هل تكفي أدوات الحكومة للخروج من أزمة الدولار بمصر؟
تاريخ النشر: 3rd, August 2023 GMT
مصادر النقد الأجنبي في مصر منذ سنوات تتمثل في عوائد الصادرات بما فيها النفط والغاز، وكذلك عوائد المرور من قناة السويس، وإيرادات قطاع السياحة، وتحويلات العاملين بالخارج، والاستثمارات الأجنبية.
إلا أن احتياجات مصر أكبر مما يتحقق لها من موارد النقد الأجنبي، وهو ما تظهره دومًا البيانات الرسمية عن العجز في ميزان الصادرات والواردات السلعية والخدمية.
فحسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، بلغت الصادرات السلعية والخدمية لمصر عام 2022 ما قيمته 71.9 مليار دولار، بينما بلغت الواردات السلعية والخدمية، 104.3 مليارات دولار، وهو ما يعني وجود عجز بقيمة 32.4 مليار دولار.
ومن خلال متابعة أداء مصر في العجز بين الصادرات والواردات السلعية والخدمية لعدة سنوات، وُجد أنه في حدود 30 مليار دولار سنويًا في المتوسط، لذلك تلجأ مصر إلى الديون الخارجية، وكذلك السعي لجلب أموال الأجانب في أدوات الدين المحلي، أو جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لسد هذا العجز.
تراجع موارد النقد الأجنبيإلا أن ما تعرضت له مصر خلال أزمة جائحة فيروس كورونا والتداعيات السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا، أثر بشكل كبير على وضع النقد الأجنبي في البلاد، لا سيما خروج أموال الأجانب من أدوات الدين الحكومي.
وبالتزامن مع خروج أموال الأجانب من أدوات الدين المحلي، تراجع أهم موارد النقد الأجنبي، وهو تحويلات العاملين بالخارج، بسبب وجود سوق سوداء بعد تخفيض قيمة الجنيه، وعدم مواءمة السعر الحكومي لما هو عليه في السوق السوداء.
فبيانات البنك المركزي المصري عن أداء ميزان المدفوعات، في الفترة من يوليو/تموز 2022 إلى مارس/آذار 2023، تظهر تراجع العديد من موارد النقد الأجنبي، فتحويلات العاملين بالخارج تراجعت بنحو 6.4 مليارات دولار، مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي.
كما أن صافي استثمارات محفظة الأوراق الأجنبية أسفر عن خروج 3.4 مليارات دولار، وحصيلة الصادرات السلعية تراجعت بنحو 1.4 مليار دولار، كذلك كانت أرباح الاستثمارات الأجنبية في مصر ضمن عوامل الضغط على ميزان المدفوعات والتأثير على المتاح من نقد أجنبي بمصر، إذ خرجت تلك الأرباح خلال الفترة المذكورة بقيمة 14.7 مليار دولار.
أما صافي أصول النقد الأجنبي بالبنوك المصرية، فيعاني عجزًا، إذ تشير بيانات النشرة الإحصائية للبنك المركزي المصري إلى أن هذا العجز بلغ في مارس/آذار 2023 ما قيمته 750.9 مليار جنيه مصري (ما يعادل 24.2 مليار دولار حسب سعر صرف 31 جنيها للدولار).
لقد أدى وجود أزمة في النقد الأجنبي إلى تقليص الواردات السلعية لمصر خلال الفترة بين يوليو/تموز 2022 ومارس/آذار 2023، إذ تراجعت تلك الواردات بنحو 12.5 مليار دولار مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي، وهو ما أثر على حركة الإنتاج في بعض الصناعات وأنشطة التجارة.
أدوات ومبادرات الحكومةوفي إطار سعي الحكومة المصرية للبحث عن حلول لأزمة النقد الأجنبي خلال السنوات الثلاث الماضية، طُرحت عدة مبادرات للحصول على النقد الأجنبي، وكان منها ما يلي:
السماح للمصريين العاملين بالخارج باستيراد سيارة وإعفائها من الرسوم الجمركية، مقابل إيداع 5 آلاف دولار في حساب وزارة المالية كوديعة، تسترد بعد 5 سنوات بالجنيه المصري حسب سعر الصرف في حينه. طرح أراض ووحدات سكانية للعاملين بالخارج مقابل سداد الثمن بالدولار، كذلك توسعت الحكومة في حصول الأجانب على عقارات بمصر بشرط الدفع بالدولار. طرح بنكا مصر والأهلي شهادات ادخارية بالدولار مدتها 3 سنوات بسعر فائدة عال بلغ 7%، يصرف بالدولار كل عام، أو بنسبة فائدة تراكمية 27% تصرف في نهاية السنوات الثلاث. مؤخرا، تم إصدار بيان من الخارجية المصرية بشأن تسوية موقف المتخلفين عن التجنيد للمصريين بالخارج، الذين تجاوزت أعمارهم 30 عامًا، مقابل دفع مبلغ 5 آلاف دولار أو ما يعادلها باليورو.ولم تتوقف خطوات الحكومة لتغطية العجز في النقد الأجنبي، ولكنها سعت بشكل كبير لبيع حصص في ملكية شركات قطاع الأعمال العام، سواء لمجموعة من الشركات الخليجية أو غيرها، ومؤخرا أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الانتهاء من تعاقدات بيع حصص في شركات قطاع الأعمال العام بنحو 1.9 مليار دولار.
هل تكفي هذه الإجراءات؟باستثناء الإجراءات التي تعنى بعملية الخصخصة، يُلاحظ أن باقي الأدوات ركزت على مورد واحد فقط، وهو العاملون بالخارج، سواء في ما يتعلق بمبادرة السيارات، أو الأراضي والوحدات السكنية، أو الشهادات الدولارية، أو تسوية الموقف من التجنيد.
وبطبيعة مورد العاملين بالخارج، فإن له سقفًا ولا يمكن الاعتماد عليه بشكل كبير، وتدفقات العاملين بالخارج إلى مصر ليست كلها مدخرات، لكي توجه لمبادرات الحكومة المختلفة لجذب الدولار، ولكن الجانب الأكبر من هذه التحويلات يتم توجيهه لتغطية المتطلبات المعيشية لأسر العاملين بالخارج.
وإذا ما افترضنا أن هامش الادخار سيكون بحدود 20% من تحويلات العاملين بالخارج، بعد تغطية متطلبات المعيشة لأسرهم، فإنه من الصعب أن يتم توجيه هذه المدخرات بالكامل للمبادرات الحكومية المختلفة.
إن عوامل الضغط على الحكومة في مسألة عجز النقد الأجنبي تأتي بشكل كبير من جانب الالتزامات الخاصة بالدين الخارجي، التي تأتي متتابعة كل 3 أشهر، والجدير بالذكر أن الدين الخارجي للحكومة بلغ مؤخرًا 163 مليار دولار في ديسمبر/كانون الأول 2022، وفق بيانات البنك المركزي المصري.
المنافذ أمام الحكومةتنتظر الحكومة عدة أمور لانتهاء أزمة النقد الأجنبي، من بينها أن يتم التوصل إلى تسوية مع صندوق النقد الدولي حول اعتماد مراجعة الشريحة الأولى من القرض الذي تم الحصول عليه بقيمة 3 مليارات دولار في ديسمبر/كانون الأول 2022، لكي يتسنى للحكومة إمكانية اللجوء لسوق السندات الدولية والحصول على قروض جديدة بأسعار فائدة غير مبالغ فيه.
ومن الحلول أيضا أن تنجح الحكومة في جذب أموال الأجانب للتعامل على أدوات الدين المحلي، ولكن العقبة الآن أمام هذا الأمر، أن المجلس الفدرالي الأميركي رفع سعر الفائدة مؤخرًا بنحو 0.25%، وهو ما يجعل رغبة هؤلاء المستثمرين تتجه نحو السوق الأميركية بشكل أكبر من الوجود في السوق المصرية.
وجدير بالذكر أن الحكومة المصرية ما زالت تحافظ على سعر فائدة عند معدلات 18.25%، وثبتت هذا السعر أكثر من مرة خلال الفترة الماضية، بينما يتطلع المستثمرون الأجانب المتعاملون على أدوات الدين في مصر إلى معدلات فائدة أعلى من ذلك، وكذلك تخفيض أكبر في قيمة الجنيه.
وتفيد الأرقام الواردة في النشرة الاقتصادية للبنك المركزي أن حصة الأجانب من أذون الخزانة في أبريل/نيسان 2023 بلغت 392.4 مليار جنيه، أي ما يعادل 12.6 مليار دولار.
وتبقى بوابة الخصخصة لملكية الأصول العامة، ولكنها في النهاية لها سقف، والأرقام المتحققة منها لا تفي بتلك الالتزامات المطلوبة من الحكومة المصرية.
كل تلك البنود تمثل أدوات الأجل القصير، والتي يمكن اعتبارها مسكنات، وتبقى حلول الأجلين المتوسط والطويل الأنجع للاقتصاد المصري، وهي تتمثل في تحسين موارد مستدامة من النقد الأجنبي عن طريق تحسين أداء الناتج المحلي بإنتاج مزيد من السلع والخدمات، خاصة ذات القيمة المضافة العالية، وكذلك زيادة الصادرات السلعية والخدمية، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ولكن يفضل أن تكون الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مجالات بخلاف النفط والغاز، وأن تراجع شروط خروج عوائد تلك الاستثمارات من مصر، بصورة لا تسبب أزمة في النقد الأجنبي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاستثمارات الأجنبیة العاملین بالخارج ملیارات دولار ملیار دولار بشکل کبیر وهو ما
إقرأ أيضاً:
نائب رئيس الغرفة التجارية: الاستقرار السياسيى والاقتصادى بمصر ليس حلم
أكد أحمد صقر، نائب رئيس الغرفة التجارية بالإسكندرية، أن مصر أصبحت مجددًا "أرض الفرص"، مشيرًا إلى أن الإسكندرية تمثل إحدى أهم بوابات الاستثمار والتجارة في مصر.
وأضاف أن الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي حققته مصر خلال السنوات الأخيرة ليس مجرد حلم بل أصبح حقيقة، فنحن نسير بخطى ثابتة نحو توفير مناخ جاذب للاستثمار من خلال تحديث القوانين والبنية التحتية وتنفيذ إصلاحات اقتصادية كبرى، مثل الرخصة الذهبية وسياسة ملكية الدولة والشراكات بين القطاعين العام والخاص.
جاء ذلك خلال استقبال الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية برئاسة أحمد الوكيل، وفد تنزاني مكون من إكسيد سيلاوينكا نائب وزير الصناعة والتجارة بدولة تنزانيا، وسفير تنزانيا بمصر السيد ريتشارد ماكانازو، بحضور عضوي مجلس الإدارة أشرف أبو إسماعيل، والمهندس البديوي السيد، وذلك لبحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين مصر وتنزانيا.
وتابع أن مصر تقدم تجربة فريدة يمكن لتتنزانيا الاستفادة منها، خاصة في مجالات الزراعة والصناعة والبنية التحتية، مع التركيز على قطاعات النقل والكهرباء، كما أن موقع مصر الجغرافي يجعلها مفترق طرق للتجارة العالمية، حيث ترتبط مصر بمناطق تجارة حرة تخدم أكثر من 3 مليارات مستهلك، ما يجعلها منصة مثالية للتجارة والصناعة."
وأشار صقر إلى أهمية زيادة حجم التبادل التجاري بين مصر وتنزانيا، مؤكدًا أننا نسعى لرفع حجم التجارة البينية من 66 مليون دولار إلى 300 مليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، وذلك عبر تنويع المنتجات المتبادلة وزيادة حجم التصدير والاستيراد، كما ندعو الشركات المصرية للتركيز على تحويل المواد الخام التنزانية إلى منتجات ذات قيمة مضافة، ونسعد بمشروع المنطقة الصناعية المصرية في تنزانيا الذي يُتوقع أن يجذب أكثر من 100 مستثمر ويوفر 50,000 فرصة عمل.
وأضاف أن التعاون بين الجانبين في مشاريع البنية التحتية يعد نموذجًا ناجحًا، مستشهداً بمشروع سد ومحطة جولياس نيريري الذي نفذته شركتا المقاولون العرب ومجموعة السويدي بقيمة 3.4 مليار دولار.،وفي ختام اللقاء، دعا نائب رئيس غرفة الإسكندرية رجال الأعمال التنزانيين للاستثمار في مصر.
تأتي هذه الزيارة ضمن جهود تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر وتنزانيا، وفتح آفاق جديدة للتعاون في مختلف المجالات التنموية.