بعد 9 أشهر من الحرب المدمرة على قطاع غزة تمكنت قوات من النخبة الإسرائيلية من وحدة اليمام وجهاز الأمن العام (الشاباك) من استعادة 4 أسرى لدى المقاومة كانوا محتجزين في منطقة النصيرات وسط القطاع.

ففي مساحة لا تتجاوز 9 كيلو مترات مربعة خاضت قوات الاحتلال اشتباكات ضارية مع المقاومة وتحت قصف ناري مكثف من الجو والبحر والجو لاستعادة أسراها الذين لم يكن منهم أي عسكري، وتم أسرهم في حفل موسيقى بأحد مستوطنات غلاف غزة.

كما أنهم جزء من 128 أسيرا لدى المقاومة وفقا للتقديرات الإسرائيلية.

وفي تفاصيل العملية التي بدأت تتكشف وفقا لمواقع إسرائيلية فقد تسللت ‏قوات الاحتلال إلى مخيم النصيرات بشاحنات المساعدات الإنسانية لتدخل المنطقة دون لفت نظر المقاومة.

ونقلت قناة كان الإسرائيلية أن مقاومين فلسطينيين لاحقوا السيارة التي أجلت الأسرى وأطلقوا النار عليها وأصابوها بأضرار، ولم يتمكن جيش الاحتلال من إدخال مروحية قرب مكان إجلاء الأسرى واستعان بتعزيزات إضافية.

دعم خارجي

لا يمكن في أي حال من الأحوال إخراج الأمر من سياق الدعم الذي حصلت عليه إسرائيل من العديد من الوكالات الاستخباراتية الدولية.

فقد ذكر موقع "ديكلاسيفايد" البريطاني المختص بالسياسة والاستخبارات أن الجيش البريطاني نفذ -منذ ديسمبر/كانون الأول حتى مايو/أيار الماضي- 200 مهمة تجسس جوية فوق قطاع غزة دعما لإسرائيل.

كما أنه يأتي بعد استخدام إسرائيل قوتها القصوى تكنولوجيا وناريا في سبيل القضاء على المقاومة وإضعاف قدراتها.

وفي هذا السياق، بدأت تتكشف المزيد من المعلومات عن أن هناك مشاركة أميركية فيما جرى بالنصيرات، فقد ذكرت مواقع إسرائيلية أن مسؤولا أميركيا وصل أمس تل أبيب لمتابعة العملية، مما يدلل على أن واشنطن كان لها دور أساسي في توفير المعلومات الاستخباراتية ومشاركة جيش الاحتلال في هذه العملية، وكان المسؤول ينتظر في الرصيف المائي التي تم إنشاؤه لحظة تنفيذ العملية.

وهو ما أكده موقع أكسيوس الإخباري نقلا عن مسؤول بالإدارة الأميركية من أن "خلية المختطفين الأميركية في إسرائيل" ساعدت في استعادة الأسرى.

نصر باهت

سعت إسرائيل إلى إظهار أنها حققت ما وصفته بالنصر والإنجاز ولكنه ظهر بصورة "نصر باهت" يعطي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحلفاءهم مزيدا من الوقت للمضي في العدوان على غزة.

فوصول جيش الاحتلال لبعض الأسرى ليس إنجازا كبيرا يستحق الاحتفاء، بل هو إنجاز بطعم "الهزيمة والإهانة" بحسب ما يقول المراقبون، فكيف لقطاع غزة الصغير والمحاصر والذي تم تدمير معظم مناطقه أن ينجح في الاحتفاظ بالأسرى طوال هذا الوقت خاصة وأن نصر إسرائيل الباهت تم بمساعدة أميركية.

كما أن الصورة التي يسعى جيش الاحتلال وحكومة نتنياهو تصويره على أنه نصر وفتح جديد في الحرب دليل على تراجع إسرائيل وفشلها، فمحاولات تحرير الأسرى السابقة لم تسفر إلا عن قتلهم والعديد من الأسرى في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، كما أظهرت ضعف الاستخبارات الإسرائيلية.

مكاسب المقاومة

في سياق المعارك بين المقاومة وجيش الاحتلال وتحقيق الإنجازات، لا يمكن بحال من الأحوال إغفال أن المقاومة تمكنت خلال المعركة من أسر وقتل جنود إسرائيليين، ففي 25 مايو/ أيار الماضي أعلن أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن أسر وقتل وجرح جنود إسرائيليين خلال عملية مركبة عصر ذات اليوم شمال القطاع حيث استدرجوا قوة إسرائيلية لأحد الأنفاق بمخيم جباليا.

وقال أبو عبيدة إن مقاتلي القسام أوقعوا أفراد القوة الإسرائيلية في كمين داخل النفق في جباليا وعلى مدخله، وتمكنوا من الاشتباك مع هذه القوة من مسافة صفر.

وأوضح أن مقاتلي القسام هاجموا بالعبوات قوة الإسناد التي هرعت للمكان وأصابوها بشكل مباشر، ومن ثم انسحبوا بعد تفجير النفق المستخدم في العملية.

وأكد أبو عبيدة أن مقاتلي القسام أوقعوا جميع أفراد القوة الإسرائيلية بين قتيل وجريح وأسير، واستولوا على العتاد العسكري.

ومنذ ذلك الوقت، لم تعلن إسرائيل عما جرى في تلك العملية التي تعد في المقياس العسكري ضربة قاسية بحق جيش الاحتلال وإنجازا للمقاومة.

الحرب.. استمرار المقاومة

ما جرى في النصيرات لن يغير كثيرا في مسار الحرب، إذ لم تسفر عملية استعادة أسيرين سابقا -والعثور على جثامين بعض الأسرى الذين قتلوا بالقصف الإسرائيلي- عن تغير كبير في مسار الحرب الجارية بالقطاع.

فقد استمرت المقاومة باستنزاف قوات الاحتلال وإيقاع خسائر كبيرة فيها، فقد توغل الاحتلال في العديد من مناطق القطاع ولكنه انسحب ولم يقدر على ترجمة ذلك وتحرير أي من أسراه، ويظهر مسار الحرب القائمة على القطاع أن جيش الاحتلال يعاني من خسائر كبرى، فوفقا للقناة الـ12 الإسرائيلية فقد بدأت وحدات احتياط بالجيش البحث عن متطوعين للقتال بغزة عبر إعلانات على تطبيق "واتساب".

وأضافت القناة الإسرائيلية أن إعلانات البحث عن متطوعين للجيش تأتي في ظل نقص حاد بالجنود في وحدات الاحتياط. وأكدت أن جنودا في وحدات الاحتياط بغزة والشمال عبروا عن صعوبة الحفاظ على قوتهم طيلة هذا الوقت. ونقلت القناة عن جندي احتياط قوله "هناك حالة استنزاف كبيرة في صفوف الجنود، وضغوط كبيرة من العائلات وأماكن العمل".

عملية مماثلة

ما حدث في عملية النصيرات كان متوقعا لها أن تحدث الأيام الأولى للحرب، فعدد الأسرى لدى المقاومة يعد بالمئات كما أن بعضهم لم يكونوا لدى المقاومة وإنما لدى بعض عائلات غزة التي أسرت بعض الإسرائيليين في عملية اقتحام مستوطنات غلاف غزة التي جرت في معركة طوفان الأقصى.

ففي فبراير/شباط الماضي تمكن جيش الاحتلال من استعادة أسيرين في رفح جنوب القطاع بعملية عسكرية ليلية، تزامنت مع قصف عنيف على المدينة أسفر عن استشهاد 63 فلسطينيا على الأقل. وقد تمت العملية بمشاركة الجيش وقوات خاصة تابعة للشرطة والشاباك، وتابعها نتنياهو.

مسار التفاوض

قد يمنح ما جرى في النصيرات نتنياهو وحلفاءه فرضة لالتقاط الأنفاس وتقديم ما جرى على أنه إنجاز يحسب لهم، وقد يدفع نتنياهو والولايات المتحدة إلى التشدد في مفاوضات وقف الحرب ومحاولة الضغط على المقاومة لتقديم تنازلات والموافقة على ما يعرض على الطاولة وفق قول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بليكن.

لكن متابعة مسار التفاوض وموقف المقاومة يدلل على أن ما يجرى لن يؤثر على موقفها ولن يدفعها لتقديم تنازلات لا تتناسب مع إنجازها على الأرض وحجم ما قدمه أهالي القطاع من تضحيات وصمود ساعد المقاومة في موقفها.

إضافة إلى ذلك فقد لا تقبل المقاومة لاحقا بأن تكون الولايات المتحدة وسيطا وتتعامل معها على أنها طرف في الحرب. وفي حال تم ذلك وإدخال وسطاء جدد فإن هذا سيعطي قوة للمقاومة في المفاوضات.

وكانت المقاومة قد أعلنت سابقا على لسان الناطق العسكري باسم القسام أن "الثمن الذي سنأخذه مقابل 5 أسرى أحياء أو 10 هو نفس الثمن الذي كنا سنأخذه مقابل جميع الأسرى لو لم تقتلهم عمليات قصف العدو".

كما أن المقاومة تمكنت الشهر الماضي وقبل أيام من أسر العديد من جنود الاحتلال في جباليا، وما زالت تحتفظ بعشرات الأسرى، ويظهر أن المقاومة أعدت نفسها لمعركة طويلة ومعقدة كما يقول خبراء عسكريون وبيانات المقاومة نفسها.

ومهما يكن من أمر، يبقى الهدف المعلن للاحتلال منذ بدء حربه على قطاع غزة هو إنهاء وجود حركة حماس واستعادة الأسرى والقضاء على المقاومة ومقدراتها، وهو ما لم يتحقق شيء منه حتى الآن.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات لدى المقاومة جیش الاحتلال قطاع غزة ما جرى کما أن على أن

إقرأ أيضاً:

بعد سجنه 34 عاما.. أسير قسامي محرر يتوعد سموتريتش وبن غفير

قال الأسير الفلسطيني المبعد عبد الناصر عيسى إن ظروف الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي صعبة جدا، ووجه التحية إلى المقاومة لجهودها الكبيرة في الإفراج عن الأسرى، وتوعد وزراء إسرائيليين متطرفين.

وأبدى عيسى -في حديثه للجزيرة- سعادته بالخروج من سجون الاحتلال، ونسب الفضل في ذلك بعد الله إلى "المقاومة الباسلة في قطاع غزة التي استطاعت أن تخرج الأسرى من الجحيم الذي يعيشونه حاليا".

وأشاد عيسى -الذي قضى 34 عاما في الأسر منها 30 عاما متواصلة- بتضحيات الشعب الفلسطيني في غزة من أجل فلسطين والمسجد الأقصى والأسرى.

وأكد أن المقاومة الفلسطينية سوف تستمر رغم كل محاولات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير، و"كل أشكال القمع والإرهاب والتشريد والتعذيب الإسرائيلي اليومي للأسرى".

وخلص عيسى -المعروف بـ"عميد أسرى نابلس"- إلى أن "الظلم لن يدوم، وسيتحرر الأسرى والمسرى والشعب الفلسطيني من الاحتلال وبطشه".

وأفرج عن عبد الناصر عيسى في 27 فبراير/شباط 2025 ضمن الدفعة السابعة من صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وذلك في إطار اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه يوم 19 يناير/كانون الثاني 2025، واشترطت إسرائيل أن يتم إبعاده إلى مصر.

إعلان

وكان عيسى قد استثني عام 2011 من صفقة "وفاء الأحرار" التي تم خلالها تبادل 1027 أسيرا فلسطينيا مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ويلقبه البعض بأنه "الأسير الذي حاصر السجن ولم يحاصره السجن".

وانضم عبد الناصر عيسى عام 1994 إلى كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتواصل مع قائد أركانها محمد الضيف لإعادة تفعيل خلايا القسام في الضفة الغربية.

كذلك، لازم الشهيد المهندس يحيى عياش وتعلم من خبراته، مما أعاد اسمه ليكون على رأس سجلات المطاردة الإسرائيلية، وليكون المطلوب الثاني بعد عياش، واعتبرته إسرائيل مطلوبا بالغ الخطورة لدوره في تدريب وقيادة عدد من الخلايا العسكرية التي نفذت عمليات استشهادية داخل الأراضي المحتلة.

ولعب عيسى عام 2005 دورا رياديا في تشكيل أول هيئة قيادية عليا لحركة حماس بالسجون، وانتخب لرئاستها، كما انتخب عضوا بالهيئة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسابعة إلى جانب القادة يحيى السنوار وروحي مشتهى وصالح العاروري وعبد الخالق النتشة وغيرهم.

مقالات مشابهة

  • بعد سجنه 34 عاما.. أسير قسامي محرر يتوعد سموتريتش وبن غفير
  • “حماس”: عرقلة الاحتلال للاتفاق لن تؤدي إلا إلى زيادة معاناة الأسرى
  • كيف تفاعل النشطاء مع إفراج إسرائيل عن الدفعة السابعة من الأسرى الفلسطينيين
  • اكتمال المرحلة الأولى لتبادل الأسرى وحماس تبشر بفصل جديد
  • مشاهد صعبة للحالة الصحية التي خرج عليها أسرى غزة جراء التعذيب (شاهد)
  • المقاومة الفلسطينية تحرر الدفعة السابعة من الأسرى
  • ما الدروس التي استخلصتها شعبة الاستخبارات الإسرائيلية من فشل السابع من أكتوبر؟
  • أسرى محررون يخلعون ملابس السجون الإسرائيلية ويدوسونها بأقدامهم
  • المقاومة تسلم الاحتلال جثث 4 أسرى إسرائيليين جنوب قطاع غزة
  • تركيا تحذر “إسرائيل” من استئناف الحرب في غزة بعد استعادة الأسرى