لجريدة عمان:
2025-03-12@07:06:30 GMT

فن القراءة

تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT

كتبت في المقالات السابقة وفي غيرها سلسلة مقالات عن قراءة العمل الفني في فنون الشعر والتصوير والموسيقى والسينما، مثلما كتبت مقالات أخرى عديدة تخدم هذا السياق نفسه. فلقد كان هدفي الأساسي دائمًا من كتابة المقال الصحفي هو تعميق وعي القارئ العام بالمفاهيم الكبرى التي نتداول أسماءها أو مصطلحاتها في سياق الحياة اليومية؛ فالحقيقة أنني أرى أن الفلسفة لا ينبغي أن تُكتَب فحسب من أجل الفلسفة أو التفلسف أو من أجل الفلاسفة أنفسهم؛ وإنما ينبغي أن تُكتَب أيضًا من أجل الناس كما يعيشون في الحياة اليومية.

وفي هذا السياق أتأمل هنا فعل القراءة نفسه بالمعنى الحرفي للقراءة باعتبارها قراءة لكتاب ما. فالحقيقة أن القارئ يمكن أن يتعلم من خلال المهارة والخبرة والتدريب قدرات أو ملكات للقراءة، بحيث يمكن وصفه بأنه بارع أو محنك في فن القراءة. وهذا ما يمكن إيضاحه فيما يلي:

أول هذه المهارات أو الخبرات تتمثل في القدرة على انتقاء الكتاب أو ما يُقرَأ، أي انتقاء ما هو جدير بالقراءة. والحقيقة أن ما هو جدير بالقراءة هو أمر لا يتوقف فحسب على احتياجاتنا كأن نحتاج إلى قراءة كتب معينة مطلوبة في إجراء بحث ما، بل هو ينطوي على قيمته وأهميته في ذاته بصرف النظر عن احتياجاتنا. والواقع أن كثيرًا من الباحثين المبتدئين ممن يفتقرون إلى الخبرة يقعون في هذا الخطأ حينما يلجأون إلى قراءة الكتب التي تتناول موضوع بحثهم أو اهتمامهم بصرف النظر عن القيمة العلمية أو الفكرية لهذه الكتب. وفي هذا الصدد يمكننا القول بأن الكتاب يستبين بدءًا من عنوانه: كثير من الكتب تحمل عناوين فضفاضة لا تقول شيئًا أو لا توحي برؤية معينة، أو تنطوي على مفاهيم لا رابط بينها. مثل هذه الكتب يجب الانصراف عنها منذ البداية.

وإن التبس علينا العنوان، فلم نستطع أن نتبين منه بوضوح مؤشرًا على أهمية الكتاب؛ يمكننا عندئذ أن نلجأ إلى فهرس الكتاب لنقف على تفاصيل مضمونه. وهنا تتبدى خبرة القارئ مرة أخرى حينما يكون قادرًا على تفحص مضمون الكتاب بناءً على ما إذا كان هذا المضمون يطرح قضايا أو تساؤلات، وعلى إذا ما كان هناك وحدة وتكامل بين أجزاء الكتاب وفصوله وترتيب منطقي أو معقول لها؟ ذلك أن أجزاء الكتاب أو أبوابه ينبغي أن تشتمل على الفصول التي تتفرع عن هذه الأبواب، كما ينبغي ترتيب الأبواب أو الفصول بحيث تنتقل من الأعم إلى الأخص، أعني من القضايا الأكثر عمومية إلى تلك الأكثر خصوصية.

فإن لم يوف الكتاب بشيء مما تقدم، ينبغي العدول عن قراءته منذ البداية من دون حاجة إلى تجاوز العنوان والفهرس إلى صفحات الكتاب. وأذكر في هذا الصدد خبرة شخصية بهذا الأمر: فعندما كنت أقوم بإعادة تصنيف وترتيب مكتبتي الخاصة، قمت بالتخلص من مئات الكتب التي لم أكن قد قرأتها بعد، والتي كانت تصلني من جهات عديدة ولم أخترها بنفسي؛ فقد وجدت أن هذه الكتب لا تستحق أن تشغل حيزًا في أرفف مكتبتي. وهذا المعيار في القراءة يمكن أن نسميه معيار الانتقاء.

وحتى حينما نجد كتابًا مستحقًا للقراءة، فإن مهارات القراءة ينبغي أن تكون حاضرة أيضًا: ويتبدى هذا في القراءة حينما تكون مطلوبة من أجل بلوغ معلومة أو فكرة معينة، مثلما يتبدى في انتقاء النصوص التي تكون معبرة بقوة عن الفكرة المطلوبة. ولهذا نجد أن الخطأ الذي يقع فيه معظم الباحثين والكتاب المبتدئين هو أنهم ينقلون كل ما تقع عليه أعينهم فيما يقرؤونه دونما قدرة على التمييز بين ما هو جدير بالتوقف عنده باعتباره معبرًا عن الأفكار المركزية في الكتاب المقروء، وما هو من قبيل الشرح والاستطراد.

ومن المهارات اللازمة في القراءة القدرة على قراءة ما بين السطور: ذلك أن الكلمات لا معنى لها بذاتها بمنأى عن السياق الذي ترد فيه، وليس المعنى يكمن فقط فيما يُقَال، وإنما يكمن أيضًا فيما لا يُقَال، أعني: فيما يوحي به الكلام أو يمكن أن يربطه بسياق سابق أو لاحق. وهذا هو في الحقيقة الفارق بين القراءة العميقة والقراءة السطحية. والواقع أن هذا المعيار في القراءة لا يكون مطلوبًا في الكتب التي تتناول مسائل علمية بقدر ما يكون مطلوبًا في الكتب الفلسفية والفكرية الإبداعية، وهي الكتب التي لا تتحدث عن وقائع محايدة، وإنما تعبر عن رؤية مؤلفها.

مقصودي من كل ما تقدم هو أن القارئ يمكن أن يدرب نفسه باستمرار على فن القراءة باعتبارها عملية في الفحص والانتقاء والفهم.

د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکتب التی فی القراءة ینبغی أن یمکن أن من أجل فی هذا

إقرأ أيضاً:

قيصرية الكتاب تنظّم أمسية يوم العَلَم السعودي

‏نظمت قيصرية الكتاب في مقرها وسط مدينة الرياض مساء أمس الاثنين أمسية ⁧‫يوم العلم السعودي‬ احتفاءً بهذه المناسبة الوطنية، أحياها الشاعر د. محمد بن ناصر الخليف، وأدارها الإعلامي سيف بن فواز السبيعي.

وقد كرّم المشرف العام على القيصرية أحمد بن فهد الحمدان ضيف الأمسية الشاعر د. محمد بن ناصر الخليف، الذي تغنى بعدد من القصائد الوطنية، بدأها بقصيدة “راية الحق”. كما تم تكريم مدير الأمسية الإعلامي سيف بن فواز السبيعي.
‏وفي الختام التقطت صور جماعية للحضور.

مقالات مشابهة

  • نشط فيما يسمى ولاية الأنبار.. الحشد يطيح بإرهابي في بغداد
  • أمن الحشد الشعبي يطيح بإرهابي نشط فيما يسمى ولاية الأنبار في بغداد
  • قيصرية الكتاب تنظّم أمسية يوم العَلَم السعودي
  • دار الكتب والوثائق تحتفل بذكرى العاشر من رمضان.. صور
  • الحوثي: نحن على موقفنا فيما يتعلق بالمهلة لإدخال المساعدات إلى غزة
  • 10 إعدادات في خيار المطورين ينبغي عليك معرفتها
  • أفكار شريرة يمكن استخدامها فيما بعد.. انتقادات لتعنيف النساء في الدراما العربية
  • مايا مرسى: أفضل قراءة الكتب في مجالات السياسة والقضايا الاجتماعية
  • حكم من أخرج الزكاة لشخص وتبين فيما بعد أنه غير محتاج
  • «التكافل الاجتماعي في رمضان».. ندوة ثقافية بدار الكتب بطنطا