"عذراء جبل الطير" أكبر الموالد المسيحية فى مصر.. 2.5 مليون عدد مريديه.. الدير يضم مغارة لجوء العائلة المقدسة.. وتتنتشر به المعجزات
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يقام مولد العذراء مريم في منطقة جبل الطير بمحافظة المنيا هو واحد من أكبر الموالد المسيحية في مصر، ويقام سنويًا عند مطلع شهر يونيو تزامنًا مع ذكرى دخول العائلة المقدسة إلى مصر.
ويشهد المولد حضور آلاف الزوار الذين يتوافدون للتبرك والصلاة وإحياء الذكرى، حيث يتمتعون بالأجواء الروحانية والأنشطة الدينية المختلفة مثل القداسات .
و"كنيسة السيدة العذراء بجبل الطير" هي واحدة من الكنائس القديمة والمعروفة في مصر ، وتقع هذه الكنيسة في قرية جبل الطير بمحافظة المنيا في صعيد مصر.
وتعتبر من الأماكن المقدسة التي يعتقد المسيحيون أن العائلة المقدسة زارتها خلال رحلتها إلى مصر ، يعود تاريخ الكنيسة إلى القرن الرابع الميلادي، وقد بنتها الملكة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير.
دير "جبل الطير" أو دير "جبل الكف" أو دير "البكرة" ويقع القبة الرئيسية للكنيسة فوق مناطق انتقالية حجرية ، والجدران الداخلية للكنيسة مزخرفة بمصاطب منحوتة للجلوس ، وهناك أيقونات وأحواض معمودية أثرية داخل الكنيسة.
والدير يقع مدخله الرئيسي في الجهة الغربية مواجه للهيكل، وجدران الدير مزدانة بالعديد من النوافذ، و في الجانب الشمالي للدير يوجد بروز يعلوه المنارة التي تضم جرس الكنيسة، وفي الجدار الغربي توجد أربعة نوافذ على شكل صليب، وهناك ممر مستطيل أمام باب الكنيسة الجنوبي ولوحة فسيفسائية في الجدار الشرقي.
حيث تمتاز الكنيسة بطراز معماري قبطي قديم، وهي محفورة في الصخر، مما يجعلها فريدة من نوعها، وتحظى الكنيسة بمكانة كبيرة لدى الأقباط في مصر، حيث يتوافد إليها العديد من الزوار والحجاج، خاصة خلال موسم عيد الصعود.
ويروى أن العائلة المقدسة (مريم العذراء، والطفل يسوع، ويوسف النجار) لجأت إلى هذا المكان خلال رحلتها إلى مصر، وتعد الكنيسة مكانًا مهمًا للسياحة الدينية في مصر، حيث يأتيها الزوار للتمتع بجوها الروحاني والاطلاع على تاريخها العريق .
والعائلة المقدسة أمضت أكثر من ثلاث سنوات في مصر، وتركت بصمات في أكثر من 25 موقع من سيناء إلى دلتا النيل وصعيد مصر، مما جعل تلك الأماكن مزارات دينية مهمة.
تطوير مستمر
قال القس ثاوفيلس خادم بدير جبل الطير في تصريح خاص لـ «البوابة نيوز» إن الدير به المغارة التي لجأت إليها العائلة المقدسة في القرن الأول الميلادي - وهي إحدى المناطق التي حددتها هيئة اليونسكو كأحد محطات العائلة المقدسة ، وهذه المغارة لها أهمية كبيرة حيث أقامت فيها العائلة المقدسة لمدة ثلاثة أيام، كما أشار إلى ذلك كل من البابا ثاوفيلس البطريرك الثالث والعشرون والبابا تيموثاوس البطريرك السادس والعشرون.
كما توجد كنيسة القرن الرابع الميلادي والتي أقامتها الملكة هيلانة في عام 328 ميلادي، هذه الكنيسة محفورة بالكامل في الصخر، بما في ذلك الأعمدة والجدران الرئيسية والمعمودية والحجاب المزخرف بالفنون القبطية كما تشتمل على نقوش للكنائس السبع في آسيا الصغرى وهي إفسوس وسميرنا وبرماغون وثياتيرا وسارد وفيلادلفيا ولاوديسيا .
وتم ترميم هذه الكنيسة على مدار خمس سنوات من 2018 إلى 2022 تحت إشراف هيئة الآثار والسياحة وبإشراف مطران سمالوط الأنبا بفنوتيوس.
وتم إنشاء الدير في عام 1976 بقرار من البابا شنودة الأول علي أسقف سمالوط، وقد شهد نهضة كبيرة تحت رعايته، حيث تم إنشاء 7 كنائس أخرى في الدير.
ويعتبر الدير والمناطق الأثرية به من أهم محطات العائلة المقدسة التي تستقبل السياح المسيحيين والمسلمين من جميع أنحاء العالم.
وأضاف أن جبل الطير في محافظة المنيا هو مقصد سياحي شهير في مصر يستقبل زوارًا من مختلف المحافظات المصرية وكذلك السياح الأجانب من مختلف الجنسيات والأديان.
وفيما فيما يتعلق بالزوار المحليين، فإن الدير يجذب زوارًا من محافظة المنيا بشكل خاص، ولكن أيضًا من محافظات أخرى في مصر. والدير يعتبر واحدًا من أهم المعالم السياحية في منطقة الصحراء الشرقية بمصر.
أما السياح الأجانب، فإن الدير يستقبل أعدادًا كبيرة من السياح من مختلف دول العالم، بما في ذلك من الأفواج الذي تأني إليه منهم فوج من روسيا ويُعد الدير وجهة سياحية شهيرة على المستوى الدولي.
أما عن عدد الزوار فقال عدد الزوار الذين يزورون دير السيدة العذراء في محافظة المنيا آخذ في الزيادة من عام إلى آخر.
وهناك ثلاثة أسباب رئيسية لهذه الزيادة المطردة في عدد الزوار:
1. تزايد مكانة السيدة العذراء مريم في الديانتين المسيحية والإسلامية، مما يجذب المزيد من الزوار.
2. كثير من الزوار يأتون إلى الدير للصلاة والشفاعة للعذراء مريم لحل مشاكلهم أو مساعدتهم على الإنجاب أو الشفاء، ويعودون في السنوات التالية للتعبير عن شكرهم.
3. انتشار المعجزات التي تنسب للعذراء مريم في الدير، مما يجذب المزيد من الزوار.
وفي الأيام العادية، يستمر تدفق الزوار لكن بشكل متباعد (كل أسبوع أو 10 أيام) ، أما في المناسبات الخاصة، فإن عدد الزوار السنوي يصل إلى 2.5 مليون زائر، من المسلمين والمسيحيين على حد سواء.
وعن حجم التطوير قال قد شهدت تطويرًا محدودًا على الرغم من زيادة أعداد الزوار إليها بشكل كبير على مر السنوات.
من الناحية الدينية، يعتبر المطران بفنوتيوس من سمالوط المسئول عن رعاية هذا الدير، كما أنه أقام السبع كنائس هناك.
ومع ذلك، فإن البنية التحتية والخدمات المقدمة للزوار في القرية التي يقع بها الدير لا تزال تعاني من قصور كبير، حيث تواجه مشاكل في:
- قلة المياه
- انقطاع الكهرباء المتكرر
- عدم اكتمال أعمال الصرف الصحي
- سوء حالة الطرق المؤدية للدير وعدم وجود إشارات إرشادية كافية
هذا بالإضافة إلى الخراب والأضرار التي لحقت بالقرية أثناء الثورات والاضطرابات السياسية وما زالت آثارها باقية حتى الآن.
لذلك، هناك حاجة ماسة لتطوير البنية التحتية والخدمات في المنطقة لمواكبة الزيادة الكبيرة في أعداد الزوار الذين يأتون لزيارة دير القديس أنطونيوس سنويًا، والتي قدرتها بـ 2.5 مليون زائر.
6fccf6e6-f43a-4788-8cb4-c407be31827f d879a0db-8232-4bf2-9e8e-7246daf9d149 10d1c374-91df-4adb-9ab8-b1f319052098 aa3224e9-9083-419e-8554-132f8d5265f6 d3c4d1ac-36d9-484a-8d7c-a5e0e3db52e7المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مولد العذراء دير جبل الطير المنيا السيدة العذراء الملكة هيلانة العائلة المقدسة عدد الزوار من الزوار جبل الطیر فی مصر
إقرأ أيضاً:
العقائد المسيحية .. ورد القرآن عليها
بناء على التفرقة بين النصرانية والمسيحية في المقال السابق «النصرانية.. في القرآن»؛ فهذا المقال يقرأ العقائد المسيحية التي سرت إلى جزيرة العرب كما وردت في القرآن.
لم يرد ذكر المسيحية في القرآن، وهذا عائد.. إما لعدم اعترافه بها، وإما لسيادة النصرانية في المنطقة حينها، بيد أنه حذّر من العقائد المسيحية واعتبرها شركا بالله. والمشركون بحسب القرآن هم مَن يشرك مع الله إلها آخر؛ بأي شكل من الأشكال، والشرك لفظ عام استنكره القرآن. ومن حيث الفرق فقد كان المشركون زمن البعثة المحمدية على ثلاث؛ كلها تعتقد بأن لله بنين وبنات، فالشرك لديهم يرجع إلى أصل واحد هو «شرك الولدية»؛ أي الاعتقاد بأن لله ولدا:
- فرقة تعتقد بأن الملائكة بنات الله: (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيما) [الإسراء:40]، (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء:26].
- فرقة تعتقد بأن الجن والشياطين بنين الله وبناته: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام:100-101]، (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانا مَرِيدا) [النساء:117].
- فرقة تعتقد بأن المسيح ابن الله، وهؤلاء الأقنوميون بمذاهبهم المختلفة؛ وهم الذين وصل إليهم دين المسيح عبر بولس «شاؤول الطرسوسي» (ت:67م) اليهودي، مؤسس المسيحية، ومضطهد تلاميذ المسيح عيسى بن مريم، وأما النصارى فهم من آمن بنبوته من اليهود.
عندما ظهر الإسلام.. كانت المنطقة من حوله منقسمة بين إمبراطوريتين: الرومانية البيزنطية والفارسية الساسانية، وكان الصراع محتدما بينهما، وقد استُقطبت الجزيرة العربية بينهما، فالغساسنة دخلوا في البوتقة الرومانية، والمناذرة دخلوا في البوتقة الفارسية، وكان الرومان ينشرون المسيحية، ويحاربون النصرانية؛ بكونها هرطقة منحرفة عن المسيحية. ولأن المسيحية هي دين بيزنطة فقد كانت لها الغلبة على النصرانية الموحدة؛ التي ظلت دعوة الفقراء والزهاد «الأبيونيين»، وإن وجدت في بعض الأحيان دعما من فارس، إلا أنه رهين بمعادلات الصراع السياسي، وليس خدمة للمعتقد الديني ذاته. غلبة المسيحية نالت من النصرانية المنتشرة في الجزيرة العربية، وأثرت عقائدها على كثير من النصارى، فشن القرآن حربه عليها، وامتدح النصارى الموحدين.
لقد حذّر القرآن من العقائد المسيحية؛ فقال الله: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) [المائدة:17،72]، وخاطب النصارى ناهيا إياهم عن الغلو بتأليه المسيح: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ) [النساء:171]. ويقرر القرآن أن عقيدة تأليه عيسى بن مريم ظهرت من بعده، ونسبوها إليه: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة:116-117].
أكد القرآن على أن عيسى بن مريم بشر كسائر البشر، فهو كآدم مخلوق من تراب: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران:59]. وصفوة القول فيه: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكا أَيْنَمَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّا، وَبَرّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارا شَقِيّا، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّا، ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) [مريم:30-34]، وما عدا هذا.. فهو غلوٌ في الدين. وأنى لله أن يتخذ ولدا؛ وهو الغني الذي بيده كل شيء؟ كما أنهم لا يملكون دليلا على دعواهم: (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [يونس:68]. والنصرانية.. تنفي أن يكون لله زوجة، فكيف لهم أن يتقبلوا العقيدة المسيحية بأن لله ولدا؟ يقول الله: (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام:101]؛ فلا ولد من دون أنثى تحبل به.
كان «معتقد بنوة المسيح لله» هو الأكثر حضورا في المنطقة، فقد ورثته الأديان المتأخرة من العقائد القديمة، لأنه منبثق من «شرك الولدية». وهو الأكثر تأثيرا على النصرانية، فقد تطور مفهومه الوثني القديم، وأصبح يُستعمل مجازا لدى بعض المتدينين بمعنى أن الإنسان هو محل تنزل رحمة الله عليه كمثل الابن الذي تحل عليه رحمة والده. ومع ذلك؛ فإن الله شنّع على هذا القول كثيرا في القرآن؛ لأنه يعكر صفاء توحيد الله، خاصة؛ عندما اعتقدت به المسيحية الأقنومية؛ فقالت ببنوة المسيح لله. لقد أنزل الله سورة بأكملها في رفض «شرك الولدية»؛ وهي «سورة الإخلاص»: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ)، ورد عليه في العديد من الآيات؛ كقوله: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدا، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئا إِدّا، تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدا، وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدا) [مريم:88-92]، وقوله: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء:26].. بل إن القرآن رفض كل أصناف القول بالولدية لله؛ فقال: (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدا، مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَة تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبا) [الكهف:4-5].
وإذ رفض القرآن القول ببنوة المسيح لله؛ فمن باب أولى يرفض القول بأنه هو الله، وقد وصف القرآن القائلين بذلك من بني إسرائيل بالكفر والشرك، وتوعدهم بالنار والحرمان من الجنة: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة:71]. ورفضُ هذا القول والردُ عليه يدل على أن العقائد المسيحية أثرت على معتقدات بعض النصارى. وقد اعتمد القرآن في رده على القائلين بهذا المعتقد على الحجج العقلية؛ كبيانه بأن المسيح وأمه فانيان كسائر البشر، وأن الله قادر على إهلاكهم جميعا: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ) [المائدة:17].
وحذّر القرآن من العقائد المسيحية القائلة بالأقانيم الثلاثة؛ الأب والابن والروح القدس، واعتبره غلوا في الدين وافتراء على الله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ) [النساء:171].
لقد انتصر القرآن للنصرانية القائلة بنبوة المسيح وبشريته ووحدانية الله؛ فأسلم كثير من أتباعها، وانتهت العقائد المسيحية من معظم المنطقة التي أسلمت ودانت لله بتوحيده.