"من أَمِنَ العقوبة..."!
تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT
آمال الهرماسي
لطالما رأيت في مقولة "من أَمِنَ العقوبة" انتقاصًا لذاتنا البشرية التي جبلت على السُّمو وخلقت لرحلة قصيرة في هذه الحياة من أجل إثبات إنسانيتنا؛ بما تحمله الكلمة من معاني الرحمة والرقي والتعايش في كنف اللُحمة والتعاون من أجل مجتمعات تنعم بالرخاء والعيش الكريم.
"من أَمِنَ العقوبة أساء الأدب".
مشاهد العنف لدى فئة المراهقين التي نراها اليوم تتفشى في مجتمعنا المعروف بالسلم والسلام والأمن والأمان.. والذي قبل كل ذلك وبعده هو مجتمع إسلامي.. عريق.. يتشبث بقيمه وأصالته.. وهي منبع فخر له في زمن تهاوت فيه القيم.. واندثر فيه صدق المشاعر.. وتشتت فيه أواصر العلاقات العائلية والأسرية والتي هي أساس كيان البشرية وكنهها وجلها وكلها.. هذه الظاهرة تحتاج إلى دراسات نفسية وعلمية دقيقة تحدد الأسباب وتحصر المسببات.. وتدرس تداعيات الظاهرة على المجتمع ككل؛ بما تخلفه من عاهات دائمة لكلا الطرفين المتضرر والمتسبب في الضرر.
ظاهرة العنف بصفة عامة جسديًا كان أو جنسيًا، أو حتى لفظيًا، ليس وليد يوم أو موقف حيني أو مؤقت، وإنما هو وليد تراكمات أدت إلى لحظة الانفجار، والاكتئاب، والقلق، وتخزين مشاهد عنف أسرية، والتأثر بألعاب الفيديو والأفلام التي تتضمن مشاهد عنف أو إخلالًا بالآداب العامة، وغيرها من الأسباب الكثيرة التي يتحمَّل مسؤوليتها ولي الأمر في المقام الأول، الذي أخطأ أو تهاون في حسن تربية الأبناء، قصدًا، لأنه انشغل بظروف الحياة، وأهمل مسؤولياته الأسرية، وأوعز تربية أطفاله للمساعِدَات في البيوت، وشَغَل فراغهم بما يضرهم ولا ينفعهم من ألعاب إلكترونية وهواتف نقالة مفتوحة على عوالم الفساد والعنف واللاأخلاقيات، دون حسيب أو رقيب، وبغير قصد.
وإذا اعتبرنا أنَّ ولي الأمر نفسه جاهلًا أو أميًّا، لكن أليس الحرص على تنشئة الأطفال غريزة خلقت فينا لا تحتاج إلى تعليم أو توعبة. ومع هذا فإنَّ وسائل الإعلام تتحمل مسؤولية كبيرة في توعية الأفراد من كبار وصغار بخطر الألعاب الإلكترونية والهواتف النقالة على فكر الطفل ونشأته.
ثم تأتي المدرسة.. الحرم العظيم الذي يُبجَّل فيه المعلم، وتُقدَّس فيه الذات والصفات، ألم نكن جيلًا يُوقِّر المدرسة ويُعظِّم المُعلم.. بقدر وقار الوالدين وأكثر.. فما قول المربين في ما يحدث في مدارسهم من تجاوزات.. ألا يشعرون بشيء من التقصير في وضع القواعد والحرص على اتباعها.. أم أن القصور في القوانين التي جردت المعلم من هيبته وسطوته.. فأصبح الطالب لا يُراعي حضوره ولا يحترم غيابه.. فيأتي ما يأتيه من سوء تصرف دون أن يرف له جفن.
الضرب الذي رأيناه كان إجراميًا وفي قمة العنف والضغينة، فمن المسؤول؟ وهل هناك أي تحرك من الجهات التربوية لإصدار أي قوانين ردعية تدرأ هذا الخطر المُلم بأطفالنا؟
ألف سؤال يطرح نفسه، وكثير من الخوف يعترينا، لو علمنا أنَّ هذا الموقف يتجاوز بكثير الضرر الجسدي البليغ الذي رأيناه.. ليحول المجتمع إلى غاب.. ينهش فيه الضعيف، ويتجبر فيه القوي.
نحن صامتون أمام جريمة في حق أطفالنا ستُفرِز شخصيات مهزوزة ومُعقَّدة، وشخصيات أخرى عنيفة وربما إجرامية إن لم يتم مُعالجتها.
كلا الطرفين بحاجة إلى جلسات نفسية في قمة المهنية لمعالجة الضرر الذي نراه اليوم حدثًا عابرًا، ونتجاوزه ليندثر في طي النسيان، لكنها لأصحاب الضمائر معضلة تدعو إلى وقفة صارمة وقوانين رادعة ومُعالجة ضافية.
وهنا أعود لأقول لأصحاب الاختصاص، هذا الأمر يحتاج إلى دراسة علمية ضافية، ومنابر نقاش واسعة، يساهم فيها أطراف المجتمع كافة باختلاف تخصصاتهم، وقفة الرجل الواحد، للخروج بتوصيات حازمة ترفع إلى المعنيين بالأمر للتنفيذ دون أي تأخير.
باختصار.. أطفالنا بحاجة إلى لفتة حازمة من كل أطراف المجتمع، واضع القوانين، رجالات التربية، علماء النفس، وخاصة أولياء الأمور؛ فنحن في النهاية مثلنا كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
حفظ الله مجتمعاتنا من الأمراض والعاهات ومن الغفلة وما تُورِثُه من تداعيات.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هل لكل مشكلة حل؟!
نعم لكل مشكلة حل مهما كانت صغيرة أو كبيرة، مهما طالت أو قصرت، وإيذاء مصادفة بعض المشاكل لرجال غير مؤهلين لحلها يعتقد الكثير من الناس أنها مشكلة مستعصية على الحل فيُصابون بالإحباط أمامها. وكم من مشاكل كبيرة اكتشف الناس أن حلها جاء بسيطًا، أذكر منها «خط بارليف» الذى تم بناؤه فوق كُثبان رملية يصل ارتفاعها 20 مترًا، مما شكل حاجزًا ضخمًا يعوق عبور القوات للساحل الشرقى للقناة، فجاء الحل بدفع هذه الجبال «بالمياه» فتمت إزالته فى ست ساعات، وعبر الجنود القناة فى حرب أكتوبر 73. هناك علمنا أن الحل يسير إذا صادف أهله، ولكن هناك بعض المشاكل التى تترك فى يد بعض الرجال الذين لا يتمتعون بخبرات مثل مشكلة «التوكتوك» الذى تُرك لهؤلاء الذين نظروا إلى المشكلة باعتبارها مشكلة مرورية تعوق السير، فبدأوا فى منع تسييرها فى بعض الأماكن، ولعلهم استطاعوا، فهذا الشىء أصبح فى كل مكان، وتحول إلى قنبلة موقوتة تُهدد الجميع، هؤلاء لا يدفعون ضرائب ولا رسومًا ولا يلتزمون بقواعد المرور، لأنه غير مُرخص، وسحب كل العمالة الفنية والحرفية من سوق العمل، لأن بعض الحرفيين استسهلوا الكسب البسيط دون أى أعباء، حتى أصبحت المشكلة مشكلة اجتماعية تحتاج إلى متخصصين فى علم الاجتماع قادرين على تفكيك المشكلة والعمل على حلها، ولكن هناك من لا يريد ذلك، لعل الأمر فيه فائدة عائدة عليه من جراء ترك الأمر على ما هو عليه.
لم نقصد أحدًا!