قائد الثورة يتوّجه بالتهاني للشعب اليمني والأمة بدخول شهر ذي الحجة الحرام
تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT
الوحدة نيوز/ توّجه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بالتهاني والتبريكات للشعب اليمني والأمة الإسلامية كافة بمناسبة دخول شهر ذي الحجة الحرام.
وأوضح السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في “الدرس الأول من حكم أمير المؤمنين عليه السلام” أن شهر ذي الحجة من الأشهر المباركة، وفيه مناسباتٌ دينيةٌ في غاية الأهمية، وفيه يضاعف الأجر، وفرص فتح الله فيها أبواب رحمته لعباده.
وأشار إلى أن من ضمن مناسبات هذا الشهر المبارك أداء ركنٍ عظيمٍ من أركان الإسلام، وفريضة عظيمة مقدسة، هي فريضة الحج.. مبيناً أن الحج له أهداف عظيمة، وغايات كبيرة ومقدسة، ويعد من أهم معالم الدين الإسلامي، بعطائه الواسع.
وأفاد قائد الثورة بأن للحج أهمية على المستويين التربوي، والأخلاقي، وتزكية النفس، وعلى المستوى الروحي في الانشداد إلى الله تعالى، كما أن له أهمية على مستوى مسؤوليات الأمة، ووحدة كلمتها، وأخوتها، ومن أهم ما يرمز إلى وحدة المسلمين.
وعبر عن الأسف الشديد إزاء المعاناة الشديدة التي يواجهها المسلمون ليتمكنوا من أداء فريضة الحج، والفوز بما فيها من العطاء الكبير، الذي يمنّ الله به على عباده، بسبب القيود، والإجراءات، والتعقيدات التي يمارسها النظام السعودي تجاه المسلمين.
وتابع “هناك متاجرة من جانب النظام السعودي، ليس له فيها أي حقٍ أبداً تجاه فريضة الحج، فهو يبتز الحجاج، ويأخذ مقدماً الكثير من الأموال”.
وأردف قائلاً “في هذا الموسم هناك زيادة كبيرة في الالتزامات المالية، وفي الجباية والقيود المالية، التي تؤثر على الكثير من أبناء الإسلام، سيما مع الظروف الصعبة التي يعاني منها المسلمون، والشيء المؤسف أنه مجرد ابتزاز، واستغلال، وكسب محرم، يعني: ليس النظام السعودي بحاجة إليه”.
وذكر السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي أن “من حكمة الله أنه هيأ لأن تكون في بلاد الحرمين ثروة وسعة في الرزق، وكانت هذه المسألة في تدبير الله، منذ دعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام والذي استجاب الله دعوته”.
وقال “نحن في اليمن، بلد مجاور لبلاد الحرمين الشريفين، ومع ذلك معظم اليمنيين يعتبرون الحج مسألة معقدة في إجراءاتها، وترتيباتها، وكلفتها المالية”.. لافتا إلى “أن الكلفة المالية التي تؤخذ من الحاج مقدماً، بغض النظر عن النفقات التي يحتاجها هناك، حيث تستغل السلطات السعودية حتى هذه المسألة، وعندما يأتي موسم الحج يقومون برفع الأسعار، والإيجارات، ورفع أي تكاليف تتعلق به”.
وأشار إلى أن النظام السعودية يحاول أن يستغل الحج كمورد مالي، لكن إلى أسوأ مستوى يتخيله الإنسان، ثم يطلق على نفسه لقب خادم الحرمين، ويقدم نفسه على أنه يخدم الحرمين الشريفين، وهو يستغله للحصول على أموال هائلة جداً وابتزاز الناس.
وبين السيد القائد أن المعاملة مع الحجاج، والقيود التي تُفرض عليهم أثناء أداء فريضة وشعائر الحج، تأتي في إطار النظرة المذهبية الوهابية الضيقة، وأيضاً في إطار آخر يتمثل في التوجه السياسي للنظام السعودي الذي يطغى على كل شيء، ويكون هو السقف فوق شعائر الحج، وفوق ما فيه من فرائض، وأنشطة تُعزز الأخوَّة بين المسلمين، والتفافهم حول قضاياهم الجامعة ومسؤولياتهم المقدَّسة.
وتطرق إلى التوجه السياسي للنظام السعودي، الذي يجعل منه سقفاً، يحاول من خلاله أن يقلل من أهمية الحج، وشعائره، وما فيه من مناسبات وأمور مهمة تحت سقف توجهه السياسي.
وأكد أن النظام السعودي لا يمتلك الحق في تلك الممارسات والسياسات، التي حوَّل بها الحج إلى موردٍ ماليٍ من جهة، وفرض سياساته من جهةٍ أخرى، ومنها ممارسات تكررت في عدة أعوام، تستهدف الحجاج في حياتهم، وتؤثِّر على أمنهم وسلامتهم، بما فيها الاعتقالات.
ولفت إلى أن البعض من الحجاج سواء من اليمن أو مصر ودول أخرى اعتقلوا وهم يؤدون شعائر الحج في الديار المقدسة وفي الموطن الذي أراد الله أن يكون آمناً، وجعل له حرمته العظيمة.
وذكر قائد الثورة أن النظام السعودي يعتقل من يريد دون تقدير حرمة بيت الله الحرام والديار المقدسة، وحرمة شعائر الحج، والبعض يتعرض للاعتقال في العمرة التي لها حرمتها كذلك، لكنه ينتهك كل الحرمات.
وأشار إلى أن النظام السعودي ليس له الحق في كل تلك الممارسات، التي يدخل كثيرٌ منها تحت عنوان “الصَّدّ عن المسجد الحرام”، وتحدث عنها القرآن الكريم، مستعرضاً أبرز جرائم الكافرين في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما كانوا يسيطرون على مكة المكرمة ويتحكمون بشعائر الحج، وممارساتهم التي تدخل ضمن الصَّدّ عن المسجد الحرام.
وأفاد بأن السيطرة على مكة لا تعطي أي جهة مشروعية التصرف كما يحلوا لها، وتشاء وتريد، وفق سياساتها وتوجهاتها الخاطئة والمنحرفة عن تعاليم الله .. مضيفاً “ليس للنظام السعودي شرعية في قيوده وإجراءاته الظالمة والخاطئة، وكذا قيوده التي تشكل عائقاً لأكثر المسلمين عن الذهاب إلى الحج، أو عن أداء فريضة الحج كما ينبغي”.
وجدد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي التأكيد على أن الإجراءات التي تعيق الناس عن الذهاب لأداء العمرة وفريضة الحج، تدخل في عنوان “الصد عن المسجد الحرام”.. مبيناً أن القيود المالية، والإجراءات الظالمة والمعقدة، والمخاطر الأمنية من اعتقالات وتهديد، وقيود على أداء الفريضة تدخل تحت نفس العنوان، والتي تشكل معاناة للأمة، في عدم تمكُّنها من الاستفادة من ذلك الركن العظيم، الذي له أهميته الكبرى.
وأوضح أن المناسبة الأخرى في شهر ذي الحجة هي “عيد الأضحى”، الذي هو عيدٌ للمسلمين، وله أهمية كبيرة، وعلاقة بالحج نفسه، وفيه أيضاً تخليدٌ لموقفٍ عظيم، يمثل درساً عظيماً للأجيال البشرية إلى قيام الساعة.
واستشهد قائد الثورة بدرس قدّمه نبي الله وخليله إبراهيم مع ابنه نبي الله إسماعيل “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ”، في التسليم لأمر الله والمحبة والطاعة لله وإيثار رضا الله على كل الاعتبارات.. وقال ” العيد له دلالة مهمة في تعزيز الأواصر والروابط الأخوية بين المسلمين، والعناية بالفقراء، والمواساة لهم، والصلة لذوي الأرحام وغير ذلك”.
وتناول في الدرس الأول من حكم أمير المؤمنين عليه السلام، ذكرى حجة الوداع، التي ودَّع النبي “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” فيها أمته، وأعلن عن قُرب رحيله من الحياة الدنيا، وقدَّم فيها توجيهات وتعليمات ذات أهمية كبيرة جداً للأمة.
وتطرق إلى الفضل الكبير للثلث الأول من شهر ذي الحجة “الليالي العشر” التي وردت بمختلف المذاهب والمقصودة بقول الله عز وجل “وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ”، عندما أقسم الله بها في القرآن الكريم، وفضل الأعمال فيها، ومضاعفة الأجر، وأهمية الإكثار فيها من ذكر الله والتَّقَرُّب إليه بالأعمال الصالحة.
وحث السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي على الاستفادة من هذا الموسم العظيم بالقربة إلى الله والسعي للارتقاء الإيماني والأخلاقي، والوعي وزكاء النفس، كون الإنسان بحاجة مُلِحَّة للاستفادة من مثل هذه المواسم في واقعه النفسي.
وقال “في أجواء هذه المناسبات والمباركات، نقدم كما في العامين الماضيين دروساً من حكم أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي قال عنه رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”: عَلِيٌّ مَعَ القُرْآنُ، وَالقُرْآنُ مَعَ عَلِي”، وقال عنه أيضاً: “عَلِيٌّ مَعَ الحَقّ، وَالحَقُّ مَعَ عَلِي”، وسمَّاه أيضاً باب مدينة علمه.
ولفت إلى أهمية هذا الموضوع في حياة الناس، كعامل مؤثِّر في معيشتهم، واستقرارهم، ودينهم ودنياهم، وإدارة شؤونهم.. مضيفاً “مؤسف أن السائد في أوساط الأمة، بالذات النخب الذين يتأثرون بالرؤية الغربية، التي تعتمد عليها أمريكا وأوروبا والغرب بشكلٍ عام تجاه هذا الموضوع، يرونها الرؤية المثلى، ويدعون إليها، ويدفعون لتطبيقها والالتزام بها، والبعض في اتجاهٍ آخر لديهم أيضاً تمسُّك بمفاهيم خاطئة، حُسِبت على الإسلام وهو منها براء، ودجنت الأمة الإسلامية على مدى قرونٍ من الزمن للطغاة، الجائرين، المظلين، الظالمين”.
وشدد قائد الثورة على ضرورة الحاجة لاستيعاب الرؤية الصحيحة، التي قدَّمها الله تعالى في القرآن الكريم، وقدَّمها رسوله وخاتم أنبيائه محمد صلوات الله عليه وعلى آله، وتحرَّك على أساسها، وكان من نماذجها المستوعبة والملتزمة بها، أمير المؤمنين علي عليه السلام.
وأوضح “أن الرؤية الغربية لا تنسجم أبداً مع هوية الأمة، وأول أساس ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار في هذا الموضوع هو: هوية أمتنا وانتماؤها”.
وقال “انتماء أمتنا للرسالة الإلهية، بما فيها من مبادئ عظيمة، وقيم، وأخلاق، وتعليمات وشرع إلهي، وأهداف، وغايات مقدسة، يجعلها لا يمكن أن تنسجم أبداً مع الرؤية الغربية، التي تنسف القيم والأخلاق بشكل تام ووصلت إلى ما وصلت إليه من محاولة قنونة الشذوذ والفساد الأخلاقي”.
وتساءل السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بالقول “هل يمكن أن تنسجم أمتنا الإسلامية مع الرؤية الغربية؟ هم وصلوا إلى أسوأ مستوى من الانحطاط، وضرب القيم الإنسانية الفطرية، والقيم الإلهية، والأخلاق النبيلة، كل ذلك منسوفٌ عندهم، وما هم عليه من همجية وطغيان وإجرام تجلَّى في كثيرٍ من الأحيان، وآخرها دعمهم للعدو الصهيوني لارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني”.
وبين أن أمريكا تقدم نفسها على أنها أكبر نموذج لتطبيق الرؤية الغربية الليبرالية.. مضيفاً “نحن نرى أمريكا وماهي عليه من همجية وطغيان وإجرام وظلم، وفساد بكل أشكاله وفي المقدِّمة الفساد الأخلاقي، تستهدف بقية الأمم والشعوب، كما يقدّم العدو الصهيوني نفسه أيضاً نموذجاً آخر، ونحن نرى ما هو عليه من إجرام، وطغيان، وفساد، وظلم، وتوحش”.
وأضاف السيد القائد في ختام الدرس الأول “نحن نرى أنفسنا عبيداً لله لا نعبد إلا إياه، وهذه الرؤية تحررنا من العبودية لغير الله، وبالتالي لا نرى لأحدٍ من البشر الحق في أن يكون هو من يمتلك حق الأمر والنهي المطلق، والتشريع للعباد، لأن هذا هو حقٌ لله رب العالمين”.
المصدر: الوحدة نيوز
كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة الدكتور عبدالعزيز المقالح السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي السید عبدالملک بدر الدین الحوثی الرؤیة الغربیة أمیر المؤمنین شهر ذی الحجة علیه السلام قائد الثورة فریضة الحج الله ع ى الله إلى أن
إقرأ أيضاً:
معركة الجرف الكبرى و7 أيام سطر فيها الجزائريون ملاحم البطولة
في 16 فبراير/شباط 1957، وبينما كانت السلطات الفرنسية تحاصر حي القصبة في قلب الجزائر العاصمة، تمكنت بعد مطاردة طويلة من القبض على مناضل يحمل هوية باسم "عبد الرحمن عيبود"، لكن الجنود سرعان ما أدركوا أنها هوية مزيفة بعدما تأكدوا أنهم نجحوا بالفعل في القبض على أحد أهم مُفجري ثورة التحرير الجزائرية، وأحد ألد أعدائهم: محمد العربي بن مهيدي.
كانت الثورة الجزائرية قد اندلعت قبل ذلك بأقل من 3 سنوات، وكان بن مهيدي أحد قادة جبهة التحرير الوطني الستة الذين أطلقوا الثورة، لذلك فقد كان القبض عليه بالنسبة للسلطات الفرنسية بمثابة الحصول على كنز. لكن على مدار الأيام اللاحقة، اكتشف الفرنسيون أنهم، وإن كان صندوق الكنز معهم، لا يملكون المفتاح. تعرّض العربي بن مهيدي لتعذيب شديد من أجل انتزاع معلومات حول الخلايا الثورية وأنشطتها، لكنه لم يبح بأي سر.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أبراهام شتيرن الصهيوني الذي أراد التحالف مع هتلر من أجل إسرائيلlist 2 of 2أطلقوا عليه "سلطان العالم".. عندما استغاثت فرنسا بسليمان القانونيend of listوفي 7 مارس/آذار، أي بعد أقل من 3 أسابيع من اعتقاله، نشرت صحيفة لوموند الفرنسية خبرا بعنوان "انتحار العربي بن مهيدي في زنزانته بعد حالة اكتئاب".
لم يصدق الجزائريون الخبر، ولم يعترف الفرنسيون بالحقيقة إلا بعد 70 عامًا من اندلاع الثورة. ففي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أعلن قصر الإليزيه في بيان، أن رئيس الجمهورية "يعترف اليوم بأن العربي بن مهيدي، البطل الوطني للجزائر وأحد قادة جبهة التحرير الوطني الستة الذين أطلقوا ثورة الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، قتله عسكريون فرنسيون كانوا تحت قيادة الجنرال بول أوساريس".
طيلة السنوات الماضية حافظت الرواية الرسمية الفرنسية على القول بأن بن مهيدي انتحر في سجنه، رغم أن أوساريس نفسه اعترف بقتله في مذكراته التي نُشرت عام 2000.
أتى هذا الاعتراف ضمن سياق أوسع لإعادة قراءة تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر، حيث يبدو أن الاعتراف الرسمي بمثل هذه الأحداث قد يشير إلى تقدم تدريجي نحو مواجهة الماضي الاستعماري، وإخراج خفايا الزوايا التي حرص الفرنسيون على إخفائها طوال تلك العقود.
من تاريخ النضال الجزائريالحقيقة أن ثورة التحرير الجزائرية تعد ذروةً في مسار طويل ومعقَّد من المقاومة الشعبية، سواء السياسية أو المسلحة، ضد الاستعمار الفرنسي الذي غزا البلاد عام 1830، فقد بدأت هذه المقاومة بعد فترة قصيرة من بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر مع حركة الأمير عبد القادر الجزائري (1832-1847)، مرورًا بمقاومة أحمد باي (1837-1848)، ثم مقاومة الزعاطشة (1848-1849) وكذا مقاومة لالّة فاطمة نسومر والشريف بوبغلة (1851-1857)، وصولًا إلى بطولات الشيخ المقراني والشيخ بوعمامة (1871-1883)، وكلٌ منها كشف عن دور مجيد من أدوار النضال الجزائري الثوري ضد المحتل الفرنسي.
بالإضافة إلى هذه الحركات الثورية المسلحة، شهدت الجزائر أيضًا العديد من التحركات الشعبية عبر مختلف مناطقها التي أسهمت في تشكيل الوعي الوطني حتى بداية ثلاثينيات القرن العشرين، حيث ظهرت "حركة نجم شمال أفريقيا" في عام 1926 بقيادة مصالي الحاج، لتتحول بعدها في عام 1937 إلى "حزب الشعب الجزائري"، ثم في عام 1946 إلى "حركة انتصار الحريات الديمقراطية".
وفي داخل إطار هذه الحركة الوطنية التي كانت تزداد اشتعالا يوما بعد آخر، نشأت منظمة عسكرية سرية من مجموعة من المناضلين الذين كانوا يطمحون إلى إشعال ثورة مسلحة شاملة في عموم البلاد، استجابة لظروف داخلية وخارجية كانت تبدو مواتية في ذلك الوقت. وكان من أبرز هذه الظروف المجازر التي ارتكبتها فرنسا في 8 مايو/أيار 1945، والتي أودت بحياة أكثر من 45 ألف جزائري كانوا يطالبون بحقهم في الاستقلال والجلاء الفرنسي، على خلفية انتصار الحلفاء -ومنهم فرنسا- على النازية في الحرب العالمية الثانية، بعدما وعدتهم فرنسا بالحرية والاستقلال.
إضافة إلى ذلك شكَّلت هزيمة الجيش الفرنسي في معركة "ديان بيان فو" في الهند الصينية عام 1952، محفزًا قويًا لإطلاق الثورة الجزائرية، وذلك في وقت كان العالم يشهد فيه توسّعًا غير مسبوق لحركات التحرر الوطني، فقد أدرك الثوار الجزائريون أهمية المقاومة وجدواها، وأن قوى آسيوية استطاعت أن تقهر الجيش الفرنسي.
اشتعال ثورة التحرير الجزائريةولهذا السبب وبعدد بلغ حوالي 1200 مقاتل، وبامتلاك قرابة 400 قطعة سلاح، أُطلقت أولى الرصاصات من جبال الأوراس في شرق الجزائر لتشتعل الثورة في غرة نوفمبر/تشرين الثاني 1954 وتتوالى بعدها العمليات المسلحة في مختلف المناطق الجزائرية، مصحوبة بتوزيع منشورات باللغتين العربية والفرنسية لحض الناس والمقاومين على المواجهة والاستعداد. وقد سجّلت الإدارة الاستعمارية في الليلة الأولى من الثورة حوالي 30 حادثًا، كان أخطرها في مناطق الأوراس، والقبائل، والعاصمة، والشمال القسنطيني ووهران غربًا.
وفي رد فعلها الأول على هذه الأحداث، أصدرت الإدارة الفرنسية مرسومًا يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1954، يقضي بحلّ جميع المنظمات والهيئات السياسية الجزائرية، واعتقال أكثر من 500 مناضل ومسؤول في الحركة الوطنية، وكان هذا بداية سلسلة من الملاحقات التي تزامنت مع عدة عمليات مسلحة ضد مواقع وهيئات وشخصيات فرنسية، تبنّاها "جيش التحرير الوطني"، الجناح العسكري لجبهة التحرير الوطني. كما شهدت هذه الفترة اغتيال أبرز قيادات الجبهة، مثل المناضل ديدوش مراد في 18 يناير/كانون الثاني 1955.
وفي تلك الأسابيع الأولى، عملت جبهة التحرير الوطني على تعزيز التنظيم الداخلي لصفوفها وإنشاء شبكة لوجستية متماسكة قادرة على مواصلة المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي. وفي هذا السياق، استفادت الجبهة من شبكات الدعم المحلية، حيث وُزّعت المهام على المستوى الإقليمي لتنفيذ عمليات متفرقة وعمليات عسكرية على عدة جبهات، خصوصًا في مناطق القبائل، والأوراس، والغرب الجزائري، كما أدركت القيادة الجزائرية أن حرب الاستقلال تحتاج إلى إستراتيجية غير تقليدية، واستندت إلى تكتيكات حرب العصابات والكرّ والفرّ، مما جعل قوات الاستعمار غير قادرة على مواجهة هذه الهجمات المتنقلة.
كانت ردة فعل السلطات الفرنسية عنيفة وقاسية في مواجهة ثورة التحرير، ومع بداية الهجمات، اعتمدت فرنسا سياسة القمع العسكري المكثف، وبدأت في اعتقال آلاف الجزائريين المشتبه في انضمامهم إلى جبهة التحرير، كما شنت حملات اعتقال وتعذيب واسعة بهدف إحباط عزيمة الثوار، إلا أن هذا القمع لم يثنِ الثورة، بل عزز من إصرار الجزائريين، وكشف لفرنسا أن مواجهة ثورة شعبية منظمة ومستندة إلى قضية عادلة لن يكون بالأمر الهيّن.
خلال اجتماع ضم قيادات الثورة الجزائرية في أغسطس/آب 1955، تقرر تنفيد هجمات عسكرية لمدة 3 أيام متتالية تبدأ من يوم 20 أغسطس/آب، وقد وُزّعت خلالها المهام، وتم اختيار 39 هدفًا عسكريا وإستراتيجيا للفرنسيين في مناطق قسنطينة والخروب وسكيكدة والقل وعين عبيد وقالمة والميلية وأسطورة وفلفلة وغيرها من مناطق الشمال القسنطيني، وكان اختيار هذه الأماكن مقصودًا نظرًا لوجود منشآت عسكرية واقتصادية إستراتيجية من مطارات وموانئ ومراكز للشرطة والدرك ومصانع وخطوط سكك حديدية ومحلات تجارية.
وقد اعتمدت الهجمات على أساليب حرب العصابات، فعلى سبيل المثال في سكيكدة وضواحيها، هاجم المجاهدون مركز الشرطة والدرك وثكنات الجيش الفرنسي ومقر الحزب الجمهوري المتنقل والبنك المركزي ومحطة الكهرباء وبعض المحلات التجارية. وأوقع المهاجمون خلال 4 ساعات خسائر كبيرة في القوات الفرنسية ومصالحها، ويمكن أن نرى ذلك في العديد من المدن والمناطق الأخرى التي اتفق الثوار على استهدافها.
وقد حطم هجوم 20 أغسطس/آب 1955 الحصار الإعلامي الفرنسي والغربي الذي فُرض على الثورة وأحوال الجزائر، فانتقلت القضية إلى المحافل الدولية، وأصبحت تتصدر الصفحات الأولى من الجرائد العالمية، حيث تلقت قيادة الثورة دعوة للمشاركة في مؤتمر باندونغ بإندونيسيا والذي حضرته 29 دولة، وكان من نتائجه مصادقة هذه الدول على لائحة تطالب بحق الجزائر في الاستقلال، كما تعهّدت هذه الدول بتمويل القضية الجزائرية.
وفي 20 سبتمبر/أيلول 1955، طالبت 15 دولة من كتلة باندونغ بتسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال دورة أعمال الأمم المتحدة، رغم احتجاج فرنسا وادعائها أن القضية الجزائرية قضية داخلية لأن الجزائر جزء من فرنسا بمقتضى مرسوم عام 1834، ولا شك أن تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الدورة 10 للأمم المتحدة بعد مرور 10 أشهر فقط على اندلاع الثورة المسلحة، كان نصرًا كبيرًا من الناحية السياسية والدبلوماسية.
صورة أرشيفية تعود للثورة الجزائرية (مواقع التواصل الاجتماعي) معركة الجرف الكبرى ونتائجهايبدو أن فرنسا اشتط غضبها من هذه الأحداث، ولهذا السبب وفي فجر 22 سبتمبر/أيلول 1955، شنت القوات الفرنسية هجومًا عنيفًا على وحدات جيش التحرير في جبال منطقة الجرف الواقعة بولاية تبسة شرقي الجزائر. ولأن مناطق الشرق القسنطيني كانت من أنشط معاقل الثورة الجزائرية، أراد الفرنسيون ضربها في معقلها، وهي المعركة التي عُرفت في تاريخ الجزائر الحديث باسم "معركة الجرف الكبير"، لاستمرارها مدة أسبوع كامل، بل إن بعض شهود العيان يقولون إنها استمرت حتى 4 أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام، بحسب ما ذكره محمد العربي مداسي في كتابه "مغربلو الرمال.. الأوراس، النمامشة 1954 – 1958".
كان قائد هذه الجبهة شيحاني بشير قد اجتمع قُبيل الهجوم الفرنسي بأهل المنطقة يدعوهم للانضمام إلى جبهة التحرير، ويُفنّد الأكاذيب الفرنسية حول الثورة، بل ويشرح لهم خطورة السياسة الفرنسية التي تهدف إلى محو الهوية الجزائرية دينًا وقيمًا، وقد علم شيحاني أن نتائج هذا الاجتماع ستصل إلى الفرنسيين، ويبدو أنه كان يستدرجهم إلى جبال ومغارات الجرف لإشعال مواجهة اختلف المؤرخون، بل وحتى بعض رفاقه، في تقييمها بين مؤيّد لها ومعارض، كما يذكر الباحث تابليت عمر في كتابه "الأوفياء يذكرونك يا عباس.. عباس لغرور".
ومهما يكن، فقد استخدم الفرنسيون القصف المدفعي تمهيدا لتقدمهم على ثلاثة محاور: المناطق الشرقية، والشمالية، والجنوبية التي كان يتمركز فيها المقاومون وخاصة قلعة الجرف، وقد حاولت كتيبة دبابات وقوات مشاة الوصول إلى المدخل الشمالي للمنطقة، لكن الثوار تمكنوا من تدمير الدبابات الأمامية وإلحاق خسائر كبيرة بالمشاة، مما أدى إلى تراجع القوات الاستعمارية، حيث غنم المجاهدون كميات كبيرة من الأسلحة التي تُركت بجوار جثث الجنود الفرنسيين.
ورغم محاولات الطيران الحربي الفرنسي قصف موقع الجرف بكثافة، استطاع الثوار استدراج القوات الفرنسية إلى اشتباك عنيف دام 3 ساعات، كما أجبروهم على التراجع بعد أن نفّذوا هجمات من الخلف على الجبهات الثلاث، مما خلق حالة من الذعر والارتباك لدى القوات الفرنسية. وقد فشلت المدفعية الفرنسية في استعادة السيطرة، وواصلت وحدات المجاهدين الاشتباك مع القوات الفرنسية، مما أسفر عن اشتباك ثانٍ مع نجدات الفرنسيين التي حاولت دعم قواتهم الأساسية.
ومع حلول الليل تمكن الثوار الجزائريون من تطويق القوات الاستعمارية المحاصرة والقضاء عليها بالكامل، واستولوا على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة، بما فيها مدفعان من طراز بازوكا، وجهاز إرسال واستقبال لاسلكي.
في صباح يوم المعركة، بدأت القوات الفرنسية بقصف طويل المدى من مواقعها في الدرمون شرقًا والسطح غربًا، تلاهُ قصف مدفعيّ عنيف كغطاء لتقدّمها نحو قلعة الجرف، وقد استمرت الاشتباكات طوال اليوم رغم الدعم المتواصل للقوات الفرنسية التي فشلت في اختراق الموقع الدفاعي للثوار، وفي المساء وصلت تعزيزات من المجاهدين لدعم إخوانهم المحاصَرين، مما أسفر عن محاصرة القوات الاستعمارية من الجانبين، وأدى إلى تكبيدهم خسائر فادحة وفرار القليل منهم بدون أسلحتهم.
وفي اليوم الثاني جددت القوات الفرنسية قصفها الليلي، وحاولت استعادة مواقعها لكنها اصطدمت بالمقاومة العنيفة للمجاهدين، مما دفع الجنرال بوفر، قائد الفرقة الثانية للمشاة، إلى اعتبار قلعة الجرف عائقا شديد الصلابة في وجه العمليات الفرنسية الواسعة. وكانت القلعة تمثل حصنًا منيعًا في جبال الأوراس، وعرّضت القوات الفرنسية لصعوبات جمة في ظل توسع نطاق المعركة.
وفي اليوم الثالث، شنت القوات الفرنسية هجومًا جويًا ومدفعيًا مكثفًا، لكنها واجهت مقاومة شرسة من المجاهدين الجزائريين الذين تمكنوا من إسقاط 3 طائرات وتدمير دبابتين و3 عربات مدرعة، مما أجبر القوات الفرنسية على التراجع للمرة الثالثة وترك مواقعها بأسلحتها التي غنمها الثوار بعد سقوط العديد من الجنود الفرنسيين في ساحة المعركة.
وفي صباح اليوم التالي، تقدمت القوات الفرنسية من جديد تحت غطاء قصف المدافع والهاونات على ثلاث جبهات، لكنها اصطدمت أيضًا بوحدات المجاهدين التي تمركزت ليلاً في مواقعها وأعدت فخاخًا مُحكمة، حينئذ تعرضت القوات الفرنسية لهجوم شديد من الجهات الثلاث، أسفر عن أعداد كبيرة من القتلى والجرحى المنتشرين في ساحة المعركة. وعندما ازدادت خسائر العدو، تدخَّلت المدفعية والطيران بقصف شديد، استهدف مناطق تجمعات المجاهدين، ومع ذلك، تمكن الثوار من إحكام سيطرتهم والاستعداد لليوم الخامس من المعركة.
في ذلك اليوم عاد الفرنسيون للقصف المدفعي والجوي المكثف على منطقة الجرف والجبال المحيطة، حيث غطى القصف مساحات واسعة وصلت إلى 40 كلم2، ومع اقتراب القوات الفرنسية من مواقع الثوار الجزائريين فوجئوا بمقاومة عنيفة حيث تمكنوا من ضرب العدو بقوة في الصدور والرؤوس، وقد تزامن ذلك مع تزايد هطول الأمطار مما سهّل من مهمة خروج المقاومين، وصعوبة تقدم الفرنسيين بسبب الوحل، فسهل على المقاومين اصطيادهم، مما أجبر الجنود على التراجع وترك جثث زملائهم في ساحة المعركة، وفر الناجون منهم هائمين على وجوههم في الجبال المحيطة.
وقد تكللت المعركة بانتصار الثوار الجزائريين وتقهقر القوات الاستعمارية، واستشهد فيها ما بين 120 و170 مجاهدًا بحسب الروايات، بينما قُتل من الجانب الفرنسي 700 عسكري، وجُرح أكثر من 350 آخرين. وأشار مجاهدون شاركوا في هذه المعركة إلى أن الجيش الفرنسي عاد وأمطر منطقة الجرف بقنابل الطائرات وقذائف المدفعية والدبابات، بحسب ما ذكره الصادق عبد المالك في دراسته عن "الرواية الشفوية ودورها في تدوين معركة الجرف".
لم تتوقف المواجهات التي خاضها المقاومون المنسحبون من جبال المنطقة بعد ما حققوه من خسائر كبيرة في صفوف الفرنسيين، واستمرت في مناطق أخرى محيطة لمدة أسبوعين على الأقل، وقد استطاع القائد شيحاني بشير الخروج بصعوبة شديدة من بعض المغارات والنجاة بنفسه بعد حصار فرنسي كاد يقضي عليه.
غير أن معركة الجرف الكبير كان لها ما بعدها في مسار الثورة الجزائرية التي اكتسبت زخمًا كبيرًا في كافة الأراضي الجزائرية، وكانت دفعة قوية لاستمرار النضال من أجل طرد الاحتلال الفرنسي، وهو ما تم في نهاية المطاف بعد 7 سنوات مضت بحلوها ومرّها، قبل أن ينعم الجزائريون بعودة بلادهم إلى شعبها ودحر المستعمر.