يمكن القول إن من أكثر أولويات رؤية «عُمان 2040» التي شهدت زخمًا في العمل عليها في الفترة الأولى من مسار الرؤية (2021 - 2025) هي أولوية «تنمية المحافظات والمدن المستدامة»؛ فقد استطاع العمل على هذه الأولوية إيجاد ما سميناه في مقالة سابقة «الزخم التنموي»، الذي يشكل ضرورة قصوى لتأكيد الاتجاه العام للدولة بمؤسساتها، والفاعلين التنمويين، وأدوات الاتصال التنموي نحو هدف معين.
منذ سنوات يشيع الحديث عالميًا عن تحول الاقتصاد العالمي إلى ما يُعرف بـ«اقتصاديات المدن»، حيث إن هناك مدنا بعينها حول العالم تولد القيمة الاقتصادية عبر توسع عمليات الإنتاج والاستهلاك فيها، وقدرتها على توفير الفرص الاقتصادية، وجذب رؤوس الأموال والاستثمارات، وتميز بناها الأساسية، والتسهيلات التي تتيحها لأنشطة الأعمال التنافسية، وتكامل النظم التشريعية لدورة الحياة والإنتاج فيها. وتظهر مؤشرات أن هناك اتجاهات عالمية في دور المدن في تحريك الاقتصاد العالمي؛ فعلى سبيل المثال تتوقع Oxford Economics «أن يتجاوز إجمالي الناتج المحلي للمدن الآسيوية إجمالي الناتج المحلي المجمع للمدن في أوروبا وأمريكا الشمالية بحلول عام 2035». وتشير توقعات ذات المؤسسة كذلك إلى أن المدن الإفريقية ستتحول إلى «قوة استهلاكية عالمية» بفضل الصعود الواسع لقطاع الخدمات. وتركز دول المنطقة كذلك على إيجاد مدن قاطرة لاقتصاداتها كما هو الحال في الرياض (المملكة العربية السعودية)، ودبي (الإمارات العربية المتحدة). ونعتقد أن ما تحقق من ممكنات لتنمية المحافظات خلال السنوات الحالية يمكن من وضع نموذج جديد للاقتصاد والحياة داخل المحافظات بناء على ميزها النسبية. وفي سبيل ذلك نعتقد أن الاتجاه الذي يجب التركيز عليه في المرحلة التالية هو كيفية تمكين المحافظات من أن تكون مولدة للفرص من ناحية، ومناطق جذب متكاملة من ناحية أخرى، سواء الجذب الاقتصادي أو الاجتماعي بكل ما يشتمل في منظوره من محددات.
هناك أطر نظرية كثيرة تفسر الكيفية التي تصبح بها المدن حول العالم مدنًا جاذبة، وتشترك هذه الأطر في بعض العناصر، فعلى سبيل المثال يقترح مركز
Centre for cities عددا من العناصر التي تحدد جاذبية المدن للفرص الاقتصادية والاستثمار ويصنفها في ثلاث مجموعات وهي: الأساسيات الاقتصادية وتشمل: «معدل نمو الأعمال والوظائف - قدرة الاقتصاد على تحمل الصدمات - جودة البنية الأساسية والقدرة على تحمل تكاليفها - مستوى مهارة القوى العاملة وجودة التعليم والبحث - العلاقات التجارية داخل وخارج المدينة - التركيبة القطاعية للاقتصاد - جودة المكان وبيئة المدينة وسهولة العيش» أما المجموعة الثانية فهي إدارة المدينة وتشمل: « رؤية المدينة - الخطط الاستراتيجي - الموقف والاتساق في القيادة - جودة إدارة المدينة - توفير المعلومات والبيانات» أما المجموعة الثالثة فهي العناصر العملية والاستثمارية وتتمثل في: «حجم المدينة وحجم السكان وعدد الوظائف والمؤسسات - كمية ونوع الأراضي والأصول المتاحة - نظام التخطيط - الضرائب والحوافز - تكاليف التعمير - الوصول إلى التمويل». يغلب على هذه العناصر طابع الجذب الاستثماري؛ ولكنها في تفاصيلها تتماس حتى مع طبيعة الجذب الاجتماعي للمدن وقدرة على استقطاب الناس أيما كانت مآربهم.
إذن كيف يمكن جعل المحافظات وجهات للجذب بالمفهوم المتكامل للجذب؟ نحاول عبر مقالة من جزأين تقديم بعض المنظورات التي قد تسهم في ذلك. وأولها تعزيز اللامركزية من خلال السياسات والنظم المرنة، ونقصد هنا إتاحة الفرصة للمحافظات لإيجاد سياساتها المستقلة في الجوانب التي تحتمل مرونة اللاتمركز ومنها سياسات العمل على سبيل المثال؛ هناك محددات عامة يمكن الاستناد إليها فيما جاءت فيه تشريعات ونظم العمل الوطنية؛ ولكن يمكن أن تعطى المحافظات مساحة معقولة في إيجاد نظم جديدة للعمل سواء فيما يتعلق بحوافز وامتيازات العاملين فيها، أو في أنظمة العمل المرنة التي تجدها مناسبة لخدمة جاذبية العمل في المحافظة، أو في طرق وأساليب تقديم الخدمات الحكومية عبر منافذها، أو في نوعية السياسات المحققة للتوازن بين الحياة الشخصية والمهنية لموظفيها. هذا في تقديري عنصر مهم في معادلة الجاذبية بالنسبة للمحافظات، وليس بالضرورة أن يكون خلال المدى القصير، ولكن يمكن دراسته من كافة أبعاده واختبار الفرضيات والتقاطعات التي من شأنها أن تيسر مثل هذا النوع من السياسات. لماذا لا يكون هناك تفكير عام متصور أنه بعد سنوات معينة يمكن للشاب الداخل إلى سوق العمل والممتلك لمهارات وقدرة تنافسية في السوق أن يفضل العمل في (س) من المحافظات لأن نظام العمل المرن فيها يتيح له أن يمارس مهارات أخرى، ويقدم أعمالًا حرة يكسب من ورائها دخلًا إضافيًا نتيجة المرونة المتحصل عليها في نظام عمله، أو أن عاملًا آخر يفضل الانتقال إلى (ص) من المحافظات لأن دورة العمل (التناوب) في بعض مؤسساتها يتناسب مع خياراته، ويحقق له نسق جودة الحياة الذي يتطلع إليه؟ نؤكد هنا مرة أخرى أن هناك أفقًا واسعًا لا يزال متاحًا للتفكير في لامركزية السياسات، من شأنه أن يخدم جاذبية المحافظات، ويعزز الحراك الاجتماعي داخلها. وسنستعرض في الجزء الثاني من هذه المقالة أفكارًا أخرى نراها في حدود منظورنا الضيق خادمة لهذا الاتجاه الوطني.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أسامة حمدان: لا يمكن القبول بفرض معادلة إما أن نُقتل أو نستسلم/ فيديو
#سواليف
رفض القيادي في حركة #حماس، أسامة حمدان، مشروع القرار الأميركي المتعلق بنشر قوة متعددة الجنسيات في #غزة ضمن خطة الرئيس الأميركي دونالد #ترامب لوقف #الحرب، مؤكداً أنه يتقاطع مع #مخططات_الاحتلال الرامية إلى #تصفية_القضية_الفلسطينية.
وأوضح حمدان في تصريحات صحفية، مساء الاثنين، أن المشروع لا يهدف إلى حماية الشعب الفلسطيني من #الإبادة، بل يسعى إلى إيجاد #قوة_بديلة_للاحتلال في القطاع، مؤكداً أنه يسقط أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية ويعزز قناعة الفلسطينيين بأن المقاومة هي السبيل لزوال الاحتلال.
القيادي في حماس أسامة حمدان: النموذج العربي الإسلامي الذي قدمته مصر هو الأمثل لإدارة قطاع غزة#الجزيرة_مباشر #غزة #المسائية pic.twitter.com/8feCWRnaun
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 17, 2025وأضاف: “أنه لا يمكن القبول بأن تُفرض علينا معادلة إما أن نُقتل أو نستسلم”، مشيراً إلى أن المشروع الأميركي يتعارض مع المواثيق والقرارات الدولية ويتجاهل حقيقة أن الاحتلال هو أصل المشكلة. واعتبر أن إقراره سيكون سابقة تُظهر تغلّب لغة القوة على الشرعية الدولية.
مقالات ذات صلة وفاة عامل في ميناء العقبة سقط عليه جسم حديدي من رافعة / صورة 2025/11/18وأكد حمدان أن النموذج العربي الإسلامي الذي قدّمته مصر هو “الأمثل لإدارة قطاع غزة”، مشدداً على أن سلاح المقاومة لم يكن مطروحاً على جدول مفاوضات شرم الشيخ.
ومن المتوقع أن يصوّت مجلس الأمن الدولي فجر الثلاثاء على مشروع القرار الأميركي الذي يدعم خطة ترامب للسلام في غزة. وينص المشروع على إنشاء “مجلس السلام” كهيئة حكم انتقالية للقطاع برئاسة ترامب نظرياً حتى نهاية عام 2027.
القيادي في حماس أسامة: لم يكن مطروحا في مفاوضات شرم الشيخ أي بند بشأن نزع سلاح المقاومة#الجزيرة_مباشر #غزة #المسائية pic.twitter.com/qrK60rorsk
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 17, 2025كما يخوّل المشروع الدول الأعضاء تشكيل “قوة استقرار دولية مؤقتة” تعمل بالتنسيق مع إسرائيل ومصر والشرطة الفلسطينية المدرّبة حديثاً، بهدف تأمين الحدود ونزع السلاح في قطاع غزة.