انقطاع الكهرباء والموجة الحارة.. معضلة تؤرق المواطن والاقتصاد في مصر
تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT
"لا نستطيع تحمل هذا الوضع.. نحن نعاني يوميا.. بينما لا تقدم الحكومة أي حلول ولا تضع جدول زمني لانتهاء الأزمة"، هكذا يشتكي عدد من المواطنين المصريين من استمرار "أزمة انقطاع الكهرباء" في مصر، وهو ما يصفه مختصون تحدث معهم موقع "الحرة" بمعضلة تؤرق المواطن والاقتصاد على حد سواء.
"لا أستطيع التحمل"تشهد مصر موجة من الطقس الحار، والجمعة، وصلت درجة الحرارة العظمى بالعاصمة القاهرة إلى 45 درجة مئوية، بينما تجاوزت درجات الحرارة 48 درجة في محافظة أسوان "جنوب البلاد"، وفق "هيئة الأرصاد الجوية المصرية".
وتقول ماري عجبان، وهي موظفة على المعاش من صعيد مصر، إن "الكهرباء تنقطع في منطقتها لمدة تتراوح بين ساعة إلى ساعتين يوميا في ظل درجات الحرارة المرتفعة"، ما يؤثر عليها بالسلب نظرا لكونها من مرضى السكري.
وفي حديثها لموقع "الحرة"، توضح أن وتيرة قطع التيار الكهربائي قد ازدادت خلال الأيام الأخيرة، رغم موجة الطقس الحارة التي تمر بها البلاد، ما يفاقم من معاناتها اليومية.
ويؤثر قطع الكهرباء على أصحاب الأمراض المزمنة مثل السكري الذين "لا يستطيعون تحمل درجات الحرارة المرتفعة"، حسبما تشير عجبان.
وعند انقطاع الكهرباء "يتوقف عمل المصاعد بالأبراج وكذلك تنقطع المياه التي تعتمد على (مضخات) لإيصالها إلى الأدوار العليا"، حسبما تضيف.
وتتساءل في استنكار: "لقد مر على هذا الحال أكثر من عام كامل.. ونحن ندفع فاتورة الكهرباء كاملة دون استقطاع.. فلماذا تستمر الحكومة في قطع التيار عنا ولا تراعي ظروف واحتياجات الناس؟".
"إلى متى"؟الصيف الماضي، بدأت مصر قطع الكهرباء لمدة ساعة يوميا وزادت المدة إلى ساعتين مع بداية هذا الصيف.
في حديثها لموقع "الحرة" تتساءل نجلاء مرسي، وهي ربة منزل تعيش في القاهرة، قائلة: "إلى متى سوف يستمر انقطاع الكهرباء؟".
ولا يتم قطع الكهرباء "في مواعيد محددة"، وأحيانا يستمر انقطاع التيار "لأكثر من ساعتين"، وفي ظل موجة الطقس الحار الحالية "فالوضع لا يطاق"، حسبما تؤكد ربة المنزل.
وتضيف: "محدش حاسس بالناس (لا أحد يشعر بالمواطنين).. لما الكهرباء بتقطع (عند انقطاع التيار).. حياتنا كلها بتقف (تتوقف حياتنا).. إحنا بنعاني (نحن نعاني) كل يوم نفسيا وجسديا".
ما رد الحكومة المصرية؟وفي حديثه لموقع "الحرة"، اكتفى المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، المستشار محمد الحمصاني، بالتأكيد على أن "أزمة انقطاع الكهرباء سوف تنتهي بنهاية العام الجاري"، دون ذكر مزيد من التفاصيل.
وفي سياق متصل، يشير المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أيمن حمزة، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى أن "تخفيف الأحمال محدد بمدة معينة تتراوح بين ساعة إلى ساعتين يوميا فقط".
وفي حال زيادة انقطاع التيار الكهربائي عن تلك المدة، يمكن الاتصال برقم خصصته الوزارة لـ"تلقي شكاوى الأعطال"، دون ذكر مزيد من التفاصيل.
ما أسباب "استمرار الأزمة"؟عادت مصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، إلى استيراد الغاز الطبيعي بعد أن كانت تصدره في السنوات القليلة الماضية في إطار خطة لتصبح موردا موثوقا به لأوروبا.
وتتناقص إمدادات الغاز التي تساعد مصر في توليد الكهرباء بينما يتزايد الطلب على الكهرباء بسبب التنمية الحضرية وزيادة السكان البالغ عددهم 106 ملايين نسمة.
وعندما ترتفع درجات الحرارة يزيد استخدام مكيفات الهواء من استهلاك الكهرباء.
وانخفض إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي في مصر في 2023 إلى أدنى مستوى له منذ عام 2017، حسبما أظهرت مبادرة بيانات المنظمات المشتركة "جودي".
وبلغ إنتاج الغاز في عام 2023 نحو 59.29 مليار متر مكعب بانخفاض 11.5 في المئة على أساس سنوي إلى أدنى مستوى منذ 2017 عندما كان نحو 50.72 مليار متر مكعب.
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يؤكد الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، أن قطع التيار الكهربائي خلال العام الماضي كان لـ"توفير النفقات"، لكن الأزمة في الوقت الحالي تتعلق بـ"شح الغاز" المستخدم لتوليد الكهرباء.
وشح الغاز "يجبر" الحكومة المصرية على تخفيف الأحمال، وزيادة فترة انقطاع التيار الكهربائي، وفق حديثه لموقع "الحرة".
أكثر من ساعتين
ويقول الكاتب والمحلل السياسي، مجدي حمدان، "تزايدت وتيرة قطع التيار الكهربائي والتي تصل إلى 5 أو 6 ساعات في بعض المناطق، وعند الاتصال بطوارئ وزارة الكهرباء لا يرد أحد".
ويشدد المحلل السياسي المصري في حديثه لموقع "الحرة" على أن أزمة قطع الكهرباء تسببت في معاناة قطاع واسع من الناس، ووصل الأمر إلى "موت" البعض، في إشارة لحادثة مقتل عازف الساكسفون، محمد علي نصر.
وخلال تواجده في مصعد عمارة منزله بمحافظة الإسكندرية، فوجئ عازف الساكسفون بانقطاع التيار الكهربائي، بين الطابقين الثامن والتاسع، وكانت بصحبته أم وطفليها، وفق ما ذكرته "وسائل إعلام مصرية".
ونجح عازف الساكسفون في إخراج الأطفال ووالدتهم من فتحة في أسفل المصعد، ولدى محاولته الخروج من ذات الفتحة، فلتت قدماه ليسقط صريعا.
معضلة "اقتصادية"وارتفع احتياطي النقد الأجنبي لمصر إلى 46.125 مليار دولار في مايو، مقابل 41.057 مليار دولار بنهاية أبريل 2024، وفق "بيانات البنك المركزي المصري".
وتسعى مصر لـ"خفض فاتورة الدعم" منذ توقيع حزمة دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بقيمة ثمانية مليارات دولار في مارس.
ولذلك، يؤكد عبد المطلب أن الحكومة المصرية "لا تستطيع" استخدام جزء من الاحتياطي النقدي لتمويل احتياجاتها من الغاز أو الطاقة، حسب اتفاقها مع صندوق النقد الدولي.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن مصر تحتاج من 200 إلى 300 مليون دولار سنويا، لتوفير الغاز بشكل دائم وبالتالي "حل أزمة انقطاع التيار الكهربائي"، لكن لا يمكن للحكومة "الاقتراب من احتياطي النقد الأجنبي لتوفير ذلك المبلغ".
ويشدد عبد المطلب، على أن قطع التيار الكهربائي "خطأ جسيم جدا لا يضر فقط بالمواطن، لكنه يضعف الاقتصاد المصري".
وهناك "خطورة" لقطع الكهرباء على "المناخ العام للاستثمار في مصر"، ومن الصعب أن يأتي مستثمرين جدد لدولة يتم قطع التيار الكهربائي بها "عمدا"، وفق الخبير الاقتصادي.
تداعيات "مجتمعية خطيرة"لا توجد أرقام أو إحصاءات دقيقة تتعلق بـ"خسائر الاقتصاد المصري" نتيجة قطع التيار الكهربائي، لكن هناك تداعيات مجتمعية وصحية "خطيرة" لتلك الأزمة، حسبما يوضح عبد المطلب.
ومن جانبه، يؤكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة مصر اليابان، سعيد صادق، أن انقطاع التيار الكهربائي لمدة ساعة إلى ساعتين "لم يحدث سابقا في تاريخ مصر"، محذرا من أن الأزمة سوف تتسبب في "مشكلات مجتمعية خطيرة".
ويتسبب انقطاع التيار الكهربائي في مشكلات كبرى بالمجتمع، ولا يستطيع الأشخاص الذين يعملون عن بعد على "أداء مهام عملهم"، ووصل الأمر إلى "موت بعض المواطنين"، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ويرى صادق أن قطع التيار الكهربائي بـ"شكل عمدي" يؤثر سلبا على "ثقة المواطن في الحكومة، وقدرتها على إدارة الدولة، ويدفع المستثمرين إلى (العزوف) عن الاستثمار في مصر".
وقطع الكهرباء "كارثة" تؤثر على كافي مناحي الحياة، ولا تضر المواطن فقط، لكن سيكون لها "تداعيات خطيرة" على اقتصاد البلاد، حسبما يحذر أستاذ علم الاجتماع السياسي.
ما الحل؟الحل الوحيد هو تمكن الدول من توفير الغاز بشكل عاجل، لاستمرار سريان التيار الكهربائي بما يضمن "عدم حدوث مشاكل وخسائر بالاقتصاد المصري"، وفق عبد المطلب.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن أسعار الغاز قد انخفضت عالميا وتتراوح بين 2.7 إلى 3 دولار لكل مليون وحدة حرارية، وبالتالي يمكن شراء "شحنات من الغاز لحل الأزمة".
ومن جانبه، يشير حمدان إلى "ضرورة وجود تغيير شامل بالسياسات الحكومية، ووضع خطط حقيقية لحل المشكلات التي تمس المواطنين".
واستمرار الحكومة الحالية بنفس رئيس الوزراء الحالي، مصطفى مدبولي، يعني "استمرار الأزمة"، ويجب أن يكون هناك "تغيير بالأشخاص والسياسات، وفرض رقابة حقيقية على الوزارات والمؤسسات الحكومية"، وفق حمدان.
وتمر مصر بـ"أزمة اقتصادية شديدة" من جراء نقص النقد الأجنبي، وتواجه تبعات جيوسياسية لنزاعين مفتوحين على حدودها وهي الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، والنزاع في السودان إلى الجنوب.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: انقطاع التیار الکهربائی قطع التیار الکهربائی الخبیر الاقتصادی انقطاع الکهرباء الاقتصاد المصری درجات الحرارة قطع الکهرباء إلى ساعتین عبد المطلب فی مصر
إقرأ أيضاً:
جيروم باول: الفيدرالي الأمريكي قد يواجه معضلة بين كبح التضخم ودعم النمو الاقتصادي
أعرب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، عن قلقه من احتمالية دخول “البنك المركزي” في مأزق صعب يتمثل في التوفيق بين هدفين متناقضين: السيطرة على التضخم ودعم النمو الاقتصادي.
رسوم ترامب تجبر أوبك على خفض توقعاتها لنمو الطلب على النفط أستاذ هندسة الطاقة والبترول يوضح تداعيات رسوم ترامب الجمركية على أسواق النفط العالمية
وفي خطاب ألقاه اليوم الأربعاء، أوضح باول أن البيانات الاقتصادية تشير إلى تباطؤ في وتيرة النمو خلال الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بالقوة التي شهدها الاقتصاد في العام السابق. وأضاف أن الإنفاق الاستهلاكي، رغم قوة مبيعات السيارات، سجل نموًا متواضعًا، بينما قد تؤثر واردات الشركات المرتفعة سلبًا على الناتج المحلي الإجمالي، في ظل محاولات الاستباق لتفادي الرسوم الجمركية المحتملة.
وأشار إلى أن حالة عدم اليقين ما زالت تسيطر على المشهد، خاصة فيما يتعلق بتأثير الرسوم التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، مشددًا على أن الفيدرالي لم يحدد بعد ما إذا كان سيعطي الأولوية لكبح التضخم أم لدعم النمو الاقتصادي.
وتابع باول: “قد نجد أنفسنا أمام حالة من التوتر بين هدفينا الأساسيين، وفي تلك الحالة، سندرس مدى ابتعاد الاقتصاد عن كل هدف والمدة الزمنية المطلوبة لتحقيق التوازن بينهما”.
ونقلت شبكة “سي.إن.بي.سي.” الأمريكية أن الاحتياطي الفيدرالي يضع نصب عينيه هدفين رئيسيين: استقرار الأسعار وتحقيق التوظيف الكامل، إلا أن الرسوم الجمركية، حسب خبراء الاقتصاد، قد تعيق تحقيق كليهما، كونها تُعد ضريبة على الواردات وتؤثر على الأسعار بشكل متفاوت.
وخلال جلسة أسئلة وأجوبة عقب الخطاب، قال باول إن الرسوم الجمركية “من المرجح أن تبعدنا عن أهدافنا، وربما طوال العام الجاري”، دون أن يعطي إشارات واضحة بشأن تحركات أسعار الفائدة القادمة، مكتفيًا بالقول إن الوضع الراهن يمنح الفيدرالي فرصة للانتظار قبل اتخاذ أي خطوات جديدة.
وفيما يتعلق بالتضخم، أشار باول إلى أن التوقعات على المدى القريب تشهد ارتفاعًا، بينما لا تزال التوقعات طويلة الأجل قريبة من مستهدف الفيدرالي البالغ 2%. ولفت إلى أن مؤشر التضخم الأساسي قد يسجل 2.6% في مارس.
وحذر باول من أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى زيادة مؤقتة وربما طويلة الأجل في معدلات التضخم، مؤكدًا أن تجنب هذا السيناريو يعتمد على مدى حجم هذه التأثيرات ومدتها، بالإضافة إلى استقرار توقعات التضخم المستقبلية.
وقد تراجعت مؤشرات الأسهم الأمريكية إلى أدنى مستوياتها خلال تعاملات اليوم، متأثرة بتصريحات باول، في حين انخفضت عوائد سندات الخزانة الأمريكية.
وفي حال ارتفاع التضخم، من المتوقع أن يبقي الفيدرالي على أسعار الفائدة الحالية أو يلجأ إلى رفعها، بينما قد يتجه إلى خفضها في حال تباطؤ النمو. وتتوقع الأسواق أن يبدأ البنك في خفض الفائدة اعتبارًا من يونيو المقبل، مع تنفيذ ما بين ثلاث إلى أربع تخفيضات حتى نهاية عام 2025.
ورغم أن الفيدرالي يعتبر عادة أن أثر الرسوم الجمركية على الأسعار يكون مؤقتًا، إلا أن التوسّع في تطبيقها خلال ولاية ترامب قد يغيّر هذا التقدير