الفنانة فدوى فريد لـ «التغيير»: «البلابسة» ودعاة الحرب مرضى نفسيون
تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT
وصفت الفنانة السودانية فدوى فريد من يدعون للحرب بأنهم مرضى نفسيون، وقالت إن من يتمنى الموت للناس ويدعو لحزنهم عليه أن يراجع نفسه، وذكرت فريد في حوارها مع «التغيير» أن مشروعها قائم على الغناء المسؤول، وتحدثت فدوى عن زياراتها لمعسكرات اللاجئين ومحاربة الإعلام لها في بداياتها وغيرها من المواضيع في مساحة من الحوار الصريح.
حوار ــ عبد الله برير
أنا فدوى فريد، بنت سودانية عادية من طبقة متوسطة، خريجة محاسبة، في فتره الحرب غنيت بالفعل كثيرا لوجع الحرب الذي يلازمني منذ الصغر، أنا من الذين لم يروا جزءا كبيراً من أهلهم بسبب الحرب التي لا تعطينا أي خير وحرمتنا من الكثيرين ولسنا على استعداد لنُحرم من اناس نحبهم.
_ هل يحتاج الفنان ل ( كتالوج ) ونماذج ومرشدين ليشق طريقه؟الفنان منذ البداية يجب أن يرسم بنفسه خط سيره ويحدد ما يريد أن يغنيه ويختار ذلك بعناية وهذا يعود إلى احساسه ومسؤوليته، أي فنان لديه قضية وهذه القضايا تختلف فهنالك من يريد أن يحسن وضعه مالياً مثلا، لكنني دائما ما أردد في المنابر والمنصات بأنني احلم بأن اتغنى بمسرح به 1000 شخص وكلهم يغنون معي ولكن لا احلم بأن يكون (عدادي) أكبر عداد في السودان أو العالم، أغني الغناء الجميل الذي يخفف علينا وجعنا سواء كان كاتب النص شاعراً كبيراً أو صغيراً فالإبداع ليس له سن محدد.
_ كيف كان شعورك وأنت تزورين والمعسكرات وتغنين للاجئين ؟وجع كبير أحس به عندما أزور المعسكرات، صراحة أشعر أن كل شخص سوداني هو قريبي، كلنا أسرة واحدة والوجع كبير جداً، كلما زرت معسكراً اعتذر لهم في النهاية و أقول لهم إنني جئت كي أفرحكم ولكنني بكيت أكثر منكم، أناشد كل الفنانين ان يتفقدوا مثل هؤلاء، رسالتي للفنانين أن نتفقد حتى العازفين الذين لا يعملون معنا، موجع جدا أن نجد أحد المنتمين للحقل الفني يعاني، بعض الفنانين يعطون العازفين فتافيت من عائدات الحفلات لذلك أكثر المتازمين في هذه الحرب هم العازفون وبعض الفنانين اصحاب القضية.
_ كونك من أم من غرب السودان و أب جنوبي، هل حدث لك ( انفصام ) بعد انفصال جنوب السودان ؟
نعم معظم الناس فقدوا الكثير ممن يعرفونهم لكنني أرى السودان بعين واحدة وهو مليون ميل مربع وسودان واحد والحمد لله أن بعض الناس لجأوا للجنوب مثل ما كان يحدث السابق حينما نزح الجنوبيون من الحرب، هنالك بعض الشماليين الآن لم يرجعوا بعد الانفصال لأنهم يشعرون أن الجنوب بلدهم وهي دولة واحدة واتمنى ان تعود كذلك.
أما آن الأوان لفدوى أن تترك أغنيات الحزن وتغني للناس عن الأمل والتفاؤل؟جزء كبير من الأغنيات به حزن ونبرة صوتي يعتريها الحزن وهو موجود حتى في اغنيات الفرح، اتمنى أن اغني للفرح ويُطلب مني ذلك دائما لكن كل يوم تتزايد الأوجاع والمجازر مستمرة، أتمنى أن ان يوضع السلاح في الأرض ونفكر في الأجيال القادمة وننظر لفقدان الأرواح والممتلكات والوضع النفسي والثقه التي انعدمت.
_ما هو سر الثنائية مع الشاعر الأستاذ مدني والملحن حمدتو؟الأستاذين النخلي حمدتو كانا من أوائل الداعمين الذين تنبأوا لي بمستقبل جيد وانا سعيدة بهما وممتنة، النخلي تحديدا كان يساعدني في اختيار القصائد والأغنيات وهو معروف بالقلب الكبير وحبه للفن الملتزم ،تعاونت معه في البداية في اغنيه (دنيا ساكة الناس) و امتدت التعاون ب( سوداني تكفينا) و(أهلنا قولوا سلام) وغيرها وبيننا أعمال قادمة تدعو إلى الوحدة وحب السودانيين لبعضهم البعض و لبلادهم ،ونبذ العنصرية.
_ هل وقف الإعلام معك في البدايات؟أنا لا اخاف من شيء وكنت أخطط لطريقي جيدا وأعلم أن مثل هذه العقبات متوقعة، ولكن هنالك عصابة في الإعلام لا تقدم أي شخص بل تحصر الفرص لأشخاص معينيين لذلك حاربت الإعلام، في فترة ما إذا تقدمت محطة تلفزيونية للتصوير كنت أرفض ذلك، لا أنكر أن راديو البيت السوداني وراديو الرابعة فتحا لي أبوابها ثم بعدت عن الإعلام كثيرا وطورت نفسي و أصبحت انتج عمل خاصا وشاركت في ليالي المنتديات وكانت من أسباب الإنتشار، وقدمت أغاني الطنبور وغنائي الخاص والحقيبة والتراث وعربي جوبا ومضيت في مشروعي وراضية عما أقدمه من رسالة للسلام.
_ ما هو الدور الذي قام به الموسيقار يوسف الموصلي في مشوارك؟الدكتور يوسف الموصلي أحبه جدا وأحب اغنياته، قبل الحرب التقينا في استديوهات البروف وتحدثنا كثيرا وقدم لي الوصايا والنصائح، فكرنا في تقديم واحدة من أغنياته المعروفة في دويتو مشترك ولكن شاءت الأقدار أن قامت الحرب، لكن لحن لي عمل بعنوان شدة وبتزول وهي من كلمات الاستاذ مدني النخلي ولدينا تعاون قادم.
_ هل تتخوفين من تنمر البلابسة دعاة الحرب عليك وأنت فنانة سلام؟لا اعرف الخوف و نحن بشر والتنمر لا يعنيني، لا يوجد أحد منا اختار قدره، لو خيروني 1000 مره سأختار أن أكون فدوى إبنة فاطمة المرأة الدارفورية ووالدي فريد الرجل الجنوبي، كل من كان عقله صغيرا وغير مكتمل فهو يتنمر، أي محتوى لا يعجبك يمكن أن تتجاوزه، من يجرحون الناس يعانون المشاكل النفسية وكل من يدعم الحق يصنف أنه غير طبيعي، نحن نرى الخراب باعيننا ويجب أن نحس بالناس، حينما تفقد أم أبنائها وحينما يفقد رجل زوجته أو إخوته، يجب أن نشعر به، من يحب الناس يتمنى لهم السعاده، الداعون للحرب ( ناس بل بس) غير طبيعيين وهم مرضى نفسيون يتمنون الحزن والموت للآخرين .
_ كيف تنظرين لمشوارك الفني في المستقبل؟مواصلهةمشروع الأغنيات والكلمات الجميلة التي يمكن أن يسمعها الإنسان في أي مكان وأي زمان ،في هذه المرحله أقاتل من أجل السلام والسودان، الأعمال المستقبليه موجودة بإذن الله .
_ لمن توجهين رسائلك في ختام هذا الحوار ؟رسالتي للشعب السوداني الصابر القوي الصامد: ليس أمامنا سوى الدعاء والصبر ، علينا أن نشعر ببعضنا البعض ونتفقد الآخرين، شعبنا معروف بالكرامة وأن الواحد منا من الممكن أن يجوع بدون أن يطلب المساعدة، رسالة لتجار الأزمات با٨ن يحسوا بالناس و ( بلاش ناكل بعض)،، نعم للحياة نعم للسلام.
الوسومالبلابسة السلام فدوي فريد فنانة لا الحربالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: البلابسة السلام فنانة لا الحرب
إقرأ أيضاً:
الحرب في السودان: تعزيز فرص الحل السياسي في ظل فشل المجتمع الدولي
بروفيسور حسن بشير محمد نور
نعم، أزمة التهجير القسري والنزوح التي يشهدها السودان هي الاسوأ في العالم، كما ان الانتهكات والجرائم المرتكبة هي الاشد قسوة وبشاعة من نوعها، خاصة في صراع بين أطراف تنتمي لنفس البلد، هذا بالطبع إذا استثنينا الأبادة الجماعية التي تقوم بها اس رائ يل ضد الشعب الف ل سطي ني في الاراضي المحتلة والدمار الممنهج في لبنان (وهذا بالطبع لا يحتاج لتأكيد وزير الخارجية البريطاني، لانه وحسب المثل السوداني "ما حك جلدك مثل ظفرك"). الصراع بين القوى الكبرى في العالم لا يعرف الرحمة ولا يعبأ بمصالح الشعوب، خاصة مثل الشعب السوداني المغلوب علي أمره المبتلى بحكام و(قادة) لا يتمتعون بأي درجة من الرشد وإلا لما تسببوا في أزمة توصف بأنها الاسوأ في العالم.
سبق ان نبهنا مع غيرنا بأن الانقسام بين الاقطاب الكبرى في العالم لا يسمح بتمرير قرارات عبر مجلس الامن، وان الدعوات للتدخل الاممي هي صرخات في (وادي عبقر), كما ان مثل هذا التدخل يجد معارضة لا بأس بها، ليس فقط من الأطراف المؤيدة للحرب في السودان، وانما من قوى سياسية واجتماعية مؤثرة. في هذا الاطار يأتي (الفيتو) الروسي ضد مشروع القرار البريطاني حول السودان في مجلس الامن يوم الاثنين 18 نوفمبر 2024. وهو موقف متوقع من روسيا بحكم العداء المستفحل والتاريخي بين روسيا وبريطانيا، الذي اشتد منذ ان اعلن ونستون تشرشل صيحته حول الجدار الحديدي (ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي) وتدشينه للحرب الباردة مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية. يظهر ذلك العداء بجلاء في اشعال الحرب في اوكرانيا وتأجيجها والدفع بها نحو منزلق خطير يبشر بيوم قيامة قريب ينهي العالم الذي نعيش فيه، ذلك لسبب بسيط هو ان هذه اللعبة الخطرة تتم ضد دولة تمتلك اكبر ترسانة نووية في العالم من حيث الكم والنوع، فاذا كنت تلعب بالنار بين براميل من البارود شديد الانفجار فإن (لفيتو) يعتبر نثارة ثانوية باردة.
يضاف لذلك ان روسيا لن تنسي خديعة القرار الاممي الذي وافقت عليه بشأن ليبيا، والذي كان في ظاهره يهدف لحماية المدنيين وقام حلف التاتو باستغلاله ثم (حدث ما حدث في ليبيا) ونتائجه ماثلة أمام العالم. يبقى إذن، اذا إراد (الغرب الاستعماري الجماعي حسب وصف الدبلوماسية الروسية)، فيما نرى أن يتدخل في الصراع السوداني فعليه اتباع نهح ما حدث في العراق وافغانستان (وهذا انتهي بالهروب الكبير لجيش بادن العظيم مسلما مفاتيح كابول لطالبان بعد عشرين عاما من التدخل العسكري المباشر) ويوغوسلافيا السابقة، ذلك النهج الذي تم خارج (الشرعية الدولية) وبالتالي علي من يفعل ذلك تحمل العواقب لوحده، دون الاستناد علي قرار اممي يظهر غير ما يبطن حسب فهم الكثيرين من غير المستندين لحلم ان (المجتمع الدولي) بالشعوب (رؤوف رحيم).
في ظل الصراع الوجودي بين روسيا و(الغرب الجماعي) لن يمر قرار عبر مجلس الامن بسهولة، خاصة اذا كان يحمل طابعا لتدخل خارجي قد يؤدي لفرض نظام معين. في هذا السياق من المفهوم ان أي تحول يؤدي الي وصول حكم (مدني ديمقراطي) بدعم غربي في السودان سيجعل من هذه البلاد في شراكة طويلة الامد مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة، بريطانيا والاتحاد الاوربي، وان أي نظام شمولي او انقلابي سيكون مقاطعا من (الغرب الجماعي) وسيتوجه لا مناص نحو روسيا والصين. هذه معادلة بسيطة ليس من الصعب فهمها ووضعها في الحسبان في التعامل مع (المجتمع الدولي).
أما فيما يتعلق بازمة التهجير والنزوح والانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين فيمكن التذكيرببعض الاثار المترتبة عليها ومالاتها وما يمكن فعله مع فشل العالم بوضعه الراهن في معالجة مثل هذه الازمات الكبرى،علما باننا قد تطرقنا بشكل متواصل للتكاليف الاقتصادية والاجتماعية للحرب واثارها، في العديد من المقالات والمشاركات منذ اشتعال هذه الحرب الكارثية. وفي رأيي ان ما يجري في السودان رغم بشاعته يعتبر متواضعا قي المنظور العالمي مع خطر وقوف عالم اليوم علي حافة حرب عالمية نووية لم يشهد العالم لها مثيل، ولن يشهده مرة اخرى بالطبع في حالة اندلاعها.
ما يجري في السودان له اثار بالغة الخطورة اقتصاديا واجتماعيا وديمغرافيا، أهم مظاهر ذلك باختصار هي:
اقتصاديا: تدهور قطاعات الانتاج الحقيقي في الزراعة والصناعة والخدمات المنتجة، تأثر البنية التحتية وتدمير معظمها وهي بنية متواضعة بدون حرب، فقدان مصادر الدخل وتفشي البطالة، التراجع الخطير للايرادات الحكومية، وقد فصلنا في تلك الموضوعات ووضحنا اثرها علي مجمل النشاط الاقتصادي وعلي المؤشرات الاقتصادية الكلية.
اجتماعيا: الاثار علي الخدمات العامة خاصة الصحة والتعليم ومن نتائجها توطين الاوبئة، الاصابات والاعاقات الجسدية والنفسية، أضافة لتعطل الدراسة لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، وفقدان التمدرس لملاين الاطفال السودانيين وبطالة الخريجين ونزيف العقول.
ديمغرافيا يؤدي التهجير القسري والنزوح الجماعي الي تغيير التركيبة الديمغرافية للباد، خاصة وان التهجير لم يقتصر علي العاصمة والمدن فقط وانما شمل مناطق ريفية واسعة، كما جرى مؤخرا في ولاية الجزيرة. اتجه معظم النازحين الي مناطق حضرية مما ادي لاختلال كبير في التوزيع السكاني والضغط علي الموارد والخدمات اضافة لمشاكل الاكتظاظ السكاني.
سيؤدي كل ذلك لاثار خطيرة علي النشاط الاقتصادي بانهيار القطاعات الانتاجية الرئيسية وسيادة الريعية الاقتصادية والانتاج المعيشي والقطاع غير الرسمي. كما سيؤدي ذلك لتدهور الاستقرار النقدي وانهيار الثقة في النظام المصرفي وتراجع سعر الصرف والقوة الشرائية. كل ذلك سيفاقم معدلات الفقر والبطالة والاخلال الخطير بالامن الاجتماعي لامد طويل.
في ظروف الخلاف الحاد في المجتمع الدولي لابد من العمل في رأينا في عدة اتجاهات منها:
• علي القوى الوطنية العمل بشكل جماعي او حتي بمكونات منفردة علي تعزيز فرص الحل السياسي للازمة وتفعيل دور المجتمع المدني والمجتمعات المحلية، بدلا عن الركض خلف سراب المجتمع الدولي او حتي الاقليمي وذلك يتضمن عدد من الخطط والبرامج الاجراءات الهادفة الي:
- التركيز علي بناء مشروع وطني جامع لدولة المواطنة السودانية القائمة علي الحرية والسلام والعدالة والتنمية المتوازنة ووضع تصور واضح للحل السياسي علي هذا الاساس. وبالتأكيد هذا المشروع يصطدم بالصراع علي السلطة وطموح الاطراف المتحاربة، اضافة لعقبة تحقيق المحاسبة وعدم الافلات من العقاب، وهنا تبدو قضية شائكة.
- وضع استراتيجيات تنموية لما بعد الحرب تشمل اعادة الاعمار، اعادة بناء البنية التحتية والانتاجية والتأسيس لنظام عادل لقسمة الموارد. هذا يمكن ان يكون مشجعا لدمج بعض الاطراف في جهود الحل خاصة حركات الكفاح المسلح غير المنخرطة في الحرب بين الجيش والدعم السريع.
- العمل علي تعبئة واستقطاب الموارد المحلية والخارجية لاعادة بناء المناطق المتضررة واعادة التوطين وتوجيه الموارد نحو المناطق الريفية والتنمية المحلية لتخفيف الضغط علي الحضر.
- تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص في برامج اعادة الاعمار
- وضع برامج عملية للتعامل مع التحديات الصحية وايجاد برامج لرعاية المصابين جسديا ونفسيا واعادة تأهيلهم ورعايتهم
- العمل علي ايجاد بدائل للتعليم الرسمي خاصة في مناطق النزوح مع الغياب لدور الولة او الدعم الدولي الفعال.
بالتأكيد كل ذلك لا يعني اغفال الضغط علي المجتمع الدولي والاقليمي، في ايجاد حلول سلمية لهذا النزاع الذي يتسع نطاقه ليصبح تهديا علي المستوى الاقليمي والدولي. وبما ان هذه الحرب تمثل تحديا وجوديا يهدد وجود الدولة السودانية ومستقبل الاجيال المقبلة فان الوضع يتطلب طرق جميع السبل للضغط والتدخل، حتي اذا تم ذلك خارج الاطر التقليدية لعمل الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي. وقد يكون من المفيد تفعيل اليات مجلس السلم والامن الافريقي، بحكم انه يمكن ان يكون منظمة اقليمية تحظي بقبول واسع بما في ذلك الصين وروسيا، مما يمكن من ايجاد وسائل واليات عملية للدفع نحو الحل السياسي للنزاع.
mnhassanb8@gmail.com