(1)
في يناير من العام 1943 صدر الكتاب الأول من سلسلة (اقرأ) التاريخية العريقة، عن مؤسسة دار المعارف المصرية، أكبر وأعرق دور النشر المصرية والعربية (تأسست في عام 1890). كان الكتاب الأول بعنوان «أحلام شهرزاد» لطه حسين. وتوالت كتب السلسلة منذ ذلك التاريخ وحتى وقتنا هذا.
أكثر من 80 عامًا (بالتحديد 81 عامًا) و"اقرأ" تصدر بانتظام (باستثناءات محدودة) ولعلها واحدة من أقدم السلاسل الدورية صدورًا في العالم العربي كله (إن لم تكن أقدمها على الإطلاق).
لكن الأهم، وبالإضافة إلى قيمة هذه الأسماء ومكانتها الكبيرة والأدوار العظيمة التي أدتها للثقافة العربية، طبيعة الموضوعات، وطريقة الكتابة والمعالجة، وشكل الإخراج الفني للكتاب (قطع الجيب والغلاف والسعر أيضًا) كذلك. كان الغرض الأساسي من إطلاق سلسلة "اقرأ" تلبية حاجة القارئ المصري والعربي، إلى ثقافة رفيعة حقيقية، تغطي كل الموضوعات وألوان المعرفة الإنسانية، وبقطع أنيق وشكل إخراجي جذاب، وبسعر معقول ومحتوى أصيل.
خلال الفترة من 1943 حتى 1963 (سنة تأميم دار المعارف)، وما بعدها، توالت أعداد السلسلة التي شكلت وجدان وثقافة أجيال عدة، على مدار عشرات السنين، ولعبت دورًا خطيرا وغير مسبوق في تلبية شغف قطاعات واسعة من الشباب في العالم العربي، في الثقافة والآداب والفنون والعلوم، بل كانت ملهمة للعديد من دور النشر والمؤسسات الخاصة والحكومية في احتذاء التقليد ذاته، وإخراج سلاسل مشابهة، تسعى للحاق بالنجاحات التي حققتها «اقرأ»، والشهرة الكبيرة التي حازتها على امتداد العالم العربي كله.
(2)
كانت غاية كتّاب "اقرأ" ومؤلفيها، بالإجماع، غاية "تثقيفية" في المقام الأول؛ بتقديم وجبات شهية من ألوان وصنوف مختلفة من المعارف والفنون والآداب ليضعوها أمام الراغبين من القراء والشباب منهم بالأخص، يفتحون لهم أبواب المعرفة، ويحثونهم على طلب المزيد والبحث عن روائع التراث والفكر الإنساني في مظانه الأصلية. هذه الغاية الجليلة تتضح، ومنذ الأسطر الأولى، من "الافتتاحية" التاريخية التي صدر بها طه حسين للسلسلة الجديدة:
"إن الذين عُنوا بإنشاء هذه السلسلة ونشرها، لم يفكروا إلا في شيء واحد، هو نشر الثقافة من حيث هي ثقافة، لا يريدون إلا أن يقرأ أبناء الشعوب العربية، وأن ينتفعوا وأن تدعوهم هذه القراءة إلى الاستزادة من الثقافة، والطموح إلى حياة عقلية أرقى وأخصب من الحياة العقلية التي نحياها".
أما برنامج السلسلة، وطموحها والغرض منها، كل ذلك لخصه طه حسين في افتتاحيته، إذ يؤكد بوضوح وبنصاعة أسلوبه الجميل أن "إنشاء هذه السلسلة من الكتب القصيرة اليسيرة الرخيصة التي يسهل شراؤها وتهون قراءتها، ويقرب الانتفاع بها، والاستمتاع بما فيها، ولا يشق ثمنها على أوساط الناس، ولا فقرائهم. ومثل تلك السلاسل جهدٌ من الجهود التي تُبذل في سبيل نشر الثقافة وترقية الشعب وإزالة الفروق بين الطبقات".
ويوضح طه حسين أن النية في تلك السلاسل وأشباهها "أن تكون على يسرها وقربها متنوعة أشد التنوع وأنفعه؛ فهي تنشر المؤلفات الحديثة، كما تنشر الآثار القديمة، وهي تنشر الآثار التي تؤلف كما تنشر الآثار التي تترجم، وهي تنشر من هذا كله في كل فرع ممكن من فروع الإنتاج العقلي: في الأدب الإنشائي، وفي الأدب الوصفي، في العلم الخالص وفي العلم التطبيقي، في السياسة، في التاريخ، في العمران والاجتماع، في كل لون من ألوان هذا النشاط الذي يجعل العقل الإنساني منتجا في جميع فنون المعرفة".
كان طموح القائمين على السلسلة، وبخاصة طه حسين، هو تيسير سبل المعرفة الحديثة لكل الراغبين فيها، وخاصة من الشباب، وأن تكون متاحة في كل مكان في القاهرة والمحافظات، وقد كانت (دار المعارف) في ذلك الوقت تتصدر مؤسسات النشر المصرية والعربية بامتلاكها أكبر شبكة توزيع وتسويق داخل مصر وخارجها على السواء.
(3)
الآن ونحن في منتصف العام 2024، وصاحب هذه السطور ممن كُلفوا بـ"اقرأ" وشغفوا بكتبها، وتعمَّد بمعارفها وتثقَّف بموضوعاتها المتعددة المتنوعة، ويعرف جيدا ما لها من أياد بيضاء بل ناصعة البياض على الثقافة العربية كلها، فإنني حلمت منذ سنوات طويلة، أولا بكتابة وتوثيق تاريخ هذه السلسلة العظيمة، وقد تم لي بعض ما تمنيت بكتابة تاريخها ضمن مشروع تأريخي للمؤسسات الثقافية المصرية والعربية، في كتابي عن تاريخ دار المعارف (الصادر في ديسمبر 2015).
أما ثاني ما حلمت به وتمنيته، أن يعاد هيكلة وتأهيل السلسلة لتمارس أدوارها التي مارستها بكفاءة واقتدار وكما رسم لها الخطةَ ووضع لها الأساس كبارُ العقول المصرية والعربية في ذلك الوقت من القرن العشرين، فضلا على ضرورة دعم الدور أو الأدوار التي تلعبها هذه السلسلة بعناوينها التي صدرت أو التي تصدر أو التي ستصدر،
ولهذا فيما يرى صاحب هذه السطور، في هذه المرحلة من عمر "اقرأ"، أنه يجب علينا إعادة استثمار هذا "البراند" الثقافي الأصلي، باستئناف "التقليد" الذي أرساه الآباء المؤسسون بوضع الغاية التثقيفية والمعرفية لكتب السلسلة في الصدارة، وبانتقاء أبرز وأهم الأسماء من المؤلفين والكتاب المصريين والعرب المشهود لهم بالقيمة والحضور والإنتاج المعتبر، واستكتابهم بموضوعات حيوية وعصرية ومبتكرة تلبي حاجة شبابنا العربي إلى المعرفة في ظل ثورة المعلومات والاتصالات والانفجار المعرفي الذي لم تشهد البشرية له مثيلا.
ولهذا فإنني أومن بضرورة اختيار أنبه وأهم العقول التي تقدر على تقديم محتوى أصيل وقيم يستحق أن ينشر في "اقرأ" وليس كما اتفق.
(4)
هذه واحدة، أما الفكرة الثانية التي تتصل بما راكمته "اقرأ" من كتب ممتازة صدرت على مدى العقود الثمانية المنصرمة، صدر خلالها ما يزيد على الـ 700 عنوان، ما يقرب من نصفها يعد الآن من عيون وكلاسيكيات الثقافة العربية الحديثة، منها مؤلفات رائعة مثل "سبائك الذهب". ولهذا فإنني أظن أن اشتقاق رافد من "اقرأ" الأصلية نسميه أو نطلق عليه "روائع اقرأ" سوف ننتقي منها ونعيد إصدار الأعمال ذات القيمة سواء في النقد أو الفلسفة أو التاريخ والأعمال المرجعية الممتازة التي قدمها أصحابها في السلسلة، وتتحدث عن "شخصية أدبية" أو موضوع أدبي أو معرفي خالص أو موضوع تاريخي أو جغرافي أو موضوع في علم النفس أو الفلسفة أو السياسة، عناوين تستحق أن يعاد نشرها وطبعها ووضعها من جديد بين يدي الأجيال الشابة في العالم العربي كله.
ومن المعلوم أن في المعارف والعلوم الإنسانية هناك دائمًا حاجة ملحة إلى إعادة تقديم المعارف لأن التطور في العلوم الطبيعية الجديد فيها ينسخ القديم، والقديم يظل "تاريخًا" أقرب إلى العرض المتحفي، ولكن في العلوم والمعارف الإنسانية ليس هناك جديد ينسخ القديم، لأنها بطبيعتها متشابكة ومتجاورة ومتصلة..
وبالتالي تظل هناك حاجة لأرسطو وأفلاطون وسقراط وهوميروس وشكسبير ودانتي وديكارت وفولتير، وطه حسين والعقاد وهيكل وتوفيق الحكيم ويحيى حقي.. وغيرهم، فالعلوم الإنسانية متضامة وتشتبك بأياديها رأسيا وأفقيا،
وبالتالي فنحن نجد -على سبيل المثال- ثلاثة أو أربعة كتب قدمت في "اقرأ" عن عمالقة الأدب الروسي، مثل "تشيخوف" و"دوستويفسكي" و"تولستوي".. ما زالت صالحة للقراءة وتقدم فائدة معرفية ومتعة أدبية حتى وقتنا هذا، وهذا هو دور "روائع اقرأ" التي ستعيد نشرها مرة أخرى كما قدمها أصحابها، وكما سنتحدث عن مؤلفيها الكبار، وربما هناك من الأجيال من لم يعد يعرف من هو محمد أمين حسونة، ولا من هو عبد الرحمن صدقي، ولا علي أدهم، أو محمد كرد علي، وعبد المنعم شميس.. إلخ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المصریة والعربیة فی العالم العربی دار المعارف هذه السلسلة طه حسین
إقرأ أيضاً:
إطلاق السلسلة التلفزيونية «بكين الساحرة».. في دبي
أبوظبي (الاتحاد)
تحت إشراف القنصلية العامة لجمهورية الصين الشعبية في دبي، نظِّم حفل إطلاق سلسلة «بكين الساحرة» لعام 2024 في دبي بدولة الإمارات. استضاف الحفل مكتب المعلومات لبلدية بكين من تنظيم CRI Online.تُعتبر «بكين الساحرة» مشروعاً للتواصل الخارجي، وهو مشروع أُطلق بشكل مشترك من مكتب المعلومات لبلدية بكين وCRI Online لتعزيز التبادلات الثقافية بين الصين ودول أخرى.
منذ انطلاقها عام 2019، أطلقت السلسلة 5 مواسم، ودعيت إلى بكين فرق إنتاج من 14 دولة بما في ذلك لاوس وروسيا وإيطاليا والبرازيل وألمانيا والإمارات والسعودية، للتصوير وإجراء مقابلات للمشاركة في إنتاج وبث المسلسل.
حتى الآن، بثَّت المواسم الـ 4 الأولى من السلسلة على محطات التلفزيون الرئيسة في أكثر من 10 دول وشوهدت 300 مليون مرة.
أُصدرت السلسلة من مقاطع فيديو قصيرة ومحتوى رسومي عبر مواقع الإنترنت المختلفة، بما في ذلك المنصات الاجتماعية الخارجية، وجمعت ما يقرب من 200 مليون مشاهدة خارج البلاد، وحققت السلسلة اعترافاً وشعبية بين الجماهير الأجنبية. وتُعتبر سنة 2024 الذكرى الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والإمارات والذكرى الـ 34 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسعودية.
في سبتمبر من هذا العام، دُعيت فرق تصوير خاصة من تلفزيون أبوظبي وتلفزيون العربية لتصوير الموسم الجديد، مع التركيز على موضوعين: «تطور بكين» و«فرص بكين»، حيث جاء التصوير في مواقع متنوعة مثل المركز الإداري لبلدية بكين وحديقة الروبوتات الدولية ZGC E-Town ومعبد السماء ومتحف القصر.
عايشت فرق التصوير الحيوية الديناميكية لتطور بكين المبتكر من زوايا متعددة، والتقطت جمال هذه العاصمة القديمة عن كثب، وقدرت سحرها المتنوع ونشاطها بشكل شامل.
خلال جلسة مشاركة المواضيع، قال محمد عبدالكريم، مقدم برنامج في تلفزيون أبوظبي، إن تجربة السفر إلى بكين في سبتمبر للمشاركة في تصوير مسلسل «بكين الساحرة» لا تُنسى، واعتبر أن المسلسل سيعكس جمال الثقافة الصينية وروح الشعب الصيني للناس في الإمارات، ويُظهر بشكل كامل صورة الصين الحديثة.
بعد حفل الإطلاق، سيُعرض وثائقي «بكين الساحرة» في معرض جولات على منصات مثل تلفزيون أبوظبي وتلفزيون العربية، مستهدفاً الجمهور في المنطقة العربية. ويهدف الوثائقي إلى عرض سحر بكين المتنوع وتراثها التاريخي الغني كـ «مدينة الفرص»، مما يعزز الفهم المتبادل والتواصل بين شعبي الصين والإمارات وكذلك بين الصين والسعودية.