عزل إسرائيل دوليا وكشف جرائمها.. شهادة نجاح للدبلوماسية المصرية
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
على قدم وساق تتحرك الدولة المصرية لوقف العدوان على غزة، ومحاصرة الاحتلال الإسرائيلى دبلوماسياً.. فمنذ السابع من أكتوبر 2023، حرصت القيادة السياسية على التأكيد على موقف مصر الثابت تجاه ما يحدث، وأطلقت التحذيرات من مغبة الجرائم الإسرائيلية المتواصلة على أمن واستقرار المنطقة.
وبالتزامن مع هذه التحذيرات كانت التحركات الدبلوماسية تسير فى مساراتها المتعددة، التى وصفها خبراء بـ«الذكية والصادقة» فى مواجهة جرائم حرب متواصلة ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلى فى حق المدنيين العزل فى قطاع غزة، هذه التحركات تؤكد اضطلاع مصر بدورها التاريخى والمعهود تجاه القضية الفلسطينية، التى تعتبرها الدولة المصرية «قضية القضايا».
ومنذ بداية الأحداث حرصت مصر على أن تؤكد على مجموعة من النقاط المهمة كركيزة أساسية لموقفها مما يحدث فى قطاع غزة، أبرزها رفض عملية قتل المدنيين التى اتسمت بها هذه العمليات، وأن ما تقوم به إسرائيل قد تجاوز مسألة الرد المتوقع فى مثل هذه الحالات، إضافة إلى رفض سياسة العقاب الجماعى التى تنفذها إسرائيل فى قطاع غزة، التى أدت إلى معاناة سكان غزة من كوارث إنسانية غير مسبوقة.
وفى أكثر من مناسبة أكدت مصر أنها لم تغلق معبر رفح من أجل دخول المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، وأن المشكلة تكمن فى أن إسرائيل هى التى قصفت المعبر الفلسطينى، ومن ثم يتعثر مرور المساعدات إلى داخل القطاع، كما أكدت رفضها التام لسياسة التهجير القسرى لسكان القطاع، حيث إن العمليات الإسرائيلية تدفع بقوة فى هذا الاتجاه.
محددات «القاهرة» فى القضية الفلسطينية: «رفض التهجير وإنهاء العدوان وحل الدولتينومن بين محددات الموقف المصرى رفض تصفية القضية الفلسطينية أو حلها على حساب مصر، وأن المساس بالأمن القومى يعد خطاً أحمر، كما اعتمدت فقه الأولويات من خلال التركيز على الملفات ذات الأولوية الملحة، متمثلة فى المساعدات الإنسانية العاجلة والوقود وصولاً إلى الهدنة الإنسانية المؤقتة، ثم لاحقاً الملفات الاستراتيجية مثل استئناف عملية السلام للتوصل إلى تسوية سياسية عادلة للقضية الفلسطينية، قائمة على مبدأ حل الدولتين بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل.
وفى أكتوبر العام الماضى، دعت القيادة السياسية إلى عقد قمة سلام فى القاهرة، حيث شارك فى أعمال القمة 31 دولة من مختلف أنحاء العالم و4 منظمات إقليمية ودولية، وتم التأكيد خلالها على ضرورة التوصل إلى حل لهذه الأزمة، مع أهمية مراعاة الأبعاد الإنسانية والقانونية والالتزام بها خلال العمليات، بالإضافة إلى ضرورة التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، استناداً إلى مبدأ حل الدولتين.
وحرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على ألا تكون القمة مجرد تجمع للرؤساء والملوك والأمراء وإلقاء كلمات للخروج من الأزمة الحالية، بل استندت إلى ثلاثة أسس رئيسية، الأول دخول المساعدات الإنسانية للقطاع، والثانى التوصل إلى تهدئة بين الجانبين، والثالث المفاوضات السياسية، التى تؤدى إلى حل الدولتين.
وأسهمت المحددات التى رسمتها الدولة المصرية لموقفها منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، والجهد الكبير الذى بذلته بأشكاله المتعددة، فى تحقيق نجاحات واختراقات مهمة حتى الآن فى هذا الصراع، وذلك عبر إدخال المساعدات وإدخال الوقود، كما أسهمت الجهود المصرية فى إعادة وضع القضية الفلسطينية من جديد على أجندة المجتمع الدولى وفقاً لرؤية شاملة لا تقتصر فقط على إدارة القضية.
«فهمى»: التحركات المصرية أعادت القضية للساحة الدولية ونوّهت بالمخاطر التى تواجه «القضية»الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلاقات الدولية، أكد أن الدور المصرى فى ملف غزة لم يقتصر فقط على العمل الدبلوماسى التقليدى، فهناك 3 أذرع تتحرك من خلالها الدولة المصرية، وهى الدبلوماسية الرئاسية والدبلوماسية المهنية (العادية) إضافة إلى الدبلوماسية الأمنية.
يرى «فهمى» فى حديثه لـ«الوطن» أن هذه الدوائر لعبت أدواراً محددة فى كل ما يثار، وكل منها أدى دوره بشكل جيد لإعادة القضية الفلسطينية للساحة الدولية من خلال مقاربات سياسية واستراتيجية، وما زال الدور قائماً بصورة أو بأخرى يتفاعل مع المتغيرات فى إطار الموقف الأمريكى ومواقف الوسطاء.
يصف «فهمى» الدور المصرى بمثابة الشريك الرئيسى والوسيط المركزى، الذى لعب دوراً كبيراً فى التنويه للمخاطر التى تواجه القضية الفلسطينية وإعادة تقديمها للواجهة الدولية، موضحاً أن وسائل الإعلام لعبت دوراً خصوصاً الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، من خلال النقل الدقيق للأحداث ليكون العالم كله شاهداً على ما يحدث.
«العنانى»: استخدمت «الدبلوماسية الخشنة» لزيادة عزلة دولة الاحتلال الإسرائيلىأحمد العنانى، الباحث فى العلاقات الدولية، أكد أن مصر تتحرك على جانبين رئيسيين، أولهما إنسانى فهى تريد إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، لكن الجانب الإسرائيلى لم يلتزم بما يتم الاتفاق عليه، وبالتالى مصر تضغط دائماً على دولة الاحتلال للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية.
الجانب الآخر الذى تحدث عنه «العنانى» هو جانب سياسى، يتمثل فى جهود مصر نحو حل الدولتين، ووقف إطلاق النار وتقديم رؤية ترضى الأطراف فيما يخص كيفية تنفيذ عملية وقف إطلاق النار والانسحاب وتبادل الأسرى، مشيراً إلى الاقتراح الذى قدمته مصر وتم التوافق عليه، لكن الجانب الإسرائيلى يريد إطالة أمد هذه الأزمة لأسباب سياسية داخل إسرائيل، وهو الأمر الذى يريده نتنياهو والحكومة المتطرفة.
يؤكد «العنانى» لـ«الوطن»، أن مصر لم تقف عند هذا الحد، بل تتواصل مع المسئولين حول العالم وتؤكد دائماً أنها لا تعارض استمرارها فى المفاوضات لكن لها بعض الملاحظات التى يجب أن يأخذها الجانب الإسرائيلى على محمل الجد، خاصة فيما يتعلق بإدخال المساعدات، التى يجب أن تكون بعيدة عن الجانب الإسرائيلى، وهو الأمر الذى توافقت عليه أمريكا وأبدت تفهمها لموقف مصر.
يعتبر «العنانى» أن مصر تتحرك فى كافة الاتجاهات وكافة المحاور، وكانت لها ضغوطات كبيرة على الجانب الإسرائيلى بعد الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا، يوضح: «مصر ضغطت على أمريكا لوقف هذه الحرب وتتحرك فى مجلس الأمن من خلال المجموعة العربية».
والهدف من كل هذه التحركات التى تحدث عنها «العنانى» هو زيادة عزلة الجانب الإسرائيلى، والذى يصفه بـ«نوع من الذكاء» فهى تتحرك كوسيط وفى نفس الوقت تستخدم الدبلوماسية الخشنة من خلال تحشيد موقف دولى ضد الجانب الإسرائيلى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: القضية الفلسطينية الدور المصرى المساعدات الإنسانیة القضیة الفلسطینیة الجانب الإسرائیلى الدولة المصریة حل الدولتین قطاع غزة من خلال
إقرأ أيضاً:
قمة القاهرة ومستقبل القضية الفلسطينية
في الرابع من مارس استضافت القاهرة قمة عربية استثنائية غير عادية ذات موضوع واحد، حيث تتناول القمة الطارئة الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية من خلال ترتيب الأوراق العربية وضمان تشكيل موقف عربي موحد تجاه المستقبل سواء ما يرتبط بقطاع غزة، وكذلك استمرار المبادرة المصرية لتبادل الأسرى بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
ولاشك أن الدولة المصرية قد قامت بجهود فاعلة منذ أحداث السابع من اكتوبر 2023، حيث تبلور موقفها حيال تلك الازمة في ثوابت أساسية وهى ضرورة وقف العمليات العسكرية وتحقيق التسوية السياسية لهذه القضية، إلى جانب السعى نحو ضخ مزيد من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح البري، بالإضافة إلى حث المجتمع الدولي على ضرورة إيجاد حل مستدام لتلك القضية من خلال إعلان حل الدولتين.
ومن هنا تأتي القمة لبلورة ثوابت للموقف العربي، لعل أبرزها هى وجود "لاءات" عربية تجاه الوضع الراهن لعل أبرزها لا لتهجير الفلسطينين خارج الأراضي الفلسطينية، ولا للعمليات العسكرية الإسرائيلية سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، ولا للمشروعات الإسرائيلية والأمريكية على الأراضي الفلسطينية، إلى جانب تحديد ركائز أساسية للموقف العربي الجمعي لعل أهمها استمرار الدعم العربي للمبادرة المصرية في مرحلتيها الثانية والثالثة، إلى جانب استمرار دخول المساعدات الإنسانية عبر فتح المعابر الى قطاع غزة، بالإضافة إلى السعى نحو اعادة الإعمار بالقطاع من خلال إدخال المعدات الثقيلة مع بداية إعمار القطاع.
ومن الجدير بالذكر أن القمة العربية بالقاهرة تركز على طرح مشروع عربي بديل لفكرة تهجير الفلسطينين، حيث طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فكرة تهجير الفلسطينين إلى كلا من مصر والأردن، وهو الأمر الذي قوبل برفض قاطع من كلا البلدين، وكذلك كان الموقف العربي الجمعي الرافض لفكرة التهجير والتي تقضي على آمال إقامة الدولة الفلسطينية، ذلك أن الأرض بلا شعب تعني نهاية القضية وهو ما ترفضه الدول العربية والتي تطرح استراتيجية تكاملية بديلة تتمثل في خطوات مرحلية وصولا الى التسوية السياسية الشاملة التي تعني حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967.
جملة القول، أن القمة العربية هى قمة تحدي كبير أمام الدول العربية، حيث تتبلور رؤية شاملة لرفض تهجير شعب من أرضه، وهو أمر رفضته دول العالم قاطبة، بل تسعى القمة لتثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه، إلى جانب توضيح الثوابت العربية والتي تطالب بضرورة الوصول الى تسوية شاملة لتلك الأزمة من خلال دعم المبادرة المصرية بتطبيق مرحلتيها الثانية والثالثة مع توجيه الخطاب الى صانع القرار الامريكي بأن العالم العربي على قلب رجل واحد من أجل دعم القضية الفلسطينية وإعادة إعمار القطاع، وتثبيت الهدنة السياسية وصولا لتسوية شاملة لقضية العرب الأم.