هل تتفادى المقاومة الشرك المنصوب لها في مقترح بايدن الغامض؟
تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT
وافقت المقاومة الفلسطينية في ٦ مايو الماضي على مشروع كامل لوقف إطلاق النار وضع بيد ويليام بيرنز رئيس CIA أحد أقرب معاوني الرئيس بايدن. ورفضت إسرائيل المقترح بل واقتحمت رفح التي زعم بايدن كثيرًا أنها خط أحمر وعندما حدثت ادعى أن إسرائيل لم تخرق الخط بعد!!
وعندما أعلن بايدن في ٣١ مايو الماضي مقترحه لوقف إطلاق النار ردت الحركة فورًا أنها تعتبره مقترحًا إيجابيًا وأنها تتعاطى معه بإيجابية.
لكن المقاومة ومكونها الرئيسي حركة حماس تمهلت منذ ذلك الوقت ممتنعة عن إعطاء جواب نهائي على مقترح بايدن.
اللافت للانتباه الشديد هو سلوك واشنطن الذي ينطبق عليه أشد الانطباق مقولة (يكاد المريب أن يقول خذوني) بحيث تدفع المقاومة أكثر فأكثر نحو التصميم على موقفها الحذر شديد الريبة في مقترح بايدن..
فهي لم تفعل شيئا في الأسبوع الأخير الذي تلا إعلان المقترح إلا ممارسة ضغوط هائلة على حماس لتقبل به.
خلال هذا الأسبوع وضغوط هائلة قامت واشنطن بتحويل كل حلفائها العرب الذين يملكون نفوذا ما على المقاومة (ماليا بحكم التبني السياسي الوظيفي المخطط أمريكيا، أو جيوسياسيا بحكم الموقع الجغرافي والتاريخ، أو إعلاميا بحكم الغنى والانحياز لنمط السلام الإبراهيمي) للضغط على حماس لقبول بخطة بايدن. صدر بيان ثلاثي أمريكي ومصري وقطري يطالب حماس وإسرائيل بالموافقة على الخطة.. وشنت وسائل إعلام عربية لدول (قبلت تجويع إسرائيل لغزة ٨ أشهر ونيف وقتل وإصابة وفقدان ما يقرب من ١٥٠ ألفًا من أشقائهم الفلسطينيين) حملة شعواء على المقاومة تلقي المسؤولية على عاتقها وتتهمها بتعطيل اتفاق سيحقن دماء أهل شعبها في غزة !!.
فلماذا اتخذت المقاومة هذا الموقف الحذر؟ ولماذا كان قرارها صائبًا استراتيجيًا؟
الغموض الأمريكي
يعترف الإسرائيليون قبل الفلسطينيين بأن اقتراح بايدن غامض بدءا من بنيامين نتنياهو الذي قال إن الاقتراح مجرد خطوط عريضة وغير مكتمل وانتهاء باستراتيجيين إسرائيليين وأمريكيين استنتجوا وهم محقون بأن بايدن تعمّد أن يكون اقتراحه غامضا بطريقة تجعل الطرفين من جهة يريان فقط نصف الكوب المليء وليس النصف الفارغ ومن جهة ثانية أن يدفعهما للدخول في المرحلة الأولى واسترداد أسرى إسرائيليين (بعضهم أمريكي الجنسية أيضا يشكلون ضغطًا انتخابيًا على بايدن) مع إرجاء القضية المحورية وهي إنهاء الحرب إلى وقت لاحق.حماس اكتشفت بوضوح نصف الكوب الفارغ في «مصيدة» بايدن فهي تقول في بيانها قبل أيام إنها عندما عرضت عليها الورقة المكتوبة لمقترح بايدن لم تجد فيها شيئا مما قاله عن الالتزام القاطع بإنهاء الحرب في نهاية المراحل الثلاث المطروحة.
التبجح الإسرائيلي
بينما لا يمانع بايدن البتة في أن تنتهي الحرب في غزة شريطة أن تنتهي بفوزه وفوز إسرائيل فيها استراتيجيا بتطبيع مع السعودية ينتج عنه حلف إقليمي-إسرائيلي-عربي- معادٍ لإيران.. لا يريد نتنياهو إنهاء الحرب قبل تدمير المقاومة ونزع سلاحها وهو المنسوب السياسي الذي يستطيع عنده حماية ائتلافه الحكومي المتطرف من التفكك ومستقبله السياسي من الضياع والطرد من التاريخ. قال نتنياهو بكل تبجح سياسي «لم أقبل بند إنهاء الحرب في صفقة التبادل. وصفقة بايدن لا تتضمن موافقتنا على إنهاء الحرب» كل ما يريده نتنياهو كما طمأن شريكيه المتطرفين بن غفير وسمو تريتش الحصول على الأسرى ثم لن يكون هناك مرحلة ثانية أو ثالثة. وستتم العودة إلى حرب إبادة غزة وسحق حماس!! المفارقة أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نفسه صرّح في الأسبوع نفسه أن الحديث عن تدمير كل كتائب حماس وكل أنفاق المقاومة هو حديث غير واقعي ولن يحدث!!
لو كانت حماس متشككة ولو قليلا في دقة تحليلها في حقيقة أن الغموض كان مقصودا به دفعها إلى شرك خداعي تفقد فيه نصر ٧ أكتوبر بل تفقد فيه وباقي منظمات المقاومة خيار المقاومة نفسه.. فإن التبجح الإسرائيلي يقطع الشك باليقين ولا يعطي لحماس أي مجال للشك في إحكام الشَرَك الأمريكي/الإسرائيلي بحسبان ما قاله الرئيس بايدن إن مقترحه هو مقترح إسرائيلي بالأساس.
التاريخ الأسود للوساطة الأمريكية في الصراع: إذا وضعنا المقترح الأمريكي في سياق هيمنة واشنطن التامة على التوسط في النزاع العربي-الإسرائيلي مذ مكّنها الرئيس السادات من ذلك قبل ٥١ عاما، سنجد أن الغموض في صياغة الاتفاقات «من أول فصل القوات الأول ٧٤ وفصل القوات الثاني ٧٥ وكامب ديفيد ٧٨ وأوسلو ٩٣.. إلخ» هو أسلوب دائم ومتعمد. وتحولت كل تفسيراته بفعل الانحياز الأمريكي لإسرائيل إلى مكاسب لإسرائيل وخسائر للطرف العربي. الأخطر هو أن الولايات المتحدة كانت تعطي إسرائيل حق الفيتو على كل قرار دولي أو تفسير بند في معاهدة ولا تفعل شيئا في كليهما إلا بموافقة إسرائيل. فعلت ذلك في القرار ٢٤٢ الذي صاغته واشنطن بنفسها عام ٦٧ حينما وافق نيكسون وكيسنجر على أن لا تنسحب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة إلا عبر المفاوضات وتحدد هي مساحة ومكان هذه الأراضي. الأخطر والأسوأ أن واشنطن لم تقم مرة واحدة بمعاقبة إسرائيل على أي انتهاك للقرارات الدولية ولا المعاهدات وأقصى ما عملته هو التهديد بعقوبات رمزية مضحكة مثل منع ٤ مستوطنين من السفر لأمريكا ومثل إعلان أن رفح خط أحمر ثم منح إسرائيل أسلحة بمليار دولار إضافية في الثانية نفسها !!
الاستسلام والضعف العربي
عندما يتعلق الأمر بالدور العربي فإن السقوط الفلسطيني في الفخ سيكون وصفة مؤكدة. ففي كل المواقف السابقة عندما يتعلق باتفاقات يكون الفلسطينيون الطرف الآخر فيها كانت الأطراف العربية المتداخلة هي أول من يخضع للضغوط الأمريكية والإسرائيلية. الضغوط على ياسر عرفات من أول اجتماع المجلس الوطني في الجزائر ١٩٨٨ الذي أعلن فيه التزامه بتسوية سياسية للقضية وصولًا إلى أوسلو ٩٣ واتفاقاته التفصيلية المتعددة بعدها هي نموذج لممارسة النظام العربي الرسمي الضغط في اتجاه واحد هو الضغط على الفلسطينيين. اتفاق غزة-أريحا ٩٤ كان نموذجا صارخا على الضعف والخوار العربي أمام واشنطن وتل أبيب، وأنموذجا على الاستقواء على الفلسطينيين عندما تم إكراه عرفات على التوقيع أمام الكاميرات. في حالة مقترح بايدن الغامض الراهن فإن كل ثغرة فيه سيجري تفسيرها لصالح الإسرائيليين ويضغط الأمريكيون على الوسطاء المباشرين وغير المباشرين من العرب للضغط بالتالي على الفلسطينيين للقبول بالتفسير الجديد الذي يعني هزيمة للطرف العربي ونصرا غير مستحق للطرف الإسرائيلي الذي عجز عن الانتصار في الحرب.
المقاومة عندها الحق كل الحق في تمهلها وفي أن تتعظ وتتعلم من دروس تفاوض السادات وعرفات وأبو مازن ومن حقها كل الحق أن تطلب ضمانات أو تعهدات مكتوبة من أمريكا والوسطاء وربما تشهد عليها أيضا الصين وروسيا بأن يقود أي اتفاق إلى وقف الحرب. وأن يقود إلى الانسحاب من غزة وإعادة الإعمار وأن يكون مستقبل غزة وفلسطين هو قرار الشعب الفلسطيني بكل قواه وليس فقط قرار السلطة والنظام العربي التابعين لواشنطن.
حسين عبدالغني إعلامي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مقترح بایدن إنهاء الحرب
إقرأ أيضاً:
إسرائيل توقف إمداد غزة بالكهرباء قبل محادثات التهدئة الجديدة
الضفة الغربية (زمان التركية)ــ أمرت إسرائيل بوقف فوري لإمدادات الكهرباء في قطاع غزة الأحد للضغط على حماس لقبول شروط جديدة في اتفاق وقف إطلاق النار، حتى في الوقت الذي تستعد فيه لإجراء محادثات جديدة حول مستقبل الهدنة مع فصائل المقاومة الفلسطينية.
ويأتي قرار إسرائيل بعد أسبوع من منعها دخول جميع المواد الغذائية والمساعدات إلى القطاع المتضرر من الحرب، وهي الخطوة التي تذكرنا بالأيام الأولى من الحرب عندما أعلنت إسرائيل “حصارا” على غزة.
وانتهت المرحلة الأولى من الهدنة في الأول من مارس/آذار، وامتنع الجانبان عن العودة إلى الحرب الشاملة، على الرغم من العنف الإسرائيلي المتقطع، بما في ذلك غارة جوية يوم الأحد أسفرت عن مقتل ثلاثة فلسطينيين على الأقل.
قتلت إسرائيل ما لا يقل عن 120 فلسطينيًا، وأصابت 490 آخرين، وارتكبت أكثر من 400 انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار/تبادل الأسرى في غزة منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني.
ودعت حماس مرارا وتكرارا إلى البدء الفوري في المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، والتي تفاوضت عليها الولايات المتحدة وقطر ومصر، بهدف إنهاء الحرب بشكل دائم، لكن إسرائيل ترفض وتضغط لتمديد المرحلة الأولى حتى منتصف أبريل/نيسان، وأوقفت المساعدات إلى غزة بسبب هذا المأزق.
قطع إمدادات الكهرباء.وقال وزير الطاقة إيلي كوهين في بيان مصور “لقد وقعت للتو على أمر بوقف إمداد قطاع غزة بالكهرباء على الفور”.
وأضاف “سنستخدم كل الأدوات المتاحة لدينا لإعادة الرهائن وضمان عدم بقاء حماس في غزة في اليوم التالي” للحرب.
بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قطعت إسرائيل الكهرباء عن غزة، ولن تعيدها إلا في منتصف عام 2024.
إن خط الكهرباء الوحيد بين إسرائيل وغزة يزود محطة تحلية المياه الرئيسية بالمياه، ويعتمد سكان غزة الآن بشكل أساسي على الألواح الشمسية والمولدات التي تعمل بالوقود لإنتاج الكهرباء.
وذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية يوم الاثنين أن إسرائيل أعدت خططا لتكثيف الضغوط بموجب مخطط أطلق عليه “خطة الجحيم”.
وشمل ذلك متابعة منع المساعدات من خلال “تهجير السكان بالقوة من شمال قطاع غزة إلى الجنوب، ووقف إمدادات الكهرباء واستئناف القتال على نطاق واسع”.
ويعيش مئات الآلاف من الفلسطينيين الآن في خيام في مختلف أنحاء غزة، حيث تنخفض درجات الحرارة ليلاً في كثير من الأحيان إلى الصفر المئوي.
والتقى ممثلون عن حماس مع وسطاء في القاهرة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأكدوا على الحاجة الملحة لاستئناف تسليم المساعدات “دون قيود أو شروط”، بحسب بيان لحماس.
وقال المتحدث باسم الحركة حازم قاسم لوكالة فرانس برس “ندعو الوسطاء في مصر وقطر وكذلك الضامنين في الإدارة الأميركية إلى ضمان التزام الاحتلال بالاتفاق… والمضي بالمرحلة الثانية وفق البنود المتفق عليها”.
وتتضمن المرحلة الثانية تبادل الأسرى، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، ووقف إطلاق النار الدائم، وإعادة فتح المعابر الحدودية، ورفع الحصار.
وقال المتحدث باسم حماس عبد اللطيف القانوع بعد لقاء الوسطاء إن المؤشرات حتى الآن “إيجابية”.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه سيرسل مندوبين إلى الدوحة يوم الاثنين.
بين الكلاب والجرذانلقد أوقفت الهدنة إلى حد كبير أكثر من 15 شهراً من الحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة، حيث نزح كل سكان القطاع تقريباً بسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية الوحشية المتواصلة.
وأسفرت المرحلة الأولى التي استمرت ستة أسابيع عن تبادل 25 أسيراً إسرائيلياً حياً وثماني جثث مقابل إطلاق سراح نحو 1800 فلسطيني محتجزين في إسرائيل.
كما سمح بدخول الغذاء والمأوى والمساعدة الطبية الضرورية.
وبعد أن قطعت إسرائيل تدفق المساعدات، اتهم خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الحكومة بـ” استغلال المجاعة كسلاح “.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة خليل الدكران “حتى الآن لم يتم السماح إلا بدخول 10% من الإمدادات الطبية المطلوبة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة”.
وقالت الأرملة الفلسطينية النازحة حنين الدرة لوكالة فرانس برس إنها قضت مع أطفالها أسابيع في الشارع “بين الكلاب والجرذان” قبل أن تحصل على خيمة.
Tags: الهدنةغزةفلسطينقطع الكهرباء