِّفاق وقف العدوان على قطاع غَزَّة، عندما قام بإجرائه الظالم، الذي هو نكثٌ بالاتِّفاق، وهو من جهةٌ أخرى عدوانٌ ظالم، يتنكَّر لكل الحقوق المعترف بها للشعوب، حينما قام بمنع دخول الغذاء والدواء إلى قطاع غَزَّة، واستمر في هذه الخطوة الإجرامية العدوانية الظالمة إلى الآن، ثم في منتصف شهر رمضان، أو ما بعد ذلك، عاد أيضاً إلى استئناف عدوانه الشامل، بالإبادة الجماعية، والقتل للشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً، بكل وحشيةٍ وإجرام، وهو مستمرٌّ في ذلك إلى الآن.
العدو الإسرائيلي اتَّجه إلى النكث بالاتِّفاق بتشجيعٍ أمريكي، ودعمٍ أمريكيٍ مفتوح، وتبنٍ أمريكيٍ لما يقوم به العدو الإسرائيلي، بالرغم من أن الأمريكي هو ضمينٌ على العدو الإسرائيلي، في تنفيذ ما عليه فيما يتعلق بالاتِّفاق، فلا هو أوفى بالتزاماته في المرحلة الأولى من الاتِّفاق، ولا هو دخل في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتِّفاق، واستكمال ما يتعلق بها من مفاوضات، من خلال الوسطاء المعروفين (القطريين، والمصريين)؛ وإنما اتَّجه بكل عدوانية إلى الاستهداف الشامل، والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة، والمأساة كبيرة، والمظلومية عظيمةٌ جداً للشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، وفي قطاع غَزَّة بما هو أكثر.
بعد العدوان الإسرائيلي بالإبادة الجماعية على مدى خمسة عشر شهراً، والتدمير الشامل لقطاع غَزَّة، واستهداف كل مقومات الحياة في القطاع، كان الشعب الفلسطيني بعد أن بدأ الاتِّفاق، وتنفيذ الاتِّفاق، قد حظي بشيءٍ يسيرٍ جداً من الهدوء واستقرار الوضع، وفي حالة نسبية؛ لأن الوضع صعب أساساً، كل شيءٍ مُدَمَّر، لا يزال الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني تحت الأنقاض، وتحت الركام، ولا يزال الوضع صعباً جداً، لا مأوى للسكن، اتَّجه أبناء الشعب الفلسطيني في القطاع إلى السكن في أطلال منازلهم المُدَمَّرة، وفي ركام بيوتهم المستهدفة أصلاً، التي دُمِّرَت بشكلٍ كامل، والقليل منهم حصل على الخيام ليستفيد منها، البعض منهم لا يزالون في العراء، وفي حالة صعبة للغاية، ومع ذلك يعود العدو الإسرائيلي من جديد، لإلحاق مأساةٍ مُرَكَّبَة على تلك المأساة الحاصلة أصلاً، لإضافة مأساةٍ كبيرةٍ من جديد، مأساة على مأساة.
وهذه المظلومية الرهيبة جداً، والمعاناة الكبيرة، التي اجتمع فيها:
التجويع: الذي كان لفترات طويلة.
ومنع الدواء: وهناك معاناة كبيرة جداً فيما يتعلق بالجانب الصحي.
إضافةً إلى القتل: من خلال الغارات الجوية التي هي مستمرّة، بالأمس في منزلٍ واحد في حي الشجاعية استشهد (خمسة وثلاثين شهيداً) حسب المصادر الطبية، ونحو (خمسين مصاباً)، هذا العدد الكبير في منزل واحد فقط، وفي جريمة واحدة، الاستهداف حتى اليوم كذلك للشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة في الخيام بالغارات الجوية؛ استهداف مستمرّ بالقصف المدفعي، وبإطلاق النار من الآليات العسكرية.
فهناك معاناة كبيرة جداً: القتل من الجو، والبر، والبحر، وكذلك التجويع الشديد جداً.
والمعاناة الكبيرة فيما يتعلق بالمأوى.
فيما يتعلق بمياه الشرب: هناك معاناة كبيرة جداً.
والتفاصيل تظهر في وسائل الإعلام، والمشاهد للمأساة وللمظلومية الكبيرة للشعب الفلسطيني، يمكن لأي مهتم بمتابعتها أن يشاهد الصور والمشاهد المأساوية التي تفوق أي تعبيرٍ وأي وصف، المشاهد الموثَّقة بالفيديو، التي يشاهدها الإنسان، هي ما تكشف للإنسان حجم هذه المظلومية، وفي المقابل حجم الإجرام الصهيوني الأمريكي والإسرائيلي.
ولـذلك تتضاعف المسؤولية على الجميع في مقابل تَعَنُّت العدو الإسرائيلي، الذي بات من الواضح أنه لا يهمه مسألة الأسرى، أصبح واضحاً حتى لدى الكثير من الإسرائيليين أن [المجرم نتنياهو]، وزمرته المجرمة، التي هي الأشد إجراماً على مستوى العالم، أنهم لا يهمهم مسألة الأسرى؛ لأن الاتِّفاق كان كفيلاً بأن يحقِّق هذا الهدف، بدون الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وقتل أطفاله ونسائه، والتدمير الشامل لقطاع غَزَّة، والذي تضمَّنه الاتِّفاق شيءٌ منطقيٌ، وهو في الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني:
مسألة تبادل للأسرى.
ومسألة وقف العدوان، وإنهاء التجويع على قطاع غَزَّة؛ من أجل أن يتهيأ أيضاً إعادة الإعمار للقطاع.
ولكنَّ العدو الإسرائيلي لا يريد ذلك، وما يطرحه هو طرحٌ عدوانيٌ، يُعَبِّر عن الطغيان، والإجرام، والوحشية، والصَّلَف، والتَّعَنُّت بكل وضوح؛ فهو يُهَدِّد بالتصعيد إن لم يتسلم الأسرى بدون صفقة تبادل، وبدون وقفٍ للعدوان، وبدون إنهاءٍ للتجويع، بمعنى: أنه يريد أن ينتزع الأسرى، الذين هم ورقة ضغط عليه، وعلى الداخل بالنسبة لكيانه المجرم الغاصب، وفي نفس الوقت يريد أن يستمر في العدوان، أن يستمر في التجويع، أن يستمر في القتل، دون تَوَقُّف.
إذاً ما الفائدة من إطلاقهم، إذا كان سيستمر- لو تم إطلاقهم- في العدوان، وفي التجويع، وفي الحصار، وفي الاختطاف لأبناء الشعب الفلسطيني، الذين يمارس معهم أبشع أنواع التعذيب في السجون، وينتهك الكرامات والأعراض، وهناك وفيات بشكلٍ مستمرّ.
قضية الأسرى بالنسبة للشعب الفلسطيني هي قضية أساسية، لا يمكن أن يتنازل عنها؛ بالنظر إلى أن الأسرى منه والمختطفين هم أعداد كبيرة (بالآلاف)، وبالنظر إلى أنهم يعانون أشد المعاناة في السجون الإسرائيلية من التعذيب، الذي ينتج عنه شهداء باستمرار، بعد كل فترة يتم الإعلان عن شهيد، ثم هكذا عن شهيدٍ آخر، كذلك ما يظهر من حالات التعذيب البشعة جداً، أمرٌ لا يمكن التغاضي عنه، ولا التجاهل له.
العدو الإسرائيلي يسعى لانتزاع هذه الورقة من (حركة حماس)، وفي نفس الوقت يُصِرّ على أن يستمر في عدوانه، في قتله، وهو طامعٌ أن يحقِّق هدفه- الذي هو هدف خطير جداً- بالتهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غَزَّة، ولو تم له ذلك، لانتقل إلى خطوة التهجير بالكامل من الضِّفَّة الغربية، التي يواصل فيها كل أنواع الاعتداءات:
من قتلٍ بشكلٍ يومي.
من اقتحامٍ للمنازل والبيوت.
من اختطافٍ لأبناء الشعب الفلسطيني.
وكذلك من تجريف وتدمير.
وكذلك من عمليات التهجير، التي هي بشكلٍ من الواضح أنه مدروس، ويهدف إلى التهجير بشكلٍ تدريجي:
ما يفعله في (مخيم جنين)، وفي (طولكرم).
والآن انتقل إلى (مخيم بلاطة) بنفس المنهجية الإجرامية، التي يسعى من خلالها إلى التدمير الواسع، وإلى التهجير القسري للآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، يسلك نفس المسلك في (مخيم بلاطة)، ما عمله في (جنين)، وما عمله في (طولكرم).
ثم ما أقدم عليه فيما يتعلق بإغلاق (مدارس الأونروا) في القدس، وحرمان الشعب الفلسطيني في القدس من التعليم.
إقدامه على هذه الخطوة هو في إطار سياسته العدائية، التي تكشف بكل وضوح، وكانت ولا تزال- في كل المراحل الماضية- تُقَدِّم الشواهد اليومية على أنه:
لا يريد السلام.
لا يريد التسوية السياسية.
لا يريد أن يقبل بأي حلول منصفة أو عادلة.
وأن اتِّجاهه هو عدواني.
وأنه يسعى على الدوام لتصفية القضية الفلسطينية بشكلٍ كامل، في كل ما يتعلق بها، هو حاول أن ينهي تماماً مسألة الحديث عن حق العودة، بالنسبة لأبناء الشعب الفلسطيني الذين هم في الخارج، في الشتات، ويتَّجه- فيما بعد ذلك- إلى محاولة تهجير من بقي منهم في فلسطين، ومساراته واضحة في هذا الاتِّجاه.
وعندما أصبح الأمريكي يتبنى بالمكشوف مسألة التهجير للشعب الفلسطيني، ويُكَرِّرها [ترامب] حتى في هذا الأسبوع، يُكَرِّر حديثه عن التهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غَزَّة، ويقول كلمةً سخيفةً في هذا السياق: [أنه يريد أن يخرجهم من غَزَّة، وأن يحوِّلها إلى أرض يسمِّيها بأرض الحُرِّيَّة]، أي حُرِّيَّة مع تهجير أهلها، واحتلالها، والسيطرة عليها؟! هذا اغتصاب، وليس تحريراً، اغتصاب ظالم، إجرامي، وبلطجة بالمكشوف.
فهذا الاتِّجاه الظالم، الوحشي، الإجرامي، الذي يحظى بتبنٍ أمريكي، وشراكةٍ أمريكية، ودعمٍ أمريكيٍ مفتوح، من الواضح أنه لابدَّ من التَّصّدِّي له، ومن مواجهته، وأن ما يقوم به إخوتنا المجاهدون في فلسطين في قطاع غَزَّة، ومن منهم يتحرَّك في الضِّفَّة أيضاً، من جهادٍ في سبيل الله تعالىٍ، من تصدٍّ للعدو، من عمليات بطولية جهادية، هو الموقف الصحيح الذي لابدَّ منه، في مواجهة الطغيان، والعدوان، والإجرام الإسرائيلي، وأمام هذه الأهداف التي يتحرَّك العدو الإسرائيلي للوصول إليها، فهو يسعى بكل وضوح لإنهاء القضية الفلسطينية بشكلٍ تام.
الإخوة المجاهدون يقومون بدورٍ عظيم، في التَّصّدِّي للعدو الإسرائيلي، ولولا جهادهم، وثباتهم، وما منحهم الله من رعايةٍ ومعونة، لكان العدو الإسرائيلي- بالفعل- قد أكمل تحقيق هذه الأهداف، لكان قد قام بعملية التهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غَزَّة، ثم يتلو ذلك الضِّفَّة… وهكذا، ولكان اتَّجه إلى خطواته الأخرى، المتعلقة أيضاً بالمسجد الأقصى، الذي هو مُقَدَّس من أهم مُقَدَّسات المسلمين، هو- بالنسبة للعدو الإسرائيلي- يهدف إلى تحقيق هذه الأهداف؛ لأنها أهداف أساسية بالنسبة له، أهداف أساسية في مخططاته، في معتقداته، في ثقافته، في استراتيجيته، في كل ما يتعلق به أصلاً، في نشاطه الإعلامي والدعائي، في سياساته… هو يعمل من أجلها، وبكل وضوح؛ فما يقوم به الإخوة المجاهدون- الذين نسأل الله لهم العون، والنصر، والتأييد، والتثبيت- في قطاع غَزَّة، من عملياتٍ جهاديةٍ بطولية، وما قاموا به في كل المراحل، ومن ذلك (عملية طوفان الأقصى)، هو اتِّجاهٌ ضروريٌ، هو مسؤولية، وهو الخيار الوحيد، الذي يمكن أن يحافظ على هذا الحق، وأن تجدي معه أي خيارات أخرى، عندما يكون هناك ثبات، وجهاد، واستبسال؛ يصبح بالإمكان الضغط على العدو الإسرائيلي، وإفشال مؤامراته، وتحقيق نتائج ومكاسب للقضية الفلسطينية؛ لكن في إطار التَّمَسُّك بالثوابت، وفي إطار الموقف العملي الجهادي، الذي يضغط على العدو الإسرائيلي.
ولـذلك من واجب كل الأُمَّة أن تُسْنِد الشعب الفلسطيني، وأن تدعم مجاهديه، الذين يؤدُّون مهامهم الجهادية بثباتٍ عظيم، ثباتٍ منقطع النظير، حتى في هذا الأسبوع: يُنَفِّذون عمليات بالقصف الصاروخي، بعد كل الذي قد عمله العدو الإسرائيلي من قتل وتدمير، وبعد كل ما قد قدَّموه من شهداء، وتضحيات كبيرة، وبالرغم من كل الظروف الصعبة جداً، لا يزالون إلى الآن يُنَفِّذون عمليات بالقصف الصاروخي، ويتصدُّون بكل بطولة في الميدان لمحاولات العدو الإسرائيلي في التَّوَغُّل البري.
هذا الثبات العظيم، وهذه العمليات، تدل على جدوائية وإمكانية الموقف الجهادي، وأنه جديرٌ بأن يحظى بالمعونة، والمساندة، والتأييد، وأنه الخيار الصحيح المجدي، الذي يمكن- برعايةٍ من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وبتأييدٍ من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»- أن يحقِّق النتائج، وأي خيارات أخرى هي خيارات فاشلة:
خيار التسوية: خيار فاشل، ساقط.
خيار الاستسلام: لن يفيد شيئاً أبداً، ولا يمكن أن يدفع لا شرّاً، ولا خطراً، ولا ضُرّاً، ولا يقدِّم أي شيء للأُمَّة: لا للشعب الفلسطيني، ولا للشعوب المجاورة لفلسطين، ولا لبقية الأُمَّة.
الخيار الصحيح هو: خيار الجهاد في سبيل الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
العدو الإسرائيلي- ومعه الأمريكي، الذي هو شريكٌ في الإجرام، وشريكٌ في النكث بالاتِّفاقات التي هو ضمينٌ عليها- مستمرٌّ أيضاً في اعتداءاته على لبنان، ومتنكِّر للاتِّفاق الواضح، ببنوده الواضحة، والتزاماته الواضحة، يتنكَّر لها، ويستمر في الغارات، والاعتداءات، والقتل، والتدمير، يستمر في الاحتلال لمراكز في داخل الأراضي اللبنانية، والآن أصبح الموقف الأمريكي أكثر تَنَكُّراً من أي مرحلةٍ مضت تجاه الالتزامات، التي هي التزامات عليه كضمين، وعلى العدو الإسرائيلي كطرف، التزامات واضحة، أصبح العدو الإسرائيلي يُصَعِّد من اعتداءاته، وينكث بالاتِّفاق:
يُنَفِّذ غارات حتى في الضاحية (في ضاحية بيروت الجنوبية).
يُنَفِّذ غارات في أماكن متفرِّقة.
يقتل ويستهدف بعمليات الاغتيال إخوتنا المجاهدين حتى من (حركة حماس)، من (حزب الله)، يقتل على الانتماء، يعني: ليست المسألة أنه يتعامل مع خروقات، أو إشكالات، أو مع مخاوف مُعَيَّنة، هو يستهدف شخصاً؛ لأنه من (حزب الله)، يستهدف مواطنين في الجنوب اللبناني، يستهدف أشخاصاً؛ لأنهم من (حركة حماس)، يعني: بعيداً عن مسألة الاشتباك على الأرض، أو إشكاليات تتعلق بالموقف على الأرض؛ فهو يتَّجه إلى تصعيد أكبر.
يستبيح الأجواء اللبنانية بشكلٍ مستمرّ، ولا يتوقَّف عن ذلك.
الأمريكي يأتي ليقول: [إن حزب الله سرطان يجب اجتثاثه]، من هو السرطان الذي يجب اجتثاثه؟ هو العدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي الذي يُمَثِّل شرّاً على هذه المنطقة وعلى كل شعوبها، بل يُهَدِّد الأمن والسلم العالمي.
العدو الإسرائيلي، بكل وحشيته، وعدوانيته، وإجرامه، بما قتله من آلاف الأطفال والنساء، بالآلاف، آلاف الأطفال، وآلاف النساء، وما يرتكبه من إبادة جماعية، وما يستهدف به شعوب هذه المنطقة، من قتل، واحتلال للأرض، وانتهاك للعرض، هو الذي يُقَدِّمه الأمريكي على أنه النموذج المثالي، ثم يُوَصِّف أصحاب الحق، الذين يتحرَّكون بحق، ويستندون إلى الحق في موقفهم، الذين هم يدافعون عن النفس والأرض والعرض، وهم أصحاب الحق الواضح الثابت، الذي لا شك فيه، والموقف الحق، الذين يدافعون عن أنفسهم، وعن أعراضهم، والذين يتحرَّكون أيضاً بالقيم، القيم الأخلاقية، والإنسانية، والدينية، يطلق عليهم مثل هذه التوصيفات، التي هي توصيفات تنطبق على العدو الإسرائيلي، فهو السرطان الذي يجب اجتثاثه، هو (الغدة السرطانية)، الذي سمَّاه الإمام الخميني «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ» بـ(الغدة السرطانية)، التي يجب استئصالها، وإذا لم تُستأصل؛ انتشر شرُّها، وترعرعت بشرِّها وفسادها في بقية هذا الجسم، الذي هي غريبةٌ عليه، من هو الغريب في هذه المنطقة، الذي جاء ليحتل، ولينتهك الحرمات، وليقتل، وليدمِّر، وليُهَدِّد هذه المنطقة بكلها في أمنها واستقرارها؟ هو العدو الإسرائيلي، والذي يتبناه، ويتبنى كل جرائمه، ويدعمه بشكلٍ مفتوح، ويُقَدِّم له الحماية؛ ليفعل ما يشاء ويريد من تلك الجرائم، ولينتهك السيادة لهذه البلدان، هو الأمريكي.
فالأمريكي ليس في المستوى الذي يمكنه أن يوصِّف الآخرين بالأوصاف السيئة؛ لأنه هو في سلوكه، وعدوانيته، ومعه العدو الإسرائيلي، من تنطبق عليهم كل مواصفات الشر، والإجرام، والطغيان، والعدوان، والظلم، والباطل، بشكلٍ واقعي، وبتطابقٍ تام؛ أمَّا أن يوصِّف الآخرين، فليس هو في مقام أن يطلق الأحكام على الآخرين.
الإسرائيلي أيضاً فيما يرتكبه في سوريا من جرائم مستمرة، بالقتل، بالغارات الجوية، بالتدمير لقدرات الشعب السوري، بالاحتلال والتَّوَغُّل في الأرض، هو أيضاً يثبت لكل أُمَّتنا، ولكل الشعوب في هذه المنطقة، أنَّه عدوانيٌ، يتحرَّك وفق أطماعه، ووفق مخططه الصهيوني، ولا يراعي أي اعتبارٍ مهما كان، لا يعطي اعتباراً لمسألة أن يأتي من يقابله بتوجهٍ غير عدائي، ويؤكِّد أنه لا يعاديه، وأنه لا يريد معه أي مشاكل، وأنه يريد السلام معه، وأنه يريد التطبيع معه، وأنَّه وأنَّه… مهما كان حجم التودد، ومهما كان مستوى التنازلات، لا تجدي شيئاً مع العدو الإسرائيلي؛ لأنه بالأساس يتحرَّك- كما قلنا- من أجل أطماعه، من أجل مخططه الصهيوني، من أجل أهدافه التي يتحرَّك على أساسها، منذ البداية، منذ يومه الأول، منذ بدأ احتلاله لفلسطين، ولديه مخطط معلن، صريح وواضح، هو: المخطط الصهيوني.
العدو الإسرائيلي في عدوانه آنذاك في عام 56 ميلادي على مصر، قال رئيس وزرائه آنذاك المجرم في الكنيست: [أنَّ الدافع الحقيقي لذلك العدوان هو: العودة إلى الحدود التوراتية]، هم يفترون على التوراة، أنه يريد تحقيق ذلك، يعني: مخططهم الصهيوني [إسرائيل الكبرى]، وعبَّر بذلك، وقاموا كلهم، قاموا للتصفيق له قياماً، وارتاحوا لذلك.
العدو الإسرائيلي يشتغل وفق مخططه الصهيوني؛ لذلك بالرغم من الحالة المعروفة في سوريا، التي هي حالة- فعلاً- لا تحمل أي عداء للعدو الإسرائيلي، ولا تريد معه أي مشاكل، وهي تريد أن تكون على علاقة إيجابية معه، وأن يكون هناك تفاهم فيما بينها وبينه، لكن العدو الإسرائيلي لا يلتفت إلى ذلك، وليس مستعداً أبداً أن يقابل هذه الحالة بإيجابية، وأن يعيد لهم (مرتفعات الجولان)؛ بل احتل المزيد، وصَنَّف- كما شرحنا في الكلمات الماضية- صَنَّف مناطق شاسعة من سوريا في إطار تصنيفاته الباطلة، التي لا تُخَوِّله لا شرعاً، ولا قانوناً… ولا بأي اعتبار، أن يسيطر على بلدان الآخرين، تحت عنوان: [هذه منطقة عازلة، هذه منطقة أمنية، وهذه منطقة تحت عنوان آخر]، كل تلك التصنيفات هو يمنح نفسه بها أن يسيطر على بلدان الآخرين، وحقوق الآخرين، وأرض الآخرين بكل باطل، وبكل وقاحة، وبكل عدوانية.
هو يحاول أيضاً أن يضغط على التركي، فيما يتعلق بمستوى النفوذ التركي، والحضور التركي العسكري في سوريا، العدو الإسرائيلي حتى في هذه المسألة هو يضغط على تركيا؛ لأنه يريد أن يكون له- هو الإسرائيلي- الحصة الأوفر، هو يريد- أصلاً- أن يستفيد من سوريا لتحقيق هدفه بالوصول إلى (نهر الفرات)، وهو يستبيح أيضاً أجواءها بكلها، وبدأ من خلال انتهاكه للأجواء السورية بشكلٍ كامل، واستباحته لها بشكلٍ كامل، بدأ أيضاً يتعدَّى ذلك إلى انتهاك سيادة العراق، والاختراق بالطيران الإسرائيلي لأجواء العراق، وفي نفس الوقت ماذا يعمل الأمريكي؟ الأمريكي يمنع الجيش العراقي من أن يُفَعِّل منظومات الدفاع الجوي، في الاستهداف للطيران الإسرائيلي الحربي، عندما يخترق الأجواء العراقية، يعني: يفرض معادلة الاستباحة.
وهكذا يريد الأمريكي مع كل شعوب المنطقة بكلها، أن يفرض عليها معادلة واحدة، هي: الاستباحة، أن تكون هذه الشعوب، وهذه البلدان، مستباحة الدم، والعرض، والمال، والثروة، والسيادة، لصالح العدو الإسرائيلي، وخاضعةً له بالكامل، العدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي يريدون ذلك، يريدون فرض هذه المعادلة.
هذا من الاستفزاز الكبير جداً، أن يُمنع الجيش العراقي من تفعيل منظومات الدفاع الجوي، حينما يخترق العدو الإسرائيلي أجواء العراق بطيرانه، وشيئاً فشيئاً سيكرِّر العدو الإسرائيلي مثل هذا الاختراق، ثم يوسِّع من مستوى نشاطه؛ لأنها السياسة الإسرائيلية، التي تستخدم أسلوب الترويض مع العرب؛ لأنهم يتقبَّلون حالة الترويض، وجرَّبها العدو الإسرائيلي معهم كأسلوب ناجح، شيئاً فشيئاً يصبح المحظور، الذي ينبغي استنكاره، ومنعه تماماً من اللحظة الأولى، يصبح مقبولاً في مستوى مُعَيَّن، ثم في مستوى أكبر وأخطر، ثم وصولاً إلى مستويات خطيرة جداً؛ حتى تصبح أجواء العراق في يومٍ من الأيام مستباحة بشكلٍ كامل، وبدون أي تردُّد، وبالمقدار الذي يريده العدو الإسرائيلي.
فالعدو الإسرائيلي يعمل ما يعمله في سوريا، وفي هذا درس كبير جداً، بالرغم من أنَّ الطرف السوري، فيما يتعلق بالجماعات المسيطرة على سوريا، تتوسط بالتركي، وتتوسط بالأمريكي، وتستجدي الأمريكي استجداءً، أن يعمل على تفاهمات ما بينها وبين العدو الإسرائيلي، تتوسط أيضاً بالسعودي في هذا السياق نفسه، تتوسط بمن هبَّ ودبَّ؛ ليحاولوا أن يدفعوا بالعدو الإسرائيلي أن يدخل في تفاهمات معها، وأن يتوقَّف عمَّا يفعله؛ حتى لا يحتل المزيد من الأراضي، وأن يتوقَّف عما يقوم به من غارات… وغير ذلك، ولكنه لم يتوقَّف عن ذلك؛ فهو يتحرَّك بهذا المستوى، ولا يعطي اعتباراً لأحد.
مشكلــة العــرب: أنهم لم ينظروا إلى العدو الإسرائيلي ليعرفوه كيف هو، وماذا يفكر به، وماذا يخطط له، وماذا يريد، يتعاملون مع الأحداث كأحداث جزئية، دون حتى السياق الذي وردت فيه، ولا ينظرون إلى العدو هو، من هو هذا العدو:
لا من خلال القرآن الكريم، مع أنَّ الله قد كشفه في القرآن الكريم، في الحديث الواسع جداً عن اليهود، عن عدائهم لهذه الأُمَّة، عن مخططاتهم، عمَّا يريدونه بهذه الأُمَّة، عن خطورة التفريط في المسؤولية الدينية والإيمانية في التصدِّي لشرِّهم، وإجرامهم، وفسادهم، وظلمهم، وطغيانهم، وما يمكن أن يترتب على ذلك.
ولا من خلال الأحداث نفسها.
ولا من خلال القراءة لواقع العدو: ما هو مخططه؟ ما هي ثقافته؟ كيف هي مناهجه التعليمية؟ ماذا يربِّي عليه أجياله…
ولا من أي اعتبار أبداً.
يتجاهلون كل شيء، ويتعاملون مع الأحداث بنظرة محدودة، ثم دائماً يؤكِّدون في بياناتهم، التي هي الشيء الوحيد الذي يصدر عنهم رسمياً، فيما يتعلق بمعظم الأنظمة، بيانات، فيها تأكيد على تمسُّكهم- حسب ما يقولون- بخيار السلام، وخيارات التسوية، وخيارات المبادرة العربية، التي رُفِضَت أساساً، بالرغم من كل ما قدمته من تنازلات، رُفِضَت من يومها الأول، ولم يقبل بها العدو الإسرائيلي أصلاً.
العدو الإسرائيلي هو يستبيح هذه الأُمَّة، يستبيح الشعوب الأخرى، يعتبرها مباحةً لهم، وفي نفس الوقت مع ذلك يحمل عداءً شديداً لهذه الأُمَّة، التي يعتبرها مباحةً له، مباحةً في الإبادة والقتل، يستبيح قتل الأطفال، والكبار والصغار، والنساء والرجال… والكل، وفي نفس الوقت يحمل حقداً شديداً، عداءً شديداً، بيَّن الله مستوى حقدهم، عندما قال: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82]، عندما قال عنهم كذلك: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران:119]، أي عدوٍ لك، أي خصم لك، يَعُضّ أنامله عليك من الغيظ، في خلواته وجلساته السِّرِّيَّة، وهو يتآمر عليك؟! هم إلى هذا الحد من مستوى الحقد الشديد مع الاستباحة التامة.
{لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}[آل عمران:75]؛ ولـذلك هم ينظرون نظرة احتقار، هم لا يعتبرون هذه الأُمَّة لا رجالها، ولا نساءها، ولا قادتها، ولا حكوماتها، ولا مثقفيها، لا يعتبرونهم بشراً حقيقيين؛ وإنما أشباه بشر، وأشكال بشر، وإلَّا فهم يعتبرونهم ويصنِّفونهم في تصنيفاتهم ببقية الحيوانات، ولا يحترمونهم حتى كالحيوانات الأخرى.
لديهم نصوص فيما حرَّفوه من الكتب، التي يسمُّونها بـ[كتب العهد القديم]، ولديهم [التلمود] أيضاً، الذي هو مليءٌ أيضاً بالشحن، الذي هو شحن قائم على الازدراء للآخرين، الاحتقار لإنسانية الآخرين، وعدم الاعتراف بها أصلاً، وكذلك التحريض للآخرين، حتى من يواليهم، الله قال: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران:119]، هم في نظرتهم إلى من يواليهم، ماذا يقولون؟ لديهم هذه النظرة، التي تعبِّر عن: أنَّ هؤلاء ليسوا بشراً؛ إنما حيوانات تُستغل.
في [التلمود] نفسه عبارة: [الأمميون هم الحمير، الذين خلقهم الله ليركبهم اليهود، وكل ما نَفِقَ منهم حمار، ركبنا حماراً آخر]، هذا نص من نصوصهم، كم معهم من النصوص التي كلها احتقار وازدراء، ونصوص أخرى استباحة صريحة، هذا ينطبق على من؟! على من يواليهم، هم يعتبرون من يواليهم أنه مجرَّد حمار، يركبونه، يستغلونه، حتى ينفق، يعني: يهلك، يموت، يستغلونه أسوأ حالات الاستغلال، ويمكن أن يقضوا عليه هم، في أي مرحلة يرون أن ذلك يُمَثِّل مصلحةً لهم، ثم يبحثوا عن حمار آخر، هم بهذه النظرة من الازدراء حتى تجاه الذين يوالونهم.
أمام هذا الطغيان، والإجرام، والتَّعَنُّت، والوحشية، والمشاهد المأساوية الرهيبة، التي تأتي يومياً في فلسطين: في قطاع غَزَّة، في الضِّفَّة… في سائر أنحاء فلسطين، في غَزَّة بشكل كبير جداً، مأساة رهيبة، إبادة جماعية، تجويع شديد جداً، ومعاناة لا مثيل لها، هناك مسؤولية على الجميع في التَّحَرُّك الجاد، في التَّحَرُّك الفاعل، ويجب- فعلاً- التذكير بهذه المسؤولية، التذكير بهذه المسؤولية بشكلٍ يومي، بشكلٍ مستمر، بشكلٍ مكثف.
هناك مسؤولية على المستوى العالمي، مسؤولية إنسانية، بدأت بعض المظاهرات تخرج في بعض الدول، لابدَّ من تكثيف المظاهرات، لابدَّ من تكثيف النشاط الإعلامي، والأنشطة المتنوعة، حتى على مستوى النشاط الجامعي، وإن كان هناك سعي في الغرب من جهة الأنظمة لمنع الأنشطة الشعبية، والأنشطة الجامعية، لكن لابدَّ أن يكون هناك نشاط كبير.
في هذا السياق، نأمل من الجاليات اليمنية، وبقية الجاليات العربية والإسلامية، وكذلك العرب والمسلمون، الذين هم مقيمون في الدول الغربية، أن يتحرَّكوا، وأن يستنهضوا كل من بقي له ضميرٌ إنساني؛ ليتحرَّك معهم، هذه قضية إنسانية، يجب أن يكون الصوت الإنساني العالمي حاضراً لمساندة الشعب الفلسطيني بشكلٍ مكثف، بمستوى حجم هذه المأساة، والمعاناة، والمظلومية الكبيرة.
هناك مسؤولية كبيرة على المسلمين جميعاً، والعرب في المقدِّمة، في أن يتحرَّكوا بِجِدِّيَّة، باهتمامٍ كبير، التفريط في هذه المسؤولية له عواقب خطيرة عليهم، هذا بحد ذاته يُشَجِّع العدو عليهم، يرى فيهم أُمَّةً ميتة، أُمَّةً مستسلمة، أُمَّةً أفلست من قيمها الإنسانية، وقيمها الأخلاقية، وفي نفس الوقت لم تعد تأبه حتى بأمنها القومي، ولا بمصالحها الحقيقية، تفرِّط في كلِّ شيء، ولم يبق لديها اهتمام لا من منطلق الحفاظ على دين، ولا دنيا؛ ولا دنيا، ولا آخرة، يرى فيها أُمَّة تخلَّت عن كل شيء.
ولـذلك ينبغي أن يكون هناك تذكير، وأن يسهم في عملية التذكير بهذه المسؤولية، كل من بقي لديه إحساس بإيمان، بدين، بإنسانية، بأخلاق، بقيم، بهوية وانتماء، أن يحاول أن يذكِّر بهذه المسؤولية، وأن يكون هناك استنهاض مستمر، مع الحالة اليومية من الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والمأساة المتكررة، والمأساة التي قد بلغت إلى مستوى رهيب جداً، لا يجوز أبداً التعامل معها بملل، ولا التعامل معها بفتور، ولا بتجاهل، يجب أن يكون هناك استنهاض على كل المستويات، وتجاه التَّحَرُّك الشامل:
التَّحَرُّك الإعلامي، وبوسع كثيرٍ من أبناء الأُمَّة أن يفعلوا ذلك، وفي الوسط الإعلامي نفسه، هناك مجال واسع للتحرُّك لخدمة هذه القضية، هذه المظلومية.
وعلى المستوى الثقافي والفكري.
وعلى مستوى الخطاب الديني والمساجد… وعلى كل المستويات.
في تفعيل المقاطعة على نطاقٍ واسع، ولاسيَّما في الشعوب التي لديها إقبال على المشتروات الأمريكية، على البضائع والمنتجات الأمريكية والإسرائيلية، يجب أن يكون هناك نشاط كبير للمقاطعة… على كل المستويات.
الدعم بالمظاهرات، بالخروج الشعبي، في كل الدول التي يمكن أن يتهيأ فيها ذلك.
فيمــا يتعلـق ببلدنـــا: جبهة الإسناد اليمنية تحرَّكت- كما قلنا- منذ البداية، ولم نتوانَ- بفضل الله وتوفيقه- عن هذا التَّحَرُّك، الذي هو مسؤولية دينية، وإنسانية، وأخلاقية:
شعبنا العزيز خرج أيضاً خروجاً مليونياً عظيماً في شهر رمضان المبارك، في (ذكرى غزوة بدرٍ الكبرى)، وفي (يوم القدس العالمي).
الأنشطة التثقيفية، وكذلك أنشطة التعبئة: هي مستمرة، وإن شاء الله ما بعد شهر رمضان ومن الآن تتصاعد كل الأنشطة؛ لتكون في مستوى عالٍ جداً.
فيما يتعلَّق بالإسناد العسكري: العمليات مستمرة، سواءً فيما كان منها عمليات بالقصف الصاروخي، وبالمسيَّرات، إلى فلسطين المحتلة ضد العدو الإسرائيلي، أو في منع الملاحة الإسرائيلية في (البحر الأحمر، وخليج عدن، والبحر العربي).
المسارات العسكرية مسارات قوية، وفعَّالة، وبحمد الله تعالى هناك نجاح تام في منع الملاحة الإسرائيلية، يعني: العدو الإسرائيلي توقَّف تماماً، وصل إلى يأس في أنَّ بإمكانه الملاحة عبر البحر الأحمر، ميناء [إيلات] لا يزال مهجوراً، ولم يعد بإمكانية العدو الإسرائيلي أن يستفيد منه، وهذا نصرٌ عظيم.
لفاعلية الموقف اليمني، ولأنه بهذا المستوى المتكامل: عسكرياً، وشعبياً، وبكل المستويات، ورسمياً… وفي كل المجالات، لفاعلية هذا الموقف، يحاول العدو الأمريكي أن يضغط بكل ما يستطيع؛ للتأثير على مستوى هذا الموقف؛ ولـذلك شنَّ عدوانه وتصعيده في جولة جديدة من العدوان على بلدنا، ويحاول أن يُكَثِّف في عدوانه، وأن يضغط باستهداف الأعيان المدنية.
الأمريكي بالرغم من كل ما قد نفَّذه خلال هذه الفترة، منذ أن استأنف جولته، التي هي جزءٌ من المعركة التي ينفِّذها العدو الإسرائيلي، يعني: الأمريكي والإسرائيلي هما في معركةٍ واحدة: تستهدف الشعب الفلسطيني، تستهدف لبنان، تستهدف سوريا، تستهدف هذه الأُمَّة، وتستهدف بلدنا أيضاً، فالأمريكي هو في نفس المعركة، عمله هو شراكةٌ مع العدو الإسرائيلي، حمايةٌ للعدو الإسرائيلي، إسنادٌ للعدو الإسرائيلي، هو حاول أن يوفِّر الحماية للعدو الإسرائيلي، وأن يمنع عنه هذه العمليات العسكرية التي تأتي من اليمن، والتي هي عمليات مؤثِّرة، العدوان الأمريكي، والتصعيد الأمريكي شاهدٌ على فاعلية الموقف اليمني، ومدى تأثيره على العدو الإسرائيلي؛ لأن له:
تأثير اقتصادي.
تأثير على المستوى الأمني.
وتأثير على المستوى العسكري.
وتأثير على المستوى الاستراتيجي.
وهذه الحالة حالة مقلقة جداً للأعداء، فالأمريكي بالرغم من كل تصعيده؛ فشل في أن يؤمِّن من جديد الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي، فشل في ذلك، لم ينجح أبداً، لم يتمكن ولن يتمكن- بإذن الله تعالى- من إضعاف القدرات العسكرية، بل يقيناً، وقطعاً، ونطمئن شعبنا العزيز، ونطمئن كل الأحرار من أبناء أُمَّتنا وفي العالم، أنَّه يسهم في تطويرها أكثر فأكثر، والمسار تصاعديٌ في ذلك، وتشهد الأحداث نفسها، والعمليات المستمرة على مدى خمسة عشر شهراً في (معركة طوفان الأقصى)، أنَّ المسار تصاعدي؛ ولـذلك جبهة الإسناد اليمنية، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، هي جبهة فاعلة، بقيت فاعلة، وتبقى فاعلة ومؤثِّرة بشكلٍ تصاعدي بإذن الله تعالى.
الأمريكي لا هو تمكَّن من تأمين الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي، وإعادة تشغيل [إيلات]، أو ميناء أم الرشراش، بالشكل الذي يؤمِّله ويريده العدو الإسرائيلي، كما كان قبل (عملية طوفان الأقصى)، ولا هو أيضاً تمكَّن من إيقاف العمليات الصاروخية، والمسيَّرات إلى فلسطين المحتلة، ولن يتمكن من ذلك بإذن الله تعالى، وفي نفس الوقت لن يُضعِف القدرات العسكرية، بل يسهم في تطويرها أكثر، ولن يُضعِف الوضع العسكري في هذا البلد؛ لأنه وضعٌ متين، يستند إلى أسس إيمانية، وإلى جذور عميقة جداً، جذور شعبية واسعة جداً، وهناك- بحمد الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»- التفاف شعبي كبير جداً حول هذا الموقف، هذا موقف يعبِّر عن إرادة شعبنا اليمني، لم يُفرض على هذا الشعب، لم يُجبر هذا الشعب على هذا الموقف؛ بل شعبنا العزيز هو- بنفسه- يتطلَّع إلى مواقف أكثر فاعلية ضد العدو الإسرائيلي، وحتى ضد العدو الأمريكي، هو شعبٌ ينطلق من منطلق هويته الإيمانية، وانتمائه الإيماني.
العدوان الأمريكي، والتصعيد الأمريكي- في نفس الوقت- لن يؤثر أبداً على إرادة هذا الشعب، على معنوياته الإيمانية العالية، على توجهه الجهادي القرآني الواعي، الثابت، الذي لا يتزحزح بفعل العدوان والتصعيد.
التصعيد الأمريكي هو يكشف حقد العدو الأمريكي وفشله معاً؛ لأنه اتَّجه إلى استهداف الأعيان المدنية:
يستهدف خزانات المياه، ماذا يعني استهدافه لخزانات المياه (مياه الشرب)؟ كما فعل في الحديدة في الصليف، وفي صعدة… وفي مناطق أخرى، حتى في جزيرة كمران، استهدف فيها خزانات مياه التحلية، وكذلك المعدِّات التي يعتمد عليها، منها: المولدات الكهربائية، التي تستخدم لتحلية المياه، استهدفها الأمريكي، ماذا يعني ذلك؟
استهدف المرافق الصحية.
يستهدف مرافق خدمية أخرى.
يستهدف الأطفال والنساء، باستهدافه للمنازل في الأحياء السكنية، كما فعل في الحديدة مؤخَّراً، وكما فعل في صنعاء، وكما فعل في عِدَّة محافظات.
ماذا يعني ذلك؟ يعني: أنه فاشل، فلأنه فشل في إضعاف القدرات العسكرية، وهو يعترف- عن طريق مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية وفي غيرها- يعترف بفشله في إضعاف القدرات العسكرية، يعترف بفشله في منع العمليات العسكرية، يعترف بفشله في تأمين الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي، والواقع مع الاعترافات يشهد بذلك، الواقع الفعلي والعمليات بنفسها تدل على فشله.
يستخدم في تصعيده قاذفات القنابل، التي تأتي من قاعدة في المحيط الهندي، ويكثِّف من هذا التصعيد، ولكنه مع كل ذلك فاشل، وسيبقى فاشلاً؛ لأنه في موقف البغي، والظلم، والطغيان، والإجرام، وهو يريد أن يفرض على هذه الأُمَّة معادلة الاستباحة، ولن ينجح في ذلك مع شعبنا العزيز، لماذا؟ لأن شعبنا ينطلق من منطلق إيماني؛ ولـذلك روحيته المعنوية عالية جداً، وثباته على موقفه لن يتزحزح أبداً.
يمكن للأمريكي أن يحطِّم بقاذفات القنابل منزلاً، ويرتكب جريمةً لقتل من فيه من الأطفال والنساء، ولكنه بذلك لا يتمكن أبداً من تحطيم الروح المعنوية لشعبنا العزيز؛ لأنها مستمدةٌ من إيمانه بالله، من يقينه وثقته وتوكله على الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، مستمدةٌ من السكينة، التي يمنحها الله لعباده المؤمنين، {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}[الفتح:4].
شعبنا العزيز لن يتأثَّر لا بالإرجاف والتهويل، مهما حاولت الأبواق الإعلامية، التي ينفخ فيها الشيطان، ينفخ فيها الأمريكي والإسرائيلي، في محاولة للإرجاف والتهويل، شعبنا العزيز بمنطلقه الإيماني، هو على مستوى عالٍ من الوعي، والبصيرة، واليقين، والثقة بالله تعالى، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:173]، النتيجة هي هذه: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}، زادهم إيماناً بكل ما تعنيه الكلمة؛ لأن العدو أثبت- فعلاً- أثبت بشكلٍ واضح مدى فاعلية هذا الموقف الذي تحرَّك فيه شعبنا العزيز، أنَّه موقفٌ فعَّال، موقفٌ عظيم، موقفٌ مؤثِّر بكل ما تعنيه الكلمة؛ ولـذلك لم يتحمله العدو، لم يطقه، ويحاول أن يوقفه، يحاول أن يتخلَّص من هذه الجبهة؛ لأنها جبهة فاعلة، جبهة قوية، جبهة مؤثِّرة، فهو يسعى للخلاص منها، ومع ذلك يفشل، شعبنا العزيز يزداد يقيناً بأهمية هذا الموقف، وأنَّه الموقف الحق، في مقابل ذلك الباطل، الباطل بكل أشكاله.
العدو الإسرائيلي، والعدو الأمريكي، في عدوانهما، وطغيانهما، وإجرامهما، ووحشيتهما، وما يسعيان له: من احتلال، من مصادرة للحقوق، من تدمير لهذه الشعوب، من احتلالٍ لأوطانها، ونهبٍ لثرواتها، وطمسٍ لمعالم دينها، وسيطرةٍ على مقدَّساتها، وتدمير لمقدَّساتها… وسائر بقية الأهداف؛ هما في موقف البغي، والظلم، والباطل، والشر، والفساد، والإجرام؛ هو عقيدة، وخطة، ومنهج، وسياسة، وفكر، وثقافة بالنسبة لهم؛ وهو ممارسة عملية، فهم باطل الباطل؛ وشعبنا في موقف الحق، يفتخر ويتشرَّف بأنَّه في الموقف الحق بكل الاعتبارات: الحق الإنساني، الحق الديني، الحق بمعيار القيم والأخلاق، بمعيار حتى القوانين والمواثيق والأعراف… بكل الاعتبارات، على حقٍّ واضحٍ صريح؛ ولـذلك هو يتشرَّف بأنه في هذا الموقف، الذي يواجه فيه ذلك الباطل، وذلك الشر، وذلك الطغيان، وذلك الإجرام، وذلك الكفر، وتلك الجبهة الشيطانية، التي تتجلَّى فيها كل أحقاد الشيطان، ومساعيه ضد الإنسانية: من إضلال، من إفساد، من إجرام، من ظلمٍ وعدوان.
فشعبنا العزيز هو في إطار موقفه الإيماني، وانتمائه الإيماني، وهو في ميدان المواجهة هذه لا يتأثر أبداً بما يمتلكه الأعداء، ولا بعروضهم، هو يحذو حذو أسلافه الأوائل، في خط الإسلام، ونهج الإسلام العظيم، النماذج الإيمانية الراقية في تاريخ المسلمين، من مثل من قال الله عنهم: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب:22]؛ فلـذلك لا من خلال الإرجاف والتهويل، ولا من خلال أن يعرض العدو ما يمتلكه من إمكانات، أو أن يتظاهر بإمكاناته وتحالفاته، كل هذا لن يؤثِّر على هذا الموقف؛ لأنه موقف يستند إلى الاعتماد على الله، والثقة بالله، والتوكل على الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهذه الإرادة الإيمانية، وهذا الوعي، وهذه الروح المعنوية الإيمانية، لا تنكسر أيضاً حتى بالتضحية في سبيل الله؛ لأن التضحية هي جزءٌ من الجهاد، عندما نجاهد في سبيل الله نحن نقدِّم الشهداء، وهذا في كل تاريخ الأنبياء، وفي صدر الإسلام، كانت دائماً تقدَّم الشهداء في كل مسيرة الحق والجهاد في سبيل الله، ولكن {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران:146].
من ميزة الموقف الإيماني: أنَّه قويٌ، صُلبٌ، فولاذيٌ؛ في الإرادة، والثبات، ومستوى الصبر، في مواجهة أعتى التحديات، وأشد المواجهات، وأكبر المواقف، ليس موقفاً هشاً، يتزعزع أمام أي عاصفة، أو أمام أي تحدٍ، أو أمام أي عدو، هو موقفٌ ثابت؛ لأنه يستند إلى الحق، إلى الوعي، إلى البصيرة، إلى الإيمان، الإيمان بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويستند إلى البصيرة في نفس الوقت، يستند إلى البصيرة، البصيرة تجاه ضرورة هذا الموقف، ما هي الخيارات الأخرى؟ ما هي الاتجاهات التي تمثِّل بديلاً عن هذا الاتِّجاه الجهادي، القرآني، الإيماني، الذي هو سبب للرعاية الإلهية، الذي هو سيرٌ في الاتِّجاه الذي وعد الله فيه بأن يكون مع من يتحرَّك فيه؟ البدائل الأخرى هي:
خيارات استسلام، وخيارات خضوع.
أو خيارات ولاء، خيارات من تلك الخيارات التي تحقق لليهود ما يقولونه، عن أنَّ الآخرين [خلقوا حميراً بأشكال بشر ليركبوهم، كلما نفق حمار، ركبوا حماراً آخر].
ليست هذه الخيارات واردة أبداً عند شعبنا العزيز، لا يمكن أن تكون مقبولةً عند أحرار هذا الشعب، الذين انطلقوا بانطلاقة الإيمان، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون:8].
إذا كان هناك من أبناء الأُمَّة، من بعض حُكَّام الأنظمة، وبعض العملاء، وبعض القوى التي قد ترتضي لنفسها خياراً كهذا: أن تحقق لليهود خيار الاستحمار؛ فنحن في اليمن، في يمن الإيمان، الذي قال عنه رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، لدينا خيار أن نكون أسوداً في مواجهة أولئك الأعداء، أسوداً وليس حميراً كخيار الآخرين، الذين يقبلون بخيار الاستحمار، أن نتحرَّك كمجاهدين في سبيل الله، نحظى برعايةٍ من الله، في إطار وعده الصادق الذي لا يتخلف أبداً: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7]، أن نتحرَّك بِعِزَّة وشرف.
وحينما نقدِّم التضحيات، ونحن في إطار الموقف الذي ارتضاه الله لنا، والذي هو في ميدان عِزَّة وشرف، وموقفٌ نفتخر به، ونعتز به؛ فهي تضحيات في محلِّها، تضحيات مثمرة، ليست كحال من قد يرتضون لأنفسهم خيار الاستباحة: أن يُضربوا ولا يَضرِبون، أن يُقتَلوا ولا يَقتُلون، أن يُدَمَّروا ولا يجيبون، كمثل ما يحصل فعلاً، يعني: ما يحصل في سوريا هو قبول بمعادلة الاستباحة، أن يقتلهم العدو الإسرائيلي دون أي ردة فعل، أن يدمِّر دون أي ردة فعل؛ هنا الخيار مختلف، الخيار قرآني، إيماني، إنساني، خيار الشرف، خيار الإيمان، خيار الرجولة والثبات.
نحن نستند إلى بصيرة القرآن، التي يشهد لها الواقع، ونثق بالله تعالى في هدايته، كما نثق به في وعده، نثق به في وعده بالنصر، حينما نتحرَّك وفق ما هدانا إليه، وفق ما أمرنا به؛ لم يأمرنا بالسكوت، لم يأمرنا بالاستسلام؛ أمرنا بالجهاد، بالقتال في سبيله، بالتَّحَرُّك في سبيله، فنحن نتحرَّك وفق هدايته، بثقةٍ بأن ما هدانا إليه هو الخيار الصحيح، والقرار الصحيح، والاتِّجاه الصحيح، وفي نفس الوقت وثقنا بوعده؛ لأنه وَعَد حينما نتحرَّك على أساس هدايته أن ينصرنا: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:47]، هو ضمن النصر حينما نتحرَّك على أساس الاستجابة له.
ووعود الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» ليست كالمعلبات التي لها تاريخ انتهاء، مؤقتةً بعصر صدر الإسلام، هي وعود سارية المفعول في كل زمانٍ ومكان، ليس لها تاريخ انتهاء، انتهت صلاحيتها في السنة الثانية عشر من الهجرة، أو السنة الخامسة عشر من الهجرة، أو الحادية عشر من الهجرة، أو في القرن الأول، أو القرن الثاني الهجري، أو في قرنٍ من القرون الماضية، وعود الله سارية المفعول في كل زمانٍ ومكان.
وفي مقابل الشر الأمريكي والإسرائيلي، وذلك الطغيان، وذلك الإجرام، وذلك الفساد، وذلك الظلم، جبهة ضلال، كفر، شر، جرائم، مفاسد لا مثيل لها، من يتحرَّك في مواجهة كل ذلك، استجابةً لله، إيماناً بالله، ثقةً بالله، توكلاً على الله، وفق توجيهات الله وتعليماته؛ فليطمئن، ليتحرَّك بثقة، ليتحرَّك باطمئنان، هو الاتِّجاه الصحيح الذي يفيد ويجدي، للدنيا والآخرة، وبكل الحسابات والاعتبارات، البديل عن ذلك هو: القبول بمعادلة الاستباحة.
السياسات الأمريكية هي في حالة تخبُّط، كما أشرنا، وكما هو الحال السائد عالمياً الآن، ماذا يفعل [ترامب] الأحمق؟ حرب تجارية مفتوحة، حرب تجارية ضد أكثر من ستين دولة، في مقدِّمتها: البلدان المتحالفة مع أمريكا، المتعاونة مع أمريكا:
حرب تجارية شملت الأوروبيين، وأدخلتهم في إشكالية كبيرة في وضعهم الاقتصادي والمعيشي.
وحرب تجارية مع الصين، حرب ساخنة جداً، هي الأشد مع أي طرف آخر، هي مع الصين بمستوى أكبر من أيِّ طرفٍ آخر، وستستمر مع الصين إلى مستوى مُعَيَّن، وصل الحال أنَّ الرسوم في التعرفة الجمركية ضد الصين بلغت 125%، يعني: مضاعفة بشكل كبير جداً.
اليابان نفسها، التي كانت على علاقة كبيرة بالأمريكي، دخلت أيضاً في إشكالية كبيرة، ولا زالت مستمرةً فيما يتعلق بموضوع السيارات وغيرها.
يعني: حرب تجارية مفتوحة، وأحياناً يُعَلِّق، وأحياناً ينفِّذ، وأحياناً… قرارات مضطربة؛ أثَّرت حتى على الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير، وأدخلته في حالة من عدم الاستقرار وعدم الاطمئنان، حالة اهتزاز واضطراب وتقلُّب، يقولون في أمريكا- شخصيات سياسية، ومسؤولون أمريكيون- يقولون: [أنه القرار الأغبى في تاريخ أمريكا].
أنت أمام هذه العقلية، أمام هذا الوضع في أمريكا، يعني: جهة لا ينبغي أن يتَّجه العالم للتماهي معها وفق توجّهاتها، هي تتَّجه بسياسة: الابتزاز، الاستغلال، الضغوط، الاحتلال، المصادرة لحقوق الآخرين، الضغط على الوضع العالمي بكله، هي سياسات رعناء، وحمقاء، ارتجالية، مزاجية، مضطربة، ناشئة عن حالة الأطماع الهائلة، وهناك مشاكل في نفس الوقت، في الوضع الأمريكي مشاكل عميقة جداً، لا يمكن حلها بمثل هذه التصرفات، التي هي ابتزاز.
هذا هو درسٌ للعرب، درسٌ مهمٌ للعرب؛ لأن ما حصل حتى للأوروبيين وغيرهم، وستستمر هذه الإشكالية، والوضع المضطرب في الموضوع الاقتصادي والتجاري، مع حتى من لهم صلة بأمريكا أكثر أهمية للأمريكيين من العرب، النظرة إلى العرب هي نظرة احتقار، ازدراء، استغلال… وغير ذلك.
مع كل حال لا ينبغي أن يطغى الانشغال بالحرب التجارية على الاهتمام بالقضية الفلسطينية، بل ينبغي أن تكون حافزاً للاهتمام بها؛ ولـذلك ينبغي تكثيف النشاط في كل الاتِّجاهات عالمياً.
في بلدنا- إن شاء الله- تستأنف كل الأنشطة؛ لتكون في مستوى عالٍ جداً، ومنها: الخروج المليوني الأسبوعي لشعبنا العزيز، هذا هو من أهم الأنشطة الشعبية في دعم القضية الفلسطينية، ولأن الخروج المليوني في اليمن أسبوعياً، على مدى خمسة عشر شهراً، لا مثيل له في أي بلدٍ في العالم، وخروج عظيم، يقدِّم دعماً مهماً لهذه القضية والمظلومية، ويقدِّم صوتاً شعبياً كبيراً بارزاً لا مثيل له في أي بلدٍ آخر في العالم، ونموذج ملهم، مشجِّع، محفِّز، وصوت كبير، وحضور مهم جداً.
ولـذلك نأمل أن يستأنف شعبنا العزيز هذا الحضور في هذا الأسبوع إن شاء الله، وأن يواصل هذا الحضور الواسع جداً، وهو في هذه المرحلة، في مواجهة التصعيد الأمريكي المساند للعدو الإسرائيلي، له أهمية كبيرة جداً، ويترتب عليه- إن شاء الله- نتائج مهمة ومؤثِّرة، وهو جهادٌ في سبيل الله، هذا الحضور المليوني الأسبوعي هو جهادٌ في سبيل الله تعالى، هو- في نفس الوقت- له تأثير كبير، أهمية كبيرة جداً؛ ولـذلك ينبغي الحضور بشكلٍ واسع، وأن يدرك الجميع أهمية ذلك، وفي هذه المرحلة بالذات، لهذا أهمية كبيرة جداً في التعبير عن الثبات على الموقف، جزء مهم من الموقف، وفي هذه المرحلة له أهمية قصوى.
ولـذلك أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني غداً إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات، وأن يهتفوا من جديد للشعب الفلسطيني، وهو في تلك المأساة، وتلك العزلة، وتلك المعاناة: ((لستم وحدكم، الله معكم، ونحن نخوض هذه المعركة بكل ثبات إلى جانبكم، ونحن في مواجهة العدوان الأمريكي في نفس المعركة، وفي نفس الموقف)).
نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُعَجِّلَ بِالنَّصْرِ وَالفَرَجِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيّ المَظْلُوم، وَلِمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.
وَنَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛