لوتان: أوروبا تواجه حربا روسية هجينة في عام 2024
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
قالت صحيفة لوتان إن الحملة الانتخابية الأوروبية الحالية هيمنت عليها 3 مواضيع، الهجرة والقدرة الشرائية والحرب في أوكرانيا، مما يدل على أن تأثير موسكو على مستقبل أوروبا أصبح فجأة مركزيا، وربما بشكل مبالغ فيه.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم فريدريك كولر- أن السياسة الأوروبية أصبحت رهينة لروسيا مع التهديد بالحرب التي تلوح في الأفق، وتساءلت هل ينبغي لنا أن نقارن الوضع الحالي بالوضع عشية الحرب العالمية الأولى أم الثانية؟ وماذا لو لم تكن أي من هاتين المقارنتين واردة؟
وبالعودة إلى التاريخ -كما تقول الصحيفة- لدينا سابقتان تغذيان المناقشة التي تقسم أوروبا، فهل نحن أمام وضع شبيه بالوضع عام 1914، عندما دخلت الإمبراطوريات بسعادة في مذبحة استمرت 4 سنوات، أم نحن في وضع شبيه بالوضع عام 1938، عندما فكرت أوروبا في استرضاء الزعيم النازي أدولف هتلر في حين أنها لم تفعل سوى إثارة شهواته الإقليمية؟
قصتان تتصادمان
ويعود مؤيدو عام 1914 إلى كتاب كريستوفر كلارك، وهو مؤرخ من كامبردج نشر كتاب "السائرون أثناء النوم" في عام 2013، وتسعى أطروحته بكل بساطة، إلى إثبات أن الحرب العالمية الأولى لم تكن حتمية، وأن اغتيال الدوق فرانز فرديناند في سراييفو عام 1914 ما كان ليؤدي حتما إلى مثل هذا الحريق الهائل، لولا أن الإمبراطوريات سمحت لنفسها بالانجرار إلى الصراع دون أن تتمكن من الاستيقاظ في الوقت المناسب.
وذكرت الصحيفة أنه لا أحد اليوم مثل الأمس، يريد الحرب، ولكن تصاعد التوترات بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا قد يقودنا دون علمنا تقريبا، نحو المزيد من التدمير الذاتي.
أما مؤيدو عام 1938، فيرون أن الحالة الآن تشبه اتفاقية ميونخ التي صادقت على ضم ألمانيا النازية لجزء من تشيكوسلوفاكيا، حيث استسلمت أوروبا لخدعة الدكتاتور خوفا من الحرب، بدل إيقافه عندما كان أضعف، وكانت النتيجة حربا عالمية ثانية أكثر قابلية للتنبؤ بها.
والخلاصة -كما ترى الصحيفة- هي أن توازن القوى وحده هو القادر على ثَني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مواصلة سياسته الإمبريالية الجديدة التي كانت أوكرانيا ضحيتها الأولى.
ويحظى منظور سراييفو بدعم كبير من أمثال المستشار الألماني أولاف شولتز على اليسار، وأمثال الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي على اليمين -حسب الصحيفة- ويؤيده اليمين الأوروبي المتطرف الذي ينتقد "أوروبا النخب" التي تجند "الشعوب" في حرب ليست حربها.
أما منظور ميونخ فيؤيده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعماء البلطيق الذين يرون أن من واجب أوروبا دعم أوكرانيا وإعادة تسليحها لمنع نشوب حرب جديدة في القارة.
ويختم الكاتب برأي عالم السياسة البولندي ياروسلاف كويز الذي يرى "أننا في عام 2024 قد لا نكون في سراييفو ولا في ميونخ"، مؤكدا أن روسيا تشن حربا "هجينة" على الاتحاد الأوروبي وقيمه الأساسية، من خلال الاتصالات والتضليل والتجسس، لإثارة الخلاف والانقسام.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
صدمة قاسية.. القارة العجوز تواجه عدم يقين استراتيجى وسط تحول السياسات الأمريكية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق الزعماء الأوروبيون مع الرئيس الأوكرانى فى اجتماع قمة فى لندن هذا الشهر
تواجه أوروبا شعورا عميقا بالصدمة مع تحول الولايات المتحدة، التى كانت ذات يوم دعامتها، بعيدًا عن التحالفات التقليدية. ففى ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، تواجه أوروبا إعادة توجيه غير مسبوقة للسياسة الخارجية الأمريكية التى تركت القارة تتساءل عن مكانها فى العالم. والواقع أن الخسائر المترتبة على هذا التحول واضحة، حيث تواجه أوروبا ليس فقط التخلى عن حليف بل وأيضا تحدى الإبحار فى عصر جيوسياسى جديد وخطير محتمل.
انفصال مفاجئ
لعقود من الزمان، كانت الولايات المتحدة حجر الزاوية فى الأمن الأوروبى، وخاصة أثناء الحرب الباردة عندما منع التحالف الغربى التوسع السوفيتى. ومع ذلك، فى الأسابيع الأخيرة، بدأ التحالف الذى كان صامدا ذات يوم فى التفكك. وقد ألقى تجاهل ترامب الواضح للتحالفات الأوروبية القديمة بظلال من الشك على موثوقية الدعم الأمريكى. الآن تجد أوروبا نفسها معزولة، وتواجه الواقع القاسى لعالم حيث لم تعد الولايات المتحدة تضمن سلامتها أو قيمها.
قالت فاليرى هاير، رئيسة مجموعة تجديد أوروبا الوسطية فى البرلمان الأوروبى: "كانت الولايات المتحدة العمود الفقرى الذى يُدار السلام حوله، لكنها غيرت تحالفها". هذا التحول له آثار عاطفية واستراتيجية عميقة، مع تزايد عدم اليقين فى أوروبا بشأن مكانها فى عالم منقسم بين روسيا والصين والولايات المتحدة.
إن مفهوم "الغرب"، الذى كان مرادفًا للديمقراطية الليبرالية والتحالف عبر الأطلسى الموحد، يفقد معناه بسرعة. تقف أوروبا وروسيا والصين والولايات المتحدة الآن ككيانات جيوسياسية منفصلة، كل منها يسعى إلى تحقيق مصالحه الخاصة.
التأثير العاطفى على أوروبا لا يمكن إنكاره. لعقود من الزمان، كانت الولايات المتحدة أكثر من مجرد حليف عسكري؛ لقد كانت الولايات المتحدة رمزًا للحرية والتحرر. فمن خطاب جون ف. كينيدى الأيقونى فى برلين إلى تحدى رونالد ريجان لهدم جدار برلين، كانت الولايات المتحدة جزءا لا يتجزأ من هوية أوروبا بعد الحرب. ولكن مع تغير توجهات البيت الأبيض، يتساءل العديد من الأوروبيين عما إذا كانت المبادئ التى ربطتهم ذات يوم مهددة الآن.
تحدى الاستقلال
مع التشكيك فى الدعم الأمريكى، يسارع القادة الأوروبيون إلى إعادة تأكيد السيطرة على أمنهم ودفاعهم. دعا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى بذل جهود "تمويل مشترك ضخم" لتعزيز القدرات العسكرية الأوروبية بسرعة. كما طرح فكرة توسيع المظلة النووية الفرنسية لتغطية أوروبا، مما يشير إلى تحول محتمل فى استراتيجية الدفاع الأوروبية.
ألمانيا، وهى لاعب رئيسى فى التحالف الأوروبى، متأثرة بشكل خاص بتحول الولايات المتحدة. بالنسبة لأمة تدين بالكثير من استقرارها وازدهارها بعد الحرب للمساعدات الأمريكية، فإن المسافة المتزايدة بين الولايات المتحدة وأوروبا تبدو وكأنها خيانة. لقد أعرب كريستوف هويسجن، رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، عن انزعاجه من تخلى الولايات المتحدة عن المبادئ الراسخة فى العلاقة مع أوروبا.. ويعكس هذا الشعور إدراكًا أوروبيًا أوسع نطاقًا: فقد حان الوقت لتكثيف الجهود وتحمل المسئولية عن دفاعهم.
تحولات استراتيجية
لقد أدت صدمة إعادة تنظيم أمريكا إلى شعور متزايد بالإلحاح فى أوروبا. وإذا كان للقارة أن تحافظ على أمنها، فيتعين عليها أن تفعل ذلك دون الاعتماد على الولايات المتحدة، وخاصة مع صعود القوى الاستبدادية فى أوروبا وخارجها. ويشير اقتراح ماكرون للتعاون العسكرى الأوروبى، إلى جانب الدعم المتزايد من ألمانيا والمملكة المتحدة، إلى أن الاتحاد الأوروبى قد يكون مستعدًا أخيرًا للاستثمار فى بنيته التحتية الدفاعية الخاصة.
ومع ذلك، فإن هذا التحول ليس خاليًا من التحديات. فالتعاون العسكرى بين القوى الأوروبية، وخاصة بين فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، سوف يتطلب استثمارات كبيرة وإعادة التفكير فى أولويات الدفاع فى القارة. إن تحول أوروبا من مستهلك سلبى للأمن إلى مزود نشط للأمن لن يحدث بين عشية وضحاها، ولكن أحداث الأسابيع القليلة الماضية أظهرت أنه لا يوجد خيار آخر سوى المضى قدمًا على عجل.
تهديد متزايد
ومع مواجهة أوروبا لتهديدات متزايدة، يتعين عليها أن تتكيف مع عالم حيث لم تعد التحالفات التقليدية مضمونة. ويحذر الخبراء من أن أوروبا عند مفترق طرق، ويجب على قادتها اتخاذ قرارات صعبة حول كيفية ضمان سلامة القارة وأمنها فى عالم حيث قد لا تلعب الولايات المتحدة دور الحامى.
وتلاحظ نيكول باخاران، عالمة السياسة فى معهد العلوم السياسية، أن الخطر الأكبر الذى يهدد أوروبا هو التقليل من خطورة إعادة تنظيم أمريكا. وتقول: "يعرف ترامب إلى أين يتجه"، مضيفة أن أوروبا لابد أن تبنى قدراتها العسكرية على وجه السرعة لحماية نفسها. إن التهديدات تجعل من الأهمية بمكان بالنسبة لأوروبا أن تتولى السيطرة على مصيرها.
*نيويورك تايمز