تتسع رقعة الدول التي قررت برلماناتها وحكوماتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، متحدية بذلك الرفض الإسرائيلي والرغبة الأمريكية في عدم تغيير الأوضاع السائدة، وآخر هذه الدول كانت النرويج وإيرلندا وإسبانيا بعد المكسيك وجزر الباهاما وترينيداد وتوباجو وجاماييكا وبيربادوس. هذه الدول التحقت بين سنتي 2023 و2024 بقائمة طويلة من الدول التي انطلقت في سنة 1988 في اعترافها بدولة مستقلة للفلسطينيين، حتى الولايات المتحدة تلوح من جهتها بهذه الورقة للضغط على حكومة نتنياهو، دون أن تذهب بعيدا في هذا الاتجاه حتى لا تغضب حلفاءها في تل أبيب.
يكتسب هذا اللاعتراف المتصاعد أهمية رمزية لا يمكن الاستهانة بها، فهناك تحول في المواقف الدولية من هذا الصراع المتواصل منذ حوالي القرن من الزمان. وهذا التطور في عدد الدول التي أقرت بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة أصبح يزعج الإسرائيليين أكثر من أي مضى، خاصة وأنه بدأ يشمل أطرافا أساسية سبق لها وأن ساهمت في تثبيت الكيان الصهيوني عام 1948؛ تاريخ إضفاء الشرعية على قرار التقسيم والاعتراف بدولة إسرائيل. فمن بين مجموعة الدول العشرين توجد تسع دول أعلنت اعترافها بالدولة الفلسطينية، وداخل الاتحاد الأوروبي بلغ العدد 12 من أصل 27 دولة.
المشكلة الأكثر تعقيدا تتمثل في غياب قيادة فلسطينية قادرة على استثمار هذا التحول الدبلوماسي الدولي، لتحقيق اختراقات فعلية هنا وهناك تكون في صالح القضية. إذ يستمر الانقسام البائس بين الفلسطينيين حول الاستراتيجيا والتكتيك، وحول الشرعية والسلطة
لكن ذلك غير كاف وحده لتغيير المعادلات على الأرض، فالصهاينة يواصلون سياساتهم صباح مساء من أجل الحيلولة دون تحويل هذا الحق إلى واقع. فبالإضافة إلى الاستيطان المستمر على قدم وساق، وتقطيع الأرض الفلسطينية إربا إربا دون الاستماع للاعتراضات الدولية، أكدت الحرب العدوانية على غزة النوايا الحقيقية للدولة العبرية التي تعمل على احتلال الضفة والقطاع والسيطرة ععلى القدس الشرقية وتهجير الفلسطينيين خلال المرحلة القادمة. هذه لم تعد أوهاما تروجها بعض الأطراف المعادية للصهيونية، وإنما تُرجمت الآن قيادة سياسية شديدة التعصب والوحشية، تقود جيشا مدججا يتمتع بمطلق الصلاحية ولا رادع له. وهناك تصريحات ثابتة وعلنية تتعلق بإعادة تشكيل الأرض والسكان من أجل الهيمنة الإسرائيلية على الجغرافيا والثروة، والتحكم في مستقبل فلسطين التاريخية والحالية.
المشكلة الأكثر تعقيدا تتمثل في غياب قيادة فلسطينية قادرة على استثمار هذا التحول الدبلوماسي الدولي، لتحقيق اختراقات فعلية هنا وهناك تكون في صالح القضية. إذ يستمر الانقسام البائس بين الفلسطينيين حول الاستراتيجيا والتكتيك، وحول الشرعية والسلطة، وهو ما يجعل الدول التي اقتنعت ببطلان المشروع الصهيوني أمام معضلة حقيقية عندما تلاحظ المشهد الفلسطيني من الداخل الذي يتسم بالعجز والشيخوخة والتشرذم.
من المهم الاعتراف بدولة فلسطينية قابلة للحياة، لكن قبل ذلك لا بد من ضمان شروط هذه الحياة والإبقاء عليها، ولن يتحقق ذلك إلا عبر الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بالدفاع عن وطنه بما في ذلك المقاومة المسلحة. فالسياسة الإسرائيلية قائمة بالأساس على الاغتصاب المسلح، ولم تعترف بالتفاوض كوسيلة لتقاسم الأرض والثروة، والفرصة الوحيدة التي تم القبول بها من طرف الكيان الغاصب هي " أوسلو"، والتي كان ثمنها اغتيال إسحاق رابين ثم قتل ياسر عرفات والتخلي عن جميع التعهدات الواردة في تلك الاتفاقية. وما يجري حاليا هو النتيجة الحتمية لفشل التسوية السياسية؛ في غياب الحد الأدنى من القدرة على مواجهة عدو بهذا القبح والعنجهية والصفاقة.
الشروط ضرورية حتى يصبح الحديث عن إقامة الدولة الفلسطينية والاعتراف بها من قبل العالم أمرا ممكنا وقابلا للتحقق على أرض الواقع، أما بقاء الأمر على ما هو عليه، مجرد حسن نوايا من اجل التخلص من تأنيب الضمير، فلن يحل ذلك المشكلة
لن تكون للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة أي جدوى بدون الخطوات التالية:
أولا: ممارسة أقصى درجات الضغط من أجل التوصل إلى إنهاء الحرب في غزة، ومنع تصدير مختلف الأسلحة إلى الكيان الصهيوني.
ثانيا: العودة إلى حدود 67 وإلغاء الهيمنة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية والقدس، إلى جانب مدينة غزة.
ثالثا: الاعتراف بحق الفلسطينيين في الدفاع عن أراضيهم بكل الوسائل المشروعة بما في ذلك الكفاح المسلح، بناء على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية.
رابعا: إشراك الجناح السياسي للمقاومة في أي مفاوضات قد تبرمج حول مستقبل فلسطين، وذلك في انتظار تنظيم انتخابات ديمقراطية ونزيهة تشمل جميع الأطراف الفلسطينية.
تلك الشروط ضرورية حتى يصبح الحديث عن إقامة الدولة الفلسطينية والاعتراف بها من قبل العالم أمرا ممكنا وقابلا للتحقق على أرض الواقع، أما بقاء الأمر على ما هو عليه، مجرد حسن نوايا من اجل التخلص من تأنيب الضمير، فلن يحل ذلك المشكلة التي ستزداد عنفا وتشعبا ومأساوية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاعتراف الفلسطينية الانقسام المقاومة الدولة الفلسطينية فلسطين الاحتلال المقاومة الدولة الفلسطينية الانقسام مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدول التی
إقرأ أيضاً:
علماء عرب يتحدثون عن تجربة الصيام في القطب الشمالي ومحطة الفضاء الدولية
بينما يصوم المسلمون على إيقاع الشروق والغروب هناك من يخوض رحلة استثنائية في عالم بلا شمس تشرق أو تغيب، حيث يمتد النهار إلى أمد غير معلوم أو يطول الليل بلا نهاية.
وفي هذه الأجواء غير المألوفة يسرد باحثون قصصهم عن صيام رمضان في أماكن لم نعتد عليها في أعماق القطب الشمالي، إذ لا يمر الوقت كعادته، وفي محطة الفضاء الدولية، حيث تتوالى الأيام بسرعة لا تدرك.
وفي هذه التجارب تتجلى قوة العقيدة لتبقى شعائر الإيمان مشتعلة وسط كتل الثلج أو بين النجوم.
كانت البداية مع الدكتور محمد عمران باحث ما بعد الدكتوراه في مجال هندسة الطاقة المستدامة، والذي حرص على ألا تطفأ ثلوج مدينتي تورندهايم وستافنجر في دولة النرويج، والذي يبدأ حديثه مع الجزيرة نت قائلا "عندما تصوم في مجتمع مسلم فإن المناخ العام يدعمك، فضلا عن وجود بعض الاستثناءات في أوقات العمل خلال الشهر".
وفي عمل مثل العمل البحثي الذي يعتمد على النشاط الذهني، يقول عمران "لا مفر من أن يتأثر الأداء في منتصف اليوم نتيجة الصيام، لكني أحرص على ألا يشعر الآخرون بذلك حتى لا أدخل في جدل لا طائل من ورائه، وفي النهاية لن تكون هناك أي استثناءات لكوني صائما".
وتختلف عدد ساعات الصيام في النرويج القريبة من القطب الشمالي باختلاف فصول السنة وموقع المدينة من القطب الشمالي.
إعلانوتقع مدينة تورندهايم -التي كانت أولى المدن التي يقيم فيها عمران- على الساحل الغربي للنرويج، وبالنسبة للقطب الشمالي فإنها تقع جنوب الدائرة القطبية الشمالية بنحو 700 كيلومتر تقريبا، وهي بذلك تعتبر جزءا من المناطق الشمالية المعتدلة، وتتميز بأيام صيف طويلة وليالٍ شتوية قصيرة مقارنة بالمناطق الجنوبية.
وخلال الصيف من يونيو/حزيران إلى أغسطس/آب تكون الأيام طويلة جدا بسبب قرب المدينة من الدائرة القطبية الشمالية، فالشمس لا تغيب في ذروة الصيف وتظل قريبة من الأفق حتى في منتصف الليل، مما ينتج ما تعرف بـ"شمس منتصف الليل".
أما خلال فصل الشتاء من ديسمبر/كانون الأول إلى فبراير/شباط فتكون الأيام قصيرة جدا، وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول يكون النهار قصيرا للغاية، إذ تشرق الشمس نحو الساعة العاشرة صباحا، وتغرب الساعة 2:30 بعد الظهر، مما يعني أن النهار قد لا يتجاوز 4 إلى 5 ساعات فقط، ليسود الظلام معظم اليوم.
ويكون فصل الخريف من سبتمبر/أيلول إلى نوفمبر/تشرين الثاني في هذه المدينة بمثابة فترة انتقالية حيث تبدأ الأيام تقصر تدريجيا، ففي سبتمبر/أيلول يكون طول النهار نحو 12 ساعة، حيث الشروق يحدث الساعة السابعة صباحا والغروب السابعة مساء، ومع تقدم الخريف يصبح النهار أقصر ويزداد الليل طولا، خصوصا في نوفمبر/تشرين الثاني، حيث قد تغرب الشمس في وقت مبكر نحو الساعة 3:30 مساء.
ويبدأ النهار في الربيع (من مارس/آذار حتى مايو/أيار) بالتمدد بشكل ملحوظ، ففي مارس/آذار قد يكون النهار نحو 11 إلى 12 ساعة ويزداد تدريجيا، فالشمس قد تشرق الساعة السابعة صباحا وتغرب الساعة السادسة مساء، وبحلول مايو/أيار قد تطول الأيام بشكل كبير، والشروق يحدث في وقت مبكر حوالي الساعة 4:30 صباحا، والغروب بعد العاشرة مساء.
وخلال الفترة التي قضاها عمران في تورندهايم كان شهر رمضان يحل خلال فصل الصيف، حيث لا تغيب الشمس عن الأفق، فكان الحل الذي ينتهجه هو الصيام من الفجر حتى المغرب حسب مواعيد الصلاة في مكة بغض النظر عن طول النهار المحلي.
إعلانويقول عمران "كانت هناك حلول أخرى ينتهجها البعض، مثل اتباع توقيت أقرب مدينة ذات توقيت طبيعي يمكن أن يتعاقب فيها الليل والنهار بشكل واضح، أو اعتماد متوسط طول النهار في المناطق المعتدلة، لكني كنت أفضّل خيار توقيت مكة، وهو الأكثر شيوعا".
وتشهد مدينة ستافنجر حيث يقيم عمران حاليا تغيرات أقل تطرفا من تورندهايم في طول النهار والليل بين الفصول، ويبدو الوضع في رمضان هذا العام خلال الربيع أقرب إلى الطبيعي، لذلك يتم الاعتماد على توقيت المدينة في الصيام.
ويقول "في شهر مارس الذي يتزامن مع شهر الصيام هذا العام تشرق الشمس في السابعة صباحا وتغرب في السادسة والنصف مساء، لذلك فإنه وقت أقرب إلى الطبيعي، لذلك لم نلجأ إلى توقيت مكة هذا العام".
ورغم أن التوقيت في مدينة ستافنجر أقل تطرفا من تورندهايم فإنه لا يكون أيضا مناسبا للصوم خلال فصل الصيف، حيث مر على باحث الدكتوراه في علوم النانو بجامعة ستافنجر علي القرعلي أكثر من شهر رمضان خلال الصيف.
وتشرق الشمس في صيف ستافنجر الساعة 4:30 صباحا وتغرب الساعة الـ11 مساء في منتصف الصيف، مما يعطي نحو 18 إلى 19 ساعة من الضوء، وهذا عدد ساعات طويل للغاية جعل القرعلي وأقرانه من الباحثين العرب يعتمدون أيضا في صيامهم على الفتوى التي يستخدمها المقيمون في تورندهايم، وهي الصيام وفق توقيت مكة المكرمة.
وعلى عكس عمران يعتبر القرعلي شهر الصيام فرصة مناسبة لمزيد من التركيز في العمل، قائلا إنه "بينما ينشغل أقراني من الأوروبيين باستراحة الغداء وتناول المشروبات من حين إلى آخر يكون وقتي خلال ساعات العمل في شهر رمضان منصبا على العمل، وهذا يحتاج مني لبعض التغيير في نمط حياتي حتى أستطيع إدارة يومي بشكل جيد".
إعلانويخلد القرعلي إلى النوم مبكرا حتى يستطيع الاستيقاظ للسحور في نشاط، ويظل مستيقظا حتى يخرج إلى العمل في السادسة والنصف صباحا، ليبدأ يوم عمل طبيعي من السابعة صباحا إلى الرابعة عصرا.
ولأن طبيعة عمل القرعلي لا تتأثر فإنه يقول "نادرا ما يعرف الآخرون أني صائم، اللهم إلا في مرات قليلة اضطررت فيها للاعتذار عن طعام أو شراب يقدم لي لأني صائم، ولم أواجه حينها بأي نظرات استنكار، ولم يتعدَّ الأمر مجرد استفسار من البعض بدافع حب الاطلاع على معنى صيام رمضان وفائدته".
ويضيف ضاحكا "حاولت زوجتي -وهي نرويجية غير مسلمة- مشاركتي الصيام بهذا الدافع، لكنها لم تستطع سوى صيام يوم واحد فقط، وأصبحت تنظر لي على أني شخص خارق لقدرتي على الامتناع عن الطعام والشراب لعدد كبير من الساعات".
وإذا كان الاقتراب من القطب الشمالي يتسبب في غياب غروب الشمس في الصيف ببعض الأماكن وطول عدد ساعات النهار في أماكن أخرى مما يخلق تحديات تتعلق بالصيام فإن التحدي في الفضاء يكون أكبر.
ويمثل الصيام في محطة الفضاء الدولية تحديا فريدا لرواد الفضاء العرب بسبب الظروف غير التقليدية في الفضاء، إذ يختلف تعاقب الليل والنهار بشكل كبير عما هو على الأرض.
وتدور محطة الفضاء الدولية حول الأرض بسرعة عالية، مما يعني أن رواد الفضاء يشهدون شروقا وغروبا للشمس نحو 16 مرة في اليوم (كل 90 دقيقة تقريبا)، وهذا يجعل من الصعب جدا اتباع المواعيد التقليدية للصيام المبنية على شروق وغروب الشمس.
واتفقت أغلب دور الإفتاء على أن رائد الفضاء بإمكانه استخدام رخصة السفر التي تتيح له الإفطار خلال شهر رمضان والتعويض في أيام أخرى، لكنها وضعت إرشادات يمكن أن يستخدمها من يقرر الصيام من رواد الفضاء المسلمين.
إعلانوتتناول هذه الإرشادات كيفية التغلب على مشكلة التوقيت، فذهبت إلى أن رواد الفضاء المسلمين يمكنهم اتباع توقيت مدينة معينة على الأرض، مثل توقيت مكة المكرمة أو المدينة المنورة، أو توقيت المدينة التي انطلقوا منها (مثل هيوستن في الولايات المتحدة)، وهذا يمنحهم إطارا ثابتا للصيام والصلوات.
وفضّل الأمير سلطان بن سلمان -الذي كان أول عربي يصل إلى الفضاء في رحلة مكوك الفضاء الأميركي "ديسكفري" عام 1985- عدم استخدام رخصة إفطار المسافر، وكان صائما في اليوم الذي انطلق فيه إلى الفضاء، وهو آخر يوم من شهر رمضان.
وتحدث في كتابه "7 أيام في الفضاء" بإسهاب عن تلك التجربة، قائلا إنه "تناول السحور في يوم الإقلاع، وأدى الصلاة على برج الإطلاق قبل ركوب سفينة الفضاء، وصام أثناء وجوده في الفضاء، وحرص على قراءة القرآن".
وتحدث عن الصعوبات التي واجهته، قائلا "الآن أشعر بإرهاق شديد، ربما بسبب قلة النوم وانعدام الوزن وفقدان سوائل الجسم".
وأضاف "أشعر حقا بالجفاف، وبقيت لي ساعة واحدة حتى أستطيع الإفطار، من المفترض أن ينام باقي أفراد الطاقم على متن السفينة في ذلك الوقت، لكنهم قرروا البقاء معي حتى أفطر، يا له من شعور جميل".
وبينما قرر الأمير سلطان الصيام في يوم السفر للفضاء -والذي تصادف أنه اليوم الأخير من شهر رمضان- فإن رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي -الذي كان سيقضي شهر رمضان بأكمله في الفضاء عام 2023- وجد أنه سيكون من الصعب عليه صيام الشهر بأكمله في بيئة الفضاء.
وقال النيادي خلال مؤتمر صحفي قبل السفر "إنه سيستخدم رخصة الإفطار للمسافر أثناء وجوده في الفضاء".