كان المشهد الذي تناقلته وسائل الإعلام لمخيم النصيرات في قطاع غزة وجثث الأطفال والنساء والشيوخ متناثرة في أرجائه، وصوت الشخص الذي يصور بكاميرا هاتفه ويصرخ «يا الله الجثث مقطعة» يسجل عارا جديدا للبشرية التي ما زالت تعيش لحظات الفرجة على ما يحدث في القطاع وكأنها تشاهد فيلم رعب منتجا بطريقة سينمائية احترافية.
ورغم بشاعة المشاهد وإجراميتها إلا أن هناك من يستمتع بها ولا يريد لها أن تتوقف كما هو الحال مع الإدارة الأمريكية التي لم تستطع حتى الآن أن ترى في كل ما يحدث انتهاكا لحقوق الإنسان أو خروجا عن القوانين ناهيك عن وجود جرائم إبادة! ولذلك ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأقوى في العالم وحامية النظام العالمي الذي يفترض أنه يقوم على قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام القوانين، ما زالت عمليا تدعم «دفاع إسرائيل عن نفسها جراء ما حدث في ٧ أكتوبر» ولذلك لم تستطع حتى الآن أن ترى ما حدث منذ اليوم التالي لـ ٧ أكتوبر حتى الآن!
إن موقف الولايات المتحدة المشين لا يشوه مصداقيتها فقط ولكنه يسجلها شريكا أساسيا في كل الجرائم التي تحصل في قطاع غزة خاصة وأنها ترتكب بسلاح أمريكي وبدعم استخباراتي من أمريكا وحماية أمريكية سواء كانت حماية عسكرية أو سياسية وقانونية.
إن الدعم الأمريكي التاريخي لإسرائيل ولجرائمها في فلسطين يتجاهل، عمدا، تأثير ذلك على المدنيين الأبرياء في هذه الحرب التي ينادي العالم بضرورة وقفها فورا لأنها تجاوزت كل القيم والمبادئ، وهذا يعطي الدعوات التي تؤكد على تواطؤ أمريكا مع جرائم إسرائيل مصداقية أكبر خاصة أن أمريكا بقيت طوال هذه الحرب ترفض أي اتهامات ترى أن إسرائيل متورطة في جرائم حرب أو إبادة جماعية أو أي سوء سلوك من إسرائيل، وهو ما يعتبره الكثيرون تجاهلا واضحا للأزمات الإنسانية التي تتكشف في غزة.
ولا يبدو أن أمريكا وحدها في هذا التوجه رغم أنها تقوده وتحميه، حيث تبنت بريطانيا وفرنسا وبعض الدول العربية بشكل غير مباشر أحيانا موقفا دفاعيا فيما يتعلق بالتصرفات الإسرائيلية. وردد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك مشاعر التضامن مع إسرائيل، مؤكدا أهمية الأمن بينما قلل من الخسائر البشرية الكارثية على الفلسطينيين. كما حافظ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على درع دبلوماسي فوق إسرائيل، داعيا إلى السلام لكنه لم يصل إلى حد إدانة جرائم الحرب الواضحة، وعملت دول عربية على إحباط بيانات عربية في اجتماعات مشتركة تدين إسرائيل وحدها بعبارات واضحة لا لبس فيها لصالح بيانات ملتوية تدين العنف أيا كان مصدره في إشارة إلى عنف «المقاومة»!
وهذا الدفاع القوي من جانب القوى الغربية يقوض مصداقيتها على الصعيدين الدولي والمحلي. وعلى الصعيد العالمي، يخلق هذا تصورا بوجود معايير مزدوجة في تطبيق القانون الدولي، حيث تطغى المصالح الجيوسياسية على حقوق الإنسان. وعلى الصعيد المحلي، يثير هذا انتقادات وخيبة أمل بين المواطنين الذين يتوقعون من حكوماتهم أن تتمسك بمبادئ العدالة والإنسانية. وهذا التناقض الصارخ بين خطاب حقوق الإنسان وواقع الإجراءات السياسية في الدول الغربية يؤدي إلى تآكل الثقة بالقيادة ويغذي السخرية من أنظمة كان يتوقع أنها أكثر حرصا على صورتها الذهنية وعلى تاريخ بلادها.
وسعت هذه الدول إلى إحباط فاعلية المنظمات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية. وهذه الهيئات المكلفة، نظريا على الأقل، بالحفاظ على السلام العالمي وضمان المساءلة، إلا أن بعض الدول الكبرى عطلت فاعليتها وأعاقت عملها بالكثير من الضغوطات السياسية. إن الفشل في التصرف بشكل حاسم في مواجهة الأدلة الواضحة على الفظائع المرتكبة في غزة يسلط الضوء على ضعف مؤسسات النظام العالمي أو توجيه عملها ليكون موجها وفق رغبات الدول الكبرى لا وفق القواعد وبما يخدم العدالة والمساواة بعيدا عن المعايير المزدوجة.
إن استمرار الفرجة على ما يحدث في غزة لا يلطخ الدول الكبرى بالعار وحده لكنه يقوض مصداقيتها ويشظي وجودها وجوهرها أمام العالم وأمام شعوبها.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
"القومي لحقوق الإنسان" يطلق مؤتمر اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة
مشيرة خطاب: هناك اهتمامًا رئاسيًا كبيرًا بملف ذوي الهمم
القومي لحقوق الإنسان يطالب بتعديل المادة 80 لتحديد الطفل حتى 18 سنة
محمد ممدوح: "القومي لحقوق الإنسان" يدعم التمكين الاقتصادي لذوي الإعاقة
مشيرة خطاب: القانون 10 لسنة 2018 يمثل خطوة متقدمة في تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
أطلق المجلس القومي لحقوق الإنسان، اليوم الأحد، 22 ديسمبر 2024، فعاليات مؤتمر اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، والذي نظمه المجلس بأحد فنادق القاهرة الكبرى، بحضور جمع كبير من ذوي الهمم ورؤساء وممثلي الأحزاب السياسية، إضافة لعدد من الجمعيات والوزارات المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
وشارك في الجلسة الافتتاحية السفيرة مشيرة خطاب رئيس المجلس، والسفير محمود كارم، نائب رئيس المجلس، والسفير فهمي فايد أمين عام المجلس، والدكتور محمد ممدوح عضو المجلس، بالإضافة إلى نحو 15 عضوًا من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، و20 ممثلًا عن الأحزاب المختلفة، و60 جمعية حقوقية.
افتتحت السفيرة الدكتورة مشيرة خطاب، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، احتفالية المجلس بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، مشيرة إلى الدور البارز الذي يلعبه المجلس في تعزيز حقوق ذوي الهمم وتمكينهم، وتسليط الضوء على الثغرات الموجودة على أرض الواقع والعمل على سدها، بما يعزز من حقوقهم في مصر، مؤكدة على وجود اهتمامًا رئاسيًا كبيرًا بهذا الملف، مما ينعكس إيجابًا على وضع ذوي الهمم.
وقالت "خطاب"، خلال كلمتها في احتفالية اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، إن دستور 2014 يُعد الأكثر تميزًا من الناحية الحقوقية في تاريخ الدساتير المصرية، مشيدة بدور لجنة الخمسين والإعلام في إعلاء القيم الحقوقية للدستور.
القومي لحقوق الإنسان يطالب بتعديل المادة 80 لتحديد الطفل حتى 18 سنة
وأكدت "خطاب"، على ضرورة تعديل المادة 80 من الدستور التي تعرف الطفل بأنه "كل من لم يبلغ سن 18 سنة"، موضحة أن التعديل المقترح يهدف إلى مواءمة الدستور مع القانون رقم 126 لسنة 2008، الذي يضمن التزام الدولة المصرية بحد أدنى للسن في القضايا المتعلقة بالأطفال، لافتة إلى أن هذا التعديل يمثل تصحيحًا لخطأ تشريعي نرجو أن يتم النظر فيه بجدية من قبل أعضاء مجلس النواب لتضمينه في الدستور.
القانون 10 لسنة 2018 يعزز حقوق ذوي الإعاقة
وأشارت رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، إلى الدور الذي يكفله الدستور المصري لكل فرد والحق في التمتع بحقوقه كاملة دون أي تمييز على أساس الدين أو العرق أو المركز الاجتماعي، مضيفة: أن القانون رقم 10 لسنة 2018 يمثل خطوة متقدمة في تعزيز حقوق وكرامة الأشخاص ذوي الإعاقة، مؤكدة أنه يضع الاتفاقيات الدولية في مرتبة التشريعات الوطنية، مما يُلزم الدولة المصرية بالعمل على ضمان حقوقهم كاملة.
وأوضحت خطاب، أنه على الرغم من التقدم الملحوظ في هذا المجال، إلا أن هناك صعوبات ما زالت تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة، مثل كود البناء الذي يمثل واحدة من التحديات التي تواجههم، مؤكدة أنه يحتاج إلى تعديلات تشمل الأبنية القديمة لتسهيل استخدامها من قبل ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى أهمية الاستفادة من مقترحات المجتمع المدني التي تأتي بناءً على الممارسة الفعلية على أرض الواقع.
ومن جانبه أكد الدكتور محمد ممدوح، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ورئيس وحدة الإعاقة بالمجلس، اهتمام المجلس بدعم وتعزيز الفئات الأولي بالرعاية عمومًا وبالأشخاص ذوي الإعاقة على وجه الخصوص؛ وذلك لتحقيق المساواة وعدم التمييز والحد من الفقر بما يدعم تحقيق المستوي المعيشي المناسب لمختلف فئات المجتمع بما لا يترك أحدًا خلف الركب إعمالاً لاستراتيجية التنمية المستدامة 2030.
التمكين الاقتصادي لذوي الإعاقة
وأوضح ممدوح، اهتمام المجلس القومي لحقوق الإنسان بموضوع جديد لتحقيق التمكين الاقتصادي لذوي الإعاقة، وهو الشمول المالي لذوي الإعاقة بالقطاع المصرفي، وذلك في ضوء قيام البنك المركزي باطلاق إستراتيجية الشمول المالي (2022-2025)، وقيام البنك المركزي باصدار أول كتاب دوري لتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة داخل القطاع المصرفي.
دعم وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
وتابع: وإيمانًا من المجلس القومي لحقوق الإنسان بأهمية رصد وتوثيق ومتابعة ما تم انجازه داخل القطاع المصرفي لدعم وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بما يعزز الحقوق الاقتصادية للأشخاص ذوي الإعاقة ويحقق الشمول المالي للفئات الأولى بالرعاية وذلك وفقا لمعايير البنك المركزي والتي أقرها بموجب الكتاب.