تطوير النبي دانيال.. قبلة حياة لمجمع الأديان ومحراب الثقافة بالإسكندرية
تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT
الإسكندرية- دبت الحياة مرة أخرى في شارع النبي دانيال التاريخي أحد أقدم وأهم شوارع مدينة الإسكندرية شمال مصر عبر عملية تطوير جديدة، بشكل يليق بتاريخه ومكانته الحضارية ليعود مجددا مركزا لجذب المبدعين والسياح.
حيث ينفرد الشارع العريق الذي يعد محرابا للثقافة بالإسكندرية ومقصدا للباحثين والطلاب والمثقفين وعشاق اقتناء الكتب القديمة والنادرة بمكتبات بيع الكتب المستعملة والجديدة إلى جانب المجلات والروايات العربية والأجنبية والمترجمة وغيرها من كنوز المعرفة.
كما يعتبر بمثابة مجمع للأديان السماوية الثلاثة بتجاور المعابد والكنائس والمساجد فيه بانسجام، ولاحتوائه مزارات أثرية من حقب تاريخية متعددة، ففي بدايته يوجد مسجد النبي دانيال، وبعده الكنيسة المرقسية أقدم كنيسة في مصر وأفريقيا، وقبل نهايته معبد الجالية اليهودية.
ورغم مرور الزمن وتعاقب الحقب واحتفاظ هذا الشارع بتراثه الحضاري العريق، فإن الإهمال أودى به في العقود الأخيرة، وتحول إلى سوق عشوائي مفتوح.
وبحسب تصريحات صحفية لمحمد الشريف محافظ الإسكندرية، فقد أكد أن أعمال التطوير شملت ترميم ودهان جميع المباني الموجودة ضمن خطة لإعادة إحياء المناطق والشوارع والميادين التراثية والتاريخية ووضعها على خريطة السياحة العالمية وبما يتناسب مع الهوية البصرية للمكان إلى جانب إقامة سوق للكتب ليتحول الشارع إلى ممشى تراثي بتكلفة تقدر بـ103 ملايين جنيه.
رونق الشارع وتاريخ الإسكندريةفي البداية يقول محمد محسن الباحث والكاتب الإسكندري إنه دائم التردد على شارع النبي دانيال بوسط المدينة ولأول مرة ينال الشارع التاريخي الاهتمام والتطوير أخيرا بعد أن عانى في الفترة الأخيرة من مشكلة ازدحام السير والعشوائية، بسبب انتشار الباعة الجائلين وتعدياتهم على الرصيف والممرات المخصصة للمشاة، وأضاف الباحث "تحول تدريجيا إلى سوق مفتوح غير منظم يباع فيه كل شيء بدءا من الكتب المستعملة التي اشتهر بها، إلى ملابس وأغراض منزلية ومستلزمات بلاستيكية، مع تراكم النفايات الناتجة عن هذه الأنشطة غير المنظمة".
وأشار في حديثه لـ"الجزيرة نت إلى أن تلك التجديدات التي نفذتها محافظة الإسكندرية أعادت إلى الشارع رونقه وجمالياته، وتحول إلى تحفة معمارية جديدة تزين الإسكندرية بعد إنشاء ممشى تراثي يسير فيه المواطنون بأريحية دون مرور السيارات، وتم إعادة ترميم ودهان الواجهات الخاصة بالعمارات والمباني المحيطة به لإبراز الزخارف المعمارية، كما هو الحال في أحد شوارع أوربا.
ومن جانبه، يقول أحمد عبد الفتاح، الخبير الأثري، المشرف العام على متاحف ومواقع الإسكندرية الأثرية الأسبق "يتمتع شارع النبي دانيال بأهمية كبير، نظرا لأنه أحد أقدم الشوارع في مدينة الإسكندرية حيث يعود تاريخ إنشائه إلى عام 331 قبل الميلاد، عندما أمر الإسكندر الأكبر بتخطيط المدينة على يد المهندس دينوقراطيس، واكتسب أهميته التاريخية بوجوده في منطقة كوم الدكة التي تضم آثارا رومانية قيمة من حمامات ومسرح يعود تاريخه إلى القرن الثاني الميلاد".
وأضاف "عبد الفتاح" رغم مرور الزمن وتعاقب الحقب، بقي هذا الشارع يحتفظ بتراثه الحضاري العريق، منذ تأسيس المدينة على يد الإسكندر الأكبر، ولا تزال حجارة مبانيه القديمة تشهد على عراقة تاريخ يمتد لأكثر من 23 قرنا من التنوع الثقافي والحضاري حيث كان أحد شارعين رئيسيين في المدينة القديمة آنذاك.
وأشار إلى أن الشارع يحمل في طياته تاريخ الإسكندرية القديم والحديث، ويضم العديد من المباني التراثية من مباني القرن الـ19، وكذلك منشآت تاريخية مميزة مثل مباني طائفة الفرنسيسكان، التي كانت تقطن المدينة في السابق، وتحتوي أيضا على مبانٍ من العصر الروماني.
مبانٍ عريقةوتابع: من بين المباني التاريخية الرائعة في الشارع، يوجد مبنى المعهد الفرنسي، الذي يعتبر أحد أروع المباني القديمة، وهو عبارة عن تحفة معمارية تأخذ الزائر في رحلة عبر الزمن، وتعيده إلى أصالة وعراقة الماضي، وتحديدا إلى القرن الـ18، وعهد محمد علي.
كما يحتوي على عمارة حديثة مثل قصر "أجيون"، والذي يعود تاريخ بنائه إلى الفترة بين عامي 1885 و1887، وهو مسجل كمبنى أثري في مجلد حماية التراث بالمدينة منذ عام 2008، ويتم حاليا استخدامه من قبل صحيفة الأهرام العريقة.
من جانبه، رحب مجدي محمود -صاحب مكتبة "الحُسين" في شارع النبي دانيال- بأعمال التطوير التي تمت بالشارع ليس فقط المنظر الجمالي فقط وإنما بما ستسهم في حركة بيع الكتب بعد تقنين أوضاعهم والحفاظ على مهنتهم التي عاشوا عليها منذ زمن طويل.
وأضاف في حديثه لـ"الجزيرة نت": جُدِّد الشارع على الطراز الأوروبي، مما أدى إلى توفير مساحة للمارة وإبراز أهميته التاريخية، ومن المؤكد أن هذه التجديدات ستسهم في جذب مزيد من السياح إلى هذا المكان، ويمكن للزوار استكشاف هذه المكتبات واكتشاف كتب نادرة ومفيدة، مما يسهم في إثراء معرفتهم وتوسيع آفاقهم الثقافية.
أما علي التركي -صاحب مكتبة الثقافة- فيقول: يلقب الشارع بـ"معبد الكتاب"، وذلك لكونه وجهة مهمة لعشاق القراءة والمثقفين، وتتوفر فيه مكتبات تضم مجموعات هائلة من الكتب في مختلف المجالات، بدءا من الأدب الكلاسيكي وصولا إلى العلوم والتاريخ والفلسفة.
وأضاف البائع "كما يجذب الشارع العديد من المثقفين والكتاب والطلاب الجامعيين، والذين يسعون للتعرف على أحدث الإصدارات الأدبية والفكرية من خلال التخصص في بيع الكتب المستعملة، مما يعزز الاستدامة، ويتيح للناس الوصول إلى الموارد الثقافية بأسعار معقولة".
أما الشاعر الإسكندري جابر بسيوني -أمين صندوق اتحاد كتاب مصر- فأشاد خلال حديثه لـ"الجزيرة نت" بجهود رفع كفاءة شارع النبي دانيال، مطالبا بتوسيع هذه التطويرات لتشمل الشوارع التاريخية والرمزية الأخرى، مؤكدا أن الشارع اكتسب صبغة ثقافية، وارتبط في ذاكرة الإسكندريين بكونه مركزا للكتب، حيث يلجأ إليه المثقفون للبحث والاقتناء كمركز إشعاع ثقافي وحضاري.
وطالب أمين صندوق اتحاد كتاب مصر بحماية هويات بائعي الكتب بشكلهم الجديد، مع تحسين الواجهة البصرية، مع الاحتفاظ بدورهم التاريخي في الثقافة، داعيا إلى وضع لافتات عن تاريخ الشارع ومحتواه الأثري بهدف إثراء الزوار، وبخاصة أن المدينة بأكملها تفتقر للأماكن الثقافية بنسبة كبيرة، رغم مكانتها التاريخية كعاصمة حضارية في العالم القديم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات شارع النبی دانیال
إقرأ أيضاً:
نهلة الصعيدي: الأخوة الإنسانية جزء أساسي من رسالة الإسلام وتعزز التعايش السلمي بين الأديان
نظم جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والخمسين، اليوم الثلاثاء، ندوة بعنوان "احتفالية الأزهر باليوم العالمي للأخوة الإنسانية"، شاركت فيها أ.د/ نهلة الصعيدي، رئيس مركز تعليم الطلاب الوافدين، ومستشار شيخ الأزهر لشئون الوافدين،الأنبا إرميا، الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، وأدار الندوة الدكتور محمد البحراوي أستاذ الصحافة بإعلام الأزهر.
قالت الدكتورة نهلة الصعيدي، إن العالم بحاجة إلى تعزيز مفاهيم الأخوة والسلام، وبحاجة إلى فهم الآخر لأن ذلك يساعد في حل المشكلات، وأكدت على أهمية تطبيق مبادئ الأخوة الإنسانية حيث أنها تعد جزءًا أساسيًا من رسالة الإسلام، نظرًا لأن الدين الإسلامي حثَّ على تعزيز قيم التعاون والمساواة بين البشر جميعًا، وجاء الخطاب القرآني ليؤكد على أن الناس خلقوا ليتعارفوا ويتعاونوا، لا ليتصارعوا، وأضافت أن الإسلام يعتبر التنوع في البشر مصدرًا للغنى الحضاري، ويعزز من مبدأ السلام والتعايش بين مختلف الأديان والثقافات.
حكم من لا يستطيع الوفاء بالنذر.. أمين الفتوى يوضح
ما حكم حضور من لا يحتاج إليه في غسل الميت؟ .. الإفتاء تجيب
وأشارت الصعيدي إلى أن وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها فضيلة الإمام الأكبر مع بابا الفاتيكان تعتبر تطبيقًا عمليًا لتعاليم الدين الإسلامي، وتلخيصًا مهمًا لما جاءت به كل الأديان السماوية حيث جاءت كافية وشافية وشاملة لكل الفئات والأطياف والأديان، حيث أكدت على ضرورة التعايش السلمي واحترام الآخر، واهتمت بالمرأة وأهمية تكريمها، وجعلت العمل الصالح هو أساس التكريم وليس اللون أو النوع، وبيَّنت الصعيدي أن المبادئ والقيم التي جاءت بها وثيقة الأخوة الإنسانية دعت إلى نبذ الكراهية والعنف، والعمل من أجل السلام العالمي، كما شجعت على التفاهم والاحترام والفهم المتبادل بين جميع الناس بغض النظر عن معتقداتهم أو ثقافاتهم. وعن دور الأزهر ورسالته، أكدت الصعيدي أنها رسالة عالمية منبثقة من رسالة الإسلام وهدي نبيه الذي دعا للسلام والتسامح، حيث عقد الأزهر الشريف ملتقى الأخوة الإنسانية وملتقى الطلاب الوافدين للتأكيد على أهمية لغة الحوار وتعزيز قيم فهم الآخر، كما عززت مناهج الأزهر من القيم الإنسانية الراقية، ولقد خلق الله الناس جميعا من نفس واحدة على اختلاف لغاتهم وثقافاتهم المختلفة، تربطهم صلة واحدة هي صلة الأخوة والإنسانية.
من جانبه أوضح الأنبا إرميا، الأسقف العام - رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، أن احترام الآخر يعد من أصول الأديان كافة، حيث يُعتبر الإنسان أكرم مخلوقات الله وله مكانة عظيمة في جميع الأديان، مؤكدًا أن وثيقة الأخوة الإنسانية جاءت لتسليط الضوء على حقوق الإنسان وحمايتها، مشيرًا إلى أن دور علماء الدين لا يقتصر على التفسير الديني فقط، بل يشمل التطبيق الفعلي لهذه المبادئ في حياتنا اليومية، كما أشار إلى جهود الأزهر في تأسيس "بيت العائلة المصرية" الذي يعزز التعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر ويعمل على تعزيز روح الأخوة والتسامح بين أفراد المجتمع، مؤكدًا أن بيت العائلة ليس فقط مؤسسة دينية، بل هو أيضًا منصة للحوار والتفاهم بين مختلف الأديان والثقافات، ويُسهم بشكل كبير في حل القضايا الاجتماعية والدينية بطريقة متوازنة وعادلة، ويمثل نموذجًا حقيقيًا للوحدة الوطنية والحوار بين الأديان.
وأشار الأنبا أرميا إلى أن الأديان السماوية جميعها تدعو إلى التسامح والتعايش المشترك والسلام، موضحًا أن القرآن الكريم جاء بالسلام وخاطب الناس جميعًا باختلاف ثقافاتهم وطالبهم أن يتعارفوا على المودة والمحبة والسلام، مؤكدًا أنه يجب على علماء الدين أن يكونوا قدوة في نشر قيم المحبة والتفاهم بين الناس، كما أنهم على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم يتحملون مسؤولية كبيرة في تعزيز الوحدة بين البشر من خلال الحوار البنَّاء والتعاون في خدمة المجتمع، وأشار إلى أن الأخوة الإنسانية تقتضي احترام التنوع الثقافي والديني، والعمل معًا من أجل نشر السلام وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما يجب أن يسعى إليه كل عالم دين مخلص لرسالته، داعيًا الجميع إلى تعزيز الاحترام المتبادل والعمل سويًا من أجل إرساء دعائم السلام حول العالم.