عن تمويل مؤتمر تقدم التأسيسي: إن ترد الماء بماء أكيس
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
انعقد المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في الفترة من الـ 27 إلى الـ30 من مايو الماضي. وزكته أمانة التنسيقية للناس بوصفه اجتماعاً تاريخياً غير مسبوق من حيث عدد المشاركين وتنوعهم وشمول القضايا التي ناقشها في مناخ ديمقراطي خرج به بقرارات توافقت فيها الرؤى.
لربما من السابق لأوانه الحديث عمن تخلفوا من الجبهة المدنية العريضة عن مؤتمر "تقدم". فلم يتخلف الحزب الشيوعي عن المؤتمر لأنه لم يناصب "تقدم" العداء في صورها الباكرة وحسب، بل اتصل نقده لها عند كل منعطف أيضاً. فقال عن البيان المشترك لـ "تقدم" و"الدعم السريع" في السابع من يناير الماضي إنه خرج عن مهماته التي كانت متوقعة ومطلوبة وعاجلة لوقف الحرب إلى اتفاق سياسي مع "الدعم السريع" المتورط مع الجيش في جرائم الحرب. ورأى في ذلك الخروج تكريساً لوجود "الدعم السريع" في السلطة السياسية بعد الحرب. وقال عن البيان الختامي للمؤتمر الأخير إنهم استظلوا فيه بحلفائهم الدوليين (الذين تعاونوا معهم طوال الفترة الانتقالية التي قاطعها الحزب الشيوعي) بدلاً من مراجعة أدائهم السياسي خلال الفترة الماضية والرجوع "للجماهير صناعاً وأصحاب ثورة". وجاء الحزب بسبب مستغرب من عقد المؤتمر، فقال إنه توظيف من "تقدم" وحلفائها الدوليين "لإرهاب وترويع المواطنين وزعزعة استقرارهم المادي والمعنوي وخلق الفوضى والانفلات الأمني".
فالشيوعي جزء لا يتجزأ من القوى المدنية الديمقراطية التي ظلت "تقدم" تقول بحرصها على تجسير ما بينهما لمصلحة وقف الحرب. ومهما قلنا عن شطط في بيانه عن مؤتمرها الأخير إلا أن قوله عن وجوب مراجعة قحت أداءها السياسي في الحكومة الانتقالية وما بعدها مما جاء من وسط تقدم نفسها، أو من العاطفين عليها. فقال عمر الدقير، رئيس المؤتمر السوداني من مؤسسي تقدم، إن عليهم كواجب مقدم "تجاوز الأخطاء الماضية". بل توسع الصحافي فيصل محمد صالح، وزير الإعلام في أول وزارات الحكومة الانتقالية، في المعنى بقوله إن تقدم "جسم مكون من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني مثقلة بتاريخ طويل من التعثر وحتى الفشل وافتقاد المؤسسية وعليها أن تتحمل كل هذه الإشكاليات والأوزار". ومع ذلك لن تجد في أدبيات مؤتمرها الأخير ولا في مشروعاتها نصاً عن نيتها النظر في مرآة أخيها من حلفاء الأمس.
وكان الأنكد على مؤتمر تقدم ما رشح عليه من الخلاف الذي ضرب حزب الأمة منذ لقاء تقدم بالفريق محمد حمدان دقلو في يناير 2024. فجاء للمؤتمر التأسيسي من الحزب برمة ناصر رئيس الحزب، والصديق الصادق المهدي أمينه العام، وأعضاء آخرون من الأمانة العامة. وهم من اعتبرتهم مؤسسة الرئاسة في الحزب خارجين عن قرارات الحزب بالامتناع عن عضوية "تقدم" حتى تنجلي المآخذ، وكانت أعظم تلك المآخذ خروج "تقدم" عن الحياد في الحرب وجنوحها إلى "الدعم السريع". وكانت الأمانة العامة ومؤسسة الرئاسة اصطلحتا على عرض تلك المآخذ على زعيم "تقدم" عبدالله حمدوك، لمناقشتها معه. وكان ذلك قبل أسابيع من المؤتمر. وبدا أن المؤتمر انعقد ولم تنجل المسائل المثارة لمؤسسة الرئاسة.
وتفجر الخلاف. فقالت مؤسسة الرئاسة إن قيادات الحزب التي شاركت في المؤتمر التأسيسي لـ"تقدم" خالفت قراراً مؤسسياً سليماً. وأعلنت أن الحزب ليس ملزماً بما يستتبع ذلك من قرارات وأجسام. وأصدر رئيس الحزب بياناً نفى أن تكون لمؤسسة الرئاسة صلاحية في دستور الحزب تعقب به على قرارات الأمانة العامة التي وجهت بانضمام الحزب إلى "تقدم". وبغض النظر عن دقائق دستور حزب "الأمة" فهذا الخلاف الضارب عند بوابة "تقدم" كان مناطه أن ترفع الأخيرة يدها عنه لا أن تجتمع في مؤتمرها بمن حضر من الحزب. وهذه دماثة سياسية نصح عمر الدقير "تقدم" التحلي بها إعمالاً لـ"الوعي المشحون بالاستقامة". ولا مغالطة فـ "الأمة" هو الحزب الأغزر في "تقدم" بلا منازع. وستنقص "تقدم" بانقسامه نقصاً مريعاً. فمن دونه قد تصح في أحزابها سخرية الفلول من ضآلة عددهم حتى قالوا إن عدد أي منها لا يتجاوز حمولة حافلة.
بدا من تقدم (وريثة قحت) غلبة العمل السياسي والتنظيمي على أدائها في مثل نجاحها في عقد مؤتمرها التأسيسي. ولم تنجح في المقابل بصناعة أجسام مما لا بد منه في حرب مثل تلك التي تعنى بالعون الإنساني أو التربص بانتهاكات أطراف الحرب. ويستغرب هذا منها بعد أكثر من عام من الحرب لأنها قررت باكراً في أغسطس 2023 بضرورة "بناء شبكة وطنية لإيصال المساعدات الإنسانية وحث الأسرة الدولية لدعم وإسناد المجتمع المدني السوداني العامل في المجال الإنساني من أجل مساعدته في الاستجابة الفعالة للكارثة الإنسانية الماحقة". وكلفت قيادياً فيها بالاسم بوصفه منسقاً لآلية سمتها "آلية العمل الإنساني".
ولم تخرج "تقدم" لهذا العمل بعد، فعرضت لجنة منه باسم "العون الإنساني" في المؤتمر التأسيسي ورقة مفاهيمية عن هذا العون. ولكنها خلصت بعد عرضها إطارات نظرية لهذا العون إلى أنه تعذر قيام "فريق العمل الإنساني" في "تقدم" لأسباب ذكرتها، ولكن يصعب بالفعل عدها أسباباً. فكيف يستقيم القول إن فريق العمل الإنساني عقد اجتماعات كثيرة مع المانحين عرض فيها مفاهيمه ومنهجيته، أو أنه اجتمع لفيف من الشخصيات الوطنية مع عبد الله حمدوك بغرض تكوين "مظلة تنسيقية للشؤون الإنسانية" وكيف تعذر قيام هذا الفريق وهو يؤدي وظائفه على وجه ما؟
ومما تأخرت "تقدم" في عرضه هو استقلالها بالتحقيق في انتهاكات الحرب. وكانت "قحت-تقدم" تنبهت منذ اجتماعها في أغسطس2023 إلى "ضرورة إنشاء مرصد مستقل يراقب ويرصد الجرائم والانتهاكات التي حدثت وتحدث في هذه الحرب وتحديد مرتكبيها والتوثيق الجيد الذي يسهم في محاسبة المنتهكين وإنصاف الضحايا وجبر الضرر". وتواثقت مع حميدتي خلال اجتماع أديس أبابا في يناير الماضي على "تشكيل لجنة مستقلة ذات صدقية لرصد الانتهاكات كافة في جميع أنحاء السودان وتحديد المسؤولين عن ارتكابها بما يضمن محاسبتهم". ولكن مؤتمرها الأخير خلا حتى من الإشارة إلى مثل هذه المؤسسة ليأخذ الانتهاكات على عمومها في مثل قول بيان المؤتمر الختامي إنه يدين "بأشد العبارات الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبتها القوات المسلحة وقوات "الدعم السريع" والميليشيات والحركات المتحالفة معهما". وزاد بأن أحال وظيفة رصد انتهاكات الأطراف للعالم وطالب بالتحقيق الدولي في هذه الانتهاكات والجرائم ومحاسبة المتورطين فيها، وخلو يد "تقدم" من آلية مستقلة ترصد انتهاكات الحرب مما يطعن في مصداقيتها بوصفها جهة تريد وقف الحرب مسلحة بالبيانات عن خرائبها.
لم يكن مستبعداً أن يثير تمويل المؤتمر المكلف "حسد" خصوم "تقدم" فاستثمروه في حملتهم عليها بقولهم إنها بمثل تلك الحظوة رهنت إرادتها للأجنبي. وبوجه هذه الاتهامات كشف المتحدث الرسمي لـ"تقدم" بكري المدني في لقاء على الجزيرة أن الترويكا (أميركا وبريطانيا والنرويج) هي التي دفعت فاتورة المؤتمر. وقال إن هذا مما لا يستغرب. فوجود دول في سوق السياسة العالمية تدعم صناعة السلام في العالم حقيقة معلومة طالما لم ترهن قرارك بها. وهو بالفعل أمر معمول به إلا أن تعزيز بكري لحجته عن سوق السياسة العالمية هذه بما صدر من نائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق ياسر العطا أنهم سيعطون جزءاً من الأرض السودانية لروسيا ربما لم يخدم مسألته.
ودافع آخرون عن تمويل مؤتمر "تقدم" من دول أجنبية بالحجة المعروفة "وماذا عن؟" ( .(whataboutismقال أحدهم أي من أحزابنا لم تمد يدها لأجنبي وأحصاها عدداً. ولا أعرف إن كان مثل هذا الترخص مما يخدم قضية حركة مثل "تقدم" تريد دولة ديمقراطية مدنية متعففة. وصح أن نرى من "تقدم" وغيرها من الكيانات السودانية اعتماد خطة التمويل من باطنها باشتراكات العضوية واستنفار الدعم المالي بين جمهورها من المغتربين الذين رأينا بذلهم السخي على أيام ثورة ديسمبر 2019 واعتصامها المعروف.
ولا يعني أن حصاد مال الاشتراك والاستنفار سيغني عن مال الترويكا وغيرها، ولكن قالت العرب "إن ترد الماء بماء أكيس". ومهما قلنا عن استقامة من أخذ عطاء الأجنبي وعزائمه فالأجنبي نفسه من قال من يدفع للزمار هو من يحدد النغم.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
مؤتمر “مبادرة القدرات البشرية” يكشف عن قائمة المتحدثين
أعلن مؤتمر مبادرة القدرات البشرية الذي يقام بتنظيم من برنامج تنمية القدرات البشرية -أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030- عن قائمة المتحدثين المشاركين في النسخة الثانية من المؤتمر, الذي ينعقد تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس لجنة برنامج تنمية القدرات البشرية تحت شعار “ما بعد الاستعداد للمستقبل” يومي 13 – 14 أبريل 2025م في مركز الملك عبدالعزيز الدولي للمؤتمرات في الرياض.
وتشمل قائمة المتحدثين في النسخة الثانية من المؤتمر 300 من أبرز القادة وصنّاع السياسات والخبراء العالميين من القطاعات الأكاديمية، والشركات، والمنظمات الدولية، والمؤسسات غير الربحية من أكثر من 38 دولة، يشاركون في أكثر من 100 جلسة حوارية تهدف إلى تبادل الخبرات ومناقشة الأفكار التي تدعم تعزيز جاهزية القدرات البشرية لمواكبة التغيرات السريعة التي يشهدها العالم.
وسيشهد المؤتمر عقد اجتماع طاولة مستديرة وزارية بمشاركة 20 وزيرًا من مختلف دول العالم، إضافة إلى نخبة من الخبراء الدوليين المتخصصين في مجالات التعليم والتقنية، وسيسلط الضوء من خلال “منصة النجاح”، على أكثر من 35 متحدثًا سعوديًا لاستعراض قصص نجاحهم الملهمة.
ويستهدف المؤتمر توحيد الجهود الدولية وإثراء الحوار العالمي بما يُسهم في رسم مستقبل القدرات البشرية وبناء اقتصاد عالمي مزدهر في ضوء التحولات المستقبلية لسوق العمل خلال السنوات الخمس القادمة، من خلال تسخير أحدث الوسائل لخلق بيئة تعليمية محفزة للإبداع والابتكار، ولبناء مجتمعات مترابطة، يشعر فيها كل فرد بالانتماء والمسؤولية تجاه الآخرين، لضمان نمو المجتمع، ولتمكين الأفراد والمجتمعات لبناء مستقبل أفضل، من خلال صناعة حلول مستدامة وأثر مستمر.
اقرأ أيضاًالمملكة“اغاثي الملك سلمان” يوزّع 1.500 سلة غذائية في السودان
وأوضحت نائب الرئيس التنفيذي لبرنامج تنمية القدرات البشرية الدكتورة بدور الريّس، أن المؤتمر يستضيف نخبة من الخبراء المحليين والدوليين للعمل على صياغة الحلول والإستراتيجيات الداعمة للتحضير لتنمية القدرات البشرية لما بعد المستقبل، بما يتماشى مع التحولات السريعة في سوق العمل خلال السنوات الخمس المقبلة، في ظل التقدم التقني المتسارع، مع توجيه النقاشات نحو تنمية القدرات البشرية وتعزيز جاهزيتها لمواجهة التحديات المستقبلية.
ويتزامن الإعلان عن أسماء المتحدثين لبرنامج المؤتمر مع التقرير الصادر من المنتدى الاقتصادي العالمي الشهر الماضي، الذي كشف أن نحو 59% من القوى العاملة العالمية ستحتاج إلى إعادة تأهيل بحلول عام 2030 لمواكبة التحولات في سوق العمل العالمي، وتضمن التقدرير الإشارة إلى أن الفجوة في المهارات تمثل تحديًا كبيرًا أمام التحولات الاقتصادية، وتعيق التقدم في مختلف القطاعات وتفرض ضغوطًا جديدة على العاملين وأصحاب العمل.
وينعقد مؤتمر مبادرة القدرات البشرية بالشراكة مع وزارة التعليم, وستنظم الوزارة المعرض الدولي للتعليم “EDGEx” للفترة 13 – 16 أبريل 2025م في فندق الريتزكارلتون بمدينة الرياض, ليشكل ذلك أسبوع القدرات البشرية والتعليم، كمنصة لإطلاق الإمكانات الكاملة للقدرات البشرية.