خالد بن حمد الرواحي

 

تُعد ظاهرة انتشار القوى العاملة الوافدة المُخالفة من القضايا التي تُعاني منها الكثير من دول العالم، ومنها سلطنة عُمان، نظرًا للتداعيات المؤثرة على سوق العمل وأمن واستقرار المجتمع، ولا يُمكن الحد منها إلّا بتكاتف الجهود الحكومية مُمثلة في مؤسساتها المختلفة والقطاع الخاص والمجتمع، انطلاقًا من معرفة الأسباب ثم التأثيرات المتعددة وصولا إلى إيجاد أدوات المُعالجة؛ سواء من خلال التشريعات أو التوعية المجتمعية، فمعرفة الأسباب تسهم في تقليل تأثيراتها الضارة، وتؤدي إلى تبني أفضل الممارسات في التعامل مع المخالفات العمالية وتشغيل الأجانب وإقامتهم، وتوفير بيئة العمل الآمنة والمستقرة، والتي يُعد ضمانها أمرًا بالغ الأهمية والأولوية لكل فرد داخل البلاد، بما في ذلك المواطنين والمقيمين والسياح والمستثمرين، فضلاً عن تحسين جودة المعيشة وتعزيز الفرص الاستثمارية المتاحة لمعالجة هذه الظاهرة بشكل شامل وفعّال.

العمالة الوافدة المخالفة- كما تصفها منظمة العمل الدولية- هي تلك التي تعمل في بلد آخر بطريقة غير قانونية أو تنتهك القوانين المحلية أو الدولية المتعلقة بالهجرة والعمل، وتشمل فئات الأشخاص الذين يدخلون البلاد بدون تصاريح رسمية، أو الذين يعملون في قطاعات محظورة بالنسبة للأجانب، أو من يخالفون شروط التأشيرة أو الإقامة، أو العمال الذين يتعرضون للاستغلال أو انتهاكات حقوق العمل.

إنَّ العوامل المسببة لتصاعد ظاهرة العمالة الوافدة المخالفة متنوعة ومعقدة، إذ تشمل جوانب اقتصادية واجتماعية وقانونية متشابكة، ولعل من أبرزها الحاجة الماسة للعمالة بأسعار منخفضة، إلى جانب التحايل على أنظمة الهجرة والعمل، وعدم التزام بعض أصحاب العمل بأداء الحقوق الجوهرية للعامل الوافد كالأجور وتوفير المسكن الملائم ومنح الراحة الكافية بعد العمل المحددة وفق القانون، أو بسبب سوء مُعاملة صاحب العمل للعامل، مع ضعف الأجر الذي يتقاضاه العامل الذي قد لا يغطي التزامات معيشته، وتكليف العامل بأعمال كثيرة دون تعويض عن العمل الإضافي، وطول فترة النزاعات العمالية، الأمر الذي يدفع بالعامل مضطرًا للعمل خارج نطاق صاحب العمل المصرح له بالعمل لديه، ليكسب قوت يومه ويفي بالتزاماته، إلى جانب عدم التزام صاحب العمل بالعرض الوظيفي المُقدم للعامل وذلك سواء بنوع المهنة المتفق عليها أو غيرها من شروط العمل.

كذلك دخول بعض القوى العاملة الوافدة البلاد بتأشيرات سياحية أو عائلية للاختبار أو التجربة فتترك العمل قبل تحويل صفة التأشيرة، كما يقوم بعض أصحاب العمل أو الأفراد بتشغيل القوى العاملة الوافدة المخالفة لرخص سعر خدماتها وقلة تكاليفها وسهولة الوصول لها والتعامل معها مقارنة بأسعار ذات الخدمات لدى الشركات، فلا توجد عقود وشروط لتقديم الخدمات، إذ يمكن تقديمها في أي وقت، مع صعوبة التحقق من الوضع القانوني للعمال الأجانب من قبل الأفراد.

ومن الأسباب كذلك ظاهرة تعدد السجلات التجارية والتي تحتاج لوقفة جادة وحازمة بإجراءات متكاملة بين الجهات المختصة لمعالجتها، فتجد أشخاصًا شركاء في عشرات السجلات التجارية قد حصلوا على تراخيص عمالة وافدة بها، وليس لديهم مواقع عمل على أرض الواقع، ويظهر ذلك جليًا من كون أغلب بطاقات عمل العمال على تلك السجلات التجارية منتهية منذ شهور وبعضها سنوات؛ مما يستدعي طلب أصحاب تلك السجلات التجارية للالتقاء بالعمال على رأس العمل من قبل مأموري الضبط القضائي (مفتشي العمل) مع مطالبتهم بتجديد بطاقات العمل المنتهية أو ترحيل العمالة الوافدة التي على كفالتهم، مع التحقيق في ظاهرة بيع تراخيص العمل وتسريح العمال المستقدمين بها.

عليه.. فإذا كانت هناك بعض الآثار الإيجابية  لظاهرة العمالة الوافدة المخالفة في تحقيق بعض أهداف التنمية إلا أن الآثار  السلبية مؤشرها على المجتمع والاقتصاد أعلى، وذلك كزيادة عدد الباحثين عن عمل من القوى العاملة الوطنية، وظهور مشاكل أمنية واجتماعية واقتصادية، وتعدد الجرائم المتعلقة بالمخدرات وتعاطيها وجرائم الفساد الأخلاقي وما ينتج عنها من سرقة وقتل، وكذلك السحر والشعوذة على أيدي بعض العمالة الوافدة المخالفة؛ بهدف السطو والحصول على الأموال بغير حق، مع انتشار ظاهرة التسول في بعض الأماكن العامة، وانتشار الأمراض المعدية لعدم خضوع العمالة المخالفة للفحص الطبي الذي يثبت سلامتها وخلوها من الأمراض.

ومع أن هناك جهودًا حثيثة تبذلها الحكومة من خلال وزارة العمل للحد من هذه الظاهرة والبحث المستمر عن الأدوات والإجراءات والآليات القانونية والعمل على إيجاد شراكات حقيقية ونشر الوعي المجتمعي، إلّا أن ذلك يحتاج إلى المزيد من تضافر الجهود من كافة المؤسسات التي لها علاقة مباشرة بتنظيم سوق العمل حتى لا يتطلب العلاج وقتا أكبر، وذلك عبر منظومة عمل موحدة تعمل على تحديث التشريعات القانونية لتكون متناسقة وفعّالة في الوقاية من الأسباب المشجعة على زيادة العمالة الوافدة المخالفة في سوق العمل، وتسليط الضوء على فهم هذه الظاهرة وأسباب تصاعدها، إضافة إلى التركيز على الحلول المقترحة والإجراءات العملية لمواجهتها.

وضرورة وجود خطة عمل واضحة مشتركة بين جميع الجهات المختصة تحدد الحاجة الفعلية لسوق العمل من القوى العاملة الوافدة بكل ولاية ومحافظة وفق الأنشطة التجارية والصناعية، تأخذ بعين الاعتبار أعداد المنشآت التجارية والمباني المخصصة لها والمناطق الصناعية والشواغر بها وغيرها، وهذا بدوره سيعزز ترشيد استقدام العمالة الوافدة بسرعة ووقف النزيف بالتصريح بالقوى العاملة الوافدة اعتمادا على المستندات المقدمة دون مراعاة الحاجة الفعلية لسوق العمل من إعداد العمالة الوافدة لكل ولاية ومحافظة؛ مما يترتب عليه زيادة المسرح منها، وتحمل موازنة الدولة تكاليف كبيرة وجهود نتيجة ضبطها وترحيلها.

كذلك تحسين بيئة العمل في مؤسسات القطاع الخاص بحيث تكون محفزة ومشجعة للعمل للمواطنين ليكونوا بديلا للعمالة الوافدة في أغلب الأعمال التجارية، وفي مقدمتها الاهتمام بمعايير الصحة والسلامة المهنية، ومستوى الأجور برفع حدها الأدنى، وزيادة توعية المجتمع بوسائل الإعلام المختلفة بخطورة العمالة الوافدة المخالفة، ومكافحة تشغيلها، وكذلك تقنين بيع السجلات التجارية التي بها تراخيص عمل غير مستخدمة، وعدم التصرف بالبيع والشراء فيها، كذلك تطوير منظومة تفتيش العمل والإقامة وتوحيد الإجراءات المشتركة وحصر العمالة الوافدة الموجودة فعليا على أرض الواقع بكل ولاية وفق المنشآت والأنشطة القائمة مقارنة مع ما هو موجود بقاعدة البيانات في الجهات المعنية، وتفعيل الزيارات التفتيشية بعد وصول العمال على رأس العمل للتأكد من وجودهم على رأس العمل، ووجود قاعدة بيانات تربط بين المشاريع والعقود التي قدمت للحصول على القوى العاملة الوافدة مع تلك العمالة وبالأخص العقود من الباطن ليسهل متابعة تلك العمالة الوافدة ومعرفة مكان عملها والحد من الالتفاف على تشغيل القوى العاملة الوطنية على تلك العقود سواء من قبل المنشآت المقاولة أو المنشأة الرئيسة صاحبة العقود.

إضافة إلى ذلك، تفعيل ما تضمنه محور أولوية سوق العمل والتشغيل برؤية "عُمان 2040" من تشكيل مجلس مختص بكل محافظة لتخطيط سوق العمل، وذلك برئاسة المحافظ وعضوية مدير عام العمل بالمحافظة وغرفة التجارة والصناعة والاتحاد وممثلي القطاع الخاص، ونشر ثقافة العمل في القطاع الخاص المبني على الإنتاجية والفاعلية والكفاءة في العمل، مع إلزام الشركات بمصروفات الأضرار التي تقع على العامل نتيجة التأخير في صرف الأجور، وتشديد وتغليظ العقوبة على مشغلي العمالة الوافدة المخالفة من أفراد أو منشآت.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بعد صرف المنحة.. مفاجآت جديدة تنتظر العمالة غير المنتظمة.. تفاصيل

بدأت وزارة العمل في صرف منحة رمضان وعيد الفطر لعام 2025 للعمالة غير  المنتظمة، اليوم، الخميس، 27 مارس 2025، بإجمالي 364 مليوناً و459 ألف جنيه.

وتبلغ قيمة المنحة الواحدة 1000 جنيه، أي سيصرف كل عامل غير منتظم 2000 جنيه عن منحتى رمضان وعيد الفطر. كما بلغت أعداد العمالة غير المنتظمة المسجلين بقاعدة بيانات وزارة العمل، حوالى مليون و164 ألفا و12 عاملا.

وتزامنا مع بدء صرف منحة العمالة غير المنتظمة، نستعرض العديد من المكتسبات التي ينص عليها مشروع قانون العمل الجديد الذي أقره البرلمان في المجموع.

صندوق للعمالة غير المنتظمة 

ونص مشروع قانون العمل الجديد، على إنشاء صندوق للعمالة غير المنتظمة، والذي يقدم 7 خدمات تستهدف تشغيل العملة غير المنتظمة من تشغيل ومنح اجتماعية وخدمات علاجية، إضافة إلى خدمات أخرى خاصة بدعم وتطوير وتشغيل عمليات التشغيل اللازمة لتلك الفئات.

ونص قانون العمل على إنشاء صندوق للعمالة غير المنتظمة، الرسوم التي يتم سدادها لصالح الصندوق والتي تعد المورد الرئيسي له، إضافة إلى النص على 7 خدمات يقدمها الصندوق لصالح العمالة غير المنتظمة، في ظل الاهتمام الكبير الي توليه القيادة السياسية بتلك الفئات التي تستهدف الدولة دعمهم خاصة في وقت الأزمات.

حماية العمالة غير المنتظمة 

ونص مشروع قانون العمل الجديد على أن ينشأ صندوق لحماية وتشغيل العمالة غير المنتظمة، تكون له الشخصية الاعتبارية ويتبع الوزير المختص، على أن يصدر بقرار من رئيس مجلس الوزراء بتشكيل مجلس إدارة الصندوق، برئاسة الوزير المختص والذي يحدد اختصاصات الصندوق ونظام العمل به .

أما فيما يتعلق الموارد التي يعتمد عليها صندوق العمالة غير المنتظمة، فقد منح مشروع قانون العمل الجديد للوزير المختص تحديد تلك الرسوم المقرر تحصيلها من صاحب العمل الذي يستخدم العمالة غير المنتظمة، وبما يلا يقل عن 1% ولا يزيد عن 3% مما تمثله الأجور من الأعمال المنفذة.

بشرى| بدء صرف منحة العمالة غير المنتظمة.. اعرف التفاصيلصرف منحتي رمضان وعيد الفطر للعمالة غير المنتظمة اليوم

خدمات صندوق العمالة غير المنتظمة
ويقدم صندوق العمالة غير المنتظمة 7 خدمات رئيسية، تتمثل فيما يلي:
- تقديم الخدمات والمنح الاجتماعية في الأعياد والمناسبات التي تحددها اللائحة المالية والإدارية.
- دعم النفقات العلاجية والخدمات الطبية طبقا لما تحدده اللائحة المالية والإدارية للصندوق
- دعم وتطوير وتعزيز عمليات التشغيل اللازمة لفئات العمالة غير المنتظمة
- تدريب العاملين وتنمية مهاراتهم الفنية والمهنية وفقا لمجالات العمل المختلفة، وتوفير أدوات العمل اللازمة للقيام بأعمالهم
- توفير سبل الانتقال و الإعاشة والإقامة بمواقع العمل النائية.
- دعم توفير اشتراطات السلامة والصحة المهنية اللازمة.
- تقديم البرامج الثقافية والترفيهية والرياضية وإقامة المسابقات اللازمة لتنمية مهارات العاملين فنيا وثقافيا ورياضيا وإعداد برامج الرحلات الترفيهية والمصايف طبقا للموارد المتاحة.

التأمين على العمالة غير المنتظمة
كما نص القانون، على أن يكون للصندوق حساب خاص لدى أحد البنوك التجارية المعتمدة لدى البنك المركزي المصري، ويعد الصندوق سنويا القوائم الدالة على المركز المالي، وتخضع أمواله لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، ويرحل فائض أمواله من سنة إلى أخرى.

كما نص قانون التأمينات الاجتماعية على التأمين على العمالة غير المنتظمة، ويقوم العامل بدفع حصته، على أن تتحمل الدولة حصة صاحب العمل، ويدفع العاملة 9% من الحد الأدنى للاشتراك التأميني، والذي يختلف من عام لآخر.

مقالات مشابهة

  • محافظ أسيوط: بدء صرف منحة عيد الفطر للعمالة غير المنتظمة
  • بعد صرف المنحة.. مفاجآت جديدة تنتظر العمالة غير المنتظمة.. تفاصيل
  • السقف المفتوح لتأشيرات العمرة يثير أزمة بين شركات السياحة والوزارة (تفاصيل)
  • انخفاض معدل البطالة بين السعوديين إلى أدنى مستوى تاريخي
  • تركيا.. البطالة تتراجع خلال فبراير
  • انخفاض معدل البطالة في المملكة إلى 3.5% في الربع الأخير من 2024
  • بشرى| بدء صرف منحة العمالة غير المنتظمة.. اعرف التفاصيل
  • موعد صرف منحتي رمضان وعيد الفطر للعمالة غير المنتظمة
  • الغرف التجارية تطالب بتأجيل قانون العمل لضمان توافق يحقق الاستثمار
  • “التجارة” تضبط مواطنًا وعمالة يغشون في منتجات الدواجن