لجريدة عمان:
2025-01-31@02:49:30 GMT

الغرب وسوق «التَصهْيُن» الثقافي

تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT

لو لم يكن لـ «طوفان الأقصى» من حسنة سوى أنه كشف الوجه القبيح للانحياز الغربي السافر لإسرائيل، وزيف ونفاق التشدقات بحرية التعبير وحقوق الإنسان، لكفاه. آخر سلسلة هذه الانحيازات جاء من باريس؛ «عاصمة النور»، حين قررتْ بشكل مفاجئ إلغاء استضافة مقررة منذ سنتين للشعر الفلسطيني في مهرجان «سوق الشعر».

تتلخص الحكاية في أن الشاعر المغربي الفرانكفوني عبداللطيف اللعبي؛ الذي هو ممثّل الشعراء الفلسطينيين في فرنسا، باعتباره أول من ترجم الشعر الفلسطيني إلى الفرنسية في مختارات وكتب، بدءا من عام 1970م، تلقى رسالة رسمية في الثلاثين من مايو الماضي (2024م) موقعة من رئيس مهرجان «سوق الشعر» في فرنسا إيف بودييه ومديره العام فنسان جيمانو بونس، يعلمانه فيها بإلغاء قرار استضافة الشعر الفلسطيني في المهرجان السنة المقبلة، بعد نحو ثلاث سنوات من إبلاغهم إياه (في رسالة رسمية مؤرخة في 20 يوليو 2022م،) باختيار الشعر الفلسطيني ضيف شرف لدورة عام 2025م، وأنهم سيعتمدون المختارات الشعرية التي أنجزها وترجمها إلى الفرنسية، وصدرت ذلك العام (2022م) في سلسلة بوان» المهمة لدى دار سوي.

ولكن لماذا الإلغاء يا تُرى؟! لأن «الوضع المأساوي الراهن» لم يعد يسمح للمهرجان بمواصلة هذا المشروع، فــ «سوق الشعر سيتحول حينئذ إلى منتدى سياسي لا شعري» على حد تعبير الرسالة الموجّهة للّعبي.

نستطيع إضافة هذه الحادثة إلى إلغاءات أخرى كثيرة لكل ما هو فلسطيني أو له علاقة بفلسطين منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر الماضي، فعلى سبيل الأمثلة لا الحصر، تابعنا جميعًا بعد أيام من «الطوفان» حادثة إلغاء حفل منح جائزة «ليبراتور» للروائية الفلسطينية عدنية شبلي في معرض فرانكفورت للكتاب، وذلك «لجعل الأصوات اليهودية والإسرائيلية مرئية بشكل خاص في المعرض» كما جاء في بيان الإلغاء، هكذا بكل صفاقة! وفي الشهر نفسه ألغت جامعة بوتسدام الألمانية كلمة للمخرجة الفلسطينية إميلي جاسر، هي جزء من ورشة عمل كان مفترضًا أن تشارك فيها هناك. وفي العاشر من ديسمبر الماضي لم يكتفِ موقع Novinky.cz التشيكي بحذف حوار كان قد أجراه مع الفنانة الفلسطينية يارا أبو عطايا بعد ساعتين فقط من نشره، بل زاد على ذلك أنْ طَرَدَ المحررة التي أجرت المقابلة معها! وبعدها بشهر (أي في يناير 2024م) ألغت جامعة إنديانا الأمريكية معرضًا فنيًّا للفنانة الفلسطينية سامية حلبي كان مقررًا منذ ثلاث سنوات، وكان سبب الإلغاء منشوراتها في إنستجرام المتضامنة مع فلسطين! وهذا ليس مجرد استنتاج، بل هو ما أكده مدير الجامعة لسامية حلبي حين سألته عن سبب الإلغاء!

لم يكن التضييق حكرًا على الفلسطينيين فقط، فقد كان موجّهًا ضد كل من يُبدي أي تعاطف مع القضية الفلسطينية من ذوي الضمائر الحية، سواء كانوا من الغرب أو من الشرق. فبعد أقل من عشرين يوما على طوفان الأقصى، طُرد رئيس تحرير مجلة «آرت فوروم» الأمريكية ديفيد فيلاسكو من منصبه لنشره رسالة تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة وتحرير فلسطين، وهي رسالة كتبتها منظمة «فنّانون من أجل فلسطين» ووقعها نحو ثمانية آلاف من الفنانين المشهورين وأمناء المعارض وأعضاء من الوسط الفنّي الغربي. وفي نوفمبر الماضي، ألغت صالة عرض ليسون في لندن معرضًا مدرجًا في أجندة فعالياتها للفنان الصيني آي ويوي، بعد تغريدة له انتقد فيها الدعم الأمريكي لإسرائيل.

وفي ألمانيا ألغى متحف سارلاند في نوفمبر الماضي معرضًا فرديًّا للفنانة (اليهودية) الجنوب أفريقية كانديس بريتز كان مبرمجا في عام 2024م، بعدما نشرت تدوينة على حسابها في «إنستجرام» قالت فيها إنه «ينبغي دعم النضال الفلسطيني من أجل الحقوق الأساسية والكرامة الإنسانية، بما في ذلك التحرر من عقود من القمع». وفي ألمانيا أيضًا أُجبِرتْ مؤسسة «عيون» الثقافية، ومقرها برلين، على الإغلاق بعد سحب تمويلها عقابًا لها على استضافتها فعالية لمنظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام»، وهي منظمة يقودها يهود، تتعاطف مع القضية الفلسطينية وتنتقد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

يُلخّص كل هذه الأسباب الواهية وغير المقنعة لهذه الإلغاءات والتضييقات على كل ما هو فلسطيني عبارة قالها عبداللطيف اللعبي في رسالته الغاضبة لمهرجان «سوق الشعر» ردًّا على رسالته المُبلغة بإلغاء المشاركة الفلسطينية في المهرجان: «أعتقد أن الأسباب التي قدمتموها لتبرير مثل هذا التغيير في الرأي، هي أسباب متحيزة سياسيًّا، وغير محتملة من الناحية الأخلاقية».

وفي الحقيقة يمكن تسمية هذا المهرجان بصورته المنحازة هذه: «سوق التصهين» لا «سوق الشعر». وذات يوم ليس ببعيد، حين يوثِّق مؤرِّخٌ نزيه ما جرى بعد السابع من أكتوبر من انحيازٍ مطلق لإسرائيل، وصمت فاضح على جرائمها، وقمع ممنهج للصوت الفلسطيني وكل من يتعاطف معه، سيُنكِّس هذا الغرب المنافق رأسه خجلًا إذْ يرى صورته القبيحة في المرآة، هذا طبعًا إن تبقى في وجهه شيء من الخجل.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

إصلاح النظام الدولي.. لماذا وكيف؟

 

 

د. عبدالله الأشعل **

كشفت أزمة أوكرانيا وملحمة غزة أنَّ النظام الدولي ومؤسساته، تم بناؤها بعد الحرب العالمية الثانية بعقلية غربية؛ ففيما يتعلق بأوكرانيا فتحت روسيا ملف الصراع السياسي الممتد منذ روسيا القيصرية والشيوعية مع الغرب.

الغرب كان ضد روسيا القيصرية وضد امتدادها الإقليمي، أما روسيا الشيوعية فقد ناصبها الغرب العداء أملًا في خنق الشيوعية في مهدها، فاتخذت الولايات المتحدة مجموعة من المواقف باعتبارها قائدة للغرب على أساس أن روسيا تنتمى إلى الأمم الشرقية المتخلفة في نظر الغرب، والغرب منذ نشأته في القرن السادس عشر وذبول الدولة الإسلامية كانت نظرته استعلائية وكان العالم ينقسم في ذلك الوقت إلى مجموعتين المجموعة الأوروبية الاستعمارية المُترفعة على غير الأوروبي والمجموعة الثانية هي مجموعة الأمم غير الأوروبية التي يصح استعبادها ونهب ثرواتها لأنها تدفع للدول المتقدمة الأوروبية ضريبة تخلفها. ولذلك ابتكرت الدول الأوروبية ما يُسمى بالاستعمار وهو مصطلح إيجابي يعنى أن المتحضر يأخذ بيد المتخلف ويصعد به إلى المستويات الحضارية.

وبالفعل.. فإنَّ وسائل النظام الدولي قد تمت صياغتها لكى تعكس هذه الحقيقة الطبقية ومثال ذلك أنَّ الاستعمار غيَّر وجهه إلى صيغة تم تسويقها لدينا كذبًا وهي تحول نظام الاستعمار إلى الانتداب ثم في ميثاق الأمم المتحدة تحول الانتداب إلى الوصاية وكلها مصطلحات غربية تصور حقيقة المجتمع الدولي الطبقي فهم مجتمع سيد ونحن مجتمع عبيد، ومثال آخر أن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ممن شاركت في الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور أي معسكر الحلفاء ضد معسكر المحور وكان التصور عند صياغة ميثاق الأمم المتحدة أن تتسيد هذه الدول العالم وتقوم بإدارته، ولذلك مُنحت عددًا من الامتيازات أهمها ما يُسمى بحق الفيتو الذي يجب أن يستخدم لخدمة الصالح العام للمجتمع الدولي المُوحد.

ومثال ثالث أنه تمَّ النص في ميثاق الأمم المتحدة على أنَّ الدول تتمتع بالسيادة المتساوية صغيرها وكبيرها وهذا نفاق كبير. ومثال رابع أن الصين انقسمت عام 1949 بعد قيام الثورة الصينية إلى صينين الصين الكبرى وكانت شيوعية من الأمم الشرقية والصين الصغرى وهي الصين الوطنية وتنتمى إلى الغرب فكانت النتيجة أن الصين الصغرى هي التي احتلت مقعد الصين كلها في مجلس الأمن ولم يتم تصحيح هذا الموقف إلا عام 1971 عندما زار الرئيس نيكسون الصين الكبرى وقبل أن يدخل في علاقات عملية معها ولذلك سمح الغرب للصين الكبرى بأن تحل محل الصين الصغرى في مجلس الأمن ولا تزال الصين حتى هذه اللحظة تسعى إلى قمة النظام الدولي بهدوء وتخشاها الولايات المُتحدة منذ عقود.

مثال خامس النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الذي نصَّ في المادة التاسعة على انتخاب القضاة من مجموعات إقليمية حضارية وأهمها الحضارة الغربية، ونجد في النظام الأساسي نفسه مصادر القانون الدولي الذي يطبقه القاضي في المحكمة ومُعظم هذه المصادر متحيزة للغرب. والعرف هو ما تعارفت عليه الأمم المُتمَدْيِنة والمبادئ العامة للقانون هي مجموعة المبادئ التي استقرت داخل الأمم المتمدينة، وحتى الفقه الدولي يتكون من كتابات كبار الفقهاء وهم الأوروبيين.

وظنت الدول الصغيرة أنها قد بنت الدولة الوطنية المستقلة عن الغرب، ولكن ثبت أن الغرب أجلى قواته العسكرية، ولكن غيَّر وسائل هيمنته. وقد أظهرت الأحداث الدولية منذ نشأة الأمم المتحدة أن بنية القانون الدولي تبدو واحدة، ولكن يستحيل تطبيق القانون الدولي إلّا إذا كانت دولة غربية طرفًا في القضية مثل "أزمة لوكيربي".

والأزمة الأوكرانية هي صراع بين روسيا والغرب على أرض أوكرانيا. والحق أنَّ أوكرانيا كانت طوال قرون عديدة جزءًا من روسيا، وحتى عندما وزعت روسيا السوفيتية أسلحتها النووية اختصت أوكرانيا بجزء كبير منها، على أساس أنها من الجمهوريات الخمسة عشرة السوفييتية. كما إن الأسطول السوفييتي كله اتخذ من كييف ميناءً بحريًا له، كما إن شبه جزيرة القرم التي كسبتها روسيا في حربها مع الدولة العثمانية عام 1856 في اتفاقية باريس تقع أيضًا في أوكرانيا.

لكن بعد تحلل الاتحاد السوفييتي كانت في أوكرانيا حكومة موالية لموسكو، والغرب- الذي لن تتوقف مؤامراته ضد روسيا- حرض لقيام الثورة البرتقالية ضد الحكومة الأوكرانية الموالية لموسكو، وكان الهدف اختراق الأمن الروسي عبر أوكرانيا.

فلما بدأت موسكو حملتها في تأديب أوكرانيا وجدت الغرب كله قد اصطف لمحاربتها. ولجأت أوكرانيا بتحريض من الغرب إلى مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية والجنائية الدولية وأصدرت كل هذه المؤسسات قرارات تُدين موسكو وأصدرت الجنائية الدولية قرارًا بالقبض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتحقيق معه باعتباره "مجرم حرب"، وبالطبع انضمت الدول الخاضعة للنفوذ الغربي إلى الغرب في هذه المؤسسات؛ بل حاول الغرب أن يلغي حق الفيتو الذي تتمتع به روسيا ولكنه فشل وفرض الغرب كل أنواع العقوبات على روسيا.

الصراع هو بين روسيا والغرب على أرض أوكرانيا ولا يوجد صراع روسي أوكراني، ولذلك فإن محاولات الغرب تسوية المشكلة بينه وبين روسيا فاشلة؛ لأنه يريد أن يضغط من خلال أوكرانيا عسكريا على روسيا حتى يجلس بوتين مع الرئيس الأوكراني وفق تصور الغرب الخاطئ.

وما دام الصراع هو من وجهة نظر روسيا تصحيح ميزان النظام الدولي الموالي للغرب ومن وجهة نظر الغرب استمرار الهيمنة الغربية بما فيها مؤامرة تفكيك روسيا الاتحادية ومنعها من أن تكون دولة عظمى وكانت النتيجة أن كونت روسيا مع الصين وإيران معسكرا يناهض المعسكر الغربي واتضح أن النظام الدولي كله بمؤسساته يؤكد الهيمنة الغربية.

ملحمة غزة كاختبار للنظام الدولي

كان طبيعيًا لهذا النظام الدولي أن يتجاهل أعمال الإبادة الإسرائيلية واشترك الغرب كله بتوريد السلاح لإسرائيل واصطفافه خلف الولايات المتحدة في مجلس الأمن لحماية إسرائيل من النقد ووقف أعمال الإبادة. وصرح المعلقون العرب إلى القول بطريقة سطحية أن الغرب يكيل بمكيالين ولهذا لم يفهم المعلقون العرب بنية النظام الدولي وأزمته الراهنة وسقوطه في أول امتحان في أوكرانيا وغزة.

أسباب إصلاح النظام الدولي؟

وما دام النظام الدولي غربيًا ويُصر على ذلك فإن الدول العربية والإفريقية معرضه للضياع ولا يمكن أن تجتمع هذه الدول لكي تنشئ نظامًا دوليًا عادلًا من وجهة نظرها.

كيف نصلح النظام الدولي المنحاز لإسرائيل ضد العرب؟

الصراع المتعدد الأبعاد بين روسيا والغرب في أوكرانيا والصراع الإسرائيلي الغربي ضد الفلسطينيين وحدهم، هذا نظام ليس من مصلحتنا أن نكسره، لكن حدثت فيه شروخ عميقة، والمطلوب الآن أن تستجمع جميع المناطق قوتها الاقتصادية والسياسية وجميع مصادر القوة، حتى يمكن أن ينعقد مؤتمر دولي مثل مؤتمر سان فرنسسكو الذي أنشأ الأمم المتحدة. وفي هذا المؤتمر تتفق الأطراف جميعًا على قواعد للعلاقات الدولية التي لا تمكن إسرائيل من الافلات من العقاب ويمكن انشاء مؤسسات مكان التي عطبت.

لدينا ترسانة من القواعد القانونية المتراكمة والمعززة بقيم الدين وتقاليد الإنسان السويّ، كما إن لدينا قضاء دولي يحتاج إلى الروح وإلى قوة المناطق حتى تعادل قوة الغرب. أما الاعتماد على سياسة التوسُّل، فلن تُجدي ولا بُد أن تتحرر المناطق المختلفة من سيطرة الغرب ولا بُد من انشاء نظام جديد لا يكون فيه سادة وعبيد، وإلغاء حق الفيتو بالتوافق بين أطراف النظام الدولي الجديد.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
  • الغرب وكأس الشرق الأوسط المقدسة
  • إيران تبدي استعدادا مشروطا لمحادثات نووية مع الغرب
  • شعراء إسبان يشاركون في معرض القاهرة الدولي للكتاب لإثراء المشهد الثقافي
  • «رئيس الوزراء»: موقف مصر ثابت من القضية الفلسطينية والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني
  • وهب رومية: الأعمال الإبداعية موازاة رمزية للواقع الاجتماعي
  • وزير الخارجية: ندعم الحكومة الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الرافض للتهجير
  • إصلاح النظام الدولي.. لماذا وكيف؟
  • نائب محافظ أسيوط يتفقد إنشاء منطقة صناعية وسوق للخضر والفاكهة بالكوم الأحمر بالبداري
  • نائب محافظ أسيوط يتفقد إنشاء منطقة صناعية وسوق للخضر والفاكهة بالكوم الأحمر