حج البدل وسيلة اللبنانين العاجزين عن السفر لأداء الفريضة
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
بيروت- بحزن عميق، تعبّر حنان الخليل للجزيرة نت عن عدم قدرتها على أداء فريضة الحج، رغم اقتراب عمرها من الـ80، حيث بقيت لسنوات تجمع المال، لكنها الآن لم تتمكن من أداء الفريضة، وتقول: "روحي تشتاق للحج، لكن جسدي لم يعد يقوى على مشقته".
لجأت الخليل (76 عاما) لتفويض شخص آخر لأداء الحج بدلا عنها، وهي ظاهرة شائعة بين العائلات اللبنانية، حيث يتم توكيل شخص لأداء مناسك الحج نيابة عن فرد آخر غير قادر لأسباب خارجة عن إرادته، وهو ما من شأنه أن يكون وسيلة لتحقيق أمل الكثيرين بكسب الأجر عن طريق أداء الفريضة بالإنابة.
تقول السيدة المسنة إنها لجأت لهذه الخطوة وعقدت النية لحج البدل خوفا من انقضاء عمرها قبل أدائها، وتقول: "لا أحد يعرف متى ينتهي عمره، وأرغب في العمل لآخرتي والحصول على هذا الثواب العظيم".
وفي حالة أخرى، قرر أحمد قبلاوي هذا العام إرسال حاج بديل عن والدته المتوفية، تعبيرا عن برّه لها، وأشار للجزيرة نت أنه قام بذلك تنفيذا لوصية والدته الراحلة التي كانت تحلم بأداء فريضة الحج، معبرا عن أمله في أن يتقبل الله عمله، وأن يجعله في ميزان حسنات والدته.
الحج البديل هو مفهوم شائع في المجتمع اللبناني ووسيلة لأداء مناسك الحج بالإنابة (الجزيرة) أمر متكررومع اقتراب موسم الحج، يلجأ العديد من اللبنانيين لتوكيل أشخاص بدلا عنهم بسبب الصعوبات التي تمنعهم من السفر إلى مكة المكرمة لأداء هذا الركن الأساسي من أركان الإسلام.
ويروي حسن دياب، وهو أحد منظمي حملات الحجيج، تجربته بأداء حج البدل، حيث يطلب الكثيرون منه أداء الفريضة بدلا عن أقاربهم، ويشجعهم على ذلك أنه مرشد في هذه الحملات.
ويقول دياب للجزيرة نت، إنه يتلقى طلبات كثيرة من أشخاص يطلبون أن يحج بدلا عن آبائهم أو أمهاتهم، أو عن أموات لم يتمكنوا من أداء فريضة الحج في حياتهم، ويثقون بأنه سيقوم بأداء المناسك والشعائر المطلوبة على أكمل وجه.
ويحجّ دياب هذا العام بدلا عن شخص متوفّى، وهي ليست المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك، بل إنه سبق حج بالبدل أكثر من 10 مرات، ويوضح أن الناس تلجأ لتوكيل آخرين بالحج بسبب كبرهم بالسن أو لعدم قدرتهم على أداء المناسك لأسباب شرعية مانعة.
وعن تكاليف حج البدل، يقول صاحب حملة المهاجر للحج والعمرة إبراهيم عنتر، إنه يترتب على من يرسل شخصا آخر لأداء حج البدل أن يدفع تكاليفه كاملة وكأنه هو الذي سيذهب للحج، بما في ذلك المصاريف الشخصية للحاج المنتدب، وإذا كان الأخير لديه عائلة، فيجب أيضا تغطية مصاريفهم خلال الأيام التي سيغيب فيها.
ويوضح عنتر أن بعض الأشخاص أو القائمين على حملات الحج هذه الأيام باتوا يتعاملون مع هذا الموضوع بشكل مختلف، إذ يعتبرون حج البدل وسيلة لتخفيف المصاريف عنهم، باعتبار أن الشخص البديل ذاهب إلى الحج بكل الأحوال، وخاصة إذا كان مرافقا للحملة أو مرشدا لها، "أي أنهم يتعاملون مع الموضوع كتجارة" حسب قوله.
تتراوح تكلفة الحج في لبنان لهذا العام بين 4800 و6400 دولار (الجزيرة) ضوابط وأحكاميوضح الشيخ الدكتور عبد الله البقري للجزيرة نت أن الحج البديل يُعرف عند الفقهاء بمصطلح "النيابة في الحج"، ويتمثل هذا النوع في أن "ينوب شخص مسلم بالغ عاقل عن آخر في أداء فريضة الحج".
ويضيف البقري أن من الشروط التي يجب توافرها في الشخص الذي يرغب بالقيام بالحج البديل أن يكون قد أدى الفريضة عن نفسه من قبل، وفقا للمذهب الذي يعتمده جمهور الفقهاء، ويستثني البقري من هذا الشرط مذهب الإمام أبو حنيفة النعمان، الذي أجاز لمن لم يحج بعد، أداء الحج عن غيره.
وعن شروط الحج البديل، يشير البقري إلى أنه يمكن تطبيق النيابة في حج الفريضة في حالتين:
إذا مات شخص ما دون أن يسبق له القيام بالحج. أو في حالة من لا يستطيع السفر والوصول إلى بيت الله الحرام، مثل المرضى الذين لا يمكنهم السفر بالطائرات أو السيارات وما شابه ذلك.وفيما يتعلق بالأجر في حالة النيابة، يستشهد البقري برواية عن السلف، حيث سُئل سعيد بن المسيب "لأيهما الأجر؛ أَللحاج أم للمحجوج عنه؟" فقال سعيد "إن الله تعالى واسع لهما جميعا"، مشيرا إلى أن النائب يحصل على أجر مماثل للشخص الذي يُنوب عنه، وبالتالي كلاهما يتشاركان في الفضل والثواب.
يقدر عدد الحجاج هذا العام بنحو 7500 حاج لبناني وفلسطيني من اللاجئين بلبنان (الجزيرة) لا أرقام محددةومع بداية يونيو/حزيران الجاري، بدأ موسم الحج لهذا العام، حيث انطلقت أولى الرحلات الجوية بين بيروت والسعودية في الثاني من الشهر الجاري.
ويُقدر عدد الحجاج بنحو 7500 حاج بين لبناني وفلسطيني من اللاجئين في لبنان، وتتراوح تكلفة الحج لهذا العام بين 4800 و6400 دولار.
وفيما يتعلق بأعداد حج البدل في لبنان، لا تتوفر أرقام دقيقة وذلك لسبيين: الأول أن كل مسؤول عن حملة ينفرد بمعرفة عدد الحجاج بالبدل في حملته، والسبب الثاني يعود أحيانا لتوجه الكثيرين للحج نيابة عن آخرين دون إعلان ذلك للجميع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أداء فریضة الحج أداء الفریضة للجزیرة نت هذا العام بدلا عن
إقرأ أيضاً:
إقبال كثيف على إصدار جوازات السفر اللبنانية والسلطات تتأهب
بيروت– في مختلف المناطق اللبنانية، تشهد مراكز الأمن العام ازدحاما شديدا حيث يتوافد العشرات وأحيانا المئات من المواطنين حاملين أوراقهم الرسمية لتقديم طلبات للحصول على جواز السفر الذي يتيح لهم مغادرة البلاد هربا من الحرب الإسرائيلية التي أجبرت مئات الآلاف منهم على النزوح من منازلهم وقراهم وبلداتهم.
ومنذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي، وسعت إسرائيل من غاراتها الجوية وقصفها على لبنان، حيث تركّزت الهجمات في مناطق الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، مما أسفر عن استشهاد 3365 مواطنا وإصابة أكثر من 14 ألفا و344 آخرين، وفقا لآخر إحصائية أعلنتها وزارة الصحة.
كما أسفر التصعيد الإسرائيلي عن تدمير الكثير من المنازل والممتلكات، وأصبح البحث عن مكان آمن، بما في ذلك خارج البلاد، هدفًا لكثير من اللبنانيين خاصة مع تصاعد الأزمة الإنسانية والإغاثية وتفاقم الأوضاع المعيشية.
ولا يعد الازدحام في مراكز الأمن العام بهدف الحصول على جوازات سفر أمرا جديدا. فمنذ بداية الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي عام 2019، تزايدت طلبات استخراجها بشكل ملحوظ، حيث يسعى العديد من اللبنانيين للهرب من ضنك العيش وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية لليرة بحثا عن فرص أفضل بالخارج.
القصف والعدوان الإسرائيلي على لبنان يدفع العديدين إلى الفرار بحثا عن الأمان (رويترز) زيادة الطلبويقول رئيس دائرة العلاقات العامة بالمديرية العامة للأمن العام العميد رمزي الرامي، في حديث للجزيرة نت، إن الارتفاع في الطلب على جوازات السفر بدأ في أغسطس/آب وتزايد بشكل ملحوظ بعد الهجوم الإسرائيلي الذي وقع يوم 23 سبتمبر/أيلول، مما جعل المواطنين يشعرون بتأثير الحرب المباشر على حياتهم، فاندفعوا لتسريع إجراءات الحصول على جوازات السفر.
ومن جهة أخرى، تزامن هذا الاقبال مع موسم الذروة في سبتمبر/أيلول، حيث سعى اللبنانيون الذين أمضوا إجازة الصيف في البلاد إلى تجديد جوازاتهم قبل مغادرتهم. إضافة إلى ذلك، شهدت الفترة نفسها إقبالًا من الطلاب الذين تسلّموا نتائج امتحاناتهم، إلى جانب الراغبين في زيارة العتبات المقدسة بالخارج.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أكد العميد الرامي أن تدهور الوضع الاقتصادي بسبب الحرب دفع العديد من الشركات للإغلاق، خاصة في المناطق المتضررة مثل الجنوب، مما أجبر اللبنانيين على البحث عن فرص عمل في الخارج.
أما بشأن التحديات اللوجستية، فقد أوضح العميد الرامي أن الاقبال المتزايد على جوازات السفر شكل ضغطا كبيرا على مراكز الأمن العام، خاصة مع فقدان العديد من المواطنين جوازاتهم نتيجة تدمير منازلهم في المناطق المتأثرة بالقصف.
وفيما يتعلق بتأثير القصف على مراكز الأمن، أكد العميد الرامي أن الأمن العام وضع خطة استباقية لضمان استمرارية العمل رغم القصف، وذلك بنقل الوثائق إلى مراكز بديلة في بيروت والمناطق المجاورة، كما تمكنت المديرية من تعويض نقص الأفراد الناتج عن الظروف الأمنية في بعض المناطق عبر استقدام عناصر لتغطية الشواغر.
ولفت العميد الرامي إلى أن المديرية العامة للأمن العام اختصرت المستندات المطلوبة للحصول على جواز سفر، ووفرت تسهيلات كبيرة لمن فقدوا جوازاتهم نتيجة الأحداث، مما ساهم في تجاوز التحديات اللوجستية واستمرار تقديم الخدمات دون انقطاع.
وفي سياق الدعم الدولي، أشار العميد الرامي إلى تجاوب دول مجاورة كالعراق وسوريا، حيث سمحت للبنانيين بدخول أراضيها باستخدام مستندات شخصية، مما سهّل عليهم التنقل، كما أن دول الخليج قدمت مساعدات كبيرة عبر استقبال العائلات اللبنانية وتسهيل حصولهم على تأشيرات للالتحاق بأسرهم، بينما كانت أفريقيا وجهة لكثير من اللبنانيين الباحثين عن ملاذ آمن.
ورغم هذه الصعوبات، يوضّح العميد الرامي أن المديرية العامة للأمن العام تمكنت من تجاوز الأزمة بالتعاون الدولي، إذ تم تأمين 460 ألف جواز سفر بدعم من دولة قطر، وقد تسلمت المديرية 100 ألف جواز كدفعة أولى، مع خطة لاستلام 130 ألف جواز إضافي قريبًا، كما تعهدت الدولة اللبنانية بتوفير مليون جواز سفر لتلبية احتياجات المواطنين.
خيارات صعبةوقد التقت الجزيرة نت مواطنةً تدعى فاطمة وهي أم 3 أطفال وزوجها يعمل في أفريقيا "انتظرت هنا لساعات طويلة، أريد استخراج جواز سفر للمغادرة والالتحاق بزوجي في الخارج، البلد غير آمن.. أريد السفر للحفاظ على أولادي". ورغم ملامح التعب والإرهاق التي كانت تعلو وجهها، أكدت فاطمة ضرورة الحصول على الجواز مهما طال الانتظار.
في زاوية أخرى، تحدث يوسف البالغ 30 عامًا للجزيرة نت قائلاً "بسبب الحرب، فقدت عملي، والآن أريد السفر إلى الإمارات حيث تعيش أختي، أرغب في البحث عن عمل هناك، فالحرب أخذت منا الكثير، ونأمل أن نرى لبنان في حال أفضل".
أما أبو محمود، وهو في منتصف العمر، فقد ابتسم بغصة، وقال بصوت مخنوق للجزيرة نت "انتظرت طويلا، ولم أعد أشعر أن للوقت قيمة، أنا لا أرغب في السفر، لكن ابني يريد ذلك، لكن كيف لي أن أترك البلد في هذا العمر؟ كيف أرحل عن كل ما عشته؟ نحن أمام خيارات صعبة لكننا مضطرون".