الاستدامة في الإمارات.. نمط حياة وقيم راسخة تتوارثها الأجيال
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
أبوظبي - وام
شكلت الاستدامة في دولة الإمارات، منذ القدم نمط حياة لدى الأجداد والآباء، الذين نجحوا في التكيف مع محيطهم وبيئتهم، والمحافظة على مواردها الطبيعية، رغم اعتمادهم شبه الكلي عليها في مختلف تفاصيل حياتهم اليومية.
وتحولت الاستدامة مع مرور الزمن إلى جزء أصيل في الموروث الثقافي والتراثي لدولة الإمارات، الذي حظي بعناية خاصة منذ عهد القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وصولا إلى يومنا هذا بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي يؤمن بأن حماية الإنجازات ومواصلة مسيرتها، تتطلب تحقيق التوازن بين الحداثة والحفاظ على الموروث من العادات والقيم الأصيلة للمجتمع.
وتمتلك الإمارات سجلا حافلا من المبادرات والممارسات البناءة، لتعزيز الاستدامة على المستوى المحلي والعالمي، توّجت بإعلان صاحب السمو رئيس الدولة عام 2023 عاما للاستدامة؛ لتسليط الضوء على موروث الدولة الغني في هذا المجال، ومن ثم توجيه سموه بتمديد مبادرة «عام الاستدامة» لتشمل عام 2024 أيضا.
وتسعى الإمارات جاهدة للمحافظة على إرث الاستدامة، ونقله بتفاصيله كافة للأجيال الحالية والمقبلة، عبر مجموعة من الطرق والوسائل من أبرزها المتاحف التي تزخر بالمقتنيات التي تجسد مكانة الاستدامة البيئية في المجتمع الإماراتي عبر التاريخ؛ إذ يوجد في دولة الإمارات نحو 55 متحفا حكوميا، فضلا عن العشرات من المتاحف الخاصة والقرى والأندية والجمعيات التراثية.
وتبرز المتاحف المنتشرة في أرجاء الدولة كواجهات ثقافية وتراثية مستدامة تعكس موروث وهوية أبناء الإمارات وتاريخها العريق الضارب في القدم، وهي تشكل في الوقت نفسه جسرا يربط الماضي بالحاضر، ومعالم حضارية تعكس مدى نجاح الإمارات في تبني وتطبيق أحدث التوجهات والأفكار العالمية في مفهوم الاستدامة الثقافية.
ومن أهم المتاحف في الدولة متحف الاتحاد، ويروي تاريخ الإمارات والمتحف البحري في أبوظبي، ومتحف ساروق الحديد الأثري، ومتحف الشارقة للفنون، ومتحف الشارقة للحضارة الإسلامية، ومتحف رأس الخيمة الوطني، ومتحف عجمان، ومتحف الفجيرة وأم القيوين.
وإلى جانب دورها في محاكاة التاريخ والتراث، تبرز متاحف الإمارات شغفا بالمستقبل وقوة الأفكار المتفردة لأبناء هذا الوطن المعطاء، إذ تمثل واجهات مستدامة ذات تأثير إيجابي في بنية مجتمع الألفية الثالثة، وتلعب دورا مباشرا في صنع وصياغة سياسات التعاون والتفاهم بين الشعوب، فضلا عن دورها في مد جسور التواصل الثقافي والمعرفي بين الشعوب وتعزيز قيم التسامح والحوار.
ويعد متحف اللوفر، في جزيرة السعديات بأبوظبي، منصة فريدة من نوعها لعرض أصالة الموروث المحلي والعربي، مع احتفائه بالحداثة والمعاصرة الفكرية في المنطقة، فيما تضم المنطقة الثقافية في الجزيرة، متحف «جوجنهايم» الذي سيكون حين تدشينه أحد المنجزات الرئيسة في المشهد الثقافي والفني والإبداعي في الإمارات.
بدوره، يحتفي متحف زايد الوطني، الجاري تطويره حاليا، بتاريخ دولة الإمارات الغني وثقافتها الثرية، كما تم إطلاق مشروع إنشاء متحف التاريخ الطبيعي في مارس 2022 الذي سيأخذ زواره في رحلة ملهمة عبر الزمن لاكتشاف 13.8 مليار سنة من التاريخ الطبيعي، تحكي قصة تطور عالمنا، ما يتيح لهم التعرف على نشأة الكون وصولا إلى إيجاد حلول لكوكب الأرض من منظور يحفز التفكير في الآفاق المستقبلية لكوكب الأرض وضمان مستقبل مستدام له.
ويصنف «متحف المستقبل» في دبي من ضمن أفضل متاحف المستقبل في العالم، ويعد أيقونة هندسية وتحفة معمارية تمنح زوارها مشهدا تخيليا عن الحياة في دولة الإمارات في عام 2071، وهو العام الذي ستحتفل فيه بمئويتها الأولى.
وفي موازاة اهتمامها بالموروث المادي، تعاملت الإمارات مع الموروث المعنوي على أنه كنز فكري وإبداعي، يعزز مفهوم الاستدامة، وأصبحت من هذا المنطلق الأولى عربيا والسابعة عالميا من حيث عدد العناصر المدرجة ضمن قوائم منظمة «اليونسكو» للتراث الإنساني غير المادي وسجلت 14 عنصرا خاصا بها مدرجا ضمن القائمة الأممية.
وأصدرت الإمارات العديد من التشريعات التي تعزز حماية واستدامة الموروث الثقافي والتراثي ومن أبرزها القانون الاتحادي رقم 11 عام 2017 في الحفاظ على الآثار الثابتة بالدولة بغرض تعزيز الهوية الوطنية والحفاظ على التراث الثقافي والكشف عن الآثار والتنقيب عنها وحظر البناء في المواقع الأثرية وفرض عقوبات مشددة على العابثين والمتلاعبين والمتاجرين بالآثار بغرض إحياء وإثراء التراث الوطني للدولة.
وتضطلع العديد من الدوائر والهيئات الحكومية، بمهمة الإشراف على المواقع الأثرية والتراثية، وتوفير الحماية اللازمة، وتحرص على ترميمها، وتأهيلها، والعمل على ديمومتها واستدامة محتوياتها، فيما تواصل الجمعيات والقرى والنوادي التراثية المنتشرة في مدن الدولة دورها في الحفاظ على الموروث الإماراتي الأصيل بمختلف بيئاته البحرية والصحراوية والجبلية لأجيال المستقبل.
وتلقى مئات المبادرات الشخصية، في تحويل كثير من المواطنين أماكن سكنهم الخاص، إلى قرى تراثية ومتاحف شخصية كل ترحاب من الجهات المختصة، كونها تعبر عن شغفهم بالإرث الثقافي والشعبي لدولة الإمارات، ورغبتهم الصادقة بالمساهمة في استدامته.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الإمارات الاستدامة دولة الإمارات
إقرأ أيضاً:
مسؤول أمني إسرائيلي سابق: لم نحقق الهدوء الذي طال انتظاره منذ أجيال
رغم توقف الحرب على غزة مؤقتاً، فقد بدا واضحا أن كافة قطاعات المجتمع الإسرائيلي أدركت إلى حدّ ما المخاطر المرتبطة بضعف قدرتها على تحمّل أثمان الحرب، التي أنتجت تغيرات دراماتيكية حدثت بين الإسرائيليين، لاسيما بعد مرور أكثر من خمسمائة يوم على اندلاعها.
الضابط شالوم أربيل، المسئول السابق بجهاز الأمن العام (الشاباك)، وأحد مؤسسي جيش جنوب لبنان، أكد أن "ما يدعو للحديث حول هذه المسألة الحساسة أن هذه الحرب أسفرت، وفق الأرقام المعلنة، عن 1800 قتيل، وآلاف الجرحى والمصابين الذين يكافحون من أجل إعادة تأهيلهم، و250 مختطفاً، ما زال العشرات منهم لم يعودوا بعد".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة "معاريف"، وترجمته "عربي21" أن "الإسرائيليين قد ينتصرون في معركة هنا وهناك، لكنهم سيعودون قريبا لوضع خطير وغير مستقر، ولن يحققوا الهدوء الذي طال انتظاره منذ أجيال، فقد شهد الجيل الأخير سلسلة من الجولات العسكرية في جبهتي الشمال والجنوب، بالتوازي مع سباق تسلح إيراني هائل نحو الأسلحة النووية، وفرض الاحتلال الرعب على نفسه، وضرب هنا وهناك من وقت لآخر، وهذا يعني ضمناً أنه أجّل النهاية، وهذه تبدو استراتيجية منطقية أيضاً".
وأشار إلى أنه "مع تزايد خيبات أمل الاسرائيليين بمحاولات تحقيق الهدوء الأمني، تحولت الدولة ببطء، ولكن بثبات، إلى منقسمة ومستقطبة، مليئة بالكراهية غير المبررة، والخطاب العنيف والخوف الشديد من الحرب الأهلية، فيما تم انتهاك التوازنات والضوابط على مرّ السنين بين سلطاتها، وقوبلت محاولات الحوار بالصمت من الجانبين، وفي السنوات الأخيرة، قبل الحرب، لم يتباعد الإسرائيليون فقط بسب الصراع مع الفلسطينيين، ولكن أيضا بشأن قضايا الحكم والجريمة والخدمة العسكرية والنظام القانوني وتوزيع الموارد، وغيرها".
وأكد أن "الإسرائيليين وصلوا إلى قاع المؤشرات كدولة نامية، وضعف قدرتهم على تحمّل الأعباء والأثمان المدفوعة، ولم يتم تنظيم العديد من القضايا المذكورة بشكل سليم، ولم يتم الاتفاق عليها، بل لا تزال غامضة للغاية حتى يومنا هذا، ولعلنا لا نحتاج للجنة تحقيق لتقييم أن ضعف مناعتنا الداخلية هي السبب الرئيسي وراء فشل الحرب حتى الآن، مما أوصلنا في السابع من أكتوبر إلى "فم الهاوية".
وأشار إلى أن "تلك الكارثة صحيح أنها تسببت بنهوض الدولة بالفعل، لكن ما زال أمامنا معركة طويلة، بما فيها عودة المختطفين الذين لم يعودوا بعد، ونواجه اختبارات أكثر صعوبة، وحتى أيامًا من الحداد، ولا تزال إيران، مع وكلائها، تشكل تهديدًا كبيرًا، ويبقى السؤال ليس تسليح أنفسنا بمزيد من الطائرات والصواريخ والأسلحة الأكثر تقدمًا، بل إن التهديد الأعظم يأتي من دواخلنا، لأنه لن يستطيع أي عدو أن يهزم الدولة إذا كانت محصنة داخلياً، وموحدة في داخلها، وفي حالة من الحدّ الأدنى من الفجوات والصراعات بين أجزائها".