الإشتراكي يحفظ حضوره السياسي.. الوسطية ليست سلبية!
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
منذ أشهر أعاد الحزب "التقدمي الإشتراكي" تموضعه السياسي في لبنان بعد سنوات طويلة من الوقوف في خندق "قوى الرابع عشر من آذار"، وحتى عندما تمايز النائب السابق وليد جنبلاط عن هذه القوى في أكثر من محطة بقي قريبا جداً منها في الخطاب العام، وحتى في الكثير من التفاصيل، وعليه، يمكن القول أنها المرّة الاولى التي يصبح فيها الإشتراكي في موقع مختلف كلياً عن تموضع قوى المعارضة وأطراف "الرابع عشر من آذار".
لذلك فإن قراءة خطابه الجديد وأي حراك داخلي يقوم به يجب أن ينطلق من زوايا مختلفة.
بات الحزب "الإشتراكي" اليوم قريباً من "حزب الله" هذا ما يمكن إستنتاجه من تصريحات جنبلاط الاخيرة، اذ ان الرجل بات يطلق مواقف متطابقة إستراتيجياً مع خطاب الحزب، حتى أن تقدم جنبلاط الاب على دور النائب تيمور جنبلاط يمكن فهمه من زاوية عدم رغبة وليد جنبلاط البقاء في صفوف المعارضة التي يفضلها نجله تيمور، وعليه فإن قرار جنبلاط بات حاسماً، كما تُظهر المؤشرات، بتغيير موقعه السياسي وإن أخذ صفة الحيادية والوسطية غير أنه، وفي ابسط الاحوال، باتت أقرب إلى "حزب الله" منها إلى خصومه.
يعرف جنبلاط قيمة كتلته النيابية، فقد إستعاد الرجل خلال الإنتخابات النيابية الأخيرة ميزة "بيضة القبان" التي أشتهر بها في السابق، وبسبب التوازنات النيابية الحالية بات استقطاب جنبلاط وكتلته لهذا الفريق او ذاك أمراً في غاية الأهمية ويبدل التوازنات، من هنا اصبح جنبلاط يمتلك ورقة قوية تجعل كل الاطراف تطلب وده السياسي الامر الذي سيزيد من نفوذه وقدرته على تقديم الإقتراحات والمبادرات بهدف التسوية وهذا ما يحدث حالياً من خلال الجولة التي يقوم بها "الاشتراكي" برئاسة النائب تيمور جنبلاط.
يرغب جنبلاط في اثبات قدرته على التعامل مع القوى السياسية كافة، وهذا الامر يتيح له لعب أدوار اوسع في الداخل اللبناني خصوصاً أن المنطقة ككل مقبلة على تسويات، وإن في المدى المتوسط، وعليه يكون جنبلاط قد أسس للمرحلة المقبلة التي يتمكن من خلالها من الحفاظ على حصته ونفوذه الداخلي بإجماع الأطراف ولا تصبح التسوية عندها على حسابه او في احسن الاحوال لا تهمش دوره لصالح القوى الاساسية في البلد والتي تتنافس بشكل عنيف وسيكون تقسيم النفوذ في ما بينها...
من هنا يمكن فهم التحرك السياسي للحزب الاشتراكي والظهور العلني المتكرر لوليد جنبلاط، خصوصاً أن الرجل يريد أن يضمن عدم محاربة "حزب الله" له في المرحلة المقبلة، وهذا ما قد يترجم بشكل مباشر خلال الانتخابات النيابية المقبلة او حتى في الاستحقاقات المرتبطة بتشكيل الحكومة والحصص داخلها والتعيينات الادارية وغيرها من القضايا التي يعتبرها جنبلاط جزءا من امانه السياسي ضمن الصيغة الحالية، وعليه سيستمر جنبلاط بإثبات قدرته على المبادرة والحوار من دون ان يخفي تموضعه الجديد.
وبالرغم من كل هذا المستجد في الموقف الإشتراكي، تستمر القوى المعارضة لـ "حزب الله" بالتعامل إيجابياً معه، لعدة اسباب اولها قدرة جنبلاط التأثيرية في الداخل اللبناني بسبب كتلته النيابية وحجمها، وقدرته على التأثير ايضاً في اي استحقاق نيابي مقبل، اضافة الى القبول الكبير له من دول اساسية مثل السعودية وفرنسا وحتى الولايات المتحدة الاميركية. هكذا سيستمر واقع النائب السابق وليد جنبلاط خلال المرحلة المقبلة من دون ان يستطيع اي طرف تخطيه..
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
ليست 54 سنة.. إنها قرون طويلة جدا
أعادتني رسائل تهنئة بعث بها أصدقاء من دول عربية يهنئون عُمان بمناسبة عيدها الوطني جاء في بعضها أن منجزات سلطنة عمان كبيرة جدا مقارنة بتاريخ تأسيسها قبل «54» سنة فقط!.. أقول أعادتني تلك الرسائل ـ وأنا أصحح للأصدقاء أن هذا الرقم يحتاج إلى إضافة عدة أصفار على يمينه حتى يستطيع أن يحيط بعمر عُمان الضارب في أعماق التاريخ ـ إلى ما كتبته مغردة عمانية معروفة قبل حوالي ثماني سنوات وهي تصحح لقناة تلفزيونية «خليجية» كتبتْ في سياق بث مباشر كان يغطي قمة مجلس التعاون في تلك السنة أن سلطنة عُمان تأسست سنة 1971، وسارعت المغردة بالرد على تلك القناة على موقع تويتر مطالبة منها الاعتذار فورا وتصحيح الخطأ؛ فسلطنة عمان، كما كتبت، لم تتأسس سنة 1971 بل سنة 1970!
أفهم جيدا الدلالة الوجدانية التي تعنيها سنة 1970 عند العمانيين، واللبس الحاصل بين عمر «النهضة» التي قادها السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، وبين العمر الحضاري لعُمان الذي يمتد لآلاف السنين من الحضور الإنساني الفاعل في سياق الحضارات الإنسانية، وعمر النظام السياسي الذي ما زال قائما إلى اليوم؛ وربما كان سبب اللبس هو وجود رقم «54» إلى جوار العيد الوطني ما يجعل البعض يعتقد أن هذا الرقم يمثل عمر الدولة كما هو الحال عند بعض الدول التي تأسست حديثا بالفعل.. لكن تلك الدلالات الوجدانية وذلك اللبس لا يُعفينا من العمل جميعا على فهم وتكريس الصورة الحقيقية لبلادنا في الداخل وفي الخارج، فعُمان لم تتأسس قطعا في عام 1970 ولا في عام 1744 عندما تأسست الدولة البوسعيدية التي تكمل بعد يومين 280 سنة على تأسيسها ما يجعلها من بين أعرق الأسر الحاكمة في العالم، ولا في اللحظة التاريخية التي انتصر فيها العمانيون على الاستعمار البرتغالي ودحروه ليس من الخليج العربي ولكن من المحيط الهندي وبذلك انتهت تماما وإلى الأبد الحقبة التاريخية التي عرفت باسم «حقبة الكشوفات الجغرافية»، ولم تتأسس سنة 132هـ/749م عند مبايعة الإمام الجلندى بن مسعود إماما على عُمان رغم أن هذا التاريخ هو بداية للنظام السياسي في عُمان والذي ما زال قائما إلى اليوم بعد أن شهد تطورات كبيرة هي في الحقيقة عمر التطور الإنساني وانتقاله من طور معرفي إلى آخر. وهذا النظام السياسي هو الأقدم في العالم ولم ينقطع، تقريبا، منذ 1275 سنة وأصبح له تقاليد عريقة راسخة ونظريات في الحكم وفي انتقاله، وفي العدالة الاجتماعية، وفي الحقوق والواجبات، ويمكن الحديث عن عقد اجتماعي واضح وإن لم يكن مكتوبا، ولكنّ المنظرين الذين درسوا النظام السياسي في عُمان عبر التاريخ استخلصوا الكثير من ركائز هذا العقد الاجتماعي والفلسفة التي يقوم عليها.
عُمان التي تحتفل بعد غدا بعيدها الوطني ليست وليدة التحولات السياسية التي حدثت في المنطقة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أو حتى في القرن العشرين الذي شهد تغيرات جذرية في حدود المنطقة، وليست وليدة جريان النفط، إنها كيان حضاري قديم ضارب في أعماق التاريخ يقدره بعض دارسي التاريخ بحوالي عشرة آلاف سنة، كانت عُمان فيه حاضرة بفاعلية، ومساهمة في الحراك الإنساني الذي صنع اللحظة التي تعيشها البشرية اليوم. وهذا ليس كلاما من أجل بناء الروح المعنوية عشية العيد الوطني إنه حقيقة تاريخية لها أسسها ولها جذورها ولها حقائقها المكتوبة في المدونات ومنقوشة على الصخور الصلدة ولها، أيضا، مرجعياتها الآثارية التي يعرفها أهل الآثار والتاريخ.. ومن يعد إلى المدونات القديمة السومرية والأكادية والأغريقية والفرعونية وكل الحضارات الإنسانية القديمة يستطيع أن يفهم التواصل الذي كان بين عُمان وبين تلك الحضارات، والتفاعل الإيجابي الذي كان بينها.. وعندما جاء الإسلام وبعث الرسول الكريم برسالة إلى أهل عُمان بعثها إلى ملكيها عبد وجيفر ابني الجلندى يقول في تلك الرسالة: «إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما إن تقرا بالإسلام، فإن ملككما زائل عنكما». كانت عُمان في تلك الفترة البعيدة قد أصبحت كيانا سياسيا له حدوده وتقاليده، وخاطبه الرسوم الكريم على هذا الاعتبار فلم تكن الرسالة إلى قبيلة من قبائل العرب أو حي من أحيائه بل إلى «مملكة» قائمة تحولت من القبيلة إلى «الدولة» وهذا التحول يأخذ فترة زمنية طويلة نسبيا ما يعني أن الكيان الحضاري العماني كان في ذلك الوقت قد أكمل مسيرة طويلة جدا.
نحتاج اليوم إلى تكريس هذا الفهم ليس للأجيال العمانية الشابة فقط ولكن للعالم أجمع فهذا السياق بكل معطياته هو مفردة من مفردات القوة الناعمة التي تمتلكها عُمان، وتاريخها الذي تشابك مع الكثير من التحولات التي جرت عبر التاريخ الإنساني مصدر إلهام للجميع إذا ما استطعنا أن نوصله للعالم الذي يعتقد الكثيرون فيه أن منطقة الخليج هي وليدة طفرة النفط! حتى أن الدلالة التي تعنيها «دول الخليج» بالنسبة للغرب هي الدول التي تأسست نتيجة ظهور النفط، وهذا فهم خاطئ للتاريخ، ورؤية عامة جدا له ولا بد أن تتغير وهذا التغير يبدأ من الداخل، من قناعاتنا وخطاباتنا.
ويجدر بنا أن نقرأ ونفهم جيدا ما قاله حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم في خطابه في شهر فبراير من عام 2020 حيث قال «لقد عرف العالم عُمان عبر تاريخها العريق والمشرّف، كيانا حضاريا فاعلا، ومؤثرا في نماء المنطقة وازدهارها، واستتباب الأمن والسلام فيها، تتناوب الأجيال على إعلاء رايتها وتحرص على أن تظل رسالة عُمان للسلام تجوب العالم، حاملة إرثا عظيما، وغاياتٍ سامية، تبني ولا تهدم، وتقرب ولا تباعد، وهذا ما سنحرص على استمراره، معكم وبكم، لنؤدي جميعا بكل عزم وإصرار دورنا الحضاري وأمانتنا التاريخية». هذا النطق السامي ينصف عُمان ويضعها في السياق التاريخي الذي تستحقه.. وعلينا أن ننطلق جميعا منه لتكريس عراقة عُمان التاريخية وبناء الصورة التي نريد للعالم أن يعرفها عن عُمان.