لجريدة عمان:
2024-11-24@03:37:01 GMT

الحربُ الملوَّنةُ في «أبوكاليبس»

تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT

لطالما أحببتُ فكرة إعادة التلقي؛ كأن أعيد قراءة كتبٍ قرأتها أو مشاهدة أفلام شاهدتها، خاصة تلك التي اكتشفتُها لأول مرة في فترة ما من طفولتي فصارت جزءًا من معالم أَمسي وعالمه. بمرور الوقت تحولت الإعادة إلى عادة، وأصبحت طريقتي الخاصة التي أختبر من خلالها سعادةَ القراءة الثانية بوعي جديد وفي ظروف مختلفة، وهي عادةٌ غالبا ما يكون الحنين باعثها الأول.

أكتب هذه السطور خارجا من أمسيات الأسبوع الماضي التي قضيتها في إعادة مشاهدة الأجزاء الستة من السلسلة الوثائقية الشهيرة «أبوكاليبس: الحرب العالمية الثانية» للمخرجَين الفرنسيين دانيال كوستال وزوجته إيزابيل كلارك. وهي سلسلة فرنسية كنت قد شاهدتها قبل نحو عقد ونصف حينما أعلنت شبكة ناشونال جيوغرافيك عن نسختها المدبلجة إلى العربية عام 2009، مع حذف كبير طال جميع المشاهد المتعلقة بمحنة يهود أوروبا في ذلك التاريخ وكل ما هو متعلّق بالهولوكوست. أما الكتابة الرائعة لنص الفيلم، والتي لا زالت تدهشني في كل مرة، فقد تجلَّت قراءتها العربية بالصوت الفخم للمعلِّق الإذاعي السوري محمد عارف السعيد. للأسف كان ذلك قبل ثلاث سنوات فقط من حادث اختطافه في إحدى المناطق السورية كما قرأتُ فيما بعد، حيث تمَّت تصفيته في ظروف غامضة في يوم من أيام يوليو عام 2012!

شاهدت الفيلم عدة مرات منذ عرضه الأول، وظلَّ يمثل بالنسبة لي أول معرض بصري عن الحرب العالمية الثانية. وفي كل مشاهدةٍ ألتقطُ منه تفصيلا جديدا غاب عن انتباهي خلال المشاهدة السابقة. وقد حرصت هذه المرة على مشاهدة نسخته الكاملة بلا حذف، فاستعنت بنسخة غير أصلية متاحة على يوتيوب اجتهد مُعدُّها في أخذ المشاهد المتعلقة بالهولوكوست من النسخة الإنجليزية الكاملة وإلصاقها في النسخة العربية محلَّ المشاهد المحذوفة، والتي بالمناسبة تكاد تكون هي المشاهد الوحيدة بالأبيض والأسود، إذ اعتقد صانعوا الفيلم بضرورة عرض المشاهد المتعلقة بالهولوكوست كما هي، دون ترميم لوني.

إلى جانب الأرشيف الضخم من المشاهد المرممة بالألوان يعتمد الفيلم على استعراض الوقائع التاريخية بأسلوب سردي يحافظ على توازنه الدقيق بين التاريخ والأدب، دون أن تقع سرديته -كما أرى- في حبائل المكيدة والإغواء بين ما هو تاريخي وما هو أدبي فني، رغم أن بعض نقاده اتهموه بشيء من الاجتزاء والانتقائية التي لا بدَّ أن تؤدي بالسياق، في النهاية، إلى بعض الانزياحات الطفيفة عن الموضوعية التاريخية. كما أن الشخصيات التاريخية المحركة للأحداث الكبرى، كزعماء الدول وجنرالات الحرب، لم تكن وحدها محط اهتمام الفيلم. لقد عرَّفنا الفيلم على روز جولاند مثلا، طفلة بريطانية في إحدى ضواحي لندن حيث ستقضي أولى سنوات طفولتها في الحرب، لكنها ستنجو لتكتب بعد أيام من استسلام إمبراطور اليابان كلمةَ «النهاية» على قنبلة. كما يتابع الفيلم سرد أحداثه من خلال العودة إلى ما دوَّنه جنود مُهمَلون من يومياتهم خلال المعارك ويستشهد بمذكراتهم التي شرعوا بكتابتها بعد الحرب، كما هو الحال مع الملازم الألماني أوغست فون كاجنيك، والذي خدم في صفوف «الفيرماخت» كقائد دبابة في الجبهة الشرقية، قبل أن يتعرض لإصابة بالغة عام 1942 في ذلك الصقيع الروسي، والتي سيُنقل على إثرها إلى ألمانيا. يقتبس الفيلم من مذكرات الملازم ووصفه لتلك المأساة حيث كتب: «اختفى الإيمان، وأصبح الشكُّ مسيطرا. أصبح الموتُ أعز صديق، وهو صديق الإنسان الوحيد، لأنه سوف يخلصك من معاناتك». وببحثٍ سريع عن فون كاجنيك سنعرف أن هذا الشاب، ذا التسعة عشر عاما، والذي التحق في صباه بما عُرف آن ذاك بـ«شبيبة هتلر»، سيبدأ بعد الحرب حياته المهنية كصحفي، حيث سيتفرغ للكتابة كالكثير من النازيين التائبين.

«أبوكاليبس» كلمة يونانية قديمة، أصبحت تشير اليوم إلى فكرة نهاية العالم. أراد الزوج كوستال وكلارك أن يجعلا من عملهما المشترك ألبوما ملونا لحرب بشعة بلا ألوان راح ضحيتها، حسب التقديرات، خمسون مليون إنسان ينتمون إلى رقعة واسعة من جغرافيا العالم، بين أوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا. كانت حربا عالمية بالفعل، وليس في هذا المصطلح أي شبهة للمجاز كما قد يشكك البعض. فهل تستطيع «القوة التربوية» لفيلم كهذا، على حد تعبير عالم الاجتماع الفرنسي دومينيك وولتون، أن تسهم في إنقاذ عالم ينسى من آفة النسيان؟!

في ختام حلقته الأخيرة «الجحيم» يهدي هذا الفيلم تحية مستحقة لمصوري الحرب: «فلنكن ممتنين للمصورين والأبطال المبتوري الأذرع الذين صوروا هذه المعارك لأجل الأجيال القادمة، وإلى جميع من قام بتصوير هذه الحرب بكل ما فيها من بشاعة وقلة احتشام». ولكن لا يبدو أن أحدا يتعلم من الأمس كما ينبغي، وليس في الألوان ما يكفي من طاقة لمقاومة شمس النسيان التي تطلع على التاريخ كل يوم فتبعدنا عنه أكثر. كأن تعلُّم درس الماضي لا يجوز بلا ألم جديد، وكأن زعماء هذا العالم يفضلون إعادة تكرار التاريخ على أرض الصراع، بكلفة الدم الطازج، بدلا من إعادة قراءته في بطون الكتب أو إعادة مشاهدته مرة، مرتين، في شريط وثائقي ملوَّن كهذا.

التحية في الختام لروح المغدور محمد عارف السعيد، ولصوته الذي لن يذهب سدى في الريح.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

«رودري» يختار الأفضل في التاريخ بين «ميسي ورونالدو»

كشف اللاعب الإسباني رودري نجم مانشستر سيتي عن لاعبه المفضل بين ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو.

ويرى نجم خط وسط منتخب إسبانيا، أن الأرجنتيني ليونيل ميسي هو أفضل لاعب في التاريخ، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن كريستيانو رونالدو قاتل في منطقة الجزاء.

وقال رودري، خلال تصريحاته لبرنامج ” الـ هورميغيورو El Hormiguero” الإسباني: “لا شك بالنسبة لي، ليونيل ميسي هو أفضل لاعب في التاريخ”.

وأضاف: “عندما كان يستلم الكرة، كنت أفكر أن هناك خطرا قادما.. وعندما واجهته، كنت أحاول انتزاع الكرة منه، لكنه كان يهرب مني وكأني غير موجود”.

وعن الفارق بين رونالدو وميسي، كشف: “كان كريستيانو رونالدو قادرا على مجاراة ميسي دون امتلاك موهبة طبيعية”.

وواصل: “لكن بالنسبة لنا كلاعبين واجهناهما، نعلم أن هناك فرقا. مع كريستيانو، كنا لا نريده أن يدخل منطقة الجزاء لأنه كان قاتلا هناك.. أما مع ميسي، فكان يشكل خطورة بمجرد حصوله على الكرة في أي مكان على أرض الملعب”.

وحقق رودري جائزة الكرة الذهبية، لعام 2024، بعدما تفوق على البرازيلي فينيسيوس جونيور نجم ريال مدريد.

????Rodri: "Lionel Messi is the greatest player of all time, without any doubt. Cristiano has managed to match Messi without innate talent. But those of us who have played against them can see the difference. We didn’t want Cristiano to step into the box because he was lethal… pic.twitter.com/7R4638AQJc

— All About Argentina ???????????? (@AlbicelesteTalk) November 20, 2024

مقالات مشابهة

  • عادل حمودة يوضح إسهامات الشيخ زايد في دعم القضايا العربية
  • محذرا من الحرب العالمية.. زعيم كوريا الشمالية: أسوأ مرحلة في التاريخ
  • مسلسل البطريق يقدم درسا في تعاطف المشاهد مع الشرير
  • على المستوى الداخلي.. حزب الله يحدّد معالم اليوم التالي للحرب!
  • لأول مرة في التاريخ.. لقطة مقربة لنجم يحتضر خارج مجرة ​​درب التبانة
  • هولندا تكتب التاريخ في كأس ديفيز
  • لوحة فنية.. بيع أغلى موزة في التاريخ!
  • «رودري» يختار الأفضل في التاريخ بين «ميسي ورونالدو»
  • الكتابة في زمن الحرب: التنمية المستدامة لقرية ما بعد الحرب
  • سعر البتكوين يحطم حاجز 95 ألف دولار للمرة الأولى في التاريخ