إنشاء «حضانة صديقة للبيئة» من التربة والأخشاب وتتحدى التغيرات المناخية.. والانبعاثات الكربونية «صفر»
تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT
خبر لافت احتفت به وسائل الإعلام قبل أيام، عن إنشاء أول حضانة صديقة للبيئة على مستوى مصر والوطن العربى، فى مشروع رائد قامت به وزارة التضامن الاجتماعى، بالتعاون مع المركز القومى لبحوث الإسكان والبناء، التابع لوزارة الإسكان، ووزارة الإنتاج الحربى، باستخدام نظام إنشائى جديد صديق للبيئة، من التربة الطبيعية والأخشاب المحلية، فى قرية أغورمى بواحة سيوة.
كانت الصور المرفقة مع الخبر تشير لمبنى عصرى حديث يجمع بين التشطيبات والإضاءة الحديثة والألوان الزاهية والمرافق المخصصة لذوى الاحتياجات الخاصة، بجانب عناصر معمارية من التراث المعمارى المصرى القديم من «القباب والقبوات» وهى العناصر التى سبق أن حاول المهندس المعمارى العبقرى حسن فتحى إحياءها، ضمن مدرسة معمارية لفتت أنظار العالم، ولا تزال تجذب عديد من المهندسين للسير على دربها وتطويرها.
لكن خلف هذا الخبر الذى اهتم به الإعلام، اتضح أنه كانت هناك حكاية تعود بدايتها ربما لعدة سنوات مضت من التجارب والاختبارات، بين أكثر من جهة بحثية وتنفيذية مصرية، من أجل إبداع نظام إنشائى مصرى جديد يتواكب مع التحديات العالمية والمحلية الراهنة، والمتمثلة فى ضرورة توفير الطاقة والموارد، وتقليل التلوث والانبعاثات الكربونية، ومواجهة التغيرات المناخية.
المستشار الهندسى لـ«التضامن»: هدفنا الحد من تلوث «الأرض والماء والهواء» وإنشاء مبانٍ اقتصادية موفرة للطاقة تقدم بيئة معيشية أفضلفى مكتبه بمقر وزارة التضامن الاجتماعى بالعاصمة الإدارية، أخذ المستشار الهندسى لوزارة التضامن، المهندس لؤى أنس، يتحدث عن أسباب لجوء الوزارة للبناء بهذه الطريقة التى تدخل ضمن تقنيات ما يُعرف بـ«العمارة الخضراء أو البيئية»، مشيراً إلى أنه يأتى على رأس أهدافها: الحد من تلوث الأرض والماء والهواء، وتقليل الانبعاثات الكربونية المؤدية للاحتباس الحرارى، والتغيرات المناخية وما يصاحبها من ارتفاع درجات الحرارة، وهو ما يتم من خلال إنشاء مبنى موفر للطاقة، واقتصادى، ويؤدى لبيئة داخلية وظروف معيشية أفضل، ويُقلل من هدر الموارد بمعنى أن الموارد المستخدمة يمكن إعادة استخدامها، وهى الأمور المتوافرة كلها فى المبنى الجديد الذى تبنته الوزارة.
يتوسع المهندس لؤى فى شرح ما سبق، وتحديداً فكرة تقليل «الانبعاثات الكربونية»، مشيراً إلى أن «التلوث الكربونى له ثلاثة مصادر رئيسية، هى: المنشآت، والصناعة، والمواصلات»، لافتاً إلى أنه «على عكس الشائع فإن نسبة الانبعاثات الكربونية من المنشآت تمثل ما يقارب 43% من حجم التلوث على مدار العام، وهو أمر يبدأ من صناعة المنشأ نفسه، حيث إن صناعة الأسمنت ومواد البناء المختلفة تُسبب انبعاثاً كربونياً عالياً، بالإضافة لعملية إنتاج الخرسانة ذاتها، وكل ذلك يُسبب انبعاثات كربونية ضارة تؤدى للتغيرات المناخية»، مؤكداً فى الوقت نفسه أن المنشآت هى المسئولة عن النسبة الأكبر من الانبعاثات الكربونية، والنسبة الثانية والأقل تأتى من الصناعات المختلفة والمواصلات.
لذلك، حسبما يوضح المستشار الهندسى لـ«التضامن»، جاء البحث عن بدائل للخرسانة فى البناء، وهو ما تم بالفعل فى مبادرة حضانة سيوة الصديقة للبيئة، التى تعتمد كلها على مواد طبيعية متوافرة فى الدولة المصرية، تتكون من التربة الطبيعية، وأخشاب شجر الجزورين، وهى أشجار منتشرة بكثرة لدينا، وتتم زراعتها فى أى وقت وأى نوع تربة، وتُزرع فى محيط محطات معالجة الصرف الصحى، للتخلص الآمن وتعظيم الاستفادة من مياه الصرف المعالج، وفى نفس الوقت فإن العمر الذى تستغرقه الشجرة لتنمو بسيط بالمقارنة بأنواع أخرى من الأشجار، حيث إنها تصبح شجرة كاملة خلال 3 أو 4 سنوات تقريباً، وهى ثروة مُهدرة لأنه يتم استغلالها غالباً فى إنتاج فحم الشواء والتدخين والتدفئة.
وبالإضافة لما سبق، كما يضيف المهندس لؤى، فإن مشروع بناء الحضانة متطابق مع العديد من أهداف التنمية المستدامة الصادرة عن البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، ومنها مثلاً «العمل المناخى»، حيث إن المبنى الجديد يسعى للحد من الانبعاثات الكربونية والمساهمة فى مواجهة التغيرات المناخية، و«طاقة نظيفة» حيث إن مواد البناء المستخدمة فى المبنى تعتمد على طاقة نظيفة وتقلل الاعتماد على الطاقة الملوثة، و«الصناعة والابتكار»، حيث إننا ابتكرنا فكرة جديدة تسهم فى تحقيق هدف آخر وهو «مدن ومجتمعات محلية مستدامة»، بالإضافة لـ«الحفاظ على الحياة فى البر» الذى يتضمن حماية النظم البيئية، ومنطقة سيوة كما هو معروف منطقة بيئية يأتى إليها السياح من مختلف أنحاء العالم لهذا الهدف، وكذلك الحد من الفقر عن طريق تفعيل البعد الاجتماعى وتدريب واشتراك الأهالى فى أعمال البناء المختلفة.
الخامات المستخدمة دخلت فى اختبارات هندسية.. وتم إجراء أبحاث نشرت فى مجلات علميةولكل هذه الأسباب السابقة، كما يقول المهندس لؤى، فإنه: «عندما عُرضت الفكرة على معالى وزيرة التضامن الاجتماعى الدكتورة نيفين القباج وافقت عليها ودعمتها، وكان ذلك منذ نحو عام، واستعانت الوزارة بأهل الخبرة، وتحديداً المركز القومى لبحوث الإسكان والبناء، التابع لوزارة الإسكان، والذى يُعتبر جهة استشارية لجميع جهات الدولة، حيث دخلت الخامات المزمع استخدامها فى الاختبارات الهندسية المطلوبة مثل اختبار الضغط والانحناء ومقاومة الرياح، وامتصاص الرطوبة وغيرها، ونجحت، وتم إجراء أبحاث عليها نُشرت فى مجلات علمية أجنبية محترمة، ليكون المبنى بذلك أول مبنى بيئى من نوعه فى مصر والوطن العربى، حسب تأكيده.
النظام الإنشائى الجديد لم تدخل فى بنائه «خرسانات» وقلل التكلفة بنسبة الثلث ولا يمكن تفريقه عن أى مبنى عصرى.. ونخطط لتكرارهلم تكن تلك المرة الأولى التى تحاول فيها «التضامن» بناء «مبانٍ بيئية»، وفقاً لمستشارها الهندسى، «حيث كانت هناك محاولات سابقة فى محافظتى أسوان والأقصر، ولكنها كانت مقتصرة على استخدام طوب بيئى من خامات طبيعية وغير محروق وغير أسمنتى، بحيث لا يُسبب أى انبعاثات كربونية ضارة بالبيئة. لكن المبنى الجديد الذى تم بناؤه مؤخراً ويُعتبر الأول من نوعه، لم يدخل فى بنائه أى عناصر خرسانية أو استخدام للأسمنت بشكل موسع، بالإضافة إلى المميزات الأخرى التى ارتبطت به، ومنها السرعة فى التنفيذ، والتوفير فى التكلفة بنسبة تقترب من الثلث مقارنة بأى مبنى خرسانى، فضلاً عن البعد الاجتماعى الذى تمثل فى مشاركة أهالى المنطقة فى البناء، سواء بتوريد الخامات أو العمل بأيديهم، مما وفر فرصة لتحسين دخولهم».
وأوضح المهندس لؤى أن النظام المستخدم بديل عن الخرسانة المسلحة وقائم على استخدام مادتين طبيعيتين هما الخشب والتربة الطبيعية المعالجة المثبتة، حيث تم استبدال الهيكل الخرسانى للمبنى بهيكل خشبى، ثم يتم تشكيل وصب حوائط المبنى باستخدام التربة الطبيعية المعالجة المثبتة بسمك 10 سم، وذلك بديلاً عن حوائط الطوب بأنواعه، وبعد ذلك يتم عمل طبقات البياض الداخلى والخارجى بخلطة مكونة أيضاً من التربة الطبيعية المعالجة المثبتة، بديلاً عن البياض الأسمنتى العادى، وبعد ذلك يمكن عمل أى نوع تشطيب مطلوب طبقاً لنوعية المبنى، مؤكداً أنه رغم استخدام مواد طبيعية فى البناء إلا أنه خرج فى شكل «عصرى وحديث» بحيث لا يمكن تفريقه عن أى مبنى خرسانى آخر.
ولكل هذه المميزات يؤكد المستشار الهندسى لوزارة التضامن أن هناك خططاً موجودة حالياً بالفعل للتوسع فى استخدام هذه الطريقة فى البناء فى مبانٍ أخرى، بعد أن أصبحت جاهزة للتكرار والانتشار، حيث سيتم الاستعانة بها فى مبنى آخر فى الإسماعيلية، بالإضافة لسيوة نفسها التى احتفى أهلها بنموذج حضانة أغورمى صديقة البيئة وطلبوا تكراره.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: حضانة صديقة للبيئة الانبعاثات الکربونیة التربة الطبیعیة المهندس لؤى من التربة فى البناء
إقرأ أيضاً:
تشريح جثة حيوان عمره 130 ألف سنة
داخل مختبر في أقصى شرق روسيا، ينشغل العلماء في تشريح جثة تعود إلى 130 ألف سنة وهي لماموث عُثر عليها خلال العام الفائت في حالة حفظ مدهشة.
وقد احتفظ جلد "إيانا"، الذي لا يزال يلتصق به بعض الشعر، بلونه البني الرمادي، كما أن جذع الحيوان المتجعد منحن وموجه نحو الفم.
يمكن التعرف على مدارات عيني الماموث بشكل واضح، وقوائمه تشبه إلى حد كبير قوائم قريبه الفيل.
ويقول أرتيمي غونتشاروف، رئيس مختبر الجينوميات الوظيفية والبروتينات للكائنات الحية الدقيقة في معهد الطب التجريبي في سانت بطرسبرغ "إن هذا التشريح يشكل فرصة لنا لدراسة ماضي كوكبنا".
يبدو أن "إيانا"، وهي أنثى ماموث، نجت من ويلات آلاف السنين التي أمضتها في أحشاء الجليد الدائم في جمهورية ساخا الروسية، وهي منطقة عملاقة في سيبيريا.
وبحسب علماء روس، فإن الماموث "إيانا" التي يبلغ طولها 1,20 متر عند الكتف وطولها مترين، ووزنها 180 كيلوغراما، قد تكون أفضل عينة ماموث محفوظة في العالم.
المعدة والأمعاء والقولون
يبدو أن عملية التشريح، التي أجراها بضعة علماء في نهاية مارس الماضي، في متحف الماموث في ياكوتسك، عاصمة المنطقة، كانت بمثابة لقية استثنائية.
ببدلاتهم البيضاء المعقمة، ووجوههم المخفية خلف نظارات واقية وقناع، يمضي علماء الحيوان وعلماء الأحياء ساعات في العمل حول الجزء الأمامي من الماموث الذي انقرضت أنواعه منذ ما يقرب من 4000 عام.
يوضح أرتيمي غونتشاروف أنه "تم الحفاظ على العديد من الأعضاء والأنسجة بشكل جيد للغاية".
ويشير إلى أن "الجهاز الهضمي محفوظ جزئيا، وكذلك المعدة وأجزاء من الأمعاء، وخصوصا القولون"، باعتبارها العناصر التي يأخذ منها العلماء "الكائنات الحية الدقيقة القديمة من أجل دراسة علاقتها التطورية بالكائنات الحية الدقيقة الحالية".
بينما يقطع أحد العلماء جلد "إيانا" بالمقص، يُحدث عالم آخر شقا في الجوف باستخدام مشرط. وتُوضع الأنسجة، التي جُمعت بهذه الطريقة، في زجاجات وأكياس محكمة الإغلاق قبل التحليل.
على طاولة تشريح أخرى توجد الأجزاء الخلفية من الحيوان الضخم، والتي ظلت مغروسة في الجرف عندما سقط الجزء الأمامي في الأسفل.
وتبدو الرائحة المنبعثة من الماموث كأنها مزيج من التربة المخمرة واللحم المحفوظ في التربة السيبيرية.
سن الحليب
يقدر "العمر الجيولوجي" لـ"إيانا"، أي الفترة التي عاشت فيها، في البداية بنحو 50 ألف عام، ولكنه حُدّد لاحقا بأنه "أكثر من 130 ألف عام" بعد تحليل طبقة التربة الصقيعية التي وُجدت فيها "إيانا"، على ما يوضح ماكسيم تشيبراسوف مدير متحف الماموث في الجامعة الفدرالية الشمالية الشرقية في روسيا.
أما بالنسبة لـ"عمرها البيولوجي"، فيلفت تشيبراسوف إلى أن "من الواضح أنها كانت تبلغ أكثر من عام (عند نفوقها) لأن سن الحليب كانت قد نبتت لديها". ولا يزال يتعين تحديد سبب موت "إيانا" في سن مبكرة.
يكمن سر الحفاظ الاستثنائي على الماموث في "التربة الصقيعية" التي تبقى متجمدة طوال العام، وتشكّل ما يشبه ثلاجة عملاقة تحافظ على جيف الحيوانات ما قبل التاريخ.
ولكن جرى اكتشاف جيفة "إيانا" بسبب ذوبان الجليد الدائم، وهي ظاهرة يعتقد المجتمع العلمي أنها ناجمة عن الاحترار المناخي.
ويوضح أرتيمي غونشاروف العالم في سانت بطرسبرغ أن البحث الميكروبيولوجي يسمح بدراسة جيف الحيوانات مثل "إيانا"، فضلا عن "المخاطر البيولوجية" الناجمة عن الاحترار.