الوضع السياسي يعكس مخاطره على النظام المؤسساتي واستمرار تدنّي التصنيف السيادي لا يطمئن
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
كتب علي زين الدين في "الشرق الأوسط": يستمر تدفق التحذيرات الدولية في بعديها السيادي والاقتصادي، من مخاطر إرباكات الوضع السياسي القائمة في لبنان ومساهمته التلقائية في تعريض نظامه المؤسساتي للخطر، وبما يشمل إزالة مفاعيل الإيجابيات المحققة في إدارة الاستقرار النقدي وتوازن المالية العامة في التحضير للتفاوض مع دائني الدولة واستعادة التواصل مع الأسواق الاستثمارية والمالية حول العالم.
وفي الترجمة الاقتصادية الفورية لهذه المخاوف، لم تتردّد وكالة التقييم العالمية "موديز"، في تقرير محدث، بالإفصاح عن أنّها لا ترتقب أي تحسّن في تصنيف لبنان في المدى القريب، باعتبار أنّ البلاد لا تزال عالقة في مجموعة أزمات عميقة، في حين أنّ الدعم الخارجي مرتبط بتنفيذ الدولة خطوات إصلاحيّة، فضلاً عن تأثيرات تدهور سعر الصرف وما نتج عنه من ارتفاع في معدّلات التضخّم ما تسبب في حالة من عدم الاستقرار. وأكدت أيضاً أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة مقابلة، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل. وبالمثل، لم يخرج لبنان من تصنيفه الضبابي ضمن فئة "الأسواق المنفردة" التي يعتمدها مصرف الاستثمار العالمي "مورغان ستانلي"، ما يؤثر تلقائياً على تفاقم مفاعيل العوائق الأساسية التي تتعلّق بحقوق المستثمرين الأجانب. بالمقابل، برزت إشارة مطمئنة نسبياً، تكمن في توقّعات وكالة "موديز" بأن يوقف الاقتصاد اللبناني سلسلة انكماشاته في عام 2024 الحالي، بحيث يرتقب أن تسهم السياحة القويّة وتدفقات التحاويل بتحسين مستويات الاستهلاك، مع التنويه بأنّ البلاد لا تزال عالقة في أزمة اقتصاديّة وماليّة واجتماعيّة عميقة لا يبدو أنّ المؤسّسات قادرة على معالجتها. ووفق تحديثات التصنيف الائتماني السيادي للديون الحكومية الصادرة عن وكالة التصنيف الدوليّة "موديز" بتاريخ 6 حزيران الحالي، استقر تصنيف لبنان السيادي عند " "Cالمتدنيّة، وعلى النظرة المستقبليّة المستقرّة. ويعكس هذا التصنيف احتماليّة مرتفعة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة من قيمتها الاسمية. في حين فشلت الحكومة السابقة واللاحقة في تنفيذ خطة إعادة الهيكلة التي تم الإعلان عنها في شهر نيسان 2020، وبعد فترة وجيزة من تخلّف الدولة عن سداد سندات "اليوروبوندز" في شهر آذار. وبالاستنتاج، فإن أي عمليّة إعادة هيكلة يجب أن تطول الحكومة ومصرف لبنان والقطاع المصرفي بالنظر إلى الروابط القوية بين هذه الأطراف الثلاثة. علماً بأن الحكومة السابقة أقدمت في ربيع عام 2020 على إشهار التعثر عن دفع شريحة من هذه الديون، ما انسحب على كامل الشرائح المتوزعة تباعاً حتى عام 2037، وبقيمة أصول تناهز 31 مليار دولار، يضاف إليها استحقاقات فوائد غير مسددة ترفع الإجمالي إلى نحو 40 مليار دولار. ويستند التصنيف السيادي إلى قياسات منهجية تشمل 4 مستويات أساسية، حيث سجّل لبنان نتيجة "caa2" في معيار القوّة الاقتصاديّة نظراً للانكماش الاقتصادي الكبير، ونتيجة "ca" بالنسبة للقوّة المؤسّساتيّة ما يعكس ضعف مؤسّسات الدولة. أمّا على صعيد القوّة الماليّة، فقد نال لبنان نتيجة "ca"، وهي نتيجة تعكس دين الدولة الكبير الذي قد يتسبب بخسائر كبيرة للدائنين في حال تعثّرت الدولة عن الدفع. كذلك حصل لبنان على نتيجة "ca" في معيار التعرُّض لمخاطر الأحداث، نظراً لمخاطر السيولة والتعرّض الخارجي اللذين لا يمكن معالجتهما من دون إعادة هيكلة شاملة للدين. أما بخصوص العوائق الأساسيّة التي تتعلّق بحقوق المستثمرين الأجانب، والتشريعات المتّبَعة في السوق، التي رصدها بنك الاستثمار العالمي، فقد سلّط الضوء على الحظر المفروض من قبل السلطات اللبنانيّة على التحويلات العينيّة والعمليّات خارج البورصة، إضافة إلى غياب سوق القطع "الأوفشور" ووجود قيود على المعاملات بالعملات الأجنبيّة، حيث يحظر على المستثمرين الأجانب تملّك أرصدة بالليرة اللبنانيّة، كما يجب ربط المعاملات بالعملات الأجنبيّة بمعاملات أمنيّة.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
لبنان الفرصة... الى متى؟
كتب محمد عبلدالله في" النهار"؛ سابقاً ظن اللبنانيون أن الانسحاب السوري من لبنان سيشكل مرحلة وفرصة جدية لبناء الدولة والمؤسسات في بلد نخره الفساد حتى النخاع مدى عقود.
لكن الترسبات السورية استمرت عبر أشخاص وتنظيمات اتبعوا أساليب المنظومة الأمنية السورية نفسها التي كانت تدير لبنان.
واستمر هذا الأمر حتى بزوغ فجر الحرية في لبنان في مراحل ثلاث:
- عام 2005 في 14 آذار المشهد اللبناني الجامع.
- عام 2015 حين انتفض الشعب إثر أزمة النفايات .
- وعام 2019 حين تفجر الشارع في ما عرفت بثورة 17 تشرين.
إذا، الفرص الضائعة التي مرت على لبنان مع ما رافقها من أعاصير دموية، يفترض ألا نستتبعها بالأسلوب نفسه في عام 2520 الذي لاحت في أفقه فرصة مهمة للبنان عبر انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية ويحظى برعاية الشرعية الدولية .
هذه الفرصة قد تكون الأخيرة إذا لم يتلقفها اللبنانيون ويبنون عليها لاعادة بناء دولتهم، وفقاً لما يتوافق مع المعايير المؤسساتية الدولية بعيداً من المغامرات الهمايونية.
فالزلزال الذي دمر لبنان في أعقاب ما سميت "جبهة الإسناد" التي كانت الشعرة الأخيرة التي قصمت ظهر التنظيمات والانظمة التوتاليتارية في المنطقة، والتي أدت في ما بعد الى سقوط سريع لنظام البعث الأسدي وهروب رئيسه الى موسكو.
غبر أن المصادفة القدرية في شهر شباط هذا العام الذي ينقسم بين الذكرى العشرين لاغتيال الرئيس رفيق الحريري وبين موعد دفن السيد حسن نصرالله، فلتكن فرصة توازي ما قاله يوماً الراحل الكبير غسان تويني لحظة استشهاد ابنه جبران: "فلندفن الأحقاد مع جبران ولنبني بلدنا". وهكذا اليوم الفرصة متاحة لدفن الأحقاد لا لنستثمر فيها!
وهنا تبرز مسؤولية جميع المكونات اللبنانية وعلى الأخص الطائفة الشيعية التي دفعت ثمناً غالياً، أن تكون في مقدم الدعاة الى بناء الدولة القوية العادلة التي تستطيع أن تؤمن التمويل لاعادة الأعمار والبناء على أسس متينة وقوية غير مرتهنة لأي محور أو سلاح خارج عن الدولة .