هل أنهت عملية رفح شهر العسل بين القاهرة وتل أبيب؟!
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
لقد أحدث قرار القاهرة بالانضمام إلى جنوب أفريقيا في القضية التي رفعتها ضد الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، متهمة تل أبيب بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، حالة من الاستغراب في الأوسط الشعبية العربية، وربما داخل الكيان المحتل، فلطالما تغنى الاحتلال بالعلاقات المتينة مع الأنظمة المصرية ما قبل ثورة يناير وما بعد الانقلاب عليها، فما سبب هذا التحول؟!
لقد أحاطت كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم مصر؛ معاهدة السلام مع الاحتلال الإسرائيلي بكل عناية، وتسابقت منذ التوقيع على معاهدة السلام على الحفاظ على تنفيذ شروطها، ودوام التهدئة مع تل أبيب حتى مع وقوع بعض الخروقات الفردية من الجانب المصري، كرد فعل شعبي غاضب على انتهاكات الاحتلال ضد الفلسطينيين، أو في المقابل عمليات التجسس من قبل تل أبيب والتي يتم القبض على عناصرها.
في مقال "قراءة في حادث معبر رفح" حاولنا فهم ما وراء عملية إطلاق النار المتبادل بين القوات المصرية على الجانب المصري من رفح وقوات من جيش الاحتلال المارة على الجانب الفلسطيني من المعبر، لكن السؤال ظل معلقا: هل كانت العملية فردية أم مدفوعة بأوامر من قيادة الجيش المصري؟
ولعلنا اليوم يمكن أن نجيب على هذا السؤال من خلال المعطيات الأخيرة على المشهد في غزة وتبعاته على المستوى السياسي في كل من القاهرة والدوحة وواشنطن، وحتى تل أبيب.
التعاون والتفاهم الكبير بين النظامين، جعل تل أبيب ترى في اجتياحها مدينة رفح الفلسطينية واحتلالها محور فيلادلفيا، ومن ثم السيطرة على معبر رفح، أمرا مقبولا من الطرف المصري، لكن العكس هو ما حدث، ولعل هذه الخطوة لم تكن القشة التي قصمت ظهر تماهي النظام المصري مع المواقف الإسرائيلية، بل سبقتها مواقف كثيرة أحرجت القاهرة
لقد كان التعاون الوثيق بين القاهرة ما بعد 2013 والاحتلال في أوجه، حتى أن وزير الطاقة الإسرائيلي السابق يوفال شتاينيتس، صرح في عام 2015 بأن رأس النظام المصري كنز استراتيجي لإسرائيل، وتبعه في ذلك وأكد على رؤيته العديد من المسئولين الإسرائيليين، فلم تشهد العلاقة والتعاون بين الطرفين أفضل من تلك الفترة في مجال الأمن والطاقة والحفاظ على استقرار الكيان، من خلال ضرب الجماعات الجهادية التي تهدد الكيان من سيناء، من جهة، وطمر وإغلاق الأنفاق التي كانت تُدخل السلاح والمؤن للمقاومة في غزة من جهة أخرى، وهو ما جعل تل أبيب تقبل بدخول ما يقارب الـ66 ألف جندي مصري إلى سيناء، أي ثلاثة أضعاف العدد المسموح به في المعاهدة، لتنفيذ خطة أمن الكيان.
هذا التعاون والتفاهم الكبير بين النظامين، جعل تل أبيب ترى في اجتياحها مدينة رفح الفلسطينية واحتلالها محور فيلادلفيا، ومن ثم السيطرة على معبر رفح، أمرا مقبولا من الطرف المصري، لكن العكس هو ما حدث، ولعل هذه الخطوة لم تكن القشة التي قصمت ظهر تماهي النظام المصري مع المواقف الإسرائيلية، بل سبقتها مواقف كثيرة أحرجت القاهرة، أولها تلقف الإعلام العبري تصريح رئيس المخابرات في مصر تحذيره من عملية طوفان الأقصى، ثم تعمد الاحتلال تعطيل إدخال المساعدات الإنسانية من معبر رفح، في وقت أراد النظام المصري الظهور بمظهر الداعم للفلسطينيين، على الأقل على المستوى الإنساني، للبناء على هذا الموقف فيما بعد الحرب، وهو ما قابلته إسرائيل بتعنت أظهر النظام المصري ضعيفا أمام الرأي العام.
وكان الرد من القاهرة بالتمسك برفض خطة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، والمتفق عليها منذ 2017، في تصريح رأس النظام المصري أمام الكاميرات للرئيس الأمريكي السابق بأنه مستعد لتنفيذ صفقة القرن، وفي المقابل، وبعد دخول القوات الإسرائيلية رفح، أعلنت أنها اكتشفت ما لا يقل عن خمسين نفقا تصل إلى مصر، في محاولة لتأكيد أن النظام المصري لا يقوم بمهامه، سواء من خلال الرشوة أو الإهمال. ولا شك أن هذا التصريح شكل إحراجا للقاهرة، وما زاد الطين بلة هو الكشف عن قيام مسؤول في المخابرات المصرية بتغيير البنود التي وافقت عليها إسرائيل لوقف إطلاق النار، وهو ما تسبب في إهدار فرصة وقف الحرب وعودة المحتجزين في غزة، ومن ثم وقف الضغط الشعبي على نتنياهو.
بعد دخول القوات الإسرائيلية رفح، أعلنت أنها اكتشفت ما لا يقل عن خمسين نفقا تصل إلى مصر، في محاولة لتأكيد أن النظام المصري لا يقوم بمهامه، سواء من خلال الرشوة أو الإهمال. ولا شك أن هذا التصريح شكل إحراجا للقاهرة
في أوائل شهر أيار/ مايو الماضي، نُقل عن مدير المخابرات الأمريكي ويليام بيرنز، بأنه "ستبطل مصر اتفاقية كامب ديفيد" إذا استمرت عمليات رفح، وهو التصريح الذي تبعته تقارير من الداخل المصري تفيد بأن القاهرة تفكر في سحب سفيرها من تل أبيب، ما يعني أن إسرائيل مضطرة إلى حشد قواتها على الحدود الوحيدة الآمنة بعد الأردن، في وقت يلاقي جيشها المنهك صعوبة في الجبهتين؛ الجنوبية في غزة والشمالية في لبنان، ما يعني بالنتيجة مزيدا من الضغط على حكومة نتنياهو.
كثيرا ما أعرب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في الفترة الأخيرة، عن حالة الإحباط التي تنتاب الإدارة الأمريكية من تعاطي حكومة نتنياهو مع الأزمة في غزة، وأنها ستعيد تقييم سياستها تجاه تل أبيب، وهو ما ظهر جليا في تصريحات بايدن نفسه، وقد نقلت صحيفة "ذا تايمز أوف إسرائيل" فحوى محادثة هاتفية بين نتنياهو والرئيس الأمريكي، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعرب فيها الأخير عن إحباطه من تعاطي نتنياهو مع الأزمة، وبحسب الصحيفة فقد كان بايدن غاضبا جدا لدرجة أنه أنهى المكالمة بشكل مفاجئ، مما يسلط الضوء على العلاقة المتوترة بين الزعيمين في ذلك الوقت، وهو ما قد يفسر حالة التحول التي تعيشها القاهرة مع تل أبيب.
يبدو أن صانع السياسات في مصر استطاع أن يقرأ المشهد بعناية، ففي الوقت الذي أصبح نتنياهو غير مرغوب فيه، على الرغم من العلاقة الحميمة للرجل مع رأس النظام في مصر، إلا أن الأخير وصانعي القرار في إدارته يرون أن نتنياهو هو من وضع نفسه في مساحة الاختيار هذه، وبات على القاهرة أن تختار بين علاقة استراتيجية مع الإدارة الأمريكية التي تنتظر انتخابات نهاية العام الجاري، وبين حكومة يمينية كان من المنتظر أن تحقق هدفا بعيد المدى يريح الطرفين، لكنها سلكت الطريق الخطأ، فاختارت القاهرة التعاون الاقتصادي والأمني والمساعدات، وأجّلت هدفها في التخلص من جار مزعج في الشرق.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي المصرية رفح غزة كامب ديفيد مصر إسرائيل غزة علاقات رفح مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام المصری معبر رفح تل أبیب من خلال وهو ما فی غزة
إقرأ أيضاً:
كيف يحرم النظام المصري الزواج المبكر من الدعم الحكومي؟
وافق مجلس النواب المصري، الأحد، على مجموع مواد مشروع قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي المقدم من الحكومة.
ويهدف القانون إلى تقليص أعداد المستفيدين من برنامج الدعم النقدي المشروط "تكافل وكرامة" من خلال وضع شروط محددة للاستفادة من الدعم، وتحويله إلى حق تنظمه القوانين، وتخصيص أمواله من الموازنة العامة للدولة بدلاً من الاعتماد على القروض والمنح المؤقتة.
كما أقر المجلس حالات وقف الدعم النقدي عن المستفيدين، والتي تشمل حدوث تغير في مستوى معيشة الأفراد أو الأسر المستفيدة بما يخرجها عن حدود الاستحقاق، أو التدليس أو التزوير في البيانات المقدمة عند التسجيل للحصول على الدعم.
بالإضافة في حال صدور حكم قضائي نهائي ضد الأفراد أو الأسر المستفيدة في جرائم تشمل التسول، الاتجار بالبشر، تعريض الطفل للخطر، ختان الإناث، الزواج المبكر، التحرش، والتعدي على الأراضي الزراعية.
كما شملت حالات وقف الدعم رفض الأفراد أو الأسر المستفيدة، القادرين على العمل، لفرص التوظيف أو كسب العيش التي توفرها لهم الجهة الإدارية، دون عذر مقبول لثلاث مرات.
وستبين اللائحة التنفيذية للقانون طرق وإجراءات وآليات عرض فرص العمل، أو إقامة المشروعات، بالإضافة إلى حالات الرفض بعذر غير مقبول.
حزب النور يعترض
وعلى الجانب الاخر٬ أعرب النائب عن حزب "النور" السلفي، أحمد حمدي خطاب، عن رفضه لتجريم ختان الإناث والزواج المبكر، معتبرًا أن ذلك مخالف للشريعة الإسلامية، وأنه لا يجب حرمان المواطنين المستحقين للدعم النقدي بسبب هذه الشروط.
طالب النائب عن حزب النور أحمد حمدي خطاب بحذف بندي ختان الإناث والزواج المبكر من حالات وقف الدعم النقدي، مدافعًا عن إجراء الختان، كما استند إلى حديث منسوب للنبي محمد وآراء الفقهاء الأربعة، زاعمًا وجود آراء طبية تستدعي إجراء الختان لبعض الإناث.
◀ لمزيد من التفاصيل:… pic.twitter.com/8uFOr5E5Ko — المنصة (@Almanassa_AR) December 15, 2024
من جانبه، رد رئيس المجلس حنفي جبالي بأن ختان الإناث والزواج المبكر مجرّمان بموجب القانون في مصر، وأن وقف الدعم النقدي ليس عقوبة، بل يتم وفق قواعد محددة، ومن يخالفها يُحرَم من الدعم.
نص القانون على أن تلتزم وحدة المتابعة الميدانية بسحب عينة عشوائية بنسبة لا تقل عن 30% من الحالات المستفيدة من الدعم النقدي، خلال أشهر آذار/ مارس، ونيسان/ إبريل، أيار/ مايو من كل عام.
ويتم ذلك في ضوء البيان السنوي المقدم من المستفيد لتحديد مدى توافر شروط الاستحقاق لاستمرار صرف المساعدة، أو تعديلها، أو إيقافها، بعد العرض على لجنة الدعم النقدي المختصة لإصدار القرار بشأن كل حالة.
الدعم لا تكفي الطعام
وتصرف الحكومة المصرية مبلغ 826 جنيهًا (نحو 16 دولارًا) شهريًا للأسر الفقيرة، و743 جنيهًا للمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة، و578 جنيهًا للأيتام.
وقد استفاد قرابة 7.4 مليون أسرة من برنامج الدعم النقدي المشروط في مصر خلال السنوات السبع الأخيرة، من أصل 12 مليون أسرة تحت خط الفقر.
إلا أن خبراء يرون أن هذه المبالغ لا تكفي لتوفير الطعام اليومي للفقراء مع تزايد معدلات التضخم، وفقدان الجنيه نحو 70% من قيمته منذ آذار/ مارس 2022، حيث وصل سعر صرف الدولار في البنوك الرسمية إلى نحو 51 جنيهًا، مقارنة بـ 15.70 جنيهًا للدولار قبل أقل من ثلاث سنوات.