في فيديو انتشر مؤخرا في الصفحات السودانية من وسائل التواصل الاجتماعي، ثمة قارئ عربي مخلص ومتذوق للأدب عامة، يتحدث عن اختياراته الخاصة من الأعمال التي قرأها في الأدب السوداني، ويرشحها للقراءة لآخرين من متابعيه.
وكان من بين هذه الأعمال المرشحة، نصوص للطيب صالح وحامد الناظر وآخرين.
القارئ لم يقل أبدا إن هذه خلاصة الأدب السوداني ولا شيء قبلها أو بعدها.
وكنت ذكرت مرة أنني لم أسمع بكتاب حائزين على جوائز عالمية إلا متأخرا جدا، وحتى الآن لم أقرأ لكتاب حائزين على جائزة نوبل إلا بالقدر الذي يجعلني ألمّ بأساليبهم. وهذا هو المطلوب في زمن لا تستطيع فيه القراءة لكل الناس، كما أنك ككاتب لا تستطيع إرضاء كل الناس، ولا جعل كل الناس يعرفونك حتى.
مثلا لا تعجبني كتابة نجوجي واثيونغو، بالرغم من كونه أسطورة كتابية أفريقية، وأعماله غنية بالميثولوجيا والتاريخ والخرافات، بينما يظل تشيتيا تشيلي معلما لي وواحدا تمنيت لو عرفته إنسانيا كما عرفته إبداعيًاً. وحين انتشرت رواية «الخيميائي» للبرازيلي باولو كويلهو وقدمت للدنيا كاتبا سيصنع أسطورته الكبيرة بعد ذلك، سعيت وراءها منساقا خلف التقييمات المرتفعة، والمراجعات التي تمجدها كل تمجيد. قرأتها باندفاع شديد، ولم أعثر على الطعم الذي كنت أبحث عنه، الطعم الذي تذوقه العالم وجعل بعده الكاتب أسطورة، قرأت بعدها «الجبل الأصفر» و«فيرونيكا تقرر أن تموت» ثم توقفت.
كان كويلهو كاتبا رائجا بلا شك، لكن لم يتوافق معي.
ولعلي أقول لأول مرة إنني أكملت «ظل الريح» لكارل رويس زافون بشيء من المتعة، لكن حين قرأت «لعبة الملك» التي كان بطلها كاتبا سيكتب ديانة جديدة، وباقي الأعمال، لم تكن هناك أي متعة، مجرد قراءة فقط اكتملت بصعوبة في الغالب.
حتى هاروكي موراكامي نفسه هناك من يعتبره هرما صانعا للعجائب، ومن يعتبره مجرد كاتب عادي مملوء بثقافة اليابان، ويدلقها في صفحات كثيرة جدا، أكثر من اللازم. ولا مشكلة أبدا، فالكاتب الذي يقدر نفسه ويقدر إبداعه، يستمر غير مبال بأي ريح قد تهب هنا وهناك ضده، أو رأي محبط يفسد عليه التأمل.
أعود لمسألة القارئ المتحمس لبعض الأعمال السودانية وأقول للذين اعتبروا رأيه حكما جائرا، إن المسألة مجرد تذوق لا أقل ولا أكثر كما أوضحت قبلا، لا يمكن أن تلزم متذوقا أن يتذوق بلسان قراءتك أنت كما لا تستطيع إطعامه طعاما تحبه من دون أن يحبه هو.
لذلك عليك أن تأخذ بترشيحاته أو لا تأخذ بها، فهذا هو الأهم.
في السياق نفسه، تطل علينا بين حين وآخر مواقع تقدم أفضل مئة رواية عالمية، أو أفضل مئة رواية عربية، ويظل الناس مرتبكين من هذا الحكم الذي يأتي لهم بأعمال كلاسيكية في الغالب، متجاهلا كما هائلا من التجريب واللغة الجديدة في الرواية. وأحيانا يأتي بأعمال تجريبية، متجاهلا إرثا كلاسيكيا عظيما، وفي كلا الحالتين، لا ينبغي أن يعتبر ذلك حكما، ولا ينبغي الاهتداء به إن لم يلائم تذوقنا.
ودائما أردد أن نقل ما تكتبه المواقع غير المنهجية عن رواية ما لكاتب، وصراخه بأن روايته من ضمن أفضل مئة رواية، ليس انتصارا أبدا، لأن من وضعها هناك ووضع غيرها كان يستخدم أدوات رأيه الشخصي، لا أدوات منهجية مدروسة. أكثر من ذلك، قد تكون ثمة خدع يقوم بها البعض من أجل الترويج لمؤلفاتهم، وقد صادفتني مثل تلك الألاعيب، ولم أرض الانغماس فيها. لأنك في عمر معين، وبعد تجربة كبيرة، لن تقدم على ما يضر بهذه التجربة.
أتحدث قليلا عن فيديوهات القراء التي نراها أحيانا، وتلك القنوات التي تبث عبر يوتيوب، وأقول بكل جدية إنها أكثر تأثيرا من المدونات الجامعية، والدراسات النقدية. وهؤلاء الذين يجهدون أنفسهم في القراءة، ويشاركوننا بما قرأوه وأعجبهم، يستحقون الثناء. نحن نقرأ كثيرا ويعجبنا الكثير، لكن قد نكون من البخل أو الكسل أو الانشغال، بحيث لا نشرك غيرنا في قراءاتنا.
لذلك أكرر تقديري لصاحب فيديو الأدب السوداني، وما أثير من لغط حوله، قطعا أمر جيد.
ربما لم تكن تعرف كاتبا مجيدا، وصاحب أسلوب مميز، مثل عمر فضل الله.
والآن عرفته.
والقارئ الحق سيبحث عن كتابات عمر ويغوص في عوالمه الأخاذة.
*كاتب من السودان
اقتباس: الكاتب الذي يقدر إبداعه، يستمر غير مبال بأي ريح قد تهب هنا وهناك ضده، أو رأي محبط يفسد عليه التأمل
المصدر: تاق برس
إقرأ أيضاً:
كيف ندمن وسائل التواصل الاجتماعي؟ السر في الهرمونات والإجهاد
سرايا - تُسبب شبكات التواصل الاجتماعي الكثير من الأزمات النفسية والآثار السيئة على الإنسان، وخاصة المراهقين والشباب في مقتبل العمر، فيما يقول الخبراء إن هذه المتاعب يُمكن أن تتحول إلى أمراض عميقة لاحقاً في حال لم يتم السيطرة عليها، كما يستعرض الخبراء والمختصون الكثير من الانعكاسات السلبية للاستخدام المفرط لشبكات التواصل.
وبحسب المقال الذي كتبته الدكتورة فيل ريد، وهي أستاذة علم النفس في جامعة "سوانسي" البريطانية، واطلعت عليه "العربية.نت"، فإن وسائل التواصل الاجتماعي مرتبطة بتجربة الإجهاد، والإجهاد المفرط يضعف قدرتنا على التذكر، ويؤثر أحياناً على قدرتنا على التحكم في اندفاعاتنا.
وتقول ريد في المقال الذي نشره موقع "بي سايكولوجي توداي" إن الإجهاد يؤثر على الهرمونات، مثل الكورتيزول، وهو ما يمكن أن يجعل التخلي عن نشاط سيئ أكثر صعوبة.
كما يؤثر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الجهاز العصبي الصماء، والذي يشارك في استجابات الإجهاد، وغالباً ما يرتبط هذا الأمر بإساءة الاستخدام أو الإفراط في الاستخدام، حيث تصبح شبكات التواصل الاجتماعي مثل المخدرات والكحول والنيكوتين والتسوق والمقامرة، بحسب الدكتورة في ريد. ويقول المقال إنه "من المعروف أن وسائل التواصل الاجتماعي مرتبطة بنشاط الدوبامين، وغالباً ما يتم إنتاج مثل هذا الناقل العصبي عند إدراك إشارة مرتبطة بمكافأة، ويحدث هذا عند إشعارات "الإعجاب" أو "المشاركة" الموجودة على شبكات التواصل، ومع ذلك، يرتبط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً بنشاط الكورتيزول.
وفي إحدى الدراسات، كانت الزيادات في نشاط الكورتيزول أكبر لدى الشباب الذين يستخدمون أجهزتهم الرقمية بشكل متكرر، والذين لديهم شبكات اجتماعية أكبر".
وعلاوة على ذلك، فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يحافظ على مستويات الكورتيزول مرتفعة، وقد تكون استجابات الكورتيزول المرتفعة هذه أكثر وضوحاً لأولئك الذين يعانون بالفعل من مشاكل أخرى؛ حيث وجدت دراسة أن 20 دقيقة من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تولد مستويات أعلى من الكورتيزول لدى المراهقين المصابين بالاكتئاب، مقارنة بالمراهقين غير المصابين بالاكتئاب.
ويؤثر وجود الكورتيزول على الأشياء التي يمكن للأشخاص القيام بها للتعامل مع الإجهاد المستمر، كما يؤثر الكورتيزول على إطلاق مواد كيميائية أخرى في الغدد الصماء العصبية، وعلى وجه الخصوص، هناك علاقة معقدة بين مستويات الكورتيزول ومستويات الدوبامين، وقد وجد العلماء أن الكورتيزول يزيد من إنتاج بعض أشكال الدوبامين، والسبب الذي قد يجعل هذا الأمر إشكالياً هو أن الدوبامين، من بين أمور أخرى، يزيد من مشاعر التعزيز الذاتي عندما يتم إدراك الإشارات التي تتنبأ بظهور أشياء جيدة، وهذا التعزيز لن يؤدي إلا إلى زيادة احتمالية الاستمرار في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أي الإدمان عليها والاستمرار في بذل المجهود بها.
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 619
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 03-03-2025 10:08 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...