جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-29@00:31:29 GMT

أوهن من الفِتن براهينها

تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT

أوهن من الفِتن براهينها

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

تهرع الأمم إلى المُستقبل سِراعًا في كسب العلوم والبحث والتطوير الصناعي والتقني ورأب صدوع الخلافات وسد ثغرات النعرات المُعطلة لجريان عجلة التَّقدم والتنمية، ورتق الفجوات التي تتسرب منها مثبطات التفوق والنجاح وردم منابع الفتنة والشقاق المفضية للتباغض والتشظي، وبالطبع لن يختلف على ذلك العاقل بعيد النظر المترفع عن السفاسف والواعي لمعنى الحياة الكريمة الآمنة في مجتمعه وبلاده، وقد تعضل بالجاهل قصير النظر المُتحدر للصغائر وطغيان أفكار الوصاية القديمة البالية حين يستبد به كِبر ذاته بإلغاء الآخر وبغي غرور نفسه على الصواب في تمسكه بموقفه الخاطئ لمجرد حادثةً ملفقة أو مريةٍ عقب فرية.

وبين فريق العاقل والجاهل تنشأ منطقة الشك الضبابية وغالبًا ما تكون حقولها خِصبةٌ للتدليس ونثر بذور التلبيس، بهدف تفكيك الكتلة الجماهيرية الصلبة من خلال اللعب على وتر الريبة واللا يقين بطعن المجتمع المستهدف في أغلى القيم الإنسانية التي يعتز بها ويتوارثها، وخلخلة نسيج أمنه واستقراره بمفترياتٍ لا أصل لها ولا إثبات سوى هتامات توهيم وشذرات إفتآت بائنٌ عوارها ساعة ظهورها، وعلى القابعين في تلك المنطقة الضبابية الاختيار إلى أي الفريقين ينحون.

لستُ هنا في معرض دفع ضرر بعوضةٍ سمينة حطَّت على جبل سلطنة عُمان المُطل بالتسامح على كل سهول السلام المُحيطة، ولستُ استجدي مشاعر الآخرين من حولنا في سردياتٍ تاريخية وتذكيرهم بمدى متانة العلاقات؛ كونها شؤون معلومة وأمور محسومة يعلمها الجميع بما فيهم الزاعجة الإلكترونية وما فوقها وما دونها إلّا من أنكر ذلك كِبرًا وغرورا، ولن أترفع عن ضرب المثل بها نظرًا لخطرها في نقل الأمراض بين من لا يُحسن التعامل معها علميًا وعمليًا، كما أني لست بصدد الالتفات لكُتبٍ تاريخية عن المذهبية والطائفية المقيتة التي يدفع بها مؤلفوها مظلوميتهم القديمة عن أنفسهم من ثغرة الأمانة العلمية المخادعة ثم توزيعها مجانًا كالواهب نفسه بين قوافل الحجاج أو المتصدقِ بالماء في جموع الحجيج.

إنما أحاول في هذا السياق تنبيه الوسنانِ لما يُحاك حوله من كذبٍ وبُهتان، وتحذير الغافي والساهد من مشتتات الأخبار والصور والمشاهد، ومن مغبة الانسياق وراء المحركات الخبيثة الهادفة لكسر بُنية التماسك الأخوي والثقافي والعقدي بين مجتمعات المنطقة العربية، ومحاولات إحداث شقوق خلافٍ صغيرة مُتشاكسة تتحول إلى شروخٍ كبيرة متعاكسة تودي للخصومة والعداوة بإلباس شبام الحق البائن بسعير الباطل الباطن وتأجيج أواره بالنفخ فيه لإطالة أمده والتصدي لكل محاولات نزع فتيلهِ، وبما أنَّ منصات التواصل باتت تُشكل واقعًا مجتمعيًا فإنها سوف تعكس بالتأكيد صورة نمطية عن وعي ونضج كل مجتمع من خلال ما يصدر عن أفراده من مشاركات، كما ستنشأ في تلك المنصات بيئاتٍ منتنةٍ تعتاش عليها بعض المخلوقات القمَّامة وتتكسب منها، وإنه لمن دواعي سرورها أن تبقى مستنقعاتها مزدهرةٍ متولدة؛ بل ستسعى جاهدةً لإشاعة مغذيات تعظيمها ومدعمات اتساعها وبقائها.

نُلاحظ بين الحين والآخر كما لاحظنا مؤخرًا بعض المُعرفات القمَّامة والمسميات السامة والعناوين النمامة في مواقع التواصل الاجتماعي من التي تكسب قوت يومها باستثارة الفتن وتتربح على اللغو والطعن في المُثل العُليا والقِيم الثابتة والأصيلة للعمانيين، والحقيقة أنها لا تهمنا كثيرًا ولا تعنينا جدًا محاججتها بقدر ما يعنينا كشف أساليب خداعها وطرق مكرها وآليات حيلها، فهي تظهر عندما تجس قرون استشعارها وتيرة السلطنة الثابتة على مبدأ الحق تحقق نجاحًا تلو الآخر وتقدمًا مُستمرًا داخليًا وخارجيًا مع الجميع ومواصلة الجمع بين الفرقاء والتوفيق بين المتخاصمين دون خللٍ في ميزان التفاهم والمنافع أو تغليب كفة على أخرى، وهذا بالضرورة يغيض الفواسق المُتصيدة في غرف الظلام لتبدأ موسمها الجديد بأساليب التمويه والتنكر التي باتت معلومة ومكشوفة لدينا ولدى كل من يعرف ولو قليلًا عن النهج العماني القويم، وعلى كُل حال فإن فواسق المعرفات الخبيثة والمُسميات الهدامة جيدةٍ أحيانًا للحفاظ على التوازن الطبيعي في منصات التواصل حيث تُمكننا من إجراء التحديثات اللازمة لفهمها والإحاطة بها وبمقاصدها، كما تعطينا حافزًا إضافيًا لنشر حملة وعيٍ وطنيٍ لرصدها.

يميل الإنسان في حالة عدم توفر مساندة يقينية لأمرٍ ما إلى التصديق الساذج وهو نوع من التنميط الذي جُبل عليه، وتتخذ هذه النمطية احتمالين زائفين وهما خطأه السلبي الذي لا يجد له تفسيرًا كالإهمال وخطأه الإيجابي الذي لا يقبل تفسيره كالإخفاق وفي واقع الأمر لا نتائج حتمية مباشرة لهذين النمطين، ولكن يُريد عقله تصديق شيءٍ ما يصطنع منه لنفسه قاعدةً اساسية لتمضي قناعته قُدمًا في البناء عليها، فينتج له من الخطأ السلبي الزائف مايعرف بالخرافة والخيال ومن الخطأ الإيجابي الزائف الشك والريبة ولكن غالبًا ما تنتصر فكرة تصديق الخرافة والخيال حتى تصبح واقعًا، وهذه من الألاعيب التي يتخذها بعض المُضللين للحقائق ويعضدونها بانتحال أحداثٍ وقصصٍ كاذبة ولكنها تنطلي على بعض العقول الراضخة للتنميط.

نعيش اليوم في عالمٍ مشحونٍ بكمٍ هائلٍ من المعلومات وحري بنا أن نكون قد اكتسبنا حصانة معرفية كافية تؤهلنا لعدم تصديق كل شيء من مصادرٍ غير موثوقة أو أجنبية مُدلسة، أو على الأقل البقاء في حالة الساكن المتوجس من المخططات الرقطاء التي تسعى بوجوم إلى زعزعة عقيدتنا الوطنية المستقرة وتشويه صورتها خارجيًا حتى يتبين نبأ الفاسق، وسيتبين قريبًا أو بعد حينٍ غير بعيد ومن أصابنا بجهالته فذلك شأنه وآمل أن يصبح من النادمين، ومن الأسلم درء المفسدة باتخاذ وضع السكوت في حالات تعمد إشاعة الفتنة قبل جلب المنفعة بالرد دون بينة و"إن لله عبادًا يميتون الباطل بهجره، ويحيون الحق بذكره" مقولةً لا تزال تعمل وهي صالحة لكل زمان، ولعلها أكثر صلاحية في زماننا هذا مع متربصي الغباء الاصطناعي الكامنين وراء الحجب بمجتمعنا المتصالح مع ذاته ومع غيره.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جنسية وراتب.. هذه المزايا التي تقدمها أوكرانيا للمتطوعين الأجانب

بالتزامن مع حراك سياسي مكثف تقوده الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، يبدو أن دولا أوروبية تسارع الخُطا نحو مشاركة عسكرية، تضمن استمرار أي هدنة أو اتفاق.

وأوكرانيا، التي لطالما أكدت قدرتها على الصمود والقتال بالدعم المالي والعسكري لا بالقوات، ترحب اليوم بهذه "المبادرة" التي تأتي كطوق نجاة، مع دخول الحرب عامها الرابع.

ويقول وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيها، إن بلاده تتحرك بنشاط نحو "تنفيذ نظام جديد للضمانات الأمنية، وتناقش فعلا عدد القوات وجغرافيا انتشارها وأدوارها وحجم صلاحياتها".

وشهدت العاصمة الفرنسية باريس مؤخرا عدة اجتماعات حول هذا الشأن، آخرها كان في 17 مارس/آذار الجاري بمشاركة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وفيه أُعلن عن تشكيل ما يسمى "حلف الدول الراغبة".

ويرفض الناتو أن تكون هذه المبادرة رسمية باسمه، وتحت القيادة الأميركية التي لن تشارك، حتى وإن كانت معظم الدول "الراغبة" التي أبدت استعدادها، أوروبية وجزءا من الحلف الأطلسي.

أعلام تحمل صور المقاتلين الأجانب الذين قضوا على أرض أوكرانيا (الجزيرة) عشرات الآلاف

ووفقا لما قاله مسؤولون أوكرانيون وغربيون، فإن دول هذا الحلف تنوي إرسال ما لا يقل عن 30 ألف جندي، وتضع فعلا خططا عملية لهذا الغرض، الأمر الذي يدل على أن نشر القوات الأوروبية أمر جدّي بات وشيكا.

إعلان

لكن زيلينسكي طمع في زيادة هذا الرقم إلى 200 ألف جندي قبل أسابيع، ثم تراجع ليقول إن "هناك حاجة إلى 100 ألف لضمان السلام في أوكرانيا".

ورغم حديث مسؤولين عسكريين في بولندا عن وضع خطط "أ" و "ب" لعمل تلك القوات، يرى مراقبون أنه من السابق لأوانه الحديث عن أدوار كبيرة ستقوم بها.

ويرى الخبير العسكري في "المعهد الأوكراني للمستقبل"، والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري في البرلمان الأوكراني إيفان ستوباك في حديث للجزيرة نت أن فكرة إرسال هذه القوات ما زالت مادة خامًا وتحتاج إلى أطر محددة لتنفيذها.

وقال ستوباك "إن هذه القوات ستكون بقيادة أممية لا أوروبية، خاصة وإن روسيا ترفض وجودها رفضا قاطعا وترى فيها تصعيدا، كما أن دورها لن يكون إجبار الأوكرانيين أو الروس على شيء، وإنما ضمان ومراقبة وقف إطلاق النار، لأن تعدادها لا يسمح بغير ذلك أصلا".

وأضاف أنه ليس واضحا بعد أين ستنتشر تلك القوات، وهل ستكون قريبة من خطوط الاشتباك أم بعيدة عنها؟ وما إذا كانت ستتركز في المدن أم قرب المواقع والمنشآت الحساسة.

ومع ذلك، يعتقد ستوباك أن "حضور القوات الغربية قد يكون مقدمة لموجة تسليح وإمداد كبيرين، فتمويلها سيكون بالمليارات، لا نستطيع وصفها بقوات حفظ سلام وفق المفهوم التقليدي، لأن موسكو تعارضها، ولأنها لا تضم قوات تمثل الدول الداعمة لروسيا".

ستوباك: فكرة إرسال هذه القوات ما زالت مادة خاما (الجزيرة) استقطاب المتطوعين

فكرة نشر قوات أجنبية تأتي في وقت لا يتزامن فقط مع مفاوضات وقف إطلاق النار، بل مع أزمة تعبئة تواجه أوكرانيا الطامحة إلى بناء جيش يقارب قوامه مليون جندي أيضا.

ويبدو أنها وجدت حلا بعيدا عن المبادرات الرسمية والعلاقات الدولية، يقضي بتوسيع مشاركة "المتطوعين الأجانب" في قوام الجيش، الأمر الذي بدأ عمليا في أحداث الشرق الانفصالي عام 2014، وتوسع ليشمل نحو 5-7 آلاف أجنبي مع بداية الحرب الراهنة، معظمهم أوروبيون".

حينها، أصدر الرئيس الأوكراني قانونا سهل دخول المتطوعين الأجانب الأراضي الأوكرانية، والقتال دفاعا عنها، وكان معظمهم من دول أوروبية، كبريطانيا وبولندا ودول البلطيق، وكذلك من جورجيا وأذربيجان.

إعلان

بَيد أن مجلس الوزراء أقر مشروع قانون يقضي بإنشاء وكالة تابعة لوزارة الدفاع، تعمل على استقدام و"توظيف" الأجانب وعديمي الجنسية من دول بعيدة نسبيا، وقد دخل القانون حيز التنفيذ فعلا في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.

وبحسب موقع مركز توظيف الأجانب الذي يمثل تلك الوكالة، فإن قرابة 5 آلاف متطوع جاؤوا من دول أميركا اللاتينية وغيرها خلال السنوات الماضية، وانخرطوا في مهام الجيش، ضمن 9 ألوية وأفواج وفيالق دولية، أو ضمن ألوية أوكرانية تضم مقاتلين أجانب.

مرتزقة أم مؤيدون؟

ظاهر هذا الاستقطاب يرسم صورة عملية ارتزاق تستغل حاجة المتطوعين في دول فقيرة نسبيا، لكن القائمين على الأمر يرسمون صورة مغايرة.

في حديث خاص مع الجزيرة نت، قال ممثل وزارة الدفاع الأوكرانية، أوليكسي بيجيفيتس إن جميع المتقدمين يخضعون لمقابلة عبر الإنترنت ويتلقون معلومات حول الخطوات التالية، موضحا أن هناك متطلبات تتعلق بالحالة البدنية لكل مرشح، ويجب ألا يكون لديه سجل جنائي، فيما لا يشترط وجود خبرة عسكرية سابقة، فكل متطوع يخضع للتدريب والإعداد اللازمين في أوكرانيا.

وشدد بيجيفيتس على أن الحرب كشفت تعاطفا عالميا كبيرا مع أوكرانيا، نافيا أن يكون المتطوعون من الفقراء فقط، وقال "لا ندفع أحدا نحو الموت، لسنا بحاجة إلى مقاتلين أجانب على الجبهات الساخنة حصرا، الكثير منهم يأتون دون خبرة قتالية ويتدربون محليا، ثم يوزعون على مهام قتالية أو خدمية ولوجستية بحسب الحاجة والإمكانية".

وحول مزايا التي يخولها التطوع في الجيش الأوكراني، قال بيجيفيتس إن راتب الجندي المتطوع يصل إلى 3 آلاف دولار أو أكثر، وهذا يتساوى مع راتب أي جندي أوكراني آخر، تماما كما تتساوى الحقوق والواجبات أثناء الخدمة وبعدها، والتعويضات عن الإصابة والوفاة، التي تصل إلى 15 مليون هريفنيا (نحو 360 ألف دولار)، مع حق المتطوع الأجنبي في الحصول على الجنسية الأوكرانية.

إعلان وماذا عن السلام؟

وعند سؤال بيجيفيتس عن إمكانية تعارض هذه التعبئة مع جهود وقف إطلاق النار وإحلال السلام القائمة، قال "من حقنا بناء جيش كبير قوي يدافع عن البلاد أثناء الحرب، ويحميها من أي عدوان آخر في المستقبل".

وتابع، "نعلم أن روسيا استقطبت مرتزقة من عدة دول آسيوية واستخدمتهم كوقود لحربها الظالمة بمبالغ طائلة، ومشاركة أولئك هي التي تخرق القانون الدولي، أما أوكرانيا فتدافع عن نفسها بشهادة العالم، ومن حقها فتح الباب أمام الراغبين بمساعدتها، ومكافأتهم على ذلك".

مقالات مشابهة

  • ماذا قال ترامب عن المسيرات الإيرانية التي تستخدمها روسيا لضرب أوكرانيا؟
  • كيف نزع ترامب القناع عن عملية التغليف التي يقوم بها الغرب في غزة؟
  • ما هي الشروط التي وضعها القانون للصناديق الخاصة؟
  • روح الأداء التي لايمكن كبتها
  • أفضل المطاعم التي تقدم المشاوي في الأردن
  • عاجل: المواقع التي استهدفها الطيران الأمريكي مساء اليوم في صنعاء
  • ما الدوامة الغريبة التي ظهرت في سماء أوروبا؟
  • ما هي المنتخبات التي تأهلت إلى «كأس العالم 2026»؟
  • جنسية وراتب.. هذه المزايا التي تقدمها أوكرانيا للمتطوعين الأجانب
  • ما الأمراض التي تصيب الأثرياء؟