من حرب غزة إلى حرب الرقائق.. لماذا تُعتبر إسرائيل روح الروح لرئيس إنفيديا؟
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
تخطت القيمة السوقية لشركة "إنفيديا" (Nvidia) الأميركية لصناعة الرقائق مؤخرا حاجز 3 تريليونات دولار لأول مرة، متجاوزةً شركة آبل لتحتل المرتبة الثانية بعد مايكروسوفت.
وشهد سهم إنفيديا ارتفاعا بنسبة 147% هذا العام بفضل الطلب الكبير على رقائقها المستخدمة في تشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ويُتوقع أن تلعب الشركة التي أسسها جِنسن هوانغ وكريس مالاكوفسكي وكيرتس برييم عام 1993؛ دورا رئيسيا في الثورة الصناعية الجديدة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مما يعزز مكانتها كأكبر شركة لأشباه الموصلات في العالم.
ولكن كيف صعدت إنفيديا بهذا الشكل الصاروخي متخطية عمالقة التكنولوجيا، ولماذا تدعم هذه الشركة إسرائيل بشكل واضح؟
رئيس تقنية مختلفيعود الفضل الأكبر لبروز إنفيديا إلى شعبية رئيسها هوانغ المولود في تايوان في 17 فبراير/شباط 1963، والذي هاجر إلى الولايات المتحدة حيث حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة أوريغون الحكومية، ثم درجة الماجستير في نفس التخصص من جامعة ستانفورد.
فهذا الرئيس لا يجد حرجا في الظهور بشكل مميز أمام الجمهور، ويُعتبر بطلا قوميا في بلاده تايوان حيث يصطف الجمهور بالساعات للقائه وأخذ صور تذكارية معه بل وطلب توقيعه على ملابسهم، كما حدث مؤخرا في مشهد مفاجئ وغير مألوف في معرض "كومبيوتكس 2024″، حيث طلبت إحدى المعجبات توقيعه على ملابسها في وسط أحداث المعرض التقني الشهير.
وتسلط هذه الواقعة الضوء على مدى التباين الملحوظ بين هوانغ وقادة شركات التقنية الآخرين مثل تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة آبل، أو سوندار بتشاي الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت، اللذين عادةً ما يظهران بملابس رسمية ويُبرزان كشخصيات عامة أكثر تحفظا في التعامل مع الجماهير.
أما هوانغ من ناحية أخرى، فهو معروف بارتداء السترات الجلدية وأسلوبه الودي والهادئ الذي يلقى قبولا لدى المعجبين والمتخصصين في المجال التقني.
في مشهد مفاجئ طلبت إحدى المعجبات توقيع هوانغ على ملابسها خلال معرض "كومبيوتكس 2024".(مواقع التواصل الاجتماعي) "لحظة آيفون" أم "حرب رقائق"؟ومع احتدام الصراع القائم الآن بين الشركات العملاقة أمثال مايكروسوفت وغوغل في سباق الذكاء الاصطناعي، فإن المستفيد الأكبر شركة إنفيديا ورئيسها جنسن هوانغ الذي أراد أن يُبرهن على أهمية المرحلة الحالية بوصفها "لحظة الآيفون" بالنسبة إلى مجال الحوسبة، مشبها نمو المجال بالنمو الهائل للهواتف الذكية بعدما أطلقت شركة آبل أول هاتف آيفون عام 2007.
ولكنّ الحقيقة أن المرحلة الحالية هي حرب واضحة بين شركات التقنية للفوز بالقطعة الأكبر من الكعكة، فعلى الرغم من أن الحكومة الأميركية أقرت تمويل كل من إنتل وتايوان لصناعة أشباه الموصلات وسامسونغ إلكترونيكس وميكرون تكنولوجي بموجب قانون الرقائق، فإن ثروات هذه الشركات لم ترتفع بجنون مثل إنفيديا.
حرب غزة تكشف "علاقة حب"ليست حرب الرقائق وحدها التي كان هوانغ نجمها، فحتى حرب غزة الأخيرة برز هو وشركته كأحد أكبر المدافعين عن إسرائيل ووجودها، بل وصل الأمر للتبرع لها بمبلغ كبير والبكاء على ضحاياها من الإسرائيليين دون إظهار أي تعاطف يذكر مع الجانب الآخر.
فهناك عدة محطات برز اسم إنفيديا فيها خلال العدوان على غزة والتي لم يسبقها إليها أحد آخر من شركات التقنية، منها إرساله رسالة خاصة لموظفي الشركة في إسرائيل يطمئنهم بأن وظائفهم ليست في خطر وأن إسرائيل لديها مكانة خاصة لديه.
فقد أورد في رسالته أن "إسرائيل تُعد واحدة من أكبر مراكز إنفيديا للتطوير من حيث نسبة الموظفين، كما أنها موطن بعض مهندسينا الأكثر موهبة، وأحد أهم استثماراتنا وهو إنفيديا سويتش الذي جاء من إسرائيل".
وكتب معزيا الإسرائيليين: "أتقدم بأحر التعازي لعائلاتنا التي عانت من خسائر فادحة. نحن نحزن معكم.. العالم يتابع الأخبار القادمة من إسرائيل برعب، ومن الصعب فهم حجم ووحشية الهجمات والمعاناة التي تسببها. بالنسبة لعائلاتنا في إسرائيل، تعتبر هذه الأخبار كابوسا حيا".
وأضاف "لدينا 3300 عائلة من موظفي إنفيديا والعديد من الأصدقاء في إسرائيل. عاد المئات من موظفينا إلى الخدمة العسكرية. أفكارنا معكم دائمًا، ونأمل عودتكم بالسلامة".
وشدد على دعم الشركة للعائلات الإسرائيلية والتبرع لها بمبالغ مالية حين قال: "يتعين على العديد من العائلات إخلاء منازلهم، ولكن بفضل أعمال الخير المذهلة يتطوع المئات من موظفي إنفيديا بدعمهم وإفساح المجال في منازلهم للعائلات التي غادرت أحيائها بحثًا عن الأمان، وسوف نقدم لتلك العائلات كل ما تحتاجه من مساعدة".
رئيس إنفيديا تعاطف مع الضحايا الإسرائيليين دون إظهار أي تعاطف يذكر مع الجانب الآخر (وكالة الأناضول) تعاطفٌ مع "إيال" أم مع المال؟ربما توضح الرسالة التي أرسلها هوانغ لإيال والدمان مؤسس شركة ميلانوكس (Mellanox) بعد مقتل ابنته دانييل في الحرب الأخيرة على غزة؛ مدى اهتمام وتعاطف رئيس إنفيديا مع الحالة التي تعرض لها والدمان خلال حرب غزة.
فقد استحوذت إنفيديا على شركة ميلانوكس الإسرائيلية في عام 2019 مقابل 7 مليارات دولار، وأنشأت مركزا في إسرائيل يعتمد على الشركة، ويعمل في المركز حاليا أكثر من 3 آلاف شخص.
مِن هؤلاء المهندسين نوعام شاي الموظف السابق في إنفيديا وصديق دانييل ابنة والدمان الذي قُتل معها أثناء حضورهما مهرجان "موسيقى سوبر نوفا" على حدود غزة حين بدأ طوفان الأقصى.
ومن مهندسي إنفيديا الذين تأسرهم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أفيناتان أور وصديقته نوا أرغماني التي استعيدت أمس السبت مع مجموعة أخرى من الأسرى.
نوا أرغاماني لأفراد عائلتها ، 4 مرات رأيت الموت ،وفي إحدى المناسبات رأيت صاروخاً يدخل المنزل ثم حدث انفجار لقد كنت متأكداً من أنني ميت.
تاكيد على استهداف الجيش الاسرائيلي لأسراه ، ولو انفجر الصاروخ لكنت نوا أيضاً ميته . pic.twitter.com/IoSjkYCha3
— Tamer | تامر (@tamerqdh) June 8, 2024
وتُعتبر شركة ميلانوكس المدخل لفهم علاقة الحب بين هوانغ وإسرائيل، فقد نَسب الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا الفضل بشكل مباشر إلى شراء شركة ميلانوكس الإسرائيلية في جزء مهم من نجاح إنفيديا التي تتجه إلى تحقيق معدل إيرادات سنوية لا يمكن تصوره.
ووجد كثير من الخبراء الاقتصاديين العام الماضي صعوبة في تصديق أن الشركة -التي تمتلك حاليا التكنولوجيا الرائدة للمعالجات التي يمكنها تشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي- ستكون قادرة على تلبية التوقعات الطموحة التي حددتها لنفسها، ولكن إنفيديا فاقت التوقعات وحققت نموا مخيفا بسبب تقنيات الرقائق التي طورتها.
ولإسرائيل دور مهم في هذا النجاح، فقد ذكر هوانغ بشكل واضح أن استحواذ شركته على شركة ألدمان قبل 5 سنوات هو أحد الأسباب التي جعلت منتجات إنفيديا ضرورية لأي بنية تحتية للحوسبة ترغب في تشغيل تطبيقات ذكاء اصطناعي قوية ومولدة.
وقال هوانغ في الإعلان الرسمي في حفل الإعلان عن النتائج المالية العام الماضي: "وحدات معالجة الرسوميات إنفيديا المتصلة بشبكات ميلانوكس وتقنيات التبديل الخاصة بنا وتشغيل مجموعة برامج كودا إيه آي (CUDA AI) الخاصة بنا؛ تشكل البنية التحتية لحوسبة الذكاء الاصطناعي التوليدي".
لا يوجد الكثير من الرؤساء التنفيذيين لشركات تبلغ قيمتها تريليون دولار يَذكرون الشركات الإسرائيلية التي اشتروها وينسبون لها جزءا من نجاحها مثل ما فعل هوانغ المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا في موقفه تجاه إسرائيل.
قد يكون هذا الأمر مبررا في عالم الأعمال، فبينما هناك أشخاص في هذا العالم الواسع يعتبرون أن موت آلاف الضحايا من الأطفال جريمة تحتاج للتعاطف، هناك آخرون يرون أن المال هو "روح الروح".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الرئیس التنفیذی لشرکة الذکاء الاصطناعی فی إسرائیل حرب غزة
إقرأ أيضاً:
"المسلماني" ..عودة الروح
أعرف أن شهادتي مجروحة في الزميل والصديق أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، لأسباب كثيرة لعل أولها الصداقة الممتدة لأكثر من 15 عامًا، والثقة بيننا طوال هذه الفترة، وترشيحه لي للعمل في عدة أماكن شرفت بالعمل داخلها منذ سنوات، والعلاقات الأسرية بيننا، وأخيرًا أنني أعتبره أحد أهم أساتذتي الذين تعلمت منهم كثيرًا في الصحافة والإعلام والسياسة وأشياء أخرى.
وقد ترددت كثيرًا في كتابة هذا المقال وهو الأول فيما يخص الزميل أحمد المسلماني للأسباب السابقة، إلا أن حسمت موقفي بسؤال واحد لنفسي وهو "وما المانع في ذلك إذا كان المضمون حقيقة على أرض الواقع، وهل الصداقة والعلاقة الوثيقة تمنع ذكر المحاسن والجهود لمجرد وجود صداقة بين كاتب السطور والمكتوب عنه؟" ،ومن هنا جاءت هذه السطور التي لا تكفي ما أريد التعبير عنه.
إن القرارات التي اتخذها الزميل المسلماني في الإذاعة المصرية، وخاصة إذاعة القرآن الكريم حملت الكثير من الإيجابيات وحالة الرضا الشعبى لمستمعى الإذاعة في كل مكان، ليواصل مهمته الثقيلة الآن في التليفزيون المصري بمختلف قنواته وهو التليفزيون الذي غاب كثيرًا عن دوره على مدار عقود مضت، حتى جاء المسلماني لينفذ ما كتبه وحلم به في كتبه منذ سنوات وعقود وهو لم يكن يعرف يومًا أنه سيتولى مسئولية ذلك.
وقد شرفت بدعوته لحضور حفل مرور 50 عامًا على رحيل سيدة الغناء العربي أم كلثوم ومناسبة 25 عامًا على إنتاج مسلسل أم كلثوم، وذلك بمسرح التليفزيون بحضور لفيف من الشخصيات العامة وتكريم أبطال المسلسل وأسرة أم كلثوم، لنجد عودة رونق مسرح التيلفزيون، والعدد المجاني الخاص لمجلة الإذاعة والتلفزيون عن أم كلثوم وروعة الموضوعات به تحت عنوان "أم كلثوم..الست تتحدث عن نفسها"، وحالة الأمل والتفاؤل التي تسيطر على جميع العاملين في ماسبيرو الآن من أجل العودة للريادة الإعلامية.
والذي يدعو للتفاؤل هو أن المسلماني ورفاقه يعترفون ببواطن الخلل، ولا يكابرون في ذكر ذلك على الملأ، ولعل هذه أولى خطوات الإصلاح الحقيقي الذي نريده ونرضاه، وأتذكر منذ سنوات أنني حضرت لقاء مع الزميل المسلماني بصحبة آخرين وعلماء في مختلف المجالات وقلت وقتها أنه من غير المقبول أن يكون عدد العاملين في ماسبيرو أكبر من عدد المشاهدين.
والمؤكد أن أحمد المسلماني الذي تولى مهام صعبة في فترة زمنية حاسمة في تاريخ مصر وأهمها العمل مستشارًا للرئيس السابق عدلي منصور عقب ثورة 30يونيو 2013، والعالم المصري الكبير الراحل أحمد زويل، وسنوات العمل لبرنامجه المميز "الطبعة الأولى"، ومحاضراته في كل أنحاء ومؤسسات مصر، وصولاً إلى محاضراته في قرى مصر وريفها، ومهام أخرى كثيرة ،سيكون قادرًا على العبور بماسبيرو إلى بر الأمان، إلا أن الأمر يتطلب وجود إرادة حقيقية من كافة مؤسسات الدولة لاستكمال الطريق الذي بدأه المسلماني ويريد أن يحقق ما يريده دون أي حسابات أخرى.
قال المسلماني في الحفل واصفًا ما يحدث بأنه "عودة ماسبيرو"، وأنا أرى أن ما يحدث يمثل عودة الروح للإعلام المصري بشكل عام والذي لن يكون إلا بعودة ماسبيرو كبوابة الإعلام العربي في المنطقة كما كان، وقد ظهر ذلك في نجاح المسلماني بإعادة بعض قنوات التليفزيون المصري للإدارة المباشرة له بعد أن كانت تابعة للشركة المتحدة.
خلاصة القول أن ما يفعله المسلماني ورفاقه في الهيئة الوطنية للإعلام يدعو للأمل والتفاؤل وعودة قاطرة الإعلام الرسمي للدولة للدور الحقيقي له، وعلى المستوى الشخصي أشارك في الكثير من الاستضافات الإعلامية في مختلف قنواته على مدار سنوات مضت، وأقدر حجم اليأس والاحباط واختيار بعض الموظفين العمل والانتداب لجهات أخرى هروبًا من الواقع الذي يعيشونه خلال السنوات الماضية، إلا أن ما نراه اليوم يمثل نقلة نوعية تاريخية في تاريخ ماسبيرو نتمنى أن تسير في طريقها وتتوافر الإرادة والدعم اللازم لتحقيق ما يحلم به المسلماني وهو ما يحلم به الملايين في أنحاء المحروسة..حفظ الله مصر وشعبها وجيشها من كل سوء وللحديث بقية إن شاء الله.